في مذكرة لهيومن رايتس ووتش الى ولي العهد السعودي مطالبة
بمراقبة الإنتهاكات
لا مكافحة للإرهاب بدون الإصلاحات السياسية والقانونية
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في 28/5/2003 إن الحكومة السعودية
وبعد مرور عام على إدخال إصلاحات في نظام العدالة الجنائية أصبح
لزاماً عليها أن تكشف على الملأ ما اتخذته من خطوات ملموسة من أجل
الارتقاء بالضمانات الواقية
من الانتهاكات المستمرة منذ أمد طويل. وقد بدأ سريان نظام الإجراءات
الجزائية الجديد بالمملكة في مايو 2002. مذكرة منظمة هيومن رايتس
ووتش إلى ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز (أرسلت في
6 مايو) كانت تحت عنوان: (نظام الإجراءات الجزائية في المملكة
العربية السعودية: توصيات لحماية حقوق الإنسان الأساسية). جدير
بالذكر أن الحكومة السعودية لا تسمح لمنظمات حقوق الإنسان الدولية
بإجراء تحقيقات في المملكة، الأمر الذي يحول دون إجراء تقييم مستقل
لتنفيذ هذا القانون في الواقع الفعلي.
في المذكرة المرسلة الى ولي العهد، حددت المنظمة ثمانية مجالات
تتعرض فيها حقوق المشتبه فيهم جنائيا للانتهاك المنهجي، ومن بينها:
استخدام التعذيب والتهديدات للحصول على الاعترافات، وعدم استجابة
القضاء للمزاعم الفردية الخاصة بسوء المعاملة، وعقد المحاكمات بدون
إخطار محامي الدفاع أو مشاركتهم. رغم أن القانون الحكومي الجديد
يتضمن حظر استخدم التعذيب والمعاملة المهينة، كما يعترف بحق المشتبه
فيه في حضور محام عنه في أثناء التحقيقات والمحاكمات الجنائية.
وقال هاني مجلي، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
بمنظمة هيومن رايتس ووتش: (إن نظام الإجراءات الجزائية السعودي
الجديد يتضمن بعض التحسينات الهامة، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت
هذه التحسينات تطبّق فعلا أم لا. ولذلك يجب على الحكومة السعودية أن
تجيب على بعض التساؤلات الأساسية حول كيفية سير نظام العدالة الآن).
وكانت الحكومة السعودية قد سمحت لأول مرة في يناير/كانون الثاني
2003 لوفد رسمي من منظمة هيومن رايتس ووتش بزيارة المملكة، حيث كان
إصلاح نظام العدالة الجنائية من الموضوعات الأساسية للمباحثات بين
الوفد والوزراء السعوديين وغيرهم من كبار المسؤولين بالمملكة.
وفي مذكرتها إلى ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، انتقدت
المنظمة أسلوب احتجاز المشتبه فيهم لمدد طويلة دون السماح لهم
بالاتصال بأحد خارج المعتقل، بينما يقوم رجال المباحث في وزارة
الداخلية عادة بالتحقيق معهم بصورة تنطوي على سوء المعاملة وغيرها من
الانتهاكات، ودعت المنظمة إلى السماح للمعتقلين بالاتصال فورا
بمحاميهم وأفراد أسرهم. كما سلطت هيومن رايتس ووتش الضوء على ما تقوم
به وزارة الداخلية من إرغام المعتقلين قبل الإفراج عنهم على توقيع
أقوال تفيد أنهم لم يتعرضوا للمعاملة السيئة، ويتعهدون فيها بعدم
البوح بأي تفاصيل عن عملية التحقيق. ودعت هيومن رايتس ووتش إلى
التحقيق في هذه الممارسات ووضع حد لها على الفور.
كما أوصت هيومن رايتس ووتش بإصدار تعليمات لجميع القضاة في
المملكة بضرورة الأمر بإجراء التحقيقات اللازمة متى وردت في أثناء
المحاكمات ادعاءات جديرة بالتصديق من جانب المشتبه فيهم عن استخدام
التعذيب أو غيره من صنوف الانتهاكات لإرغامهم على الاعتراف، وذلك وفق
مقتضيات اتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة
القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وجدير بالذكر أن السعودية أصبحت
طرفا في هذه الاتفاقية في عام 1997، وأن أحكامها يمكن الاستشهاد بها
أمام المحاكم السعودية.
وأضافت المنظمة بأن المحاكمات المغلقة يجب أن تكون هي الاستثناء،
لا القاعدة في المملكة، وإن الأطراف المعنية ـ أي الأسر ومحامي
الدفاع وغيرهم من الوكلاء القانونيين والمسؤولين القنصليين ـ يجب
إبلاغها دائما بمكان المحاكمات وتواريخها. ولا يجب بأي حال من
الأحوال منع الوكلاء القانونيين من حضور أي محاكمة وتمثيل موكليهم
فيها.
