ستيفن شوارتز في كتابه الأخير عن تحوّل آل سعود الى الإرهاب
الملكية السعودية يجب أن تكون مجرد رمز مركزي للدولة
الكتابات حول المخزون الراديكالي في أدبيات التيار الديني السلفي
المتشدد أخذت أبعاداً واسعة، وسيطرت على إهتمام عدد كبير من الباحثين
والمراقبين من أجل العثور على مزيد من الأدلة حول علاقة الوهابية
بالعنف السياسي، واكتشاف مكامن جديدة في هذه العقيدة من أجل درء
أخطاء وأخطار غير مستدركة في قائمة المخاطر المتوقعة. ستيفن شوارتشر
يعتبر أحد الباحثين الأميركيين المتخصصين في الإسلام السياسي وبوجه
التحديد الوهابية السياسية، وهو من كبار المحلليين السياسيين
العاملين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية ومقرّها في واشنطن العاصمة،
ويعمل بصفة مراسل صحافي عمل لحساب صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل، وقد
غطّى أحداث البلقان في التسعينيات، وله كتابات عديدة كان آخرها كتاب
بعنوان (وجها الإسلام: البيت السعودي من التقليدية الى الارهاب، وقد
صدر في نهاية عام 2002.
في كلمة له أمام منبر الشرق الأوسط في نيويورك، تحدث شوارتز في
نهاية فبراير الماضي عن تصاعد الخطر الوهابي ضد الولايات المتحدة
والعالم. وقال بأن القاعدة تمثّل الوهابية في شكلها الأشدّ وضوحاً،
كعقيدة أصولية عنفية ترفض كافة أشكال الاسلام غير الوهابي، وخصوصاً
الاشكال الروحية للاسلام. الوهابية مذهب توسعي غير متسامح مع الشيعة،
واليهودية والمسيحية والهندوسية، وفي الواقع الوهابيون يسعون لتحدي
وتدمير كافة الأديان والعقائد (بما في ذلك الاسلامية منها). فالتهديد
الوهابي السعودي لا يجب التقليل من شأنه، فهو يتطلب إهتمامنا الشديد،
حسب شوارتز.
وقد تطرق شوارتز الى تاريخ العنف الوهابي، وقال بأنه بخلاف
الاعتقادات الشائعة في الغرب، فإن الوهابية ليست عقيدة اسلامية
قديمة، وأن العائلة السعودية لا تتمتع بمصداقية تاريخية حقيقية لحكم
الجزيرة العربية. وفي واقع الأمر، فإنه منذ تشكل التحالف الوهابي
السعودي قبل 250 عاماً وحتى إقامة الدولة السعودية الحديثة، فإن
الحركة الوهابية السعودية انتشرت عبر الجزيرة العربية من خلال الحاق
الهزيمة البشعة واستعباد العناصر غير الوهابية. يقول شوارتز بان
الجذور المدرسية للقرن التاسع عشر مازالت باقية وتؤكد على التنامي
الدموي للدولة الوهابية السعودية. يقول شوارتز(كتب توماس هوب، الكاتب
البريطاني، بصورة موسّعة حول انتشار الوهابية في الشرق الأوسط. ففي
روايته بعنوان أناستاسيوس، وصف هوب العناصر الوهابية بأنهم متطرفون
متطهّرون يميلون الى الهيمنة على العالم الاسلامي بتبني تكتيكات
القاعدة المحسوبة).
ويقول شوارتز بأن الاتفاق السياسي والثيولوجي بين آل سعود
والوهابيين نجم عن سقوط مكة المكرمة للمرة الثانية والأخيرة عام
1924، معززة قبضتهم على السلطة. وبعد فتح مكة، فإن الثروة النفطية
الهائلة للمملكة إستعملت لتصدير الأيديولوجية الوهابية الراديكالية
عبر العالم. ويضيف بأنه حتى بعد الحادي عشر من سبتمبر فإن
البيروقراطية الوهابية في السعودية استمرت في تنشئة التطرف الديني.
