العائلة المالكة ومرض البارانويا
هل العائلة المالكة مصابة بمرض البارانويا بحيث تشكّ في كل ما
حولها ومن حولها، حتى المقربين منها بحيث بات التغيير مرضاً تخشى
الاصابة به أو أن تغيير الوجوه المألوفة وتوسيع دائرة المشاركة يصيب
العائلة المالكة بالفزع.
لماذا يتم إختيار الوزارة من عوائل وطبقات إجتماعية وحرفية معينة،
بحيث أن تغيير الاسماء لا يغيّر في معايير الاختيار، وكأن العائلة
المالكة لم تعد تضع ثقتها سوى في فئة محدودة رغم وجود كفاءات إدارية
عالية ورغم الحاجة شديدة الالحاح من أجل توسيع المشاركة السياسية
وتحقيق الاندماج الوطني الشامل.
خيبة الأمل والاحباط وربما اليأس من خروج مولود الاصلاح من رحم
الحكومة تدفع كثيرين للإعتقاد بأن التغيير الوزاري الأخير ما هو الا
رسالة شديدة الوضوح بأن فكرة الاصلاح غير واردة في الأجندة السياسية
لدى العائلة المالكة.
إن الاصرار على الاكتفاء بمجموعة صغيرة الحجم تختارهم العائلة
المالكة لادارة بلد قد تضاعفت فيه الكفاءات الادارية والفنية عشرات
المرات خلال العقود الثلاثة الاخيرة، اضافة الى ضرورة توسيع قاعدة
التمثيل في الجهاز الاداري كمقدمة لتحقيق الاندماج من أعلى نزولاً
الى كافة أضلع الجهاز البيروقراطي، هذا الاصرار على الاهمال المتعمد
لكل ذلك لا بد أن يثير أسئلة حول سيكولوجية القيادة السعودية
المعروفة بشكها وترددها.
لماذا يخضع المرشحون للوزارة الى إختبارات قاسية، تدور كلها حول
سؤال مركزي ''كيف ولاؤه؟'' أي كيف هو ولاء هذا المرشح أو ذاك للعائلة
المالكة قبل أن يتم وضع إسمه ضمن قائمة إختيارات الملك أو من بيده
سلطة تعيين الوزراء. فالعائلة المالكة لا تريد وزيراً لا يضع مصلحتها
فوق مصلحة الجميع بما في ذلك الوطن، ولذلك فإن الوزراء من ذوي النزعة
الوطنية ليس لهم مكان في الوزارة لأنهم يشكّلون خطراً على العائلة
المالكة.
أن يكون الوزير فاسداً مرتشياً كسولاً خير له من أن يكون ضعيف
الولاء للعائلة المالكة. ينقل أن أحد الوزراء لوحظ إهتمامه بإنجاح
وزارته وتحقيق إنجازات ما في عهده وتطهير الدوائر التابعة لوزارته من
الفساد، فأثار ذلك إنتباه العائلة المالكة التي بدأت تطلق أمواجاً من
الشك والريبة حوله، فوصلته الرسائل من أطراف عديدة وبصورة غير مباشرة
بأن (الكبار غير راضين) عن سلوكك ولا بد أن تسعى لتحسين صورتك
أمامهم. وحين لم يفهم الرسالة بوضوح، أخبره من (عُيّن) لإيصال رسالة
العائلة المالكة الى من تريد من وزرائها كيما (يصحح) مساره ويعود الى
جادة العائلة المالكة، فاضطر للالتحاق بالركب.
