تركي الفيصل سفيراً في لندن
ربما كانت استقالة الأمير تركي الفيصل كرئيس للإستخبارات العامة
في 31 أغسطس من العام الماضي 2001 جاءت نتيجة للنقد الذي وجهته دول
غربية عديدة بسبب الدور المزدوج الذي لعبته الإستخبارات السعودية
برئاسة تركي الفيصل سواء في دعم حركات العنف (الجهادي!) أو في
مواجهتها. وقد تبيّن لدى دوائر استخبارات عديدة أن ما يسمّى بالعنف
الأصولي لم يكن نتيجة النشر المتعمد للفكر المتطرف القادم من
السعودية فحسب، بل كان بتمويل السعودية أيضاً سواء كان الممولون
أفراداً أو جماعات أو مؤسسات حكومية بل وجهاز استخبارات.
دول عديدة عربية وإسلامية وجهت بصراحة أصابع الإتهام الى الحكومة
السعودية، وقد توترت علاقات المملكة بعدد من الدول لهذا السبب: بينها
الجزائر، ودول آسيا الوسطى الإسلامية، والباكستان، ومصر، والأردن
وغيرها.
هذا ليس أمراً جديداً. لكن أن تكون الإستخبارات السعودية ممولة
لبعض جماعات العنف، إما لاتقاء شرّها، أو للإستفادة منها ضمن حسابات
استراتيجية، وحين ينقلب السحر على الساحر، خاصة فيما يتعلق بالطالبان
والقاعدة، فإن السهام لا بدّ وأن توجّه الى السيّد المدير والمموّل.
ربما لهذا السبب تمّ إدراج تركي الفيصل في لائحة المتهمين بأحداث
نيويورك رغماً عنه.
الآن أصبح تركي الفيصل في أقل التقادير مثار شكّ، فلمَ اختارته
الرياض سفيراً لها في لندن، خاصة وأن الأخيرة ـ كما أُشيع ـ لم تشعر
بالإرتياح من السفير السابق الدكتور غازي القصيبي، خاصة في سنوات
عمله الأخيرة، وتسطيره الشعر المؤيد للعمليات (الإستشهادية) ضد
الصهاينة؟
غير وزارات السيادة التي يسيطر عليها الأمراء (الخارجية والدفاع
والداخلية) ووزارات عديدة أخرى وإمارات المناطق، والإلتفاف على ما
تبقى من وزارات ومؤسسات عبر بدعة (المجالس العليا).. تميل العائلة
المالكة منذ زمن الى تعيين عدد من أبنائها في السفارات الحساسة في
عدد من البلدان المهمّة. فالرؤية الملكية تعتقد بان تعيين أمراء في
هذه السفارات يفتح مسالك مختلفة للعلاقات بين المملكة وهذه الدول، لا
يستطيع السفراء العاديون القيام بها، أو لا يؤتمنون في القيام بها،
أو لا يستطيعون (شخصنة) السياسة بالشكل الذي يخدم المسؤولين
السعوديين.
من الواضح أن نموذج الأمير بندر في واشنطن عُدّ ناجحاً في إشاعة
الدفء الى العلاقات بين السعودية وأميركا لسنين عديدة، ولولاه ربما
كانت العلاقات قد تدهورت في الآونة الأخيرة بشكل كبير. الآن جاء
الدور على لندن، فالرياض تنظر لهذه العاصمة الأوروبية كأحد الكوابح
للسياسة الأميركية الجديدة التي تميل الى الطيش والى (استهداف)
السعودية نفسها. وهي بتعيينها الأمير تركي الفيصل، مترافقاً مع
المزيد من الصفقات التي تمنح الى لندن، تحاول الإستفادة من بريطانيا
في تعديل سياسة واشنطن تجاه المملكة على نحو خاص.
الهدف الآخر من تعيين الأمير تركي الفيصل، هو أن لندن تضم الكثير
من الحركات الاسلامية التي تتلقى الدعم السعودي، أو كانت تتلقى
الدعم، قبل أن تصنّف في خانة الإرهاب، إضافة الى وجود جهات وشخصيات
معارضة سعودية أو تصنّف ضمن نطاق المعارضة، ووجود الأمير تركي يعطي
الحكومة السعودية بعض الأوراق للإستفادة منها في علاقاتها الحاضرة،
أو درء بعض الأخطار التي يمكن أن تنشأ. |