أمريكا والتلويح بالديمقراطية مجدداً
بمقدار ما يبعث الحديث عن الديمقراطية الأمل وسط حشود ضحايا
الاستبداد، فإن ثمة مخاوف أيضاً يثيرها هذا الحديث في الاوساط
الشعبية العربية والاسلامية. فتصريحات الساسة الأميركيين حول تشجيع
ودفع المشاريع الديمقراطية في السعودية وبلدان شرق أوسطية أخرى قد لا
تقل من حيث العدد عن وعود الملوك والأمراء
السعوديين
بإحداث اصلاحات سياسية ذات مضامين ديمقراطية في الحكم، فالتصريحات
الأميركية كما الوعود السعودية تعود الى عهد الرئيس جون كينيدي في
الستينيات.
إن السلوك السياسي الأميركي غير الديمقراطي وخصوصاً خلال السنوات
الأخيرة إذ باتت لغة الساسة الأميركيين تقترب الى حد كبير من لغة
مستبدي العالم الثالث من حيث إعتمادهم قاعدة ''من لم يكن معنا فهو
ضدنا'' يقلل من أهمية التصريحات الأميركية حول الديمقراطية في بلدان
حليفة للولايات المتحدة، طالما أن المصالح الاستراتيجية والحيوية
مكفولة من حكام مستبدين.
كانت الإدارة الأميركية ومازالت ومن خلفها مجموعة من المؤسسات
البحثية والأكاديمية تربط بدرجة وثيقة بين المصالح الحيوية الأميركية
وتشجيع الديمقراطية، فالقضية بالنسبة لهم لا تتعلق من قريب أو بعيد
بدرجة كفاءة شعوب أو دول حليفة للممارسة الديمقراطية بل الى ما
تشكّله الديمقراطية من مصلحة أو مضرّة بالنسبة للولايات المتحدة.
ولطالما نكصت الادارة الأميركية عن تبني خيار ديمقراطي في الشرق
الأوسط لأن الخبراء والباحثين المساهمين في تشكيل أجواء القرار
السياسي الأميركي يرون بأن الديمقراطية تحمل أخطاراً جمة على المصالح
الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، ولذلك كان الرأي المجمع عليه وسط
عدد كبير من الباحثين الأميركيين من الاتجاه المتشدد بأن الديمقراطية
قد تؤدي الى اختطاف السلطة وسقوطها بأيدي المتطرفين، ولطالما أيضاً
أستثنيت السعودية من الاجندة الديمقراطية الأميركية بناءً على مدعيات
قريبة من هذه.
اليوم والولايات المتحدة محاطة بسحابة كثيقة من الشكوك والاتهامات
بسبب عدوانها على العراق وسلوكها السياسي الدولي غير القانوني وغير
الأخلاقي تعيد تشغيل الاسطوانة الديمقراطية مجدداً وهذه المرة بلغة
صارمة وجازمة.
ففي تصريحات مثيرة لرئيس الإستخبارات المركزية الأميركية
(سي.آي.أيه) السابق جيمس وولسي في الرابع من أبريل جاء أن الولايات
المتحدة تخوض الآن الحرب العالمية الرابعة. وقال وولسي بان:''نشر
الديمقراطية في الشرق الأوسط لا بد أن يجعل دولاً مثل مصر والسعودية
تشعر بالقلق''.
وكان وولسي في لقاء أمام حشد من طلبة جامعة لوس أنجلس، قد حذّر
بطريقة مثيرة الرئيس المصري حسني مبارك والأسرة السعودية من أن
الديمقراطية وفق الأسلوب الأميركي آتية في الطريق. وقال بأن واشنطن
ستمضي قدماً باتجاه تدشين شرق أوسط جديد خلال السنوات، وقال
بأن:''العقود المقبلة سوف تجعل الكثيرين في غاية القلق''. وقال وولسي
مخاطباً الرئيس مبارك والأسرة المالكة في السعودية ''نريدكم أن
تشعروا بالقلق، وأن تدركوا الآن للمرة الرابعة خلال مائة عام أن
الولايات المتحدة وحلفاءها ماضون قدماً، وإننا نقف في صف أكثر من
تخشونهم، يا عائلة مبارك والأسرة المالكة السعودية: نحن نقف في صف
شعبكم''. وأضاف قائلاً:''في الوقت الذي نمضي فيه قدماً بإتجاه شرق
أوسط جديد خلال السنوات وأعتقد العقود القادمة..فسوف نجعل الكثيرين
في غاية القلق. ويجب أن يكون رد فعلنا هو:هذا جيد''.
وفي تطور مواز لهذه التصريحات وتأكيداً على نوايا الإدارة
الاميركية للمضي قدماً حيال تشجيع الاصلاحات السياسية في الشرق
الأوسط وبخاصة مصر والسعودية، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية ما
أطلق عليه ''بيان حقائق'' أعاد تأكيد النقاط التي وردت في الخطة
المعروفة بمبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، أكد
فيه على أن مبادرة الشراكة من شانها زيادة الفرص الاقتصادية
والسياسية والتعليمية للجميع.
ومن المقرر أن يشغل نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد أرميتاج
منصب منسق المبادرة، وسيدير المبادرة مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع
لوزارة الخارجية. وتتضمن المبادر محاور أساسية في عملية الاصلاح على
الطريقة الأميركية وتشمل التعليم والاصلاح الاقتصادي وتطوير القطاع
الخاص وأخيراً دعم المجتمع المدني، وصولاً الى تحقيق شروط الانتقال
الى الديمقراطية.
ويتضمن دعم المجتمع المدني النقاط الرئيسية التالية:
ـ تأهيل ودعم المنظمات غير الحكومية والأفراد المنتمين الى جميع
الفئات السياسية الناشطة في مجال الاصلاح السياسي من خلال آليات
كصندوق ديمقراطية الشرق الأوسط.
ـ التشجيع على إنشاء المزيد من المنظمات غير الحكومية وشركات
وسائل الاتصال المستقلة، ومنظمات إجراء إستطلاعات الرأي والاستفتاءات
الشعبية ومؤسسات الفكر والرأي والجمعيات التجارية كمجموعات من شأنها
خلق أسس ديمقراطية نابضة بالحياة.
ـ دعم برامج من شأنها زيادة شفافية الأنظمة القانونية والتنظيمية
وتحسين إدارة العمل القضائي.
ـ تدريب المرشحين لمناصب سياسية ولأعضاء المجالس البرلمانية
وغيرهم من المسؤولين المنتخبين.
ـ تدريب وتبادل الصحافيين في كل من الصحف التقليدية والصحافة
الالكترونية.
يجب الاشارة هنا الى أن المشروع الديمقراطي الأميركي لم يعد
التعامل معه محايداً ونزيهاً بل هناك من يضعه في سياق مشروع سياسي
أميركي لتشديد القبضة على منطقة الشرق الأوسط. فالديمقراطية كما
الاسلام بالنسبة للسعودية أصبحت جزءا من لعبة سياسية تديرها الولايات
المتحدة ضد حلفائها اللدودين، فرغم ما تمثله كأيديولوجية مشرعنة
للنظام السياسي الأميركي، فإن الديمقراطية، كما تديرها وتقدّمها
وتهدد بها الادارة الاميركية، أصبحت سلاحاً سياسياً ضد الأنظمة
السياسية، وأداة إمبريالية ضد شعوب المنطقة. |