الحدث المصري في الصحافة السعودية
(صحيفة الجزيرة مثالاً)
فريد أيهم
كل الصحف السعودية (نجدية) بمعنى أن معظم ملاكها هم
من نجد، ومديروها ومقررو سياساتها هم نجديون. ولا ننس
أن السلطات السياسية والدينية.. نجدية هي الأخرى. ومع
تجاوز هذه الحقيقة، هناك صحيفتان يوميتان أساسيتان في
نجد: (الجزيرة، والرياض)، كان تغطيتهما للحدث المصري مختلطاً،
تعكس رغبة المواطن في التغيير وخشية النظام السعودي منه.
تراوحت التغطية بين الدعاء لمصر وأهلها، وأن يبعد الله
عن بلادنا المشاكل!، وبين التنديد بالتخريب وبالأميركيين
الذين لا يحفظون ودّاً، مروراً بتقديم النصح حتى لا تتكرر
الثورة الى مكان عربي آخر (غير السعودية طبعاً). صحيفة
الجزيرة (خديوية) أي (ملكية) وهي أكثر من شقيقتها الرياض
في المحافظة، وأقل منها في توفير مساحة الحرية، وهي الأقرب
لتمثيل الصوت الوهابي المتطرف، مع أن أركان الصحيفة الأساسيين
غير ملتزمين دينياً، بل أن بعضهم ـ ومن زواية الإنتماء
السياسي ـ يميلون الى البعث، أو كانوا كذلك.
تغطية صحيفة الجزيرة للحدث المصري كان متدنياً، حذراً
وقلقاً. وما يعنينا هنا هو مقالات الرأي التي تعكس مدى
التصاق الكتاب وذوي الرأي بالموقف الرسمي، الذي بدا ذاهلاً
غير مستقر. لا نجد سوى مقالات قليلة ذات قيمة في صحيفة
الجزيرة. كان هناك مقالان رائعان للدكتور عبدالرحمن الحبيب،
أحدهما حمل عنوان: (رأس الثورة: الشارع!)( الجزيرة، 7/2/2011)
حوى تحليلاً للثورة المصرية ومواطن تميّزها. فهي ثورة
من نوع غير مسبوق كما يقول. لماذا؟: (إنها ثورة بلا تيار
أو حركة سياسية أو حزب أو رمز أو قائد، بل يقودها الشارع
الذي شكله الشباب عبر شبكة التواصل الإلكتروني. الشارع
الشبابي هو رأس الثورة.. فكيف تتعامل معه الحكومة؟ كيف
تعرف وجهته وكيف تحتويه؟ تزايد على من وتتنازل لمن؟ بمن
تبتدئ وبمن تنتهي؟ كيف تستقطبه أو تحجمه، وحركة الشارع
تلقائية عفوية وسريعة تخطف الأنفاس؟ هذا يعني أن الاحتواء
أو المحاسبة التي كانت تجري عادة لمعاقبة الرموز المحركة
للاحتجاجات أصبحت غير ممكنة).
ومن ميزات الثورة الجديدة في مصر وكذا أختها التونسية
أنهما حدثتا في الزمن الرقمي الإلكتروني ما يعني توفر
المعلومات حيث (لم يعد من الممكن سحق الاحتجاجات في الخفاء..
لم يعد من الممكن أن تذهب تضحية ما دون معرفة الناس..
ولم يعد من الممكن السيطرة على وسائل الإعلام والاتصال
من جهة واحدة أياً كانت قوتها.. المعلومة أصبحت حرة، والحرية
هي أثمن القيم الإنسانية.. "الحرية" تلك الكلمة التي كانت
الأكثر تكراراً في ثورتي تونس ومصر).
وقبل هذه المقالة للدكتور الحبيب، كتب عن (سلاح الثورة:
الإنترنت)(الجزيرة 31/1/2011) موضحاً فيه أسلحة الثورة
المصرية، فكان أولها: (الهاتف المحمول المراقب الأول لما
يحدث.. المراقب الذي لا تضاهيه أي وكالة أنباء على وجه
الأرض.. واليد العابرة التي تحمله لا ينافسها أي صحفي
في العالم.. عين جاهزة تقتنص الحدث في كل زاوية وفي أي
وقت، ثم تنقل المشهد في ثوان. وإذا كان الهاتف المحمول
هو وكالة الأنباء العظمى فإن الإنترنت هو الصحافة الأولى
التي تنشر المشهد وتوزع الأدوار. وفي المساء عندما تجتمع
العائلة تحضنهم الفضائيات). لكن يلفت الحبيب النظر الى
أن الديكتاتوريات تستخدم التكنولوجيا أيضاً لإضطهاد خصومها..
