السعودية في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين:
صراعات داخلية ومشاكل أقتصادية
في تقريرها الصادر هذا العام 2002، كتبت شركة التمويل النفطي في
واشنطن عن التحديات التي تواجه السعودية في القرن الحادي والعشرين،
مستهدفة رسم صورة الوضع السياسي المستقبلي والمخاطر التي تواجه
مشاريع الاستثمار وتحديداً النفطي منها.
يستهل التقرير بتسليط الضوء على صناعة القرار داخل العائلة
المالكة، فيرى بأن اللائمة بخصوص التغيرات الحاصلة حديثاً في السياسة
الخارجية السعودية تلقى على كاهل ولي العهد السعودي الامير عبد الله
شخصياً. فالاخير يمثل حالة مختلفة عن الملوك السعوديين. فهو ليس
معروفاً عنه علاقته بالنساء او شرب الخمر، ولكنه يدخن ثلاثة علب
سجائر يومياً. وبحسب الانطباع العام فإنه يعيش حياة بسيطة ويتحدث
بصورة ودية متواضعة.
وبحسب الوضع الحالي، فإن الامير عبد الله هو الملك الفعلي
باستثناء الصفة والتي تؤثر في عدد قليل من الوثائق الرئيسية. فمعظم
السلطات عهدت اليه من اخيه الملك الحالي الذي يعاني من آثار الجلطة.
وبحسب الوضع الحالي، فإن الامير عبد الله هو الملك الفعلي باستثناء
الصفة والتي تؤثر في عدد قليل من الوثائق الرئيسية. فمعظم السلطات
عهدت اليه من اخيه الملك الحالي الذي يعاني من آثار الجلطة.
وعلى أية حال، فان عبدالله يلخص بعض التحولات الجديدة في السياسة
السعودية ولكن ليس وحده المسؤول عنها. ففي حالة السعودية فإن الملك
يملك الكلمة الاخيرة بين كافة الاصوات، بينما تتقاسم العائلة المالكة
عبء الحكومة، وينسق الامير عبد الله مع اخوانه في صناعة القرارات،
ولدى اخوانه مجالات خاصة للتنافس والصلاحيات الشخصية التي تعتبر
سيادية ولا سيما في الاجهزة الواقعة تحت ادارتهم.
ويحظى الامير عبد الله بقبول زعماء القبائل الذين ينظرون اليه
باعتباره رجلاً مثالياً معضوداً برئاسته للحرس الوطني المؤلف غالباً
من رجال القبائل الرئيسية، وبما يمثل قوة منافسة للجيش. كما ينفرد
الامير عبد الله بعلاقاته مع القوميين العرب وهذا ما تعكسه افكاره
المتعاطفة مع القضايا القومية، فقد كان يمثل حلقة الوصل الرئيسية بين
المملكة ونظام البعث في سوريا.
ومهما يكن، فإن ابناء الملك عبد العزيز المؤسس للدولة السعودية
يملكون صوتاً في شؤون الدولة وان كان بعض الاصوات أعلى من غيرها.
فالقرارات الرئيسية تختص بالاعضاء الكبار في العائلة المالكة الذين
يسيطرون على كل جوانب الحكم وهناك لاعبون آخرون في السياسة السعودية
من العائلة ولكن ادوارهم تعد ثانوية.
اما الاجنحة الرئيسية داخل العائلة المالكة والتي تتقاسم حالياً
السلطة فهي آل فيصل ممثلين في خالد الفيصل أمير عسير وسعود الفيصل
وزير الخارجية وتركي الفيصل (رئيس الاستخبارات العامة سابقاً).
وهناك الجناح السديري، ولاسيما آل فهد والاخوة الاشقاء الستة
(ويطلق عليهم احياناً اسم آل فهد) وابنائهم. ويعتبر الملك فهد من
أطول الملوك السعوديين عمراً في السلطة كما أن أخوانه من اكثر
المحتفظين بمناصبهم من الناحية الزمنية، ويشمل ذلك الامير نايف وزير
الداخلية والامير سلطان وزير الدفاع والامير سلمان امير الرياض،
ويحتل عبد الرحمن وأحمد مناصب عليا في وزارتي الدفاع والداخلية بينما
تحوّل تركي بن عبد العزيز الى رجل اعمال وقد أبعد عن وزارة الدفاع في
السبعينيات.
وتبرز دائماً في ظل هذا التشابك في العائلة المالكة والصراع الخفي
بين أجنحة الحكم مسألة الخلافة، فبينما يتوقع ان يبقى خطّا آل فيصل
وآل فهد في الحكم، سيكون الملك القادم الامير عبد الله مقيداً بهذين
الخطين. وعلى أية حال فإن الامور ليست بهذه السهولة، فنظام قبلي
وراثي كالذي في السعودية يحمل في داخله مفاجآت غير متوقعة، فقد حدث
في عوائل حكم تقليدية ان قضى ولد على والده وأخ على أخيه من أجل
السيطرة على الحكم.