وتشير مذكرة المنظمة إلى شكوى الحكومة الكندية في أبريل 2002 بشأن
إجراءات المحاكمة والاستئناف الخاصة بمواطنها ويليام سمبسون، وهو أحد
الأجانب السبعة المتهمين بتنفيذ تفجيرات ضد مواطنين غربيين في عامي
2000 و2001. وقالت وزارة الخارجية الكندية إنها علمت (أن المحاكمة
عقدت سراً، بل وأن محامي سمبسون لم يبلغ بها، كما لم يكن هناك وكيل
قانوني يمثل السيد سمبسون في الاستئنافين التاليين أيضا. وقد أكدت
لنا السلطات السعودية أن السيد سمسبون سوف يتسنى له الاستعانة بوكيل
قانوني، ولم يكن هناك ما يوحي بأن المحاكمات ستجرى سراً). وبعد مضي
ثلاثة أشهر أخرى، حصلت السلطات الكندية على إخطار رسمي من الحكومة
السعودية بأن سمبسون قد حوكم سراً وحُكم عليه بالإعدام.
وقال مجلي: (إن الشفافية في نظام العدالة الجنائية معيار هام من
معايير الإصلاح، وعلى السلطات السعودية أن توضح كيف يمكن للعامة أن
يحصلوا على معلومات عن إجراءات المحاكمات الجنائية والأحكام
القضائية). وتنص المادة 182 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي
الجديد على وجوب تلاوة حكم المحكمة في جلسة علنية حتى ولو كانت
الدعوى نظرت في جلسات سرية؛ وتشير المادة إلى أن الجمهور من حقه
الاطلاع على المعلومات وثيقة الصلة بجميع المحاكمات، بما في ذلك (إسم
المحكمة التي أصدرته، وتاريخ إصداره، وأسماء القضاة، وأسماء الخصوم،
والجريمة موضوع الدعوى، وملخص لما قدمه الخصوم من طلبات، أو دفاع،
وما اُستُنِد عليه من الأدلة والحجج، ومراحل الدعوى، ثم أسباب الحكم
ونصه ومستنده الشرعي، وهل صدر بالإجماع، أو بالأغلبية).
كما أعربت منظمة هيومن رايتس ووتش أيضا عن قلقها بشأن مدى توافر
المساعدة القانونية للآلاف من الأشخاص المعتقلين حالياً ريثما تتم
محاكمتهم في المحاكم السعودية. ففي يناير 2003 أخبر مدير مصلحة
السجون التابعة لوزارة الداخلية، اللواء د. علي بن حسين الحارثي،
منظمة هيومن رايتس ووتش أنه يوجد حوالي 13 ألفاً من الرجال والنساء
في السجون السعودية، لم تصدر ضدهم أحكام بالإدانة بعد، ومنهم حوالي
ستة آلاف من العمال المهاجرين وغيرهم من الأجانب.
وينص نظام الإجراءات الجزائية السعودي على حق كل متهم في
الاستعانة بالمساعدة القانونية في أثناء التحقيق والمحاكمة، على
الرغم من أنه لا يضمن صراحة حق الاستعانة بمحام لمن لا يقدرون على
تحمل أتعاب المحاماة. وقالت المنظمة إن على الحكومة السعودية توضيح
الخطوات التي اتخذتها ضماناً لهذا الحق.
لا بدّ من الإصلاحات لمكافحة الإرهاب
على صعيد آخر، قالت المنظمة في بيان نشر في 21/5/2003 إن الحملة
الأخيرة لمكافحة الإرهاب تستوجب من الحكومة السعودية التعجيل
بالإصلاحات القانونية والسياسية التي تعد بها منذ أمدٍ طويل.
وكان وفد من المنظمة الذي زار السعودية بدعوة رسمية في يناير
الماضي، قد تلقى تأكيدات من وزراء وكبار المسؤولين الحكوميين وبشكل
متكرر بأن الحكومة ماضية في إجراء إصلاحات قانونية وسياسية كبرى؛
وتدليلاً على ذلك، استشهد المسؤولون (بنظام الإجراءات الجزائية)
الجديد الذي يمنح المعتقلين والسجناء مزيداً من الحقوق، وبالجهود
المبذولة لإعداد المزيد من النساء للمشاركة في سوق العمل، وتشكيل
لجان عمالية في الشركات الكبيرة، وتوفير حماية أكبر للعاملين
المهاجرين. وقال مسؤولون سعوديون إن الشرطة الدينية (هيئة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر) بدأت هي الأخرى بالجنوح إلى الاعتدال في
أنشطتها؛ بيد أنهم لم يعترفوا بأن تنفيذ القوانين، ولا سيما القانون
الجديد، ما زال يمثل مشكلة.
