رؤية الجناح المتطرف في الإدارة الأميركية تجاه السعودية
هل يحتاج حكام السعودية الى صدمة؟
لوران موراويك، الباحث السابق في مؤسسة راند المعروفة بأبحاثها
الاستراتيجية وتأثيرها في توجيه السياسة الخارجية، قّدم في مقابلة له
مع جريدة الشرق الأوسط السعودية في 17 ديسمبر الماضي خلاصة الرؤية
السائدة لدى اليمين المتطرف في الإدارة الأميركية، وهو اتجاه يتنامى
بوتيرة متسارعة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. هذا الاتجاه ينظر
الى السعودية بوصفها بؤرة التطرف الاكثر اشتعالاً او المرشحة
للاشتعال في وجه أميركا والغرب.
ثمة اتفاق على ان بعض آراء موارويك كانت شديدة التطرف، ولكن
القراءة الاجمالية لما قدمه لا يضعف من القيمة التحليلية لاقواله.
بيد أن المسئولين السعوديين يحاولون اقناع انفسهم بأن آراء موارويك
تعتبر شاذة وبالتالي فهي تمثل صاحبها وفي احسن التقديرات جزء هامشيا
في الدوائر السياسية الاميركية، وبالتالي فإن التهديدات الواردة في
تحليله لا يجب أن تؤخذ على محمل الجد من جانب المسئولين السعوديين.
نحن، هنا، نرى بأن ما قاله موارويك للشرق الاوسط يترجم اتجاهاً
يأخذ في التنامي داخل أميركا، وسوف يتعزز بسقوط نظام الرئيس صدام
حسين، وهذا يفتح السعودية كجبهة تالية مرشحة للتغيير بالطريقة
الاميركية تحت شعار مكافحة الارهاب. كثير من دعاوى موراويك المنشورة
في الصحيفة السعودية سالفة الذكر، والتي سببت إزعاجاً للأمراء، وبصرف
النظر عن ما تحمله من اغراض غير معلنة، هذه الدعاوى صحيحة، كتحميله،
مثلاً الحكومة السعودية جانباً من مسئولية تفجيرات نيويورك وواشنطن،
الى جانب مسؤوليتها في نشر الفكر المتطرف في داخل المملكة والعالم
الإسلامي، وأن النظام فيها مستبد بحاجة الى تغيير.
فيما يلي نص ما قاله موراويك، ننشره لاستجلاء رؤية الجناح المتطرف
في الإدارة الأميركية، كجزء من استشراف لمستقبل العلاقات السعودية
الأميركية، بل مستقبل النظام السياسي في المملكة، وربما الدولة
السعودية نفسها.
الجميع يعرفون الحقيقة بشأن الدور المركزي للسعودية في شبكة
الارهاب الاسلامية العالمية. غير ان معظم الناس اختاروا تجاهل ذلك.
فمن كان انتحاريو الحادي عشر من سبتمبر؟ 15 من اصل 19 كانوا سعوديين.
ومن كان عقلهم الموجه؟ مليونير سعودي. ومن أين حصل الارهابيون على
اموالهم؟ من السعودية. اضف الى هذا الدور الذي لعبته السعودية في
تشجيع الاصولية المتطرفة في مختلف انحاء العالم، ويمكنك الحصول على
الصورة كاملة. وكل يوم يمر يأتي بدليل جديد على تورط السعودية في كل
المستويات.
بقدر تعلق الامر بالولايات المتحدة كانت المملكة العربية السعودية
محطة بنزين عملاقة، بل والاكبر في العالم. وكانت السياسة الاميركية
تهدف الى الارتباط بمحطة البنزين تلك. وكان هناك مصدران للتهديد.
الأول جاء من الكتلة السوفياتية. اما الثاني فجاء من الديكتاتوريين
العسكريين محدثي النعمة في العالم العربي.
وقررت السعودية، اعادة التأكيد على مبادئها الاسلامية لمواجهة تحد
مزدوج: من اصولية محلية، ومن النزعة الشيعية المتطرفة التي جسدها
الزعيم الايراني آية الله روح الله الخميني. وهكذا عاد السعوديون الى
التطرف الديني. فقد استخدموا عائداتهم النفطية الهائلة لتمويل
الهيمنة العالمية على الكثير من المؤسسات الاسلامية والجوامع في
مختلف انحاء العالم وتحويلها الى معاقل للأصولية. وفي بعض الحالات
افلحوا في وقف انتشار الخمينية على الرغم من حقيقة ان ايران كانت، هي
الاخرى، تنفق اموالا هائلة تدعمها الدعاية الواسعة. ثم جاء الغزو
والاحتلال السوفياتي لافغانستان الذي وفر للسعوديين غطاء مضمونا
لنشاطاتهم الخطرة.
