السعودية حين تصبح خصماً أميركياً
منذ خروج قوات سلاح الجو الأميركي من القواعد العسكرية السعودية
وانتقالها الى قاعدة العديد بقطر، واللهجة الأميركية حيال السعودية
تتجه نحو التصعيد. فإضافة الى بدء سلسلة جلسات الاستماع في الكونغرس
تحت عنوان تنامي الوهابية في الولايات المتحدة تمهيداً لتعقب
امتدادتها داخل الجسد الأميركي ووصولاً لاجتثاث جذورها، بدأت
المؤسسات السياسية الرسمية وشبه الرسمية بتداول تقارير حول نشاطات
الوهابية السعودية على الساحة الأميركية. فقد كانت الهيئة الاستشارية
داخل البنتاغون تقوم منذ فترة طويلة بإعداد تقارير دورية حول
السعودية والتي وصفها أحد تقارير الهيئة بأنها خصم للولايات المتحدة،
ونصحت بأن يعطي المسؤولون الأميركيون تحذيراً نهائياً للسعوديين من
أجل وقف دعم الإرهاب أو مواجهة احتلال حقول النفط وتجميد أصولها
المالية المسستثمرة داخل الولايات المتحدة. وكانت تقارير صدرت في
يوليو العام الماضي تتهم السعودية بدور أساسي في سلسلة الارهاب (من
المخططين والمموّلين والكادر الى الجندي المنفّذ ومن الايديولوجي الى
القائد). هذا الرأي عبّر عنه فريق هيئة سياسة الدفاع المؤلف من
مجموعة من المفكرين ومسؤولين كبار سابقين الذين يقومون بتقديم نصائح
للبنتاغون. وبحسب موجز سابق أعده لورنت مورويش المحلل في مؤسسة رند،
وهي وحدة تفكير خاصة، فإن (السعودية تدعم أعداءنا وتهاجم
حلفاءنا).وتمضي نقطة حديث مرفقة الى آخر شرائح الاربع وعشرين أبعد من
ذلك بوصف السعودية باعتبارها (نواة الشر، والمحرّك الرئيسي، والخصم
الأشد عدواة) في الشرق الأوسط.
كجزء من تكتيكات السياسة الاميركية، يوصل المسؤولون في إدارة بوش
رسالة طمأنة للحكومة السعودية مفادها أن تلك الآراء لا تمثل سياسة
رسمية أميركية ولا يترتب عليها أي موقف عملي بل قد يبالغ المسؤولون
بأن تلك الآراء قد تسير عكس الموقف الرسمي لادارة بوش عوداً الى
التحالف الاستراتيجي بين البلدين، واعتبار السعودية حليفاً رئيسياً
في المنطقة.
أكثر من ذلك، أن البنتاغون والخارجية والبيت الأبيض يسارعون الى
التنصل من المسؤولية حيال ما تنشره بعض وحدات التفكير
(Think Tank) في الولايات المتحدة
والمكلّفة في الأصل من قبل هذه الدوائر من أجل تهيئة مناخ القرار قبل
إدخاله الى المطبخ السياسي.
ولذلك وعلى الضد من تلك الآراء يخفف المسؤولون الأميركيون حدتها
من خلال التأكيد على أن السعودية صديق قديم وحليف استراتيجي. وفيما
تجمع مؤسسات التفكير والتخطيط الاستراتيجي في الولايات المتحدة على
إعتبار السعودية وكراً ومصدراً للإرهاب الدولي، تصدر تصريحات من
البيت الأبيض تثمّن عالياً الجهود السعودية وتعاونها في الحرب
العالمية على الإرهاب. وحتى الصقور في الادارة الحالية أدلوا بدلوهم
في مسعى لطمأنة الجانب السعودي، ففي تصريح لوزير الدفاع رونالد
رامسفيلد جاء أنه رغم أن المتورطين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر هم
سعوديون فإن السعودية مازالت صديقاً وحليفاً للولايات المتحدة.
