السعودية ومخاوف ما بعد الحرب
الحرب على العراق خلقت بوادر عاصفة سياسية وشيكة ستشهدها المنطقة،
ولابد أنها قوّضت الهدوء النسبي الذي كان يسود الحدود الخارجية
للمملكة، ولكن ثمة متغيرات سريعة تنذر ليس بتوتير الاجواء السياسية
الاقليمية بل وما ستحمله من متغيرات جيوسياسية، فثمة مخاوف تتنامى في
الوسطين الرسمي والشعبي في السعودية بأن المملكة قد تكون الهدف
التالي في قائمة الحرب الأميركية. بيان عدد من رجال الدين في التيار
السلفي قبل اندلاع الحرب على العراق قد أشار بقوة الى أن الحرب على
العراق ما هي الا مقدمة لإعلان الحرب على الاسلام المتمثل في الحركة
الوهابية. فهناك ثمة اعتقاد بأن الولايات المتحدة لن تتوقف عند
العراق، بل هناك إتجاه في الادارة الاميركية حسب بعض السعوديين يدعو
الى مواصلة
الحرب لتصفية التيار الراديكالي الديني في السعودية باعتباره المسؤول
الأول عن تنمية مشاعر العداء ضد الولايات المتحدة وعلى تعاليمه نشأ
تنظيم القاعدة الذي قاد أفراده الطائرات الانتحارية في الحادي عشر من
سبتمبر. إتجاه آخر يرى بأن الولايات المتحدة ستقوم بفرض خارطة سياسية
جديدة للشرق الأوسط ستفضي الى تخفيض مكانة السعودية ودورها الاقليمي،
وبالتالي فإن الحرب على العراق لن تنتهي حسب الصحافة السعودية الا
وستبدأ في أجزاء أخرى من المنطقة وفقاً لاستراتيجية أميركية تستهدف
أساساً إعادة رسم خريطتها السياسية.
يتحدث كثير من السعوديين وبخاصة المنتمين للمؤسسة الدينية وعلى
شاشات التلفزيون الحكومي بكثير من الصراحة عن عدائهم للولايات
المتحدة، بل وتحليل طبيعة العلاقة بين الأخيرة وبلادهم فقد باتوا
يدركون أن أهمية السعودية بالنسبة للولايات المتحدة تعود الى ما
تملكه الاولى من احتياطي نفطي هائل، وهو ذات المبرر الذي أشعل فتيل
الحرب الأميركية على العراق، التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث
حجم الاحتياطي النفطي في العالم.
فقد كان الهدف من الحرب كما هو واضح ومتداول أيضاً هو أن العراق
سيلي السعودية في موضوعات كثيرة وأهمها النفط. فالحرب من أجل النفط
ليس شعاراً مناهضاً للولايات المتحدة بل بات جزءاً أساسياً من تحليل
شديد التعقيد، فقد بات النفط يحرّك كل قرار وهجوم أميركي على العراق.
ولذلك فإن بوش وتشيني أصرّا على شن الحرب على العراق سواء كان ذلك
مبنياً على موافقة أو عدم موافقة الامم المتحدة فهذه الحرب هي حرب
النفط ولابد ان تقع حسب اللوموند الفرنسي.
الاستراتيجية الأميركية في الحرب على العراق تستند على رؤية
سياسية تقول بأن تغيير الحكم في بغداد من شأنه أن يغّير خارطة
المنطقة بأكملها، فيما يعتقد فريق من دعاة الديمقراطية في السياسة
الأميركية بأن إقامة نظام ديمقراطي في العراق سيكون عاملاً مساعداً
لتغيير ديمقراطي في كل المنطقة، مما يمكّن الولايات المتحدة من
ممارسة ضغوطٍ متزايدة على السعودية لإجراء إصلاحات سياسية، والتي
مازالت تواجه من قوتين معارضتين: الجناح السديري والمؤسسة الدينية،
وهما بالمناسبة يلتزمان موقفاً معارضاً للحرب على العراق لنفس
المبرر.
السعودية تخشى ما يدور في الذهنية السياسية الأميركية، فقد باتت
عاجزة الآن عن التنبوء بما يدور في الدوائر السياسية بواشنطن وخصوصاً
حين يرتبط الأمر بالموقف منها بعد الحرب. غير أن ثمة قلقاً يتزايد في
الرياض من أن هناك في واشنطن من يريد إنهاء حكمها أو إضعافه الى
القدر الذي يجعلها خاضعة لإملاءات المرحلة القادمة.
السعودية أصرّت على محاربة فكرة تقسيم العراق وناضلت من أجل إخماد
الأصوات التي تحاول إثارة موضوع التقسيم، لا لأن السعودية حريصة على
وحدة التراب العراقي، بل لأنها تخشى من إنتقال العدوى الى بلادها،
فهي تدرك بأن التقسيم في العراق يعني وفقا للخطوط الدينية والعرقية
اقامة معقل شيعي بالقرب من الحدود الأمر الذي يمكن أن يحرض الأقلية
الشيعية في المملكة.
وإذا كانت تلك الافكار المخيفة تواجه في السابق رفضاً ومن واشنطن
قبل الرياض وبناءً على عقيدة السعودية بأن تحالفها مع واشنطن وحده
كفيل بدرء خطر التقسيم عنها، فإن تلك الأفكار باتت تصدر من واشنطن
نفسها، أي من حليفها الاستراتيجي الذي يرى منذ أحداث الحادي عشر من
سبتمبر بأن التخلص من العائلة المالكة بات خياراً مفضّلاً من أجل
تحديث السعودية سياسياً وأيضاً للتخلص من تهديدات كامنة مازال التيار
الديني وثقافته الراديكالية يشكلها ضد الولايات المتحدة. وبحسب
مراقبين غربيين فإن وجود القوات الأميركية في المنطقة وقيام حكم
سياسي في بغداد تدعمه واشنطن سيشجّع كثير من السعوديين على التحرك من
أجل الضغط على العائلة المالكة كيما تدخل إصلاحات سياسية جوهرية في
الحكم أو سيضطرون للجوء الى واشنطن من أجل تحقيق هذا الغرض. |