فكثير من الانفجارات التي جرت في مناطق متفرقة من العالم بعد ذلك
التاريخ كانت تموّل من قبل جماعات وهابية. فالمملكة حسب شوارتز هي
مركز العصب للتربية العقائدية والتحريض والتمويل الارهابي.
من وقت لآخر، حسب شوارتز، حاولت النخبة السعودية إرباك الرأي
العام الغربي بإدعاء أنها هي الأخرى هدفاً للارهاب الديني، وليس ذلك
سوى موقفاً تعبيرياً فارغاً لاخفاء تعقيدات الارهاب في هذا البد.
فالسعودية كونها دولة بوليسية، فإن العائلة المالكة كان بإمكانها منذ
زمن طويل تخليص نفسها من العناصر المتطرفة. ولكن الحقيقة الفاضحة هي
أن الجماعات الإرهابية الدولية مثل القاعدة تتلقى دعماً مباشراً من
العلماء السعوديين. ومن أجل استعادة مصداقيتهم في عيون الاتجاهات
الأكثر رجعية بعد سنوات من الانحطاط في المصداقية، فإن العائلة
المالكة بدأت بحملة دولية طموحة لدعم المناصرين للعنف والتطرف في
الجزائر والفلبين.
ويخلص شوارتز الى أن القاعدة لن تعدم الوسيلة للحصول على المال
والمنتمين في السعودية. وواشنطن، حسب شوارتز، بحاجة الى وضع حد
لأوهامها بان العائلة المالكة السعودية هي قوة معتدلة في السياسة
السعودية، بينما الواقع هو أنها هي التي وفّرت غطاءً مالياً وحماية
صلبة للايديولوجية الفاشستية. لسوء الحظ، فإن السعودية لا تعاني من
نقص في عدد التسويغيين الذرائعيين.
وتحدث شوارتز عن مستقبل الخطر الكامن في الوهابية وقال، بعد عقود
من الاضطهاد الثيوقراطي، فإن الغالبية العظمى من الشعب السعودي قد
سأموا هذا الوضع للأسباب التالية: أولاً أن الأقلية الشيعية في
المناطق الجنوبية والشرقية وصلت الى حدّ الإنهاك من الإضطهاد العنفي
الذي عانت منه على أيدي العلماء الوهابيين. ثانياً: أن الشباب
السعودي يريد العيش في مجتمع حديث يمكّنهم من إستغلال ومواهبهم
وطاقاتهم من أجل بناء مستقبل مزدهر. ثالثاً وأخيراً، فإن العلماء غير
الوهابيين قد بدأوا فعلياً بدعوة العائلة المالكة من أجل رفض وبصورة
رسمية الدين الر سمي غير المتسامح واستبداله بتقاليد اسلامية تعددية
على الطريقة العثمانية. ويظهر بوضوح أن آلافاً من الشباب بدأوا
يتوجهون الى الصوفية كتعبير عن الاحتجاج ضد المؤسسة الدينية المؤطرة.
فالانتقال الى النموذج البرلماني المالاوي المفتوح من دولة وسيطة
حالياً لن يكون كارثياً. فالملكية السعودية يمكن لها أن تبقى كإطار
رمزي، مع تركيز السلطة في الجهاز التشريعي التمثيلي. لكن المناصرين
لهذا الرأي غالباً ما يستحضرون النموذج الايراني كنتيجة محتملة. وعلى
أية حال، فإن هذا مجرد مثال تاريخي خاطىء، حيث أن الشعب الايراني لم
يواجه قيوداً صارمة للقانون الاسلامي قبل نشوء الجمهورية الاسلامية.
فالشعب السعودي قد جرّب هذه الصرامة والتشدد بصورة وثيقة ولذلك سأم
منها.
النتيجة التي أراد شوارتز الوصول اليها من عرضه للخطر الوهابي هي
أن السعودية وعقائدها الاسلامية المسلحة تمثل خطراً حاضراً وواضحاً
على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وشدد قائلا على أن الأميركيين
كإدارة يجب أن لا تقبل بعد الآن الوضع الراهن ويجب أن تضغط بقوة على
المملكة من أجل قطع روابطها مع الارهاب. |