سياسة أميركا في السعودية
ديمقراطية بدون (سلفيين)
واحدة من مشاكل السياسة الخارجية الأميركية أنها في مسلكها
السياسي بعيدة كل البعد عمّا تدّعي حمله من قيم الديمقراطية واحترام
حقوق الإنسان. وقد انغمست تلك السياسة ولعقود طويلة ولاتزال في دعم
أنظمة العسكر والأنظمة التسلطية المستهترة بحياة شعوبها، وهي بهذا
رجّحت مصالحها المادية المنظورة التي كانت تستوفيها من هذه الأنظمة
بصورة غير شرعية، وجعلت من الشعوب (الضحيّة) تصل الى قناعة مفادها
بأن أميركا عدوّة لتطلعات الشعوب وحرياتها وحقّها في التقدّم
الإقتصادي والرفاه الإجتماعي.
بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، وانتشار (الموضة) الديمقراطية في كل
أنحاء العالم، ظهر وكأن العالم العربي غير معني بما يجري. قيل في
تبرير ذلك أن الحركة الشعبية المطالبة باصلاح السياسي كانت جنينية
وأن النخب العربية فاشلة وفاسدة. وقيل أن العالم العربي يعيش حالة
عبّر عنها الدكتور غسان سلامة بأنها (ديمقراطية بلا ديمقراطيين)،
وقيل أن الشروط الموضوعية لنمو الديمقراطية في العالم العربي لم
تستوفى بعد، وغير ذلك من التبريرات التي تقترب وتبتعد عن التحليل
الواقعي للمشكلة.
من الواضح أن طبيعة الأنظمة السياسية العربية ودعم الغرب لها كان
واحداً من الأسباب الرئيسية المعوقة لظهور نظم عربية تقترب من الحس
الشعبي وتلبي الحدود الدنيا من مطالبه. وظهر خلال فترة التسعينيات من
القرن الماضي أن الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص يمكن أن
تدعو الى الديمقراطية في كل الكون إلاّ في العالمين العربي
والإسلامي. الفلسفة وراء هذا هو أن الديمقراطية ستأتي بالإسلاميين،
وذلك حسب التجارب الأوليّة التي ظهرت وتمّ التنكّر لها أو لبعضها.
ابتدع الأميركيون أمراً آخر. قالوا بأن الإسلاميين سيفشلون إذا ما
قامت مؤسسات المجتمع المدني أولاً.. وشجّعوا ذلك بشكل كبير خاصة في
المغرب ومصر، ولكن أيّاً من توقعاتهم لم تحدث، بل على العكس. ووقف
الأميركيون حائرين الى أن جاءت أحداث سبتمبر 2001، فأعادوا النظر من
جديد بشأن مشاريعهم في العالم العربي.
فيما يتعلق بالسعودية، فإن الأميركيين ـ حتى مع عدم وجود حركة
سياسية دينية ناشطة ـ اعتقدوا في بداية التسعينيات أواخر عهد جورج
بوش الأب وبداية عهد كلينتون أن المصالح الأميركية في السعودية ستكون
في المدى المنظور مضمونة بيد العائلة المالكة، وإن الضغط على الأخيرة
لإصلاح الوضع السياسي لم يحن وقته، خاصة وأن الظرف المحلّي لم ينضج،
وقد يؤدي الضغط الى الإساءة للعلاقة بين الطرفين وقد يحمل معه إن
تحقق عناصر غير مرغوب فيها الى دائرة صناعة القرار قد تتنكر وتعمل
على الإضرار بالمصالح الأميركية.
إذن.. فليستمر الدعم للعائلة السعودية المالكة. وليتمّ التغاضي عن
القمع والفساد الداخليين.
وجاء ابن لادن ليفجّر الوضع. وليفجّر العلاقة بين الطرفين: أميركا
وآل سعود.
فجأة نسمع من الأميركيين أن آل سعود لم يكونوا ديمقراطيين!
وفاسدين! وأن الملك فهد حاكم غير منتخب! فهل كان ذلك اكتشافاً
جديداً؟!
نظرت أميركا الى الحادثة كتهديد لمصالحها الآنية والمستقبلية
بعيدة المدى. فأخرجت من أكمامها حلاً سحرياً: عصا للتهديد بإسقاط
العائلة المالكة وتقسيم المملكة، إن لم تقم بتهذيب نفسها وضرب التيار
السلفي ـ حليفها بانتزاع صلاحياته في التعليم والقضاء والرقابة وغير
ذلك.. وأجواء انفتاح سياسي تقضي على شحنات العنف الداخلي أو المعدّ
للتصدير الى الخارج.
بكلمة أخرى، تريد الولايات المتحدة من العائلة المالكة بشكل أساسي
أن تمعن في استخدام القمع والعنف وسياسات العزل والإقصاء ضد الجهات
المعادية لها او المتناقضة مع مصالحها وهي تشمل طيفاً واسعاً من
الشرائح الإجتماعية، ويتزامن هذا العمل مع توسيع إطار المشاركة
الشعبية وفق المقاييس الأميركية. فالمطلوب ديمقراطية على المقاس
الأميركي. ديمقراطية تقصي وحرية يستمتع بها البعض دون الآخر، وكل ذلك
يجري في إطار الحفاظ على المصالح الأميركية. إذ من غير المعقول أن
تقبل أميركا ديمقراطية تعبّر بصدق عن الشارع العربي أو السعودي، الذي
لا يخفي عداءه للسياسات الأميركية الخارجية خاصة فيما يتعلق بالمملكة
وفلسطين والعراق وغيرها.
أمران أحلاهما مرَ، ويصعب الجمع بينهما: إمّا الديمقراطية التي
تعني استمراراً للمصالح الأميركية ـ السعودية المشتركة وفق نسق مختلف
عمّا فعلته العائلة المالكة، أي وفق المصالح المتوازنة للطرفين، أو
استمرار استبداد العائلة المالكة الذي لا يضمن تلك المصالح على المدى
البعيد ويفرّخ العنف والتطرّف ضد المصالح الأميركية. أما إبقاء
منظومة المصالح والسرقات الأميركية على أسس ديمقراطية مشوّهة
وإصلاحات شكلية تستند الى الإقصاء وممتزجة بالقمع للآخر المختلف، فإن
ذلك لن يؤدي إلا الى زيادة المرارة في النفوس وتفجرها على أرض
المملكة وخارجها. |