|
عبدالله فراج الشريف |
الأوصياء!!
عبدالله فراج الشريف
خطأ الدعوة لإزالة الآثاراخوة لنا حماسهم للدين صور
لهم ان الدين ملك لهم وحدهم، هم الوصاة المؤهلون لحفظه
وصونه، فلا يصح ان يجتهد فيه احد الا ان كان منتسباً الى
جماعتهم وما يسيرون عليه من منهج، حتى لو كان له رأي مخالف
لما يسيرون عليه كابن حجر العسقلاني، او الامام النووي،
بل حتى ولو كان احد الائمة الاربعة كأبي حنيفة او الامام
مالك يرحمهما الله، فلا احد له اعتبار اذا اختلفوا معه،
فشعارهم ان من ليس على مذهبي ومنهجي لا علم له بالدين.
لذا تسمع احدهم يقول لمسألة للائمة الثلاثة ابو حنيفة
ومالك والشافعي قول فيها يخالف قول من يقلده، هذه مسألة
لا يخالف فيها رأينا الا من لا يعتد برأيه، ولأهل هذا
المنهج اتباع من مراهقة هذا الزمان، يسلطون على الخلق
السنتهم فلا يتركون احداً من الخلق لا يوافقهم على فكرهم
الرديء الا وهجوه باقذع ما في قاموس اللغة من فاحش القول،
مما يستخدمه السفهاء من سباب وشتائم، وبعضهم قد احترف
اللعن والدعاء على من ظنهم لمن يزعم انهم مشايخه خصوماً،
وتضيق الدائرة على اتساعها وتغلق حول هؤلاء المتعطشين
لتكفير الناس وتبديعهم وتفسيقهم، ولا يعود احد يهتم لمطلقيها
واتباعهم حدثاء الاسنان، ممن تطبق عليهم اوصاف ذكرها سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محذراً من ان يسمح
المسلمون لهم بان يفسدوا عليهم حياتهم حين قال: (يأتي
في آخر الزمان قوم حدثاء الاسنان، سفهاء الاحلام، يقولون
من قول خير البرية، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم
من الرمية) ويزداد لهم تحديداً فيقول: (لا يتجاوز الايمان
حناجرهم)، ويزيدهم وصفاً يحددهم اكثر فيذكر ان همهم في
الايذاء ينصرف الى اهل الاسلام فيقول: (يقتلون اهل الاسلام
ويدعون اهل الاوثان).
واذا تتبعت هذه الاوصاف فانك ستجدها ظاهرة في بعض الاتجاهات
والتيارات واضحة جلية، رغم انها ترفع من الشعارات ما يوهم
الناس ان همهم الدعوة للاسلام وحماية منهجه، وهم يقولون
ما لا يفعلون، فنابتة العصر منهم، اقل الناس علماً واخفهم
عقولاً اذا اصغيت الى ما يقولون سمعتهم يرددون من ايات
القرآن العظيم، واحاديث الرسول الكريم، ما لو اتبعوا ما
ترشد اليه لكانوا خير الناس واجلهم، ولكنهم كما وصفوا
يقولون من قول خير البرية، ولكنهم يأتون من الفعل ما يخرجهم
عن دائرة الاسلام.
فكل ما يذكرونه من محاسن هذا الدين الحنيف هم على ضده
يعملون، ديدنهم القدح في كل متق ربه عالم بدينه، عامل
باحكامه ما استطاع، لظنهم ان ليس في هذه الدنيا من يعلم
الدين ويتبعه سواهم، وانهم قد اوكل اليهم حماية الدين
وصيانته، وان كل من سواهم ليس على حق اصلاً، يعمد لمخالفة
الدين، مادام يختلف معهم على رؤى واجتهادات مرجعها الجهد
البشري لا الوحي، وهم كما وصفوا في الغالب حدثاء الاسنان
ليسوا ممن قد حصلوا العلم، او اوتوا من منابعه، وليس بينهم
من بلغ الدرجة العلمية التي لا يشذ معها عن العالم شاردة
او واردة من علم الشريعة، ممن ينعته العلماء بالمجتهد،
الذي له على كل ما يقول دليل صحيح لا يرد، بل هم من يعتمدون
على حفظ ما لا يفقهون من حسن كلام العلماء، ويوظفونه التوظيف
الذي يخرجه عن مراد العلماء الى ما تتوهمه اذهانهم الكليلة،
حظهم من العلم عبارات يرددونها دون ان يدركوا لها معنى،
او يفهموا لها غاية.
