|
عبد الباري عطوان |
أخطر حرب تواجهها..
السعودية وحرب صعدة
عبد الباري عطوان
يتواصل صدور بيانات التضامن مع الحكومة السعودية (وليس
مع اليمن) في حربها ضد 'المعتدين' الحوثيين من قبل معظم
الدول العربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية في رام الله،
ولكن هذه البيانات لن يكون لها الا تأثير معنوي شكلي،
لأن أزمة المملكة العربية السعودية اعمق بكثير مما يتصوره
حلفاؤها العرب، بمن في ذلك وزراء خارجية دول مجلس التعاون
الخليجي، الذين طار بعضهم الى الدوحة (10/11/2009) لبحث
هذه الأزمة وتداعياتها.
وربما لا نبالغ اذا قلنا ان الحرب الدائرة حالياً بين
الحوثيين اليمنيين والقوات السعودية في جنوب المملكة اخطر
كثيراً من ازمة اجتياح القوات العراقية للكويت صيف عام
1990، ومن الحرب اليمنية السعودية التي اندلعت بعد ثورة
عبد الله السلال عام 1962 واطاحت بالحكم الإمامي في صنعاء،
وفتحت الباب على مصراعيه لدخول القوات المصرية في مواجهة
مع نظيرتها السعودية.
ما يميز هذه الحرب انها حرب طائفية اولاً، وسياسية
ثانياً، واجتماعية ثالثاً، ومرشحة لأن تتحول بسرعة الى
حرب اقليمية تدخل فيها اطراف عديدة تحت عناوين مختلفة،
يظل البعد الطائفي ابرزها، فالتصريحات التي ادلى بها وزير
الخارجية الايراني وقال فيها (ننصح بشدة دول المنطقة،
والدول المجاورة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن،
لأن من يختارون صب الزيت على لهب الصراع سيحترقون بنيرانه)،
هذه التصريحات التي هي بمثابة تحذير شديد اللهجة للحكومة
السعودية ليست الا مؤشرا على بدء مرحلة استقطاب طائفي
واقليمي ربما تغير شكل المنطقة وخريطتها السياسية، وتهدد
استقرارها.
* * *
عندما نقول ان هذه الحرب ربما تكون الاخطر على المملكة
من الحروب والأزمات السابقة التي واجهتها منذ تأسيسها
قبل ثمانين عاماً تقريباً، فذلك لأسباب عديدة نوجزها في
النقاط التالية:
أولا: حرصت القيادة السعودية طوال العقود الماضية على
تطبيق استراتيجية ثابتة، ملخصها اضعاف جميع القوى الاقليمية
المحيطة، وخوض حروب ضدها خارج أراضي المملكة بقدر الامكان،
وهذا ما حصل عندما حاربت الثورة الناصرية على أرض اليمن،
والثورة الخمينية على أرض العراق، من خلال التحالف مع
النظام العراقي السابق وتحريضه على خوض حرب استغرقت ثماني
سنوات، انتهت بإضعاف البلدين معاً، واخيراً استخدام خطأ
اجتياح الكويت لتدمير القوة الاقليمية العراقية المتنامية.
الحرب الحوثية الحالية تدور حالياً على جزء من أرض
المملكة، يعتبر الاكثر وعورة، وفي مناطق تعاني من الاهمال
وضعف التنمية، وتضم نسبة كبيرة من السكان اتباع المذهب
الاسماعيلي الشيعي غير المعترف به من قبل المؤسسة الدينية
الوهابية المتحالفة مع النظام السعودي.
ثانياً: يوجد داخل المملكة اكثر من مليون يمني، بعضهم
يحملون الجنسية السعودية، والبعض الآخر ما زال محتفظاً
بجنسيته اليمنية، وبعض هؤلاء يؤيد الحوثيين، ويمكن ان
يشكل على المدى المتوسط، تهديداً للأمن الداخلي.
ثالثاً: الحدود السعودية اليمنية تمتد لأكثر من 1500
كيلومتر، اما الحدود اليمنية على البحر الاحمر الممتدة
من عدن الى صعدة فتصل الى حوالى 400 كيلومتر. ومعظم هذه
الحدود غير مسيطر عليها بسبب ضعف امكانيات الحكومة اليمنية،
مما يجعل عمليات التهريب للاسلحة والبشر ميسّرة للغاية،
خاصة عبر سواحل البحر الاحمر. وعلينا ان نتذكر ان اريتريا
التي يقال انها باتت قاعدة لتهريب اسلحة الى الحوثيين،
استطاعت احتلال جزر حنيش اليمنية قبل عشر سنوات بقاربين
مسلحين فقط، بسبب ضعف سلاح البحرية اليمني.
رابعاً: تثبيت استقرار المملكة من خلال الحفاظ على
أمنها الداخلي، هو ابرز انجازات الاسرة الحاكمة، واهتزاز
هذا الامن، جزئياً على الأقل، من خلال حرب استنزاف طويلة
في الجنوب، ربما يؤدي الى اضعاف النظام، خاصة اذا استغل
تنظيم (القاعدة) الذي بدأ يكثف وجوده في اليمن، الفوضى
الحدودية لإحياء ومن ثم تعزيز وجوده، داخل المملكة، واستئناف
هجماته ضد اهداف حيوية، مثلما كان عليه الحال قبل خمس
سنوات.
