طفولة سياسية وتطفّل على الصحافة
(الثورة) لدى كاتب سعودي يقطر جهلاً!
محمد الأنصاري
رغم طفولية وعيه السياسي، وتطفله على الصحافة، فإن
قراءة طارق الحميد، رئيس تحرير الشرق الأوسط ضرورة لمن
يقارع النظام السعودي، أو من يبحث عن معرفة المسكوت عنه
وما يدور في أذهان الأمراء السعوديين. هذا الصحافي الفج،
والكاتب غير الناضج لا معرفياً ولا حتى ذهنياً وعاطفياً،
يعطي في أحيان كثيرة مؤشراً لوجهة نظر الحكم السعودي،
والأهم أنه يوضح خلفية المواقف السعودية ودوافعها الأيديولوجية،
ومعاركها السرية، وتحالفاتها الصهيونية والأميركية.
|
طارق الحميد |
لم يهتم الحميد بموضوع تونس وثورتها، إلا بعد أن رحل
الرئيس، فقد كان هو وآل سعود يعيشون معاركهم مع ايران
وسوريا وحماس وحزب الله وحتى تركيا! لم يدر بخلدهم أن
ناراً ستشتعل في بيت صديق لهم، وعلى حد تعبير الحميد:
(انتظرناها حربا في لبنان، أو أزمة في العراق، أو فوضى
في مكان آخر من منطقتنا، وانتظرنا حريقا كبيراً داخل إيران.
فإلى تلك المناطق كانت الأنظار تتجه، وصدقوني إن قلت لكم
إن جل المسؤولين العرب كانوا يعتقدون أن أزمة تونس ستنتهي
خلال أيام، فلم يكن أحد يتحدث، أو يكترث، بما يدور هناك)(15/1/2011).
نصدقك، ونصدق بأن الثورات تصفع الطغاة وحلفاءهم وكتابهم
فهي بطبيعتها فعل مدهش حتى لمن يقومون به.
وبعد أن رحل الرئيس التونسي لم يناقش الحميد شيئاً
ذا بال، اللهم إلا أنه يريد معرفة هل كانت الثورة منظمة
أم لا؟! يقول المتذاكي: (خطورة ما يحدث في تونس هي أنه
لا أحد يعلم ما إذا كانت الحركة الإحتجاجية التي اجتاحت
الشارع منظمة أو عفوية نتيجة الإنغلاق والقمع)! ولم نفهم
سر الخطورة، ولا سر الذكاء الذي يطفح به السؤال أساساً!
إذ لا يمكن ان تقوم ثورة وتنجح بالفوضى وبدون تنظيم! أو
في غياب تنظيمات عديدة سياسية ومدنية/ أهلية.
بن علي حليف السعوديين الذين اعتادوا (إغاثة الملهوف)!!
و(إجارة المستجير)!! من القتلة والمجرمين والطغاة والسراق..
يقول الحميد بأنه لا يوجد أحد يتباكى عليه، ولكنه يخوّف
الناس (وبالذات الشعب المسعود) من أن الثورات تؤدي الى
الأزمات وتجعل المستقبل مظلماً. الرسالة تقول: لا تثوروا،
خاصة في ظل الأنظمة الملكية فالملكيات أفضل من الجمهوريات،
وأكثر استقراراً. الأنظمة الجمهورية يريدها الحميد أن
تبقى جمهورية! لا أن تتحول الى ملكية.. أما الملكيات فممتازة
لن يصيبها ما أصاب تونس، وكأنها بلدان ديمقراطية، ما شاء
الله عليها: (لا نعلم إلى متى سيكون هذا قدرنا مع جمهوريات
ترفض أن تكون جمهوريات. فهذا رئيس هرب بطائرة، وصدام انتهى
في حفرة، فمتى ترضى الجمهوريات أن تكون جمهوريات؟ فما
لا يتنبه له البعض أن ملكياتنا، وإماراتنا، اليوم هي أكثر
انفتاحا، وتطورا، واستقرارا، وتنفيسا، وقبولا للنقد، بل
وأكثر مرونة، وكأنها هي الديمقراطية). سنرى ما إذا كانت
السعودية محصّنة تجاه التغيير.
