السعودية: تأمين مهرب للرئيس العراقي
قبل بدء معركة بغداد الحاسمة في الحرب الأنجلوأميركية على العراق،
كانت ثمة محاولات جادة تجري وبوتيرة متسارعة في عواصم كل من سوريا
والسعودية وتركيا. فالسعودية التي ما فتئت توظف نشاطها الدبلوماسي في
الاسبوعين الأخيرين من مارس الماضي من أجل وقف الحرب على أساس صفقة
سياسية تحقق مهرباً آمناً للرئيس العراقي في مقابل وقف الحرب، كانت
قد كرّست بعض رجال استخباراتها للقيام بمهمة في غاية السرية والأهمية
كجزء من مهمة اللحظة الأخيرة.
فقد ذكرت مصادر صحافية غربية بأن رحلة باول الى أنقره في الثاني
من أبريل كانت تحمل أهدافاً تتصل بدرجة أساسية بمحادثات حول إستسلام
العراق أكثر من كونها متصلة بالسلوك التركي الفاتر إزاء موضوع
التعاون مع المجهود الحربي الأميركي. فالموفدون السعوديون طاروا من
بغداد عبر العاصمة السورية دمشق ليلتقوا بوجه خاص بالوزير باول
وتسليمه إجابات من بغداد وإشارات تفيد بأن ثمة استعداداً لدى الجانب
العراقي للدخول في مفاوضات سرية بين الأميركيين والعراقيين بنيابة
سعودية، أي أن صفقة سياسية يراد لها أن تتم من أجل إنهاء الحرب وهروب
الرئيس العراقي صدام حسين.
فالسبب إذن، حسب تلك المصادر الصحافية الغربية، والذي أرسل من
أجله الرئيس بوش وزير خارجيته الى تركيا بدلاً من مبعوثه الخاص زلماي
خليلزاد كان، أي السبب حسب ما تصف هذه المصادر الصحافية هو السخط
السعودي من خليلزاد الذي تتهمه الحكومة السعودية بأنه لعب دوراً
رئيسياً في الحرب الأفغانية لتقويض سمعة المملكة في الولايات المتحدة
ووصم الأمراء باعتبارهم مموّلين لتنظيم القاعدة الارهابي. باول، على
العكس من ذلك، يحتفظ بعلاقات تعاونية ودافئة بولي العهد السعودي
الأمير عبد الله بن عبد العزيز منذ بعض الأسابيع التي سبقت الحرب على
العراق.
فالمراهنة السعودية القوية في الحاصل النهائي للأزمة العراقية
تعود الى أن السعودية هي الحكومة العربية الوحيدة التي تسعى لتطوير
روابط مع القبائل السنية في العراق قبل وخلال الحرب العسكرية. فضباط
المخابرات السعوديون والذين يعتقد بأنهم قاموا بزيارات متكررة للعراق
خلال الاشتباكات العسكرية في الاسبوعين الأخيرين من مارس الماضي قد
يكون أيضاً حضروا اجتماعاً سرياً مع باول في أنقره.
وذكرت بعض المصادر الصحافية الغربية بأن السعوديين فتحوا خطاً
مباشراً مع صدام حسين وإبنيه عدي وقصي. وحسب المصادر الصحافية تلك
بأن المحادثات السعودية العراقية سلّطت الضوء على شروط قبول صدام
للمنفى والتي تشمل ضمانات من أجل عدم المساس بحساباته البنكية الخاصة
أو سرية حجم ثروته وتوفير مكان آمن له ولأبنائه وعائلته.
في الأيام التي سبقت إعلان الحرب على العراق وافقت واشنطن على
مجرد طريق آمن لصدام وإثني عشر من أعضاء عائلته المقربين للهروب من
العراق. أما مصير الباقين، فقد كان التصميم الأميركي نهائياً في
القبض على محاكمة القادة العسكريين والسياسيين العراقيين باعتبارهم
مجرمي حرب.
ورغم أن صدام حسين رفض العرض الأميركي، وهذا ما عجّل بقرار إطلاق
الصواريخ والطائرات العسكرية نحو العراق في العشرين من مارس الماضي،
أي بعد ثمان وأربعين ساعة من المهلة النهائية التي أعطاها الرئيس
الأميركي بوش للرئيس العراقي صدام حسين، الا أن الموفدين السعوديين
أبقوا على قنوات الإتصال مفتوحة مع كل من القبائل السنية وعشيرة صدام
حسين. فقد وعد الموفدون السعوديون زعامات القبائل السنية بتوفير كل
ما يحتاجونه من المال والطعام والدواء وباقي الاشياء الضرورية سواء
خلال الحرب أو بعدها. فقد توصلوا مع وجود صدام على رأس السلطة الى
تفاهم بأنهم ـ السعوديون سيتحملوا مهمة توفير الحاجات الأساسية
للقبائل السنية فور انفراط عرى السلطة وانحسارها مع تضييق قوات
التحالف الخناق على النظام.
إن المخاوف الأميركية من ضلوع أطراف مجاورة في مساعدة النظام
العراقي في الحرب قد تركزت على الحدود الغربية والشمالية الغربية
للعراق وخصوصاً سوريا التي تصنّف واشنطن رئيسها في خانة الحلفاء
للرئيس صدام حسين، ولعل ذلك ما دفع بوزير الدفاع الأميركي دونالد
رامسفيلد الى توجيه رسالة شفوية وعبر وسائل الاعلام الدولية تحمل
إخطاراً بلهجة تقترب من الانذار من تورط سوريا في ترتيبات سرية مع
النظام العراقي بما يشكل ضرراً بالأجندة السياسية والعسكرية
الأميركية.
ولكن ما لم يجر الكشف عنه هو الدور السعودي في تسهيل عملية هروب
صدام حسين وعائلته من العراق الى سوريا وربما من هناك الى الرياض او
مدينة أخرى داخل المملكة. وعلى أية حال، فإن الترتيبات السورية
السعودية من أجل مساعدة صدام على الهرب قبل إحكام القبضة الأميركية
على بغداد قد سببّ إزعاجاً شديداً لواشنطن التي اعتبرت التحركات
السورية السعودية مؤامرة ضدها بما يجهض الهدف الذي من أجله زار باول
تركيا. وعلى أية حال فإن الترتيبات تلك فشلت ميدانياً بدون أسباب
واضحة ويبدو أن الجانب الأميركي أراد توجيه رسالة عملية لكل من سوريا
والسعودية بأن الترتيبات تلك غير قابلة للتحقق طالما أن الأمور تسير
على غير وفق الإرادة الأميركية.
إن الفشل السريع الذي أطاح بالجهود السرية السعودية قبل وخلال
أيام الحرب الأميركية على العراق من أجل وقف اطلاق النار وتأمين مخرج
طوارىء لرأس النظام في بغداد، قد صاحبه فشل آخر في الدبلوماسية
السياسية العلنية، فالمبادرات السعودية التي تلاحقت قبل وخلال الحرب
من أجل إيصال رسالة تطمينية واضحة لكل من الولايات المتحدة والنظام
العراقي، إنتهت الى نوبة سياسية شديدة بين الرياض وبغداد، حيث وجّه
نائب الرئيس العراقي طه حسين رمضان الذي كان طرفاً مباشراً في
مفاوضات سرية مع الموفدين السعوديين بخصوص تهريب الرئيس العراقي
ومجموعة صغيرة من عائلته وأفراد حكومته، وجّه انتقاداً شديداً
للدعوات السعودية بتنحي الرئيس العراقي عن السلطة واصماً الأمير سعود
الفيصل وزير الخارجية بالعمالة للولايات المتحدة. |