خامساً: من المفارقة ان السلطات السعودية ومن خلال
(اللجنة الخاصة) التي انشأتها للتعاطي مع الملف اليمني
منذ (ثورة السلال)، برئاسة الامير سلطان بن عبد العزيز
ولي العهد، استخدمت سلاح المال لشراء ولاء شيوخ قبائل
المناطق الحدودية الذين انقلب معظمهم عليها الان، واضعاف
الحكومة المركزية في صنعاء حليفتها الحالية، وارتكبت خطأ
استراتيجيا اكبر عندما دعمت حرب الانفصال عام 1994 بقوة،
فوضعت اللبنة الاولى لتحويل اليمن الى دولة فاشلة، تواجه
حراكا انفصاليا في الجنوب، وحربا حوثية في الشمال، وأنشطة
داخلية متصاعدة لتنظيم (القاعدة).
* * *
عندما شكلت الثورة الخمينية تهديدا وجوديا للمملكة
ودول الخليج الاخرى، وجدت القيادة السعودية في الرئيس
العراقي صدام حسين ونظامه سندا قويا للتصدي لها، ومنع
وصولها الى الساحل الغربي للخليج العربي، وعندما اجتاحت
القوات العراقية الكويت، استغاثت بالولايات المتحدة وقواتها
لاخراجه منها، وانهاء الخطر الصدامي نهائيا بغزو العراق
واحتلاله لاحقاً، والى جانب ذلك كان مجلس التعاون الخليجي
موحدا خلفها في الحربين ضد العراق وضد ايران.
الصورة الان تبدو مختلفة كثيرا، فصدام حسين ليس موجودا،
والقوات الامريكية مشغولة في حربين دمويتين خاسرتين في
افغانستان والعراق، اما مجلس التعاون الخليجي فلم يعد
موحدا بالقدر الكافي خلف المملكة في حربها هذه.
السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان حرص على زيارة طهران
قبل شهرين لتأكيد تضامنه مع رئيسها احمدي نجاد والمرشد
الاعلى للثورة السيد علي خامنئي، بعد اخماد ثورة الاصلاحيين
مباشرة. والعلاقات السعودية ـ الاماراتية متوترة منذ الخلاف
بين البلدين على شريط العديد البحري، وكيفية تقسيم انتاج
حقل الشيبة النفطي. وزاد هذا التوتر اخيرا على ارضية رفض
السعودية طلبا اماراتيا باستضافة مقر البنك المركزي الخليجي
الموحد في ابوظبي، وانعكس في اغلاق الحدود لعدة اسابيع،
ومنع الاماراتيين من دخول المملكة بالبطاقة الشخصية. ولوحظ
ان الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الامارات لم يكن
بين زملائه الخليجيين الذين شاركوا في اجتماع الدوحة التضامني.
اما العلاقة ما بين المملكة وقطر فتبدو غامضة، رغم ما
هو ظاهر على السطح حاليا من زيارات ومجاملات. فالسلطات
القطرية تضع رجلا في طهران واخرى في الرياض. اما الكويت
فمشغولة بأزمتها الداخلية، والفتنة الطائفية التي حذر
منها أميرها ما زالت تحت الرماد، والشيء نفسه يقال عن
البحرين ايضاً.
نخلص الى القول من كل ما تقدم ان المملكة العربية السعودية
وقعت في مصيدة طائفية وعسكرية على درجة كبيرة من الخطورة،
او اثارت على نفسها (عش دبابير) طائفيا قد يصعب الفكاك
من لسعاته القاتلة، رغم التفوق الكبير في ميزان القوى
لصالحها. وعلينا ان نتذكر ان القوة العسكرية الامريكية
الجبارة اطاحت نظامي صدام وطالبان، ولكنها تترنح في حرب
الميليشيات التي انفجرت بعد ذلك.
اذا صحت التقارير التي تقول ان ايران تدعم التمرد الحوثي
بالمال والسلاح، فان هذا يعني اننا امام مثلث جديد ربما
يشكل عناوين المرحلة المقبلة، اضلاع هذا المثلث حركة حماس
في امارة قطاع غزة، وحزب الله في امارة جنوب لبنان، والحوثيون
في امارة صعدة، القاسم المشترك لهذا المثلث هو الصواريخ
الإيرانية والعداء لامريكا واسرائيل ودول الاعتدال العربية.
قتل المشروع النهضوي العربي لصالح الهيمنة الامريكية،
ومهادنة اسرائيل من خلال تبني خيار السلام كخيار وحيد،
وتدمير العراق، واضعاف اليمن وحرمانه من الاستثمارات مثل
دول عربية فقيرة عديدة، كلها عوامل ادت الى خلق هذه التطورات
المزعجة التي قد تحوّل المنطقة العربية كلها الى دول فاشلة.
عن القدس العربي، 11/11/2009
|