(تونس.. هل كانت ثورة؟) مقالة للحميد في 16/1/2011..
لم يناقش فيها الكاتب الموضوع من زاوية نظرية/ أكاديمية
موضوع الثورة: ماذا تعني؟ وكيف تحدث؟ ولماذا؟ وهل يمكن
تجنّبها؟ لم يناقش الحميد: هل يمكن أن تتحول حركة الشغب
المحدودة الى ثورة وكيف؟ وما أشبه من أسئلة تتم معالجتها
عادة في الكتابات النظرية.. ليجيب في النهاية على التساؤل
الذي طرحه هو، مع أن المرء يعجب من سعوديين محافظين معتقين
أخذوا ينظّرون للثورة! ومن مستبدين سعوديين لم يروا قيمة
للحرية ولا شمّوا رائحتها.. ينظّرون لها وللديمقراطية
والإنتخابات!. الحميد الذي قدم السؤال على شكل عنوان،
أجاب عليه بجهله في أول المقالة: (الواضح إلى الآن أن
ما حدث، ويحدث، في تونس، لم يكن ثورة شعبية، فلا مطالب
واضحة للمتظاهرين، ولا توجد معارضة منظمة تقود الشارع)!
فعلاً إنه كاتب يقطر جهلاً!
وسأل سؤالاً آخر: لماذا هرب بن علي إن لم تكن هناك
ثورة؟ ولكن الحميد تهرب من الإجابة على سؤاله ليهاجم (الجزيرة)
التي تمثل عقدة لآل سعود، وسيظل يهاجمها والإعلام السعودي
حتى ثورة مصر وما بعد ثورة مصر!!. وبرر الحميد استقبال
بن علي في السعودية: (بن علي ليس الحالة الوحيدة؛ حيث
استقبلت السعودية قبله عيدي أمين، ونواز شريف، وغيرهما،
والمعروف أن السعودية لا تسمح لمن يلجأ إليها بممارسة
العمل السياسي من أراضيها، وإنما تقوم بذلك لأسباب إنسانية،
ولأنها القلب الكبير للعالم العربي والإسلامي، وليست دولة
ثأر وتشفّ)!
يا لقلب آل سعود الكبير! ألم يتسع قليلاً لأطفال غزة،
بدل احتضان الطغاة؟!
وعاد الحميد ليتحدث عنوانه بإثارة أكبر: (تونس.. سقط
هبل!)(17/1/2011) خصصه ضد الشيخ القرضاوي والإسلاميين
المعارضين لبن علي. وقد سبق له أن اعتبر غياب الإسلاميين
من تونس أمراً محموداً. انتقد الحميد الشيخ القرضاوي الذي
وصف نظام بن علي بأنه صنم أكبر، واعتبر الحميد ما قاله
القرضاوي خطاب تشفّ، وجاء المتدثر بأردية الإستبداد والمنظر
لسادته، ليعلم القوم في تونس الديمقراطية والحرية من بلد
لا تمارسها ولا تعرفها.. بل أخذ يزايد على طلابها ودعاتها
ومن دفعوا ثمنها: (لو أن القرضاوي قد قال: إن للشعوب الحق
بالحرية، والحفاظ على حقوق الإنسان، وإن من حق الشعوب
ألا ترهب باسم الله الذي من صفاته أنه رحمن رحيم، لقلنا:
معقولة..)!
انظروا من الذي يتكلّم؟!
إنه الحميد ممثل البلد الذي لا يعرف شيئاً من حقوق
الإنسان؛ والبلد الذي يصدّر العنف والإرهاب وفتاوى التكفير،
والبلد الوحيد الذي يعين الحاكم نصف المجالس البلدية،
والذي اجرى انتخابات بلدية واحدة، وها هو يماطل في إجرائها
بعد سنتين من نهايتها.
من هو هذا الحميد الذي يحاضرنا عن الحرية وحق الشعوب.