ان كثيرا من الاميركيين المتنفذين مدينون، من الناحية المالية،
للسعوديين. فالكرم السعودي استثنى قليلا من الناس في واشنطن. ولسنوات
عدة اعتبرت وزارة الخارجية، او قسم الشرق الادنى على الأقل، بمثابة
فرع لشركة ''أرامكو'' في واشنطن. وكانت الولايات المتحدة مستعدة لخوض
حرب من اجل النفط، ومستعدة، ايضا، لاغماض العين عن كثير من الاشياء
من أجل النفط.
ذهب الدعم السعودي الى الجماعات (الأفغانية) الاصولية الاكثر
تطرفا. فالسعوديون هم الذين اقنعوا وكالة المخابرات المركزية
الاميركية (سي.آي.ايه) بدعم حكمتيار، وفي وقت لاحق، طالبان، بدلا من
المقاتلين الافغان الاكثر اعتدالا. واستخدم السعوديون الحرب
الافغانية ذريعة لخلق حركة ''جهادية'' عالمية، يمولونها، ويجري
تدريبها في باكستان وافغانستان. وبدا ان كل تلك النشاطات، حسب رؤية
واشنطن، موجهة، اساسا، ضد الاتحاد السوفياتي. وهكذا فان الولايات
المتحدة اغمضت العين عن الآثار البعيدة المدى لما وصل الى ''فتنة''
اسلامية متطرفة في عالم الاسلام.. هيمنة على العالم الاسلامي من جانب
العناصر الاكثر تعصبا. واعتقد السعوديون انهم بتصدير الطاقات
الاسلامية المتطرفة الموجودة في مجتمعهم يمكن ان يبقوا محصنين ازاء
مخاطرها.
بعد هزيمة العراقيين مارس السعوديون ضغطا على الرئيس جورج بوش
الأب من اجل ابقاء صدام حسين في السلطة. وكان السبب ان السعوديين لم
يكونوا يريدون نظاما عراقيا جديرا بالثقة يمكن ان يظهر كمنافس في
المنطقة. ولم يرغب السعوديون ايضا في وجود عراق ديمقراطي قريب الى
الولايات المتحدة. وبالنسبة لهم يعتبر النظام المثالي في العراق هو
نظام صدام حسين الضعيف. لا يمكننا ان نفهم السعودية ما لم نأخذ
بالحسبان حقيقة اساسية (هي) تعميم ايديولوجيتها المتطرفة، وهي مستعدة
للقيام بمغامرات كبيرة من اجل فرض نموذجها من الاسلام على سائر
العالم الاسلامي، وما هو أبعد. الكثير من السعوديين قد يرفضون اساليب
(بن لادن) ولكنهم يتعاطفون مع رسالته.
من المؤكد ان اسامة بن لادن عمل لصالح المخابرات السعودية.
وعائلته مدينة بثروتها كلها لعقود الحكومة. وفي عام 1998 عرضت
الحكومة السودانية تسليم بن لادن الى الولايات المتحدة، وأرسل
السعوديون مبعوثين للالتقاء به وأبلغوه بانهم يمكن ان يساعدوه على
تجنب وقوعه بأيدي الاميركيين عبر انتقاله الى افغانستان. واعطى
السعوديون 200 مليون دولار لاسامة كتكاليف سفر، وساعدوه على اقامة
متجر في افغانستان. وكانت الصفقة ان اسامة يمكن ان يوجه ارهابه ضد
آخرين، مستثنيا المملكة ذاتها. ونحن نعرف ان اموال اسامة مولت عمليات
ارهابية في ما يقرب من 30 بلدا في العقد الماضي او نحو ذلك، ولكن لم
تكن هناك عملية واحدة في المملكة العربية السعودية نفسها. ولم يفعل
اسامة ابدا اي شيء ضار ضد الحكومة السعودية. وحتى الآن فانه، إن كان
ما يزال على قيد الحياة، لا بد ان يكون مختفيا في مكان ما بدعم من
المخابرات الباكستانية. ويعرف الجميع ان رؤساء تلك المخابرات ومعظم
الموظفين الرئيسيين على ارتباط بالسعوديين لسنوات عدة. واذا ما رغب
السعوديون في اخراج اسامة بن لادن من مخبئه فانهم قادرون على ذلك.
