من يحاول إخراس الألسن في الخارج، لا يمكن أن يكون منفتحاً في
الداخل
العائلة المالكة ومعركة الإعلام
عام ينذر بعودة شبح القمع للحريات الصحافية في لبنان دشّنه العسكر
بأوامر من رئيس الوزراء اللبناني السيد رفيق الحريري، الذي قاد حرباً
بالنيابة عن العائلة المالكة وفاجأ العاملين بمحطة ان تي في
اللبنانية في الثاني من يناير باقتحام المبنى بقوة السلاح لتعطيل
برنامج كانت المحطة تزمع بثه عن حكومة المملكة، كان من المتوقع أن
يشارك فيه عدد من الشخصيات الوطنية والناشطين سياسياً خارج البلاد
وداخلها.
قبل ذلك فوجىء المشاهدون لشبكة الاخبار العربية ''أيه إن إن''
والتي تتخذ من لندن مقراً لها، بقرارات انقلابية لحقتها سلسلة تدابير
صارمة وفورية، حيث تم تعطيل ''حديث الخليج'' الذي دشّنه الصحافي
السعودي عبد العزيز الخميس، وخلفه بعد ذلك الصحافي هشام الديوان قبل
ان يتم الغاؤه بصورة كاملة، كما تم تقليص ساعات بث بعض البرامج
وايقاف بعضها، وفوق ذلك كله استبدال السياسة الاعلامية التي تتبعها
الشبكة، حيث اختفت لغة النقد السياسي الموجه للسعودية. وقيل ان ثمة
شيئاً من هذا القبيل قد شمل قناة ''المستقلة'' التي دخلت في مستنقع
الطائفية فور عودة مالكها من منطقة الخليج. وظلت المحاولات تجري،
ومازالت، لإسكات أصوات أخرى في الخارج. العائلة المالكة ليست في وضع
تحسد عليه. فمنذ أكثر من عام وهي في مركز العاصفة النقدية التي
تجتاحها من أوروبا وأميركا وتصل اليها عبر القناة الاكثر ايلاماً لها
''الجزيرة''. ولأنها باتت فقيرة الى حلفاء الامس كي تلجأ اليهم في
إسكات الأصوات المتفجرة في وجهها، فكان لا بد ان يكون الحريري، الرجل
السعودي في لبنان، ورفعت الأسد المقرّب من ولي العهد السعودي الامير
عبد الله، الأقدر على التماشي مع مطالب السعوديين (الدافعين بالتي هي
أحسن!).
لجوء العائلة المالكة لأساليبها القديمة في التعامل مع الاعلام
يكشف عن أمور عديدة منها: أولاً، أن العقلية السائدة وسط العائلة
المالكة مازالت أسيرة للماضي، هذا الماضي الذي يرى ان وسائل البث
والاتصال الجماهيري مازالت قابلة للشراء والبيع والاحتكار من قبل
دولة او جماعة محددة، ونسي كبار العائلة المالكة قبل صغارها، أن
افتتاح إذاعة أو محطة تلفزيون لم يعد عملاً جبّاراً في الوقت الحاضر،
ويكفي أن ما كانت تعدّه مستحيلاً بالامس كافتتاح إذاعة من قبل
خصومها، بات اليوم ممكناً بل وواقعاً، وليس بعيداً أن تصحو العائلة
المالكة ذات يوم على بث محطة فضائية يديرها دعاة الاصلاح في الخارج.
ثانياً، إن أول ما تنبىء عنه قصص اقتحام محطة واسكات أخرى هو: أن
العائلة المالكة لا تنوي البدء بالتغيير والاصلاح السياسي، فالقبول
بمبدأ النقد والاستماع الى الرأي الآخر والصوت المخالف هو أول شروط
التغيير والاصلاح، إذ لا يمكن لدولة أن تقرّر الاصلاح دون أن تتعرف
على المناطق المراد اصلاحها، والا ستسير على غير هدى وستضل الطريق
مرة أخرى، كما أضلته في مارس عام 1992 حين توهمت العائلة المالكة بأن
ما أفرطت في إعداده لشهور وربما لسنوات، فضلاً عن الوعود التي مرت
عليها عقود، كان مجرد خطوة للوراء وتناست زمناً كانت فيه السياسة
حكراً على العائلة المالكة وفئة محدودة من المقربين منها. كان يفترض
أن تشعر العائلة المالكة بالفخر لأن معارضيها من العقلاء الذين
يقدّرون الامور حق تقديرها، ويحملون رأياً ناضجاً لا ينزع نحو التطرف
ولا يهبط الى مستوى الاسفاف، وما يطلبونه قد سبقهم إليه زملاؤهم في
دول الجوار، ولا سيما في البحرين وقطر والكويت. فإن طلبوا فإنما
يطلبون ما يرونه ضرورة، وإن نقدوا فنقدهم جدير بالتمعّن وغرضه
الاصلاح.
كان حقاً معيباً للعائلة المالكة وهكذا لرجلها في لبنان تلك
الخطوة الاستفزازية الغريبة على لبنان، فضلاً عن ان العائلة المالكة
تعلم بأن الامر لا يحتاج الى هذه العملية الاستعراضية غير المدروسة.
فاغلاق محطة تلفزيونية ما، لن يوقف هدير البث المتدفق عبر قنوات
عديدة. وإذا كان هناك رجل رشيد في العائلة المالكة فليلقي نظرة على
ما يقال في مواقع الحوار التي دشّنها أبناء هذا البلد من غربها الى
شرقها مروراً بنجدها وحائلها وعسيرها ونجرانها. فهل يكفي ان تسكت
صوتاً في مكان ما كي تخمد أصوات النقد في مكانات اخرى، ففي كل اسبوع
هناك موقع على الانترنت جديد يوجه صوت النقد لممارسات العائلة
المالكة ويطالب روّاده وبالحاح بالاصلاح السياسي. وهذه المواقع حين
تترجم الى لغة العائلة المالكة ستكون على النحو التالي: إن هناك
جماعة معارضة تولد إسبوعياً ضد الحكومة في السعودية.
إن تلك التدابير قد تنذر بأيام حالكة أخرى اذا ما وضع ذلك السلوك
غير الرشيد للعائلة المالكة في سياقه الطبيعي والمنطقي، أي في السياق
الذي يرفض الاندراج في حركة الاصلاح السياسي التي باتت تدق أبواب
البلاد وتتفاعل وسط الشارع المحلي، وتتحرك في نشاطات القوى السياسية
المحلية والخارجية. |