كي يروا بعضهم.. شرط الحرية
عبد الله المطيري
في ظل هروب الحرية واختفائها من المجال العام في بلد ما فإن الرؤية تنخفض بشكل كبير جداً لدرجة أن الإنسان لا يرى الآخرين من حوله بل لا يرى نفسه ذاتها باعتبار أن الحرية هي الشرط الذي يجب أن يتوفر كي نرى بعضنا البعض. للأسف أن المساحة التي يعبّر الإنسان فيها عن نفسه هي مساحة محكومة بقانون عام تاريخياً غابت عنه الحرية كثيراً..
مسرحنا، حياتنا العامة، هو مسرح الأقنعة والستر والإخفاء إنه مسرح منخفض الإضاءة إلى حد كبير ووحدها الحرية يمكن أن تمثل الإضاءة التي تكشف أن الأقنعة متشابهة وأن الاختلاف غير موجود، أي أن الأفراد غير موجودين، وحدها الحرية تستطيع أن ترفع الأقنعة لنبدأ نتعرف على بعضنا من خلال اختلافنا وتنوعنا وتعددنا. لنكتشف أننا لا نشبه بعضنا ولكننا يمكن أن نحب بعضنا ونعيش مع بعضنا.
حتى على مستوى الحراك الفكري في المجتمع، فإذا لم تكن التيارات والتوجهات الفكرية تتمتع بأجواء من الحرية العالية فإنها لن تعبّر عن حقيقتها وبالتالي ستبقى غير حقيقية ولن تستطيع التيارات الفكرية التواصل مع بعضها تواصلا حقيقيا بدون أن تشعر بأنها حرة وتستطيع أن تعبّر عن نفسها بدون خوف.
إذا كان الأفراد يمرضون فإن المجتمعات بكاملها تمرض أيضا والعلاقة بين الأمرين متبادلة، فمرض الأفراد ينتج مرض المجتمع والمجتمع المريض ينتج باستمرار أفرادا يحملون نفس المرض. ومشكلة مرض المجتمع أنه يصبح هو الوضع الطبيعي ويكفّ الغالبية عن الوعي بأنه مرض، بل إن الأمراض قد تصبح مع الوقت تعبيراً عن الهوية والذات.
الوطن، 4/3/2009
|