شتم الذات الإلهية أهون من شتم الملك!
المعارضة والإختلاف في السعودية
ابتداءً نحن في المملكة ليست لدينا تجارب سياسية. وأولي الأمر
يعتقدون بأن وجود من يختلف معهم طامة كبرى، ولا يريدون أن يمهلوا
أحداً كما أمهل الله إبليس الى يوم يبعثون!! فيحاسبه هناك ولكنهم
يريدون محاسبته هنا! هناك نرجسية لدى أولي الأمر، ذلك أنه لا يشرف
نظاماً أن يقال بأن ليس له من يختلف معه في الرأي. بل هناك من يرى سب
الذات الإلهية أهون عليه من التعرض له بالنقد فيعتبر ذلك تعرضاً
للذات الأميرية أو الملكية. ومن المعتقد أن الحساسية في السعودية من
شيء إسمه معارضة أكبر. والسبب أن السياسة عندنا شأن خاص خلاف كل
الدنيا. فمن يتعاطاها هم محدودون ولا يجب أن يتحدث فيها أحد أو
ينقاشها أحد أو أن يعتبر أحدنا معني بما يجري له وما يقرر له. هذه هي
الحساسية الكبرى والمفرطة. فالشيوخ أبخص، وبالتالي فإن أي رأي يقال
حتى وإن توافق مع أولي الأمر ملعون. الأمراء السعوديون لا يريدون أن
يتسيس الناس ولا أن يتعاطوا بالشأن العام. حتى المظاهرة المؤيدة لا
يريدونها، وحتى النقد البسيط لا يتحملونه، وحتى الكتابة على الحيطان
يسجن المئات ولا نقول العشرات بسببها. وحتى كتاب أو منشور يصبح جريمة
وتآمراً وغير ذلك.
هذا هو وضعنا.
حين نأتي لكلمة معارضة فإنها تعني أموراً مختلفة. الحزب المعارض
في الغرب مثلاً يعني أنه يشكل حكومة أي يحل محل سابقتها، أي يغيرها.
عندنا المعارضات لا تستهدف تغيير الحكومة بالضرورة، ولذا فهي من نوع
مختلف، نستطيع أن نسمّيه ـ حسب المفهوم الغربي ـ قوى ضغط، أي جماعات
ضغط، أي جماعات تعبر عن مصالح معينة وليست بالضرورة مصالح كامل أفراد
الوطن.
وكلمة (مختلف) أفضل من كلمة (معارض). والمعارض لا يعارض الحكومة
في كل شيء، وإنما في المختلف فيه والذي بان عواره، والمسألة في
الأخير مسألة رأي، ولذا اعتبر السجناء السياسيون سجناء ضمير ورأي.
وحتى المختلف بالمفهوم السعودي يعتبر متآمراً يريد قلب النظام ويريد
استبدال الحكم، وغير ذلك.
إن وجود المختلف أو المعارض من سنن الكون. فإذا كان الله سبحانه
وتعالى قد أوجد له من يخالفه (ولم يوجد نفسه بنفسه أي المعارض إبليس)
فنفهم لماذا لا يمكن أن يكون البشر جميعهم متفقون، خاصة وأن الله
سبحانه قد خلقنا ولنا طموحات إن لم تتنظم ـ كما فعل الغربيون عبر
صناديق الإقتراع ـ فإن الحكم عندنا يكون لمن غلب.
مثلما نسمع: أخذناها بالسيف!. هل يحق لي أنا أيضاً أن آخذها
بالسيف؟!! أو بمنطق ملك الآباء والأجداد؟!! وماذا عن أجدادي وآبائي:
هل جاؤوا من جزر واق الواق!!
لذا شاع لدينا حكم الغلبة والوراثة والإنقلابات العسكرية، وشاع
لدينا القمع والإرهاب، وشاعت عندنا دون غيرنا تهم لم ينزل الله بها
من سلطان ومعيبة لكل نظام قاهر وهي (سجناء سياسيون، ومعتقلون
سياسيون) فهل هذه جريمة أن تشتغل بالسياسة وتعتقل لأن لديك رأيا
مخالفاً، وأن تُنفى من وطنك اختياراً أو اضطراراً لكي تقول كلمة قد
تكون كلمة حق؟!
أما المعارضة في المملكة فهي أنواع: نوع يريد تغيير النظام، وقد
وجد في الخمسينيات والستينات والسبعينات أحزاب قومية بعثية وناصرية.