إنه الشخص الذي يستلم راتبه من نظام لا يعرف الله ولا
رسوله، وقبلته البيت الأبيض.. ومع هذا يستخدم الدين في
شرعنة نفسه وضرب مخالفيه!!
والغريب أن الحميد قوّل القرضاوي ما لم يقله أو يدعو
اليه وهو أنه يريد إقامة نظام حكم إسلامي على غرار حكم
السودان وإمارة حماس!! لم يقل الحميد أن القرضاوي يريد
إقامة حكم إسلامي على غرار حكم آل سعود، فهذا النموذج
أسوأ من أن يذكر.. لم يهاجم الحميد نظام حكم آل سعود،
الذي يعتبر نفسه (الحكم الإسلامي الوحيد والصحيح)!!..
لم يهاجمه أسوة بالأنظمة الإسلامية التي ذكرها، وكأن الحكم
السعودي لا يرفع شعار حكم الإسلام ويرهب الشعب باسم الله؟!
ترك الحميد موضوع تونس، ليفتح بعد نحو اسبوعين ملف
مصر الثورة. وبدأ بمقالة: (مصر.. خوفنا كبير)(29/1/2011).
اللهم زده وأسياده خوفاً ورعباً!! وجلس الحميد على كرسي
الأستاذية بجهله، وراح يخطب في الجمهور ناصحاً: (اليوم
ليس وقت ذكر الأخطاء! بل هو وقت استيعاب الدروس، وما أقساها
وما أهمها)! هل استوعب أسياد الحميد الدروس من تونس حتى
يستوعبوها من مصر؟ وهل الناصح الحميد نفسه استوعب الدرس
التونسي قبل أن يصدّع أدمغتنا بخطاب جديد عن مصر، حيث
لا فائدة من الدروس، إذ انتهى وقت الإمتحان بالنسبة للبعض،
وشارف الوقت على الإنتهاء بالنسبة لبعض آخر.
وعاد الجاهل فنصح الجمهور المصري (عديم الوطنية) فقال:
(المطالب المشروعة لا تأتي بالعنف، وإحراق أوطاننا، ولا
تأتي بهدم الإقتصاد... هذا ليست مظاهرات بل عنف)! با ختصار:
يا شباب مصر روّحوا بيوتكم!. وخرج الحميد عن لياقته وهو
يشتم (المناضل بشوكة وسكين محمد البرادعي) الذي عاد (بمنظر
مزرٍ للقاهرة ويبدي استعداده لقيادة فترة انتقالية، هكذا
بكل سذاجة). وعطف الحميد على الإخوان المسلمين (فزاعة
النظام المصري والسعودي) والذين يحملهم آل سعود عنف القاعدة،
مع أن الأخيرة صناعة سعودية مائة بالمائة فكراً واستراتيجية
وأيديولوجية ومالاً وبشراً واحتضانا! وزاد الحميد فانتقد
المنافقين (وأول المنافقين الأميركيون)! ثم البريطانيين
والفرنسيين. يبدو أن ما يجري في مصر أفقد آل سعود وكتابهم
الصواب، رأينا شبيهاً له حين سقط شاه ايران، والآن يريد
الحميد من الأميركيين حماية مبارك ونظامه. فهل هذا هو
الدرس الذي يحب أن يعلمنا إياه؟!
وما يثير الحميد وحماته السعوديين هو أن (واشنطن نهجت
سياسة اليد الممدودة لإيران بينما الأمن الإيراني كان
يذبح مواطنيه أمام العالم، رغم كل المناشدات لواشنطن لمساعدة
المتظاهرين المقموعين)!
ويختم الحميد مقالته وعينه على الشعب المسعود وغيره
من الشعوب العربية المقهورة: المطالب الشعبية مشروعة..
ولكن ـ ونحن لا نحب ولكن!! ـ أن لا نحرق أوطاننا ولا نهدم
مكتسابتنا! فالحميد يعلم أن الشعب المسعود به بطالة تصل
الى 30% ونفس النسبة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، فضلاً
عن فساد آل سعود ولصوصياتهم. فلماذا لا تكون هناك ثورة
عليهم؟! الحميد يريد أن يقول بأن ما يقال من هذا صحيح،
وأن مطالب المواطنين صحيحة، ولكن ابقوا آل سعود، ولا تحرقوا
البلد! اعطوهم فرصة قرن من الزمن آخر ليحكموا ويفسدوا
ويدمروا الشعب والشعوب العربية الأخرى.