من المؤكد ان هناك في الرياض من يعرفون ان متابعة مثل هذه
السياسات الخطرة والمغامرة هي ليست افضل اتجاه بالنسبة لبلادهم. ولكن
أين هم؟ لماذا لا يقاومون؟ ولماذا يكون كل ما نسمعه من الرياض غامضا
ان لم نقل مزدوجا؟ اذا لم تحدث صدمة حقيقية للسعودية فانها لن ترى
مبررا لضرورة اصلاح سياسات استمرت زمنا طويلا، ناهيكم من التخلي عن
هذه السياسات.
أي نوع من الصدمة؟ الشيء الاول الذي يتعين القيام به هو تصنيف
المملكة العربية السعودية باعتبارها عدوا وليس حليفا وشريكا. وما ان
يجري القيام بهذا يجب علينا ان نقدم للزعماء السعوديين قائمة مطالب
لا بد من تلبيتها في اطار زمني محدد. والمطلب الأول هو ان على
السعوديين ان يسمحوا لمكتب المباحث الفيدرالي باجراء تحقيقات مع جميع
السعوديين المشتبه فيهم. لقد تلقى ما يزيد على خمسة آلاف سعودي
التدريب على الارهاب في افغانستان وباكستان. ويجب ان تكون لدينا
معلومات كاملة عن اماكن وجودهم وعن المهمات التي يعتزمون القيام بها.
ان اولئك المتورطين في الارهاب يجب ان يمثلوا امام العدالة. اما
المطلب الثاني فهو ان على المملكة اغلاق جميع ما يسمى بالجمعيات
والمؤسسات الخيرية التي قدمت مساهمات، بصورة مباشرة او غير مباشرة،
الى المنظمات الارهابية. والمطلب الآخر هو ان على السعوديين ان
يوقفوا الدعاية المحلية، الموجهة لزرع الكراهية ضد الغرب.
واذا لم تجر تلبية تلك المطالب، ففي هذه الحالة ينبغي علينا ان
نتخذ اجراء ما. لقد قدمتُ خطة تفصيلية للقيام بعمل اعتمادا على
الاعتقاد القاضي بان هناك ثلاثة اشياء هامة بالنسبة للسعوديين وهي:
النفط، وأموالهم، والاماكن المقدسة في مكة والمدينة. يمكننا، بسهولة،
ان نحتل حقول النفط. ان خطط الطوارئ للاستيلاء على حقول النفط
السعودية موجودة منذ سنوات السبعينات ويمكن تنفيذها خلال أيام. أما
ما الذي سنفعله بهذه الحقول فيمكن ان يتقرر لاحقا. ويعتبر الاستيلاء
على الاموال السعودية مسألة سهلة ايضا. فهناك تشريع قائم يمكن
الولايات المتحدة وحلفاءها من مصادرة اصول العدو. فهناك سعوديون
يمتلكون أصولا في الغرب تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. ويمكن ان
يفقدوا كل شيء بين عشية وضحاها. وبعد ذلك سنعالج قضية الاماكن
المقدسة.
أجل، هذا السيناريو يعني حرباً شاملة ضد المملكة.. ولكن ذلك سيكون
جزءاً من الحرب ضد الارهاب، وشأن جميع الحروب فان لهذه الحرب
قوانينها الحديدية ومنطقها الخاص. ويتعين ان تنتهي برابحين وخاسرين
واضحين. فالولايات المتحدة لن تكون آمنة ما دامت هناك مدارس وجوامع
تعلم الكراهية ضدها. ولن تكون الولايات المتحدة آمنة ما دام هناك
رجال ونساء اثرياء، لديهم مبالغ هائلة من اموال النفط تحت تصرفهم،
يمكن ان يكرسوا جزءا من ثروتهم للارهاب حتى ولو كان لحماية انفسهم.