واذا تتبعت احوالهم بدقة رأيتهم دوماً يتوجه اذاهم
الى المسلمين، وينجو منه اعداؤهم، يثيرون الاختلاف المؤدي
الى الفرقة بين المسلمين، لا اشتغال لهم الا باختلاف يقع
بين المذاهب والطوائف، ولا يدعون قط الى ما يؤدي الى وفاق
بينهم، كل همهم ان ينتصروا لمنهج تبنوه ولو ادى ذلك الى
فرقة بين المسلمين دائمة فهم لا يهتمون لامر المسلمين
البتة ومنهم اليوم اصناف ينتشرون يتتلمذ بعضهم مختاراً
على يد من عرف منه الغلو في الدين، والشدة على الخلق،
يعظمونه ويجلونه، وينشرون ان له محاسن لا تعرف له اصلاً،
يخدعون بذلك انفسهم ويخادعون الناس، يناصرون مثل هذا ويتحلقون
حوله، حتى يقروه بنفسه، ويدفعونه الى مزيد من الانزلاق
نحو التطرف الذي لا يمكنه بعد ذلك الرجوع عنه، يضعون دوماً
على لسانه ما يريدون من الاقوال التي تؤيد منهجهم، ويبرأ
منها العقل والدين، يرتبون له اسئلة لا يكون جوابها الا
مزيداً من التطرف، ولا تدري ان كان بينهم وبينه اتفاق،
ام انه هو من خدعهم حتى ظنوا ان الهدى لا يجري الا على
لسانه لفرط ذكاء فيه، ولغباء متأصل فيهم، ام انهم اصحاب
مصالح خدعوه حتى ورطوه في ما ليس له ان يدخل فيه، فاستعصى
عليه الرجوع بعد كثرة الاخطاء.
ونحن على علم بان من البشر من طبعه التطرف في الفكر
والغلو في الدين فهو له خصصة لصيقة به، حتى انه يكره اليسر
الذي هو للدين غاية، وهذا النموذج وللاسف له رموز، لها
تأثير على بعض المراهقين، الذين تجد الواحد غير ملتزم
بادب الاسلام وقيمه، لا يحترم كبيراً ولا يوقر عالماً،
واذا اعترض على رأي لم يعجبه ولم يلقن اياه من قبل هذه
الرموز استخدم اسوأ العبارات واقذع السباب، ودعا بالثبور
وعظائم الامور، والعجيب ان من بين هؤلاء من اقنعه مشايخه
ان كل دعاء له مستجاب، فذهب يدعو على الابرياء وهو لا
يدرك ان الدعاء على مظلوم مردود على صاحبه لا يتقبله الله،
فلن يقبل الله من يدعو على انسان تصور انه يعصي الله او
انه قال غير الحق، لمجرد سوء ظن منه وسوء فهم لما يقول.
ومن هؤلاء من يحترف الكتابة في السر معلقاً على مقالات
الكتاب دون ان يتجرأ ويذكر اسمه، وله مواقف مسبقة صاغها
في عبارات يرددها كالببغاء ويجعلها في رسائل له يبعثها
عبر البريد الالكتروني للكثيرين، مرجعه في كل ما يوجهه
من اتهامات للخلق هوى النفس المضل، وجهله بالدين والدنيا
معاً، يغذيه هذا الجهل اوهاماً جنت عليه وحملته من الاثم
ما لا يطيق، وخففت عن كاهل من يذمهم ذنوبهم بما احتمله
منها، فهو دوماً متسرع في احكامه فهذا خرافي، وذلك صاحب
بدعة، وهذا عميل، وهذا فاسق وكل من يتوهم انه يختلف معه
من اهل الباطل والضلالة والبدعة، من مرضى القلوب واصحاب
السوابق والشهوات، لكنه دوماً مختف خلف جهاز يرسل من خلاله
سمومه، ولكنه يجب ان يظهر في العلن ويناقش في الضوء، فالخفافيش
والجبناء وحدهم لا يعيشون الا في الظلام، اما الاحرار
فيعشقون النور ويبثونه ليرى الاخرون الطريق السوي، الا
يدرك هؤلاء هذا؟!
هو ما نرجو والله ولي التوفيق.
عن: جريدة المدينة السعودية 13/4/2009
|