الدولة مكشوفة
هل بان هزالها؟
التظاهر السعودي الرسمي بأن التطرف لا مكان له في السعودية فضحته
بصورة مدوّية تفجيرات الثاني عشر من مايو الماضي، كما أن التظاهر بأن
الحكومة فوق الخطأ، وأن من المستحيل أن يرتكب مواطنوها هجمات إرهابية
أصبح أيضاً تاريخاً، تماماً كما أن الاصرار على نفي وجود خلايا
منظّمة تابعة لشبكة القاعدة داخل السعودية هو الآخر غير قابل للصمود.
كل تلك الادعاءات تهافتت بوتيرة متسارعة ومتوالية، بل إن الاسئلة
اللاحقة التي تلت التفجيرات أطاحت بمصداقية الحكومة وبوزارة الداخلية
والاجهزة الأمنية التابعة لها، كونها تتحمل مسئولية شبه كاملة عن
موجة التضليل الإعلامي التي سبقت تفجيرات الرياض، حتى إذا حانت لحظة
الحقيقة، تفجّر الغبار المندّس في أسفل السجادة كاشفاً عن الحقائق
المرّة ليس لمن هم في الداخل العارفين بما يجري بداخل هذه الجزيرة
المضطربة وإنما للعالم الخارجي الذي حاولت الحكومة السعودية عبر وزير
الداخلية المتحصن بلغة معتّدة تخفي وراءها هزالاً شديداً لم يعد
قادراً هذا الجسد المنهك على مقاومته.
أسئلة ما بعد تفجيرات الرياض إنتقلت ليس من مرحلة العدم الى
الوجود، أي من عدم وجود خلايا إرهابية للقاعدة داخل السعودية الى
وجودها المدوّي في الثاني عشر من مايو، ولكن الى مرحلة ماهية هذا
الوجود، طبيعته، حجمه وقاعدته الشعبية في الداخل، سيما وأن الاتفاق
المزعوم الذي جرى قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر بين أسامة بن لادن
وسفير المملكة في لندن الأمير تركي الفيصل على إستثناء السعودية من
مخطط الهجمات الارهابية، قد مزقته تفجيرات الرياض، وبذلك تصبح
السعودية جزءا من المسرح الدولي لعمليات القاعدة .
لقّد نبهت تفجيرات الرياض الى مركز انطلاق القاعدة والى الحاضنة
الايديولوجية الأولى التي تربى فيها تنظيم القاعدة، ولذلك قيل بأن
إنزال الهزيمة في القاعدة لا يتم في الخارج بل يجب إقتحام عرينها
الأصلي، إشارة الى السعودية وتحديداً منطقة نجد، وعلىحد قول الصحافي
النمساوي سودويتش زيتونج إن (الإرهاب يأتي من السعودية، ذات المذهب
الوهابي، ولذلك فالإرهاب بحاجة لأن يهزم هناك. فمصدر أكبر تهديد ضد
أميركا هو هناك وليس في العراق).
الخوف الذي أشاعته تفجيرات الرياض وكشفت بعضاً من قوة الجماعات
الارهابية داخل السعودية بعد فشل محاولات الحكومة في القبض على أفراد
في الجماعات الإرهابية أو تفكيك خلايا تنظيمية تابعة لشبكة القاعدة،
ألمحت الى شيء خطير للغاية داخل السعودية. فمصادر دبلوماسية غربية
زارت السعودية مؤخراً نقلت إنطباعاً مثيراً للغاية يفيد بأن الجماعات
السلفية باتت أقوى من الدولة ذاتها، وأن هذا الأمر بات ملحوظاً في
الأداء المربك لما تقوم به الدولة في رد فعل على أحداث العنف
والارهاب التي تشهدها البلاد، رغم أن أحداثاً تقل كثيراً عما جرى في
الرياض أخيراً كانت تواجه في الماضي بقسوة وصرامة. هذه المصادر نقلت
بأن عمر الدولة السعودية بات قصيراً إذ أن هذه الدولة لا تملك مقومات
الاستمرار ومنها ردع الجماعات الارهابية التي باتت تشكل قوة طاغية في
نجد.
كشفت تفجيرات الرياض عن حقائق عديدة، ومنها أن إحتياطي
الاستشهاديين السعوديين يعد من الناحية الفعلية كبيراً، وأن أجندة
الهجمات الانتحارية باتت مفتوحة على مناطق عديدة في العالم. ولكن ما
حدث في الرياض يشير الى تحوّل خطير في إتجاه القاعدة، والتي تكتسب
تأييداً واسعاً وسط المجتمع الديني الوهابي الذي يحتضن أفراد التنظيم
ومنه ينطلق المستلهمون لأفكار الزعيم الكاريزمي للقاعدة. فقد تبين
على حد صحيفة لاراببليكا الايطالية بأن للأخير هدفاً طموحاً فأسامة
بن لادن يعتقد بأنه قادر على قلب نظام الحكم في السعودية وإعادة
إحياء مفهوم الأمة الاسلامية، حيث يكون هو الخليفة الجديد، وهذا
الثمن الذي تدفعه الملكية السعودية من جراء الخطأ الجسيم الذي
إرتكبته في تبني سياسة أيديولوجية رجعية وفي ذات الوقت شديدة التطرف.
كيف تنظر الإدارة الأميركية الى حليفها الاستراتيجي وهو يتمرّغ في
وحل العنف مع خصم مشترك، سيما بعد خروج القوات التابعة لسلاح الجو
الأميركي من قاعد الأمير سلطان بالخرج وانتقالها الى قطر؟
ورغم أن هذا الخروج قد أحبط ـ نظرياً ـ مبرر الهجمات الإرهابية في
السعودية، الا أنه فتح شهية أخرى لدى تنظيم القاعدة وللتيار السلفي
المتشدد، حيث أن خروج القوات الأميركية قد إمتص جزءا هاماً من قوة
النظام السعودي والحماية التي كان يتمتع بها أميركياً، مما يجعله في
مواجهة مصيره السياسي بنفسه مع خصم بات ينظر إليه بوصفه نداً يضاهي
في قوته قوة الحكومة.
إعلان الحكومة السعودية عن إلتزامها الحياد العسكري خلال الحرب
الأميركية على العراق لم يشفع لها أمام القاعدة وقاعدتها الشعبية في
نجد كما لم يمنحها مصداقية أو زخماً سياسياً، بل كانت الحرب على
العراق تضخ تأييداً معنوياً للقاعدة وتزيد في رصيدها الشعبي وتعزز من
مصداقية شعاراتها ودعاويها، فإذا كانت الحرب على أفغانستان قد
إستعارت مبرراتها من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فإن الحرب على
العراق أعارت القاعدة مبررات الهجوم على الولايات المتحدة وحلفائها
في كل مكان.
إن ما يظهر الآن هو وصول الحكومة السعودية لمرحلة إنعدام الوزن،
حيث أصبحت مرتهنة لأوضاع غير قابلة للسيطرة والتنبوء، أوضاع داخلية
شديدة الاضطراب نتيجة تفجر حوادث العنف في أرجاء البلاد، واختلال
ميزان القوى بين المجتمع والدولة، وأوضاع إقليمية محمّلة بالنذر
نتيجة تحرّك مراكز الجاذبية السياسية بعد احتلال العراق، وأوضاع
دولية ضاغطة على الرياض نتيجة الحرب على الارهاب، وهذه الاوضاع قد
كشفت عن هزال الدولة السعودية وأبانت هزالها. |