|
هل سحب عبدالله تفويضه عن
الحريري |
السعودية تسحب تفويضها
ساطع نور الدين
ليس هناك من لغز سوى الموقف السعودي الذي طالما كان
محيراً، وغالباً ما كان يستمد قوته من غموضه، الذي يتعارض
مع تقاليد لبنانية عريقة لا تعترف بالاسرار ولا بامانة
المجالس والدواوين، وتمضي هذه الايام الى حد التكهن في
ان تجربة سعودية مؤثرة في لبنان بدأت في مطلع ثمانينيات
القرن الماضي هي الآن على وشك الافول والخروج من تلك الجبهة
التي خاضت من خلالها الرياض واحدة من اهم معاركها السياسية
على مدى العقود الثلاثة الماضية.
في ذلك الوقت، قرر الملك السعودي الراحل فهد بن عبد
العزيز، ايفاد رجل اعمال ناجح ورجل سياسة مبتدئ يحمل الجنسيتين
السعودية واللبنانية، هو الراحل رفيق الحريري، لاختبار
شكل جديد من التعامل مع المسألة اللبنانية التي كانت تشهد
زوال وجود منظمة التحرير الفلسطينية وظهور طلائع الثورة
الإيرانية وتراجع الحضور المسيحي وتفككه، مع علامات على
استعداد شعبي عام لإنهاء الحرب الأهلية والعودة الى الحياة
الطبيعية او ما يشبهها.. وهي مهمة أداها الحريري بكفاءة
عالية ومشقة فائقة، وكان يتنقل بين السلطة والمعارضة مثلما
يتنقل الجندي في حقول الغام، الى ان انفجر به لغم ضخم،
لم يدرك كثيرون من اللبنانيين انه كان يستهدف ذلك الدور
السعودي بالتحديد، وسلمت الرياض بمشيئة القدر الذي لم
يجر التسليم به حتى الآن في بيروت ولم يتم التكيف مع تبعاته
القاسية.
ربما من السابق لأوانه التقدير بان الملك السعودي الحالي
عبد الله بن عبد العزيز اتخذ مؤخراً، وبالتحديد في قمة
الكويت العربية الاقتصادية الشهيرة، قراراً بالرجوع عن
ذلك التكليف القديم الذي اصدره اخوه الراحل، على الرغم
من ان كل الدلائل تقود الى ذلك الاستنتاج وتوحي بان الرياض
عزمت على الكف عن الخضوع لذلك الاختبار اللبناني اليومي
المنهك والتوجه نحو دول وشعوب وجبهات عربية واسلامية جدية
تستطيع السعودية ان تؤثر فيها وتحدث الفارق الذي تطمح
اليه من دون ان تتعرض لأي منافسة او تحد، ولا حتى لأي
تهديد لصورتها وموقعها العربي والاسلامي.
التحليل السائد الذي يطمح الى تفكيك اللغز السعودي
المحير هو ان الرياض لا تستطيع ولا تريد ان تنفض يدها
من لبنان وان تتركه لاعدائها وخصومها، ما يعني إخلالاً
بالتوازن السياسي والطائفي والمذهبي الذي لا يمكن ان تعدله
القاهرة او عمان او اي دولة عربية اخرى.. لكنها فقط تسحب
التفويض للبيت السياسي اللبناني الذي أنشأته ورعته وحمته
منذ مطلع الثمانينيات، والذي زاره الملك عبد الله الشهر
الماضي مجاملاً، من دون ان يضمن عدم تعرّضه للحملات التي
تمس اليوم مغزاه السياسي الوحيد، وتمثيله الشعبي الذي
بلغ في اعقاب انفجار «اللغم» المعروف في شباط العام 2005
ذروة لم يسبق لها مثيل.
الشائع الآن هو ان الملك عبد الله ارسل سعد الحريري
الى دمشق لكي يصالح ولكي ينتقل منها الى بيروت، على غرار
ما فعل والده، لكن من دون تكليف محدد ومن دون كلمة سر
واضحة، ومن دون تقدير لاختلاف الزمن الذي يمكن ان تكون
عواقبه وخيمة.
عن: السفير، 20/9/2010
|