فهناك ثمة عوامل تسهم في تصعيد مشكلة الحكم ما بعد الملك فهد
منها: أن الملك مازال محصوراً في أبناء الملك عبد العزيز البالغ
عددهم 44 ابناً ومن المقرر زمنياً دخول أحفاد عبد العزيز في لعبة
السلطة، فأولاد عبد العزيز يزحفون نحو آجالهم الطبيعية. وهناك عامل
السيطرة السديرية وهذا الجناح يكاد يستأثر بالحصة الاكبر من السلطة
ومن الصعب على ولي العهد في حال كهذه ان يمارس سلطاته كملك ما لم
يجرٍ تكسير السلطة الحالية الى أجزاء. وهناك صعود الخطوط الملكية
الاخرى فحصر الوراثة في ابناء عبد العزيز لا يعتبر استراتيجية حيوية
على المدى الطويل، فابناء الفروع العائلية الاخرى في آل سعود يتطلعون
للعب دور في السلطة القادمة وايضاً في الثروة وهذا سيؤثر بلا شك على
لعبة التحالفات داخل العائلة المالكة.
ويفرد التقرير قسماً خاصاً لقراءة دور القبيلة والدين والمذهب ضمن
قائمة التحديات التي تواجه السعودية في القرن الحادي والعشرين، فقوة
آل سعود نابعة، كما يشير التقرير بصورة دقيقة ومحددة، من الانقسام
الداخلي الكبير والذي يعني افتقار السكان الى قاعدة مشتركة للتنظيم
والاجتماع، ويرى التقرير بأن ليس هناك شيئاً يطلق عليه ''المجتمع''
السعودي، فهناك مجتمعات متعددة تحت حكم آل سعود. ويسوق التقرير أمثلة
على هذه التعددية من منظور مناطقي: نجد بما تمثل حاضنة للعائلة
المالكة، ولأتباع المذهب الوهابي وهكذا بعض القبائل البارزة الحليفة
للعائلة المالكة.
وهناك الحجاز بثقله الديني والتاريخي وتراثه الثقافي والاجتماعي
غير المتناغم مع نجد. وحسب التقرير فإن الحجازيين ينظرون الى
النجديين باعتبارهم متوحشين فمازالوا يتذكرون ما جرى عليهم في
العشرينات إبان الغزو السعودي ـ الوهابي. فقبل الغزو كانت للحجازيين
دولتهم الخاصة والتي كانت تتمتع بمدارس أفضل وثراء أقوى وبيروقراطية
أمهر مما قام به النجديون، وهذا ما ألهب نزعة الانفصال لديهم في
الثلاثينات. يضاف الى ذلك عسير وما عانته من تهميش اقتصادي وسياسي
والحال نفسه بالنسبة للشيعة في المنطقة الشرقية.
فهذا التباين يبقى دائماً محكوماً الى نفس المنطق: فرق تسد.
فالانقسامات بين الوهابيين وغير الوهابيين، والسنة والشيعة،
والنجديين والحجازيين، والبدو والحضر تعني بأن العائلة الحاكمة لن
تقلق بشأن ثورة وطنية، فأسوأ ما سيقع هو تحديات جزئية وفي الغالب
محلية أي مناطقية.
وتحت عنوان (سياسة الدين) يؤكد التقرير على دور الدين كفاعل رئيسي
في السياسة السعودية. فالتوسل بالدين كان دائماً سلاحاً ذا حدين
بالنسبة لآل سعود، فهو يدعم سلطتهم ويهددها في نفس الوقت. وهذا ما
يجري بالنسبة لحليفهم التاريخي الوهابيين الذين يوفرون مصدر
المشروعية للحكومة السعودية، وفي ذات الوقت يمثلون تهديداً خطيراً
لسلطانها حالياً. وهناك ثمة تهديد جديد يفرضه عدد من القوى الدينية
ممثلة في:
1 ـ العلماء الشباب وهذا ظهر منذ عام 1993 في منطقة القصيم التي
تعتبر مصدراً لظهور العلماء الموالين للسلطة.
2 ـ الافغان العرب من السعوديين الذي حاربوا في افغانستان ابان
الغزو السوفيتي. فكثير من العائدين الى السعودية من هؤلاء قد شكلوا
قوة تهديد كامنة شأن مناطق عربية عديدة مثل الجزائر ومصر ومناطق
اسلامية مثل البوسنة والشيشان. وليس بن لادن ومجموعته سوى المثال
الأبرز للدور المتوقع للافغان العرب السعوديين.