الوزارة الأخيرة، وبخلاف التشكيلات الوزارية السابقة، كان يعوّل
عليها كثيراً من قبل البعض ممن يأملون خيراً ويحسنون الظن في لياقة
العائلة المالكة وحصافتها في الاستجابة لشروط المرحلة الراهنة
وتوقعات الناس. الا أن الوزارة جاءت متطابقة مع ما سبقها من تشكيلات
وزارية من حيث شروط الاختيار والاسماء المختارة، وإذا كان ثمة إختلاف
يذكر فهو ما يمكن وصفه بـ (إعادة الوزارة الى الوزارة) حيث كانت بعض
الوزارات، إن لم يكن جميعها، تخضع في السابق لوزارة الداخلية، مثل
الاعلام والحج والتعليم، إذ أمكن القول بأن وزارة الداخلية تمارس
بمفردها دور مجلس الوزراء عن طريق ترؤس وزير الداخلية لعدد من
المجالس العليا.
ولعل هذه واحدة من تعبيرات البارانويا لدى العائلة المالكة، التي
لم تضع ثقتها حتى في الوزراء الذين إختارتهم بعناية وبحسب شروط
ومواصفات خاصة بحيث وضعت عليهم رقيباً وحسيباً من العائلة المالكة.
الوزارة قد لا تكون المثال الوحيد على إصابة العائلة المالكة بمرض
البارانويا ولكنها بلا شك المثال الأشد ظهوراً ووضوحاً. فتقسيمات
الوزارة تكشف الى حد كبير هذا المرض، فإحتكار الوزارات السيادية
وتحديداً الداخلية والدفاع والخارجية يوحي بما نحن بصدده، فهذه
الوزارات تمثل المفاصل الرئيسية للدولة ومفاتيحها الأساسية، إذ بها
يمكن للدولة حماية حدودها الخارجية وأوضاعها الداخلية وهكذا تشكيل
الحلفاء والاصدقاء في كل أرجاء العالم.
هذه الوزارات بقيت منذ نشأة الدولة وحتى الآن تحت سيطرة العائلة
المالكة ولم تسمح لغير أفرادها من تولي أي منها، بل أن العقود
الثلاثة الأخيرة لم تشهد هذه الوزارات أدنى تغيير في هوية الاشخاص
الذين مسكوا زمام هذه الوزارات، فانتقلت البارانويا الى داخل العائلة
المالكة، فصارت وزارة الدفاع قلعة للأمير سلطان وأبنائه وقد أحالها
الى وقف عائلي حيث أعدّ من بعده أبناءه كيما يتولون إدارتها حال موته
أو انتقاله الى منصب أعلى، وهذا الأمر ينطبق على وزارة الداخلية التي
صارت مرتعاً لآل نايف. فقد جعل الأمير نايف الوزارة مملكة مصغّرة لا
يعلم حتى الكبار بما في ذلك الملك وولي العهد ما يدور فيها، وقد أعدّ
إبنه الأمير محمد كيما يتولى هذه الوزارة فيما لو حدث حادث له.
المقربون من العائلة المالكة وخصوصاً من قصور سلطان ونايف وعبد الله
يدركون تماماً سيطرة البارانويا على هؤلاء من حيث القطيعة بين هؤلاء
في مجال إدارة البلاد، فلا الداخلية تطلع ولي العهد الأمير عبد الله
(بحكم نيابته في تولي مهام الملك بسبب مرضه الحالي) بما يجري داخل
الوزارة أو بما يرتبط بالأوضاع الداخلية الخاضعة تحت مسؤولية الأمير
نايف، وهكذا الحال بالنسبة لوزارة الدفاع التي لم يعد خافياً خروجها
التام عن سيطرة ولي العهد.
وأخيراً، تتجلي البارانويا في بقاء الملك فهد في العرش حتى الآن
رغم معرفة الداني والقاصي بعجزه عن القيام بمهام الملك منذ إصابته
بجلطة في الدماغ عام 1996، وليس هناك من تفسير سوى أن الأمراء مصابون
بالبارانويا بحيث يشك كل واحد منهم في صاحبه وأن عزل الملك قد يؤدي
الى حرمان سلطان ونايف وآخرين ما بحوزتهم على يد الملك القادم. |