فكيف تصبح التكنولوجيا سلاحاً بيد الحرية؟ يقول: (التكنولوجيا
الحديثة سلاح ذو حدين، إنها في الأغلب تميل لكفة الشعوب
المضطهدة، لأنها ببساطة تكشف الأخبار التي كان يصعب أو
يستحيل تسريبها).
ظهرت أيضاً مقالات باهتة على صفحات الجزيرة، تحاول
أن تنقل رسالة ما الى الحاكم العربي (وليس السعودي!!).
مثل ذلك مقالة د. جاسر الحربش (الجزيرة، 2/2/2011) والتي
حملت عنوان: (بقاء القمم يكمن في قواعدها). والمعنى واضح،
فـ (ما حدث في تونس لم يكن بفعل عواصف هبت من الخارج فأطاحت
بالطابق العلوي. الذي حصل هو أن الطابق العلوي سقط حين
اهتزت من تحته الأساسات. حين سقطت القمة في تونس بقيت
الأساسات ثابتة، مما يسهل بناء قمة جديدة بمواصفات نرجو
أن تكون أفضل).
الحربش وبعد سقوط مبارك، أصابه شيء من الشجاعة، فكتب
ناصحاً (الجزيرة، 14/2/2011): (خلال شهرين فقط خرج الشباب
العاطل والمحبط إلى الشوارع فتبعته الجماهير وأسقطت اثنين
من أعتى الأنظمة الحاكمة العربية. سقوط أي نظام مركزي
يصاحبه عاجلاً أو آجلاً سقوط كل متعلقاته البيروقراطية
من مسؤولين كبار وأصحاب نفوذ وكبار ملاَّك ومستفيدين وانتهازيين)
وأضاف: (نوعية المواطن العربي المخضرم المطيع انتهت. جيل
الشباب الجديد ليس لديه ما يفقده بسبب البطالة والإحساس
بفقدان الكرامة).. وطالب المسؤولين بالنزول الى الشارع
قبل أن ينزل هو اليها طالباً المواجهة مع مستبديه.
|
السماري |
الحربش |
الدوسري |
الجاسر |
الحبيب |
سعد الدوسري، كتب (معالي المدون)(الجزيرة 25/1/2011)
محذّراً جهة ما: (لقد انتهى زمن الحجْر على المعلومات
وعلى الإحصاءات وعلى الحسابات، وبدأ عصر جديد. عصر يستطيع
أي كاذب أن يكذب فيه، وبإمكان أي فاسد أن يفسد فيه، ولكنهما
لن يستطيعا أن ينجوا بكذبهما وفسادهما، مهما كانت قوة
أو قوات الإخفاء لديهما).
عبدالعزيز السماري، حاول أن يقول شيئاً في مقالاته
المتعددة، ولكنه مع طول المقالات لم يقل شيئاً. كان يحاول
الغمغمة، والإلتفاف، واستخدام العبارات المطاطة والتعميم،
في وقت كان فيه الناس ينتظرون الكتابات الواضحة الحاسمة
التي تضع النقاط على الحروف. ومع هذا لا بأس بنصائح السماري،
يقول (الجزيرة 7/2/2011): (في عصر الثورات الشعبية تنهار
قيم الاستبداد وتذوب أسس الأخلاقيات المسيسة بسبب خطاب
الغضب المضاد، بعدما كانت مهيمنة لعقود تمجد الزعيم، وتهتف
لحياته، وتحمي مصالحه، فيتحول الطاعة إلى عصيان، ويصبح
المدح ذماً، ويصبح العطاء فساداً، ووصل القربى انحيازاً).
وقبلها كتب السماري مقالة ندد فيها بما قاله بظاهرة الإنتحار
(لم يشر الى أنها طالت حتى السعوديين) التي أدت الى اشعال
الثورة التونسية. ليصل الى نتيجة: (تختصر قضايا الانتحار
الجسدي الأخيرة ما يحدث من فشل روحي وعقلاني في مهمة رفع
مناعة الناس ضد إحباطاتهم، وقد يكون ما حدث هو بمثابة
الإعلان عن فشل العقل العربي في حل أزماته الراهنة، وقد
يكون بمثابة الكفر غير المعلن بالقيم الدينية الإنسانية)(الجزيرة
24/1/2011).