وجاء جهيمان أيضاً كمعارضة مسلحة وليس كمن هم قبله عبر تدبير
انقلابات فاشلة، وفشل في الإطاحة بالنظام. وجاءت معارضات أخرى بعضها
سلمي يريد تدرجاً في الإصلاح، وبعضها يريد تغييراً جذرياً للنظام.
ولكن ما يهمنا هنا هو أن نؤكد على حق المواطن في أن يشتغل
بالسياسة لا أن يكون خروفاً في قطيع.
ونؤكد على أن إقحامه في السياسة أهم من إبعاده منها.
وعلى أن يكون الإصلاح هدف الجميع، لا الإقصاء. وأن الله لم يكتب
على أحد أن يكون حاكمه كذا وكذا وكذا. وأن لنا كمواطنين الحق في
اختيار من يحكمنا وفي النظام الذي يسيرنا. أما إذا كنا دجاجاً فسنكون
على دين ملوكنا: نسمع وقد لا نسمع، نطيع وقد لا نطيع، نصدق وقد لا
نصدق، وما نظهره غير ما نبطنه، خشية العصا أو رجاء الجزرة، أو لا
إبالية منا.
حينها لا يأتينّ أحدٌ ويقول للمواطن: تعال دافع عن وطنك!! وتعال
افهم حقيقة ما تريده أميركا من تقسيم السعودية، ولا أن يقنعه بأنه
محسود ومهدد.. الخ. أعطني حقي في قول كلمتي واختيار من يمثلني
واحكمني بما يرضيني (كمجموع) وخذ حقك كحاكم، عليك مني واجب الطاعة.
ليس في عنقنا بيعة بالإكراه، وليس في عنقنا إلزاماً أو التزاماً
لأحد نزى على الحكم بالوراثة أو بالقوة!
نعم.. بدون معارضة يكون الوطن قطعة قماش واحدة لا لون لها ولا طعم
ولا رائحة. تجد الرأي الواحد، والفكر الواحد، والحاكم الأوحد الملهم
والعبقري، وتجد لدينا (الأفضل والأحسن والأعظم واخر تقليعات أفعال
التفضيل) نطلقها على كل ما لدينا سواء كان يستحق أم لا يستحق.
بدون معارضة يكثر الفساد وتكمم الأفواه ويخاف الحاكم كما المحكوم،
وينبطح الحاكم للأجنبي خوفاً من شعبه، وتسلم قرارات ومستقبل الأجيال
للأجنبي.
لا يوجد بلد ليس فيه معارضة. المهم شرعنتها ضمن القانون.
ولن ينال أحد 100% من الأصوات اللهم إلا صدام حسين! إذن انك لو
أجريت استفتاء على وجود الحق لما حصل على مائة بالمائة، فهناك ملاحدة
لا بوجوده تعالى الله عما يقولون.
فما بال آل سعود يريدون منا أن نعتبرهم آلهة من دون الله تعبد
وتمجد وتخرس الألسن من أجلها؟
ما بالنا ما أن يظهر شخص يسعى للإصلاح حتى يتهم بالعمالة والخيانة
والتآمر؟
في حين كان الأولى أن يتهم من يزعمون أنهم أولي الأمر بخيانة
الأمانة والتفريط بحقوق المواطنين وبيع مستقبل الأجيال للأجانب من
أجل البقاء على الكرسي؟
نحن لا ندافع عن معارضة بعينها، بل عن حق المعارضة في الوجود
وحقها في الإختلاف في الرأي. والحاكم في بلدنا أقوى بالإنتخاب وبوجود
المعارضة منه بتكميم الأفواه وتطفيش المواطنين خارج الحدود وسحب
جنيسياتهم! ثم اتهامهم بالعمالة والتآمر بل والإرهاب أيضاً، متناسياً
أن إرهابه وعمالته هما وراء كل هذا لو حصل!
إن بلداً كالسعودية، لا توجد به آراء مختلفة، وطموحات تنظم ضمن
قوالب قانونية، هو بلد غير مستقر، ولو يبد ذلك على السطح،
فالإنفجارات الإجتماعية السياسية ستصم الآذان اليوم أو غداً وإذا
تأخر فبعد غد.
حينها يتأكد لهم ربما أن هناك معارضة غير سلمية هذه المرّة بل
معارضة عنيفة وحادّة.
ويبقى الخيار للعائلة المالكة التي لا تزال تتظاهر بإصلاح البلاد
في حين أنها غير قادرة على إصلاح نفسها وتوجهها. |