فالتقرير المثير الصادر قبل نحو عام عن مؤسسة رند، وهي بالمناسبة
من المؤسسات النافذة والمؤثرة في السياسة الاميركية مازال يلعب دوراً
مؤثراً في الثقافة السياسية لدى موظفي الدوائر الرسمية وشبه الرسمية
في الولايات المتحدة، إذ ظل هذا التقرير يلقى إهتماماً زائداً لدى
الدوائر السياسية الأميركية بدليل أن بعض نصوص التقرير قد جرى
إستعمالها في جلسة الاستماع التي عقدت في الكونغرس في يونيو الماضي.
وهذا يظهر بان الآراء الواردة في تقرير رند يمثل أحد المفاعيل
المساهمة في صناعة جو القرار السياسي الأميركي، وإن جرى تخفيف مصادر
القلق المشتمل عليها التقرير. نشير الى أن هذا التقرير حظي بإهتمام
بالغ وخاص من ادارة الرئيس بوش وبصورة خاصة فريق نائب الرئيس
الأميركي ديك تشيني والقيادة المدنية في البنتاغون وبعض الكتّاب
والمفكرين غير المحافظين المتحالفين بصورة وثيقة مع صانعي السياسة في
الولايات المتحدة. فجميع هؤلاء ينظرون الآن الى السعودية باعتبارها
مشكلة ومصدر تهديد وخصماً للولايات المتحدة وقد عدّها المشاركون في
جلسة الاستماع في الكونغرس التي جرت في 26 يونيو الماضي بأنها مصدر
تهديد للأمن القومي الأميركي، استناداً الى النشاطات الدينية
والسياسية التي تضطلع بها الحركة الوهابية داخل الولايات المتحدة.
وبلا ريب إن الاستعانة بمحللين ومفكرين وكتّاب وسياسيين يتبنون
موقفاً عدائياً واضحاً ضد السعودية من قبل البنتاغون أو الكونغرس أو
حتى البيت الأبيض يومىء الى ميول خاصة لدى كبار المسؤولين الأميركيين
في تبني سياسة خصامية ضد السعودية.
لا ريب أن إسقاط النظام العراقي السابق قد أحيا بعض الملفات
الراكدة على الرف وخصوصاً ملف تورط السعوديين في هجمات الحادي عشر من
سبتمبر وموضوع الإرهاب الدولي عموماً، وزاد الالحاح على هذا الأمر
حين تنبهت هيئة التحقيق الفيدرالية لتنامي النشاط الوهابي في
الولايات المتحدة.
يلزم الالتفات الى أن الارهاب ليس التهمة الوحيد التي تحيط
بالسعودية، بل هناك تهم أخرى توجهها هذه الدوائر، ومنها ما يتعلق
بالخلفية الايديولوجية لكل من الرياض وواشنطن، فلطالما واجهت الادارة
الاميركية سؤالاً كبيراً حول السر وراء الاحتفاظ بعلاقات استراتيجية
بين دولتين تنتميان الى منظومتي تفكير متقابلتين، منظومة دينية شديدة
التطرف تضطلع بشرعنة نظام شمولي استبدادي ومنظومة علمانية ليبرالية
مؤسسة لنظام ديمقراطي تعددي.
لقد أثار هذا الموضوع جدلاً واسعاً تحت سطح السياسة الاميركية
وأصبح يطرح الآن بصورة علنية، حتى أن بعض الرموز السياسيين في
الادارة الاميركية دعا الى وضع حد للتناقض الواضح في الموقف الأميركي
وإخراج السعودية من مظلة الحماية والدعم التي توفّرها الولايات
المتحدة لنظام شمولي إستبدادي. وهناك همسات في السر تفيد باقتراب
موعد نهاية هذا النظام، لأنه غير قابل للاصلاح ولابد من استبداله.
نشير هنا الى قناعة بدأت بالانتشار وسط دوائر سياسية عليا غربية
وأميركية بأن هذا النظام لم يتقدم خطوة حقيقية نحو إعداد البلاد
للدخول في مرحلة الاصلاح السياسي الجوهري، بل هناك ما يفيد عكس ذلك،
وأن الصراع على السلطة، في نظر هذه الدوائر، لا يمثل سبباً كافياً
لايقاف حركة الزمن وعجلة التغيير. |