لكن السماري اكتشف في اليوم التالي لانتصار الثورة
المصرية أي في 12/2/2011، بأن (ما يحدث في مصر هو ثورة
بكل ما تعنيه الكلمة)! معتبراً أن (أي محاولة للتأثير
على مسارها قسراً أو إيقافها بالعنف ستقذف بالبلاد إلى
الكارثة، ولا حل أمام هذا الطوفان البشري إلا بالاستجابة
إلى مطالبها أو الجحيم.. الثورة الشعبية بمثابة الطلاق
بالثلاث بين الشعب والسلطة). ولاحظ بأن (أجهزة الحكومة
في تونس ومصر لم يحسنا قراءة المستقبل، فقد أفقدتهم سكرة
السلطة رؤية تصاعد فورة الغضب بين الناس، وأعمتهم خطابات
السخرية والنظرة الدونية لشعوبهم من تقدير حاجات الناس
للتغيير، وقد استطاعت الجماهير في غفلة من كبرياء السلطة
كسر حاجز الخوف الذي بنته السلطة لعقود بينها وبين الناس،
لتحدث الثروة وتخرج الجماهير، وليقولوا مالم يستطيعوا
أن يصرحوا به لعقود طويلة .. وكان منظر السقوط على مرأى
عيون العالم). ترى هل يحسن آل سعود اليوم قراءة المستقبل؟
فاطمة العتيبي قالت (الجزيرة، 5/2/2011) بأن سبب ما
يجري في مصر هو (إهمال الملفات الساخنة) وأن الفوضى ساهم
في خلقها الإعلام. وتساءلت لماذا لم يلتفت الى الفساد
وضمور الطبقة الوسطى واتساع الفقر والبطالة؟ واضافت: (الدول
الواعية هي التي تدرك تلك المشاكل وتثمن أهميتها قبل فوات
الأوان)(الجزيرة، 5/2/2011)، هذا والحديث كله لا علاقة
له بالسعودية التي لا يوجد بها فساد ولا بطالة ولا ضمور
طبقة وسطى. لا أحد يجرؤ على وضع النقاط على الحروف!
جاسر الجاسر، مدير تحرير صحيفة الجزيرة، كان أكثر من
كتب عن الوضع المصري، وكان الأكثر انفعالاً وتوجيهاً للشتائم،
وكذلك الأكثر دفاعاً عن النظام المصري. ومع أن الجاسر
بعثي الهوى، إلا أن الملكية والمناطقية والطائفية قد تجمعت
كلها في شخصه، الى حدّ أنه اتهم ايران بأنها وراء ما يجري
في مصر. ويبدو أن الجاسر قد تنبّأ بسقوط الطاغية مبكراً
بالقياس الى حكومته الغبيّة، فكتب مقالاً بعنوان (شجاعة
رئيس قبل الوداع)(الجزيرة 3/2/2011) امتدح فيه الطاغية
فقال: (أياً كان رأيك فيما يحدث في مصر، لا بد وأن تقيّم
عالياً ما يقوم به الرئيس حسني مبارك، فالرجل لم يستسلم
لما كان قد خُطط له، إذ لا يزال يقاوم محاولات التخريب
وتدمير مصر، مع استجابته لمطالب الجماهير الصادقة، فهو
مع التغيير للأصلح، وإصلاح ما خربه الفاسدون). واعتبر
ما قام به مبارك نموذجياً خاصة اصراره على البقاء رئيساً،
فذلك (درس جديد للحكام.. حتى وإن شهدت فترة حكمه تراجعات
وعمليات فساد.. إلا أن الرجوع للحق فضيلة والتحلي بالشجاعة..
شجاعة الاعتراف بأخطاء ممن كانوا حوله.. وشجاعة البقاء
لإصلاح ما خربه من اختارهم).
حين مالت الكفة الى أنصار الثورة في مصر، لم يجد أمامه
إلا أن ينصح: (معاندة إرادة الشعوب لا تحقق الغرض)(الجزيرة
31/1/2011): (الخطأ الأكبر الذي ترتكبه الحكومات والأنظمة
عندما لا تحسن التعامل مع اندلاع الاحتجاجات والانتفاضات
التي تبدأ عادة بسيطة ثم تتطور وتتسع وتتشعب لأن الأجهزة
والإدارات لم تقم بما هو مطلوب منها، أو صعّدت الأمر لأكثر
مما هو مراد القيام به، فالتصدي للجماهير الغاضبة والتمادي
في استعمال العنف المفرط يدفع تلك الجماهير إلى ارتكاب
ما لم يكن أحد يتصوره حتى الأجهزة والإدارات المكلفة بالتعامل
معه أمنياً وسياسياً وهو بالضبط ما حصل في تونس ويحصل
الآن في مصر، ويمكن أن يحصل في دول أخرى إن لم تحسن حكوماتها
التعامل مع المطالب المشروعة للشعب).
