أخطاء دول (الثراء) مقابل دول (الحاجة)
الشماتة بالسعودية.. ظاهرة متجددة
تنبّه المواقف المضادة للمملكة كلما تعرضت الاخيرة لمحنة او خسارة
سياسية الى أن الشماتة باتت سلوة المتضررين من هذا البلد. نتذكر في
السبعينيات كيف أصبح النفط عامل تقسيم في المشروع العربي بسبب
الاستثمار السياسي للنفط، حيث بدأ الحديث حينذاك عن أغنياء وفقراء
عرب ودول منتجة ودول عاملة، وكيف رسمت تلك النظرة السوداء واقعاً
عربياً يفرضه استغلال الدول النفطية للدول العربية الفقيرة حتى تدخل
في تشويه الاشياء فأنتج شيخاً نفطياً، ومثقفاً نفطياً وقائداً نفطياً
يطيح بمنظومة القيم النبيلة التي تقدّس العلم والتضحية والكاريزما
الشعبية الناشئة من رحم المعاناة.
وحين هجمت القوات العراقية على الكويت في الثاني من اغسطس 1990 في
كارثة عربية وانسانية غير مسبوقة لم يتذكر العرب سوى ذلك الشرخ
العظيم الذي أحدثه النفط، فاستعاد فقراء العرب حلم توزيع الثروة
العادل وشعار نفط العرب للعرب، وكانوا يأملون بأن يكون الاجتياح
العراقي الحلقة الاولى في سلسلة العقوبات التي ستطال دول الثراء
لصالح دول الحاجة.
ويبدو أن عام 1990 قد أطل بغمامة سوداء ستبقى لفترة طويلة كما
يبدو حتى الآن، فالمحن السياسية التي تشهدها السعودية منذ بداية
التسعينيات وحتى الآن لا توحي بأن خروجاً قريباً من هذه الازمة سيكون
سهلاً. والاشد ايلاماً هو أن هذه المحن لم تعد تكسب المملكة تعاطفاً
وان أثارت الشفقة لدى البعض احياناً وانما هناك من المتضررين من يرون
بعين الشماتة لما يجري لها، فحين يكثر الضحايا لا يمكن توقع سوى كثرة
الشامتين.
انفجارات العليا والخبر رغم مأساويتهما دخلا بلا ريب ضمن مشاعر
الشماتة ضد السعودية كنظام حكم وتجربة محملة بآوزار الماضي، ذلك
الماضي الذي يعني من سقطوا ضحايا نتيجة طموح سياسي يتغذى على الجشع
والكراهية لكل ما هو آخر، سواء كان ذلك أرضاً او عقيدة او ناساً. ثم
جاءت سلسلة احداث العنف في قلب نجد وخارجها والاضطرابات المفاجئة في
مناطق مختلفة من هذه الديار المستقرة سابقاً باضافة التورطات
المكشوفة وغير المكشوفة في الدول المجاورة وغير المجاورة وتتوجت
اخيراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي وضعت بلداً بأكمله في قفص
الاتهام، وبات مطلوباً منه الآن ان يدفع فاتورة غلطة فرد او عدة
أفراد.
الشماتة بلا شك لا تعرف هوية، فقد تصدر عن مجموعة سكانية محلية
كرد فعل على سياسات غير عادلة تبنتها الحكومة ضدها، وقد تصدر عن دول
تضررت من سلوك المملكة السياسي في قضايا مصيرية، وربما تصدر عن
مجتمعات بعيدة وقعت فريسة لمؤامرات كانت المملكة فيها أحد الناسجين
الرئيسيين لخيوطها، ولا شك ان تجربة افغانستان ليست بأسوأ مما جرى في
مناطق اخرى.
إن اسباب الشماتة عديدة، وليس السيد عبد الرحمن الراشد بحاجة لرصف
الادلة على التحقق من شماتة بعض الدول العربية، فالصامت والمتفرج
والمحايد كتوصيفات للمواقف العربية ليست سوى تعبيرات متنوعة في
الشماتة وكلها تتفق على:(أن السعودية تستأهل الهجوم عليها) تأسيساً
على اعتبارات عديدة سياسية واقتصادية.
إن الجدل بأن خسارة مركز التأثير السعودي في الولايات المتحدة أو
مراكز القرار الدولية يضر بالقضايا العربية او المصالح المشتركة،
يجابهه رأي بأن هذا المركز لم يثبت جدارته الكافية في خدمة المصالح
العربية في هذه المراكز.
المثير للغرابة، هو ما يذكّر به السيد عبد الرحمن الراشد الضحايا،
حين يطلب من العرب إفراغ ذاكرة مثقلة بالمحن والاضطرابات والفقر،
ذاكرة تحتل فيها السعودية حقاً كان ام باطلاً مركزاً متقدماً في هذه
الظواهر، كما لو أن السعودية قبلت نسيان الماضي السلبي الذي تصنّف
فيه الضحايا في خانة المتآمرين عليها، كما تفعل هذه الايام بجماعة
الاخوان المسلمين.
ولا يجب أن نلجأ دائماً الى الأدلة الضعيفة لدعم موقف هو في الاصل
ضعيف، فعدم قبول المملكة بفتح مكتب للمصالح الاسرائيلية في الرياض او
عدم رضوخها لمطالب المنظمات الاميركية ولربما تشير عبارات الراشد الى
المنظمات الحقوقية التي تطالب بتحسين أوضاع حقوق الانسان في
السعودية، او الاستدلال بموقف المملكة من قضية العراق رغم الاسباب
لوقوفها ضد الحرب على العراق وما تحمله من تهديدات سياسية على مركز
السلطة السياسية تحديداً وشبكة تحالفاتها الدينية والاجتماعية
والتجارية، اقول اللجوء الى مثل هذه الادلة لا يعني شيئاً بالنسبة
لكثير من العرب الذين يعلمون بأن هذه الادلة لا تسند بحال دعوى وقوف
السعودية لصالح قضايا العرب، فالمصالح السياسية الذاتية كفيلة بتبديد
مثل هذه الدعاوى.
ان الشماتة بالسعودية هي اذن ظاهرة عربية متجددة طالما بقيت
الاسرة المالكة أسيرة سياسات قديمة ترى أن كل شيء قابل للشراء
والمساومة بما في ذلك قضايا الامة وقيمها.
وأخيراً.. من يقول بأن الشماتة بالسعودية آتية من العرب خارج
الحدود؟ أليس هناك في داخل المملكة من يشمت بالعائلة المالكة،
وبالمؤسسة الدينية، وربما بكيان الدولة السعودية نفسه؟! |