ماذا دهى الجنوب؟
التأصيل والتحريض نجدي.. والتنفيذ جنوبي!
غالبية السعوديين الذين قاموا بتفجيرات نيويورك كانوا سعوديين من
منطقة الجنوب. لماذا؟ حاول بعض الصحافيين الغربيين الإجابة على هذا
التساؤل، فسافروا الى المنطقة الجنوبية واجتمعوا ببعض فعالياتها،
واكتشفوا واحداً من عناصر المشكلة: الفقر والإنحطاط والتأخر
الإقتصادي. بيوت صفيح وأدنى من ذلك، وبطالة واسعة، وغياب شبه تام
لبرامج التنمية.. الخ.
وحين أعلنت وزارة الداخلية معظم أسماء الذين قاموا بتفجيرات
الرياض الأخيرة تبيّن مرّة أخرى أن معظمهم من منطقة الجنوب. فأثير
التساؤل آنف الذكر عند الصحافيين وفي مواقع الإنترنت، لأن الدوافع
الإقتصادية لا تشكّل إجابة حاسمة في تفسير الأمر.
قد نجد في ثنايا التاريخ والثقافة ولعبة السياسة المحلية بعض
مفاتيح تفكيك اللغز. فمنطقة الجنوب رغم التنوّع المذهبي فيها، هي
المنطقة الوحيدة بين مناطق الجزيرة العربية التي لم يكن لها تراث
مذهبي ضارب الجذور. فالإسماعيليون في نجران، والزيود، والشوافع
متواجدون في المنطقة، لكن بالقياس الى الحجاز والمنطقة الشرقية
اللتان كانتا مركزاً مشعّاً لكل المذاهب الإسلامية، فإن منطقة الجنوب
هي الوحيدة التي استطاع المذهب الوهابي اختراق بعض مناطقها، كما يذكر
ذلك بوضوح حافظ وهبة في كتابه جزيرة العرب في القرن العشرين. ربما
لهذا السبب، إضافة الى تشابه الطبيعة القبلية مع نجد، استطاعت
الوهابية ان توجد لها موطئ قدم فيها، وإن فشلت في المناطق الأخرى
بشكل واضح في عملية التبشير المذهبي.
ولمّا احتدم الصراع على مواقع النفوذ بين الحجاز ونجد خاصة في
السبعينيات والثمانينات، رأت النخبة النجدية وفي سبيل تجريد
الحجازيين من مواقعهم، الإستعانة بالجنوب في المعركة كلاعبين ثانويين
يقادون نجدياً. فعلى سبيل المثال كانت قيادة الجيش حجازية وكانت
الرتب الوسيطة والقاعدة خليطاً يغلب عليه النجديون، وخلال سنوات
أُقصي الحجازيون في الهرم الأعلى، واحتلّ الجنوبيون الحلفاء
الثانويون مواقع المراتب الدنيا. وحدث أمرُ شبيه بذلك ـ وعلى مستوى
أقل ـ في الجهاز الأمني، وقيل أن النجديين حاولوا تكرار الأمر على
الصعيد الإعلامي والثقافي، ولكن قابلية الجنوب لذلك كانت متواضعة.
الفكرة التي نريد أن نوصلها هنا، هي أن النجديين من الناحية
الفعلية أخذوا باستخدام (بعض) سكان الجنوب المتجانسين معهم مذهبياً
في معاركهم الداخلية، وكانت المدرسة الوهابية رأس الحربة في المعركة
في جانبها المذهبي، فقد كانت تبحث عن أتباع تخرج المذهب من وضع
الأقلية التي يعيشها، وعن جنودٍ يطيعون أمر القيادة الدينية
والسياسية والعسكرية النجدية.
الوهابيون يعملون في كل مناطق المملكة، فلم كانت الإستجابة من
الجنوب واضحة؟ ولم نرَ تقسيماً عجيباً للعمل: فالشيخ النجدي يؤصّل
للعنف ويحرّض عليه، ولكن المنفذين والأيادي المستخدمة في كثير منها
جنوبية؟ والسؤال الأهم في كل هذا، لماذا لم يتم التعامل مع الفرد
الجنوبي الوهابي على قدم المساواة مع الوهابي النجدي، فشيوخ الجنوب
أدنى مرتبة، وموظفيهم كذلك، وعسكرييهم؟ إن الإنتماء للمذهب الوهابي
من خارج الدائرة النجدية لا يرفع الفرد الى مستوى المساواة كما
تفرضها العقيدة الدينية، لأن المذهب في أصوله وقيادته نجدي، وشحنة
المناطقية فيه طغت على جانب عالمية الإسلام، في حين أن الجنوبي يرى
عالمية الإسلام، ولم يتنبّه الى نجدية المذهب.
هل أوضحنا الأمر؟ أو بعضاً منه؟ ربما! |