كان الجاسر غاضباً من موقف أميركا من مبارك، ويستغرب
فـ (مصر مبارك لم تكن مشاكسة للنهج الأمريكي، بل حتى الجماهير
العربية ومنها المصرية كانت تعيب على مصر مبارك أن تسير
في الركب الأمريكي، إذن فلماذا يوجه الأمريكيين فوضاهم
المنظمة لبلد الحليف الإستراتيجي الذي سايرهم في إحكام
الحصار على غزة، وغيرها من المواقف التي اعتبرت مسايرة
لأمريكا التي تطالب إدارتها بدءاً من رئيسها ووزيرة خارجيتها
ومجلس الشيوخ بها إنهاء حكم الرئيس مبارك الآن..!! ويحشدون
معهم رؤساء حكومات الدول الغربية الأخرى. ماذا تغير؟)(الجزيرة
5/2/2011). الذي تغيّر: إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه! وعقب
السيجارة يداس بالنعال بعد أن يصبح عديم الفائدة.
الجاسر وقبل يوم من سقوط الطاغية أي في (10/2/2011)
نشر مقالاً شتم فيه تركيا وإيران، لدعمهما ثورة مصر. وقال
بإن تأييد المرشد لثورة مصر يمثل إهانة للمصريين، ثم انثنى
يهاجم أردوغان (الذي يظهر أن عطفه وارتباطه بالإخوان المسلمين
جعله يغفل الأصول الدبلوماسية، مثل حليفه الأكبر أوباما،
وطلب من مبارك الرحيل فوراً، رغم أن هذا الطلب خاص بالمصريين،
فهم وحدهم الذين يحق لهم مطالبة رئيسهم بالرحيل أو البقاء،
وإذا كان أردوغان قد استمع لأصوات مليون متظاهر في ميدان
التحرير، وبضع ملايين أُخر في الإسكندرية ومحافظات أخرى،
فعليه أن يستمع جيداً إلى أكثر من 20 مليون كردي في تركيا
ممنوعين حتى من التحدث عن لغتهم).
وحين سقط مبارك تمنى مدير التحرير الجاسر في مقالة
له (تعديل كفة الميزان في الشرق الأوسط)(الجزيرة، 13/2/2011)
وذلك باندلاع ثورة محتملة في إيران! فـ (التغيير الذي
حصل في مصر بقدر ما هو مؤثر وحتى سلبي تجاه المعسكر الأمريكي
الصهيوني، فإنه أيضاً يهدد جدياً طموحات المعسكر الإيراني
وغيره ممن يريدون بناء نفوذ إقليمي. الآن الميزان في طريقه
إلى التوازن فالكل سيعرف حجمه الحقيقي). حقاً سنعرف حجم
السعودية الحقيقي، فهي بالذات متضخمة على حساب مصر.
أما حمد القاضي، الصحافي وعضو الشورى المعيّن، فكتب
مقالة مديح في مصر، وشتم فيها (المخربين)(مصر المحروسة
حماها الله وحفظ وطني؛ الجزيرة 7/2/2011)(لكم يشجينا ما
رأينا من بعض أبنائك.. وهم يخرِّبون بيوتهم بأيديهم، ويمزجون
ماء نيلك بدماء إخوانهم، ويهدمون اقتصادهم بقنابلهم. مصر
العرب والإسلام لا تستحق ذلك من أبناء نيلها.. فوِّتوا
الفرصة على من يريدون النيْل من مصر العظيمة.. سيان من
بعض أبنائها أو أعدائها. آمنوا أنه ليس بالعنف والتخريب
والنهب تحققون ما تريدون لبلدكم العظيم)!
لا يستطيع السعوديون ـ خاصة أولئك الذين يعيشون في
حريم السلطة النجدية ـ إلا أن يجلسوا على كراسي الإستاذية
يوزعون النصائح يميناً وشمالاً، ويفتون في كل قضية وحادثة،
ولكنهم لا يقتربون مطلقاً الى حريمهم الخاص، أو نظام حكمهم
العاتي.
|