3 ـ السلفيون: فقد كان الاعتقاد لدى آل سعود بأنه الى ما قبل
الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بأنهم قد سحبوا الرصاصة الاسلامية
وأبطلوا مفعولها.. الا أن الهجوم على مركزي التجارة العالمي
والبنتاغون قد أفزع العائلة المالكة في مستويات عديدة منها: تآكل
العلاقات مع واشنطن.
فاكتشاف اتجاه سلفي راديكالي بنزعته العنفية داخل المملكة قد اثار
رعب آل سعود، ومنذ الحادي عشر من سبتمبر تتواصل عمليات اعتقال
المقربين من الخاطفين للطائرات الانتحارية والتحقيق مع العلماء
المحليين ومحاولة احكام السيطرة على الاتجاهات الدينية المحلية
والمؤسسات الدينية. ورغم أن الاتجاه السلفي الراديكالي لا يمثل كامل
الطيف السلفي في السعودية الا أن ثمة خشية من أن يخفي المستقبل بذور
انشقاق تيارات عنفية من داخل المؤسسة الدينية الوهابية.
وينتهي التقرير للحديث عن الدولة الريعية في السعودية، فقد ساد
فهم لدى آل سعود بأن البترودولار سيصنع منهم حكاماً شعبيين اذا ما
استطاعوا توفير مستوى معيشي عال لرعاياهم. ولكنهم ايضاً كانوا على
قناعة بأن التحول الاجتماعي الكبير بما في ذلك التحول المفيد لهم
يتطلب مخاطرة بسلطتهم. فالعائلة المالكة استعملت المساعدات المالية
كجزء من خطة شاملة وسياسة دخل مصممة لاستقرار المجتمع. ولكن كان ثمة
خطر دائم بأن التحديث والنفط (او أي عملية تغيير) قد تقلب السلم.
فالحجازيون الاكثر تأهيلاً من الناحية التعليمية في المملكة قد
يدفعون النجديين جانباً من المناصب العليا. ومن اجل ذلك سعى آل سعود
لمواجهة هذا الخطر من اجل ابقاء تفوقهم بخلق هيكل وظيفي جديد، كان
الغرض منه توظيف النجديين في المناصب العليا داخل الجهاز
البيروقراطي. كما تطلب ذلك ايضاً امساك آل سعود بالمصادر الرئيسية
للرعاية داخل تركيبة الدولة الحديثة، متمثلة تحديداً في وزارات
الداخلية والدفاع والزراعة والمياه والمالية والبترول والتجارة والتي
كان المسعى دائماً فيها لابقاء التنافس داخل حدود نجد وبشكل محدد
داخل العائلة المالكة.
ويسجل التقرير الاستخلاصات الرئيسية والتي يمكن ايجازها على النحو
التالي:
ـ ليس هناك ثورة اسلامية وشيكة في السعودية: فرغم تنامي الاتجاه
الاسلامي المحافظ الا أن هذا النمو كان داعماً للعائلة الحاكمة اكثر
كونه مقوّضاً لها، مع الفات الانتباه الى الخطورة الكامنة التي
يمثلها هذا التيار.
ـ لن تصبح السياسة الخارجية السعودية أقل ودية تجاه الولايات
المتحدة، بالرغم من محاولات السعودية لاستقلالها عن المصالح
الاميركية.
ـ خطوط الغاز الضخمة لن تتم بالشكل الذي عليه الآن. فالاتفاقات
الرئيسية الاولية قد توقفت وهذا سيضطر السعودية لاعادة التفكير في
خطط تطوير استثمار ضروري أكبر في مجال توليد الطاقة والتحلية.
ـ هناك أمل قليل بأن الانفتاح الغازي السعودي سيؤدي الى مشاركة
أجنبية في خط صناعة النفط الصاعد (ويشمل الاستكشاف والتكرير
والانتاج) فالعائلة المالكة منقسمة بصورة حادة بشأن موضوع تحرير
القطاع النفطي.
ـ احتمال انفتاح الاقتصاد السعودي على الاستثمار الاجنبي المباشر،
وذلك كنتيجة لدخول السعودية في منظمة التجارة العالمية (الجات).
ـ النشاطات التجارية الاميركية ستحصل بصورة مستمرة على فرص في
الخليج: فالعائلة المالكة ستكافأ تلك الشركات الاميركية التي ساندتها
في الماضي، اضافة الى نظرة العائلة المالكة الى هذه الشركات بوصفها
حلفاء في توفير مظلة أمنية تحتاجها من واشنطن، وهذا يتناقض مع الشعور
العدائي المتزايد في الشارع السعودي.
ـ لن تتمكن السعودية من الحفاظ على استراتيجية التحكم بأسعار
النفط: فعودة العراق الوشيكة (والمتوقعة عام 2003) الى السوق النفطية
وبكميات كبيرة سيضطر السعوديين لاستنباط نظام سعري من اجل تخفيض
الانتاج في مناطق انتاج عالية التكلفة. |