وقال هاني مجلي، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط: (إن هذا
النوع من الإصلاح القانوني الذي يعد المسؤولون السعوديون بإجرائه منذ
حين تتعاظم أهميته في سياق حملة كبرى من الإجراءات الأمنية الصارمة؛
ومثل هذه الإجراءات الأشد صرامة وحدها ليست حلاً طويل الأجل). وحث
مجلي الحكومة السعودية على مكافحة خطر الإرهاب لا من خلال تدابير
تنفيذ القانون فحسب، بل أيضاً بمعالجة العوامل التي تولد الشعور
بالعزلة والاغتراب وتفرز العنف، بما في ذلك النظام السياسي الذي لا
يسمح بهامش للمعارضة السلمية.
وقال مجلي إن: (مبادرات مكافحة الإرهاب الأمريكية السعودية، التي
تمت صياغتها في إطار مجموعة عمل مشتركة في العام الماضي، يجب أن تشمل
تحسينات محددة على صعيد حقوق الإنسان لتقليص قدرة العناصر المتشددة
التي تلجأ إلى العنف على اجتذاب وتجنيد عناصر جديدة في صفوفها). وحث
مجلي الحكومة السعودية على وضع جدول أعمال وإطار زمني للإصلاحات.
وجدير بالذكر أن المرسوم الملكي الصادر عام 2001، الذي ينظم
ممارسة المحاماة، و(نظام الإجراءات الجزائية) الذي تمت الموافقة عليه
عام 2002، يكفلان حق المتهم في الاستعانة بمحامٍ أثناء التحقيق
والمحاكمة؛ وفي وقت سابق من شهر مايو، أعلنت الحكومة السعودية أنه
يجري إنشاء منظمات أهلية لحقوق الإنسان ولجنة وطنية مستقلة معنية
بحقوق الإنسان. وفي 17 مايو من مايو، تعهد العاهل السعودي الملك فهد
بن عبد العزيز، في الكلمة التي وجهها في افتتاح أعمال مجلس الشورى
السعودي، المؤلف من 120 عضواً جميعهم معيَّنون - تعهد بأن تستمر
الحكومة في طريق الإصلاح السياسي والإداري، والعمل على مراجعة
الأنظمة والتعليمات؛ ولم يورد الملك فهد تفصيلات بهذا الشأن، ولكنه
أردف قائلاً إن الحكومة ستعمل على إحكام الرقابة على أداء الأجهزة
الحكومية وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية وفتح آفاق أوسع لعمل المرأة
في إطار تعاليم الشريعة.
وما برح بعض المواطنين السعوديين يطالبون بإجراء إصلاحات في
البلاد؛ فقد قُدِّمت عريضة وقع عليها 104 مواطنين سعوديين إلى ولي
العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، طالبوا فيها الحكومة
بالقيام بمبادرات توحي بأنها (جادة بشأن الإصلاح)؛ وحثت العريضة
الحكومة على إصدار عفو عن جميع السجناء السياسيين، ووضع حد للمارسات
التعسفية التي تفرض قيوداً على النقاش العلني، مثل حظر السفر،
والتهديد بالسجن، والفصل من الوظائف، وحظر المطبوعات.
وشملت التوصيات الأخرى إنشاء مجلس تشريعي وطني منتخب، وسلطة
قضائية مستقلة، نظرياً وعملياً، ووضع ضمانات تكفل حرية التعبير،
وحرية التجمع، وحرية تكوين الجمعيات والانتماء إليها، ومنح المرأة
دوراً أكبر. ودعا الموقعون على العريضة إلى حوار وطني بين الحكام
والمحكومين، يقوم على أساس إنهاء ثقافة الاستبعاد. كما دعت العريضة
إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان، والترخيص القانوني للمؤسسات المدنية
المستقلة بكافة أنواعها.
من جهتها حثت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة على عدم وضع المشتبه
فيهم، المعتقلين في إطار حملة مكافحة الإرهاب، رهن الاحتجاز الطويل
الأمد في عزلة عن العالم الخارجي، أو تعذيبهم لانتزاع معلومات أو
اعترافات منهم. وإذا ما تم تحريك الدعوى الجنائية ضد المتشددين
المشتبه فيهم وتقديمهم للمحاكمة، فيجب أن تُتاح لهم كافة ضمانات
الإنصاف القانوني التي يحق لهم الحصول عليها بموجب القانون السعودي
والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك حقهم في الاستعانة
بمحامين، وفي تلقي محاكمة عادلة. |