ألا يمكن لمثل هذه السياسات ان تزعزع استقرار الشرق الأوسط برمته؟
ما هو الخطأ في زعزعة استقرار ابداعية؟ لقد جلب لنا الوضع الراهن،
الوضع المستقر زعماً، مآسي الحادي عشر من سبتمبر. وليس هناك من ضمان
بأنه لن يجلب لنا مآس اخرى في المستقبل. انه لمن الجنون المطلق ان
يعرف المرء جذور المأساة ولا يفعل شيئا لاستئصالها. لقد رفع الستار
عن المحرمات، وتعتبر المملكة العربية السعودية قضية تهم جميع
الاميركيين، وليس فقط آلافا عدة. لا استطيع، بالطبع، إبطال مفعول
عقود من الهبات السعودية السخية التي أفادت آلافا من الاميركيين
المتنفذين، غير ان سياسة شراء الدعم ليس لها مستقبل.
للعراق اولوية لان الرأي العام مهيأ، على نحو افضل للقيام بعمل.
غير ان تغيير النظام في بغداد لن يغير حقيقة انه ما زال هناك نظام في
السعودية يتصرف كحاضنة للتطرف. اننا نتدخل في العراق لأننا نخشى ان
يطور اسلحة يمكن ان تستخدم ضدنا في المستقبل. وفي حالة المملكة
العربية السعودية، من ناحية اخرى، كان هناك عمل ضدنا: مباشرة في قلب
نيويورك وواشنطن. وليس هناك، بالمطلق، ضمان في ألا يحدث شيء مماثل في
المستقبل.
اذن، هل نحن نتجه نحو صدام حضارات، حرب بين الاسلام والغرب تقودها
الولايات المتحدة؟ كلا. هذا لا يعني الاسلام، هناك صِدام داخل
الحضارة الاسلامية، فمن ناحية هناك من يريدون تحديث الاسلام ومنح
المسلمين الحريات ومستويات المعيشة المترفة وحقوق الانسان والكرامة
التي يتمتع بها المواطنون في الغرب، ومن ناحية اخرى هناك خلافهم، شأن
صدام حسين او الأصوليين السعوديين، ويحاولون تأبيد الارهاب في الداخل
والخارج. ان العصور المظلمة للاسلام ستنتهي ايضا، وسيحرر الاسلام،
وهو باني حضارات، نفسه من قبضة المتعصبين والارهابيين الذين يجري
تمويلهم بأموال النفط. وستتغير معظم المجتمعات الاسلامية بدون حرب او
تدخلنا، وبفضل آلياتها الخاصة. وحيثما تكون الحرب ضرورية كأداة
للتغيير في دول قليلة، فان هذا سيحدث لعدم توفر آلية للتغيير. انظروا
الى ايران، انها تتغير بفضل شبابها ونسائها، وتشكل تركيا نموذجاً
هاماً آخر. فقد أظهر الاتراك ان بوسعهم تغيير الحكومات والسياسات عبر
الانتخابات والحفاظ، في الوقت ذاته، على ثقافتهم ودينهم وتراثهم
الاسلامي. ان المسلمين يستطيعون العيش في بلد ديمقراطي كما يفعل
الملايين في الغرب. وهناك أيضا، تقدم ايجابي في اندونيسيا وماليزيا
والكثير من الدول الاسلامية في افريقيا. والمشكلة الرئيسية هي مع
الدول العربية التي ما تزال تحكمها قبائل وعشائر وعوائل. وتتميز
الانظمة العربية بأسوأ أداء بين أي مجموعة من الدول خلال العقود
الثلاثة الماضية. دعني اقدم لك مثالاً واحداً، فمعرفة القراءة
والكتابة في العالم العربي مماثلة تقريبا في معدلها لما هو عليه
الحال في افريقيا السوداء، غير ان معرفة القراءة والكتابة في صفوف
النساء في العالم العربي هي ادنى في معدلها، حتى من افريقيا السوداء.
ويحدث هذا على الرغم من تريليونات الدولارات من اموال النفط.
هناك الملايين من العرب المثقفين المتعطشين الى الحرية والكرامة
والحياة الافضل. وهؤلاء يرفضون ان تتحدد مصائرهم على يد دكتاتوريين
شبه أميين غالباً، وهم مستعدون للكفاح من اجل نظام حكم افضل. وفي هذا
الكفاح والصراع يجب ان يقف الغرب الى جانبهم. ليس هناك صدام حضارات.
ان الحضارتين الغربية والاسلامية تقفان في الجانب ذاته في صراع عالمي
ضد التخلف والاستبداد والارهاب. |