من يحرق الأوطان ويؤخرها هم الطغاة المستبدون الذين
يجب أن يزاحوا ومعهم سحرة فرعون من الكتاب والأفاقين.
مقالة أخرى عن مصر.. في 30/1/2011، عنوانها: (درس مصر..
الدولة هيبة)!! يا بختك! تعلمت بسرعة، أسرع قليلاً من
سيدك فصيح الأمة الذي يقرأ من الورق إسمه خطأ، بل ويخطيء
في قراءة آيات يحفظها طالب الصف الأول ابتدائي (في السعودية)!
تعلم الحميد درساً مهماً من أحداث مصر فجاء ليعرضه
على الجمهور العربي كقيح تشمئز منه النفوس.
الدرس لخصه في هذه الجملة: (أن الدولة هيبة، وإذا ما
ضاعت هيبة الدولة فإن المصير هو ما نراه من نهب وفوضى
في كل مصر). السؤال الذي كان يفترض أن يجيب عليه الولد
غير النبيه الذي إسمه الحميد، هو: لماذا كسر الناس هيبة
الدولة، أو هيبة النظام، وكيف فعلوا ذلك؟ هنا محلّ الدرس،
وموطن العبرة والإعتبار، إن أراد أن يعطينا درساً في السياسة
التي لم يعرفها يوماً. قدم الحميد وصفة تمنع الثورة: تجنبوا
الجمود فهو قاتل؛ حاربوا الفساد، افهموا الإعلام، حسنوا
وضع الإقتصاد، امنعوا الاختناق الاجتماعي والسياسي.. وزاد
ما يعتبر عقدة لدى الأمراء السعوديين ومعهم الحاشية النجدية
المنتفعة (والحميد ممثل من ممثليها): لا تسمحوا للقوى
الخارجية أن تسرح وتمرح (وتحديداً الشرّ الإيراني الذي
تغلغل في دولنا، وتحالف مع قوى لدينا) حسب قوله!! إنه
نفس خطاب الحكم المصري غير المبارك: تعليق المشكل الداخلي
على مشجب خارجي! مثل ايران وحزب الله وحتى حماس التي اتهمها
الحميد بأنها تساهم في تخريب الوضع في مصر!
(هل هي أزمة النظام المصري وحده؟)(31/1/2011).. عنوان
المقالة الجديدة. وجوابها من عندنا!: لا ليست أزمته وحده،
ولذا توقع المتوقعون أن تأتي الثورة على عدد من النظم
العربية، وبينها السعودية. ولذا تحاول أميركا اقناع حلفائها
بتعديل سريع في سياساتهم قبل فوات الأوان، فبعضهم اقتنع
بالنصيحة: الاردن واليمن، وبعضهم مصرّ على عناده وجهله
ويعتقد نفسه (حالة خاصة) كما في ليبيا والسعودية!!
بدأ الحميد مقاله بأن مبارك غير بن علي وغير صدام حسين،
وأشاد به وبكفاءته. ولكن الغريب أن الحميد أطلق عليه صفة
لم نسمع بها من قبل: (مبارك ليس ديكتاتوراً، ولا ديمقراطياً،
وهذا مربط الفرس)! ولا ندري عن أية فرس أو أتان يتحدث
الحميد. يزعم الحميد بأنه فهم شيئاً من شخصية مبارك لم
يفهمه أحد من قبل. التحليل الفلتة سبق وأن قاله الحميد:
الجمهوريات العربية تحكم وفق نهج ملكيات فتجد نفسها في
طريق مسدود وتخسر شرعيتها. إن كان كذلك، فلماذا لا يصيب
الملكيات ما أصاب الجمهوريات، أم أن تلك الملكيات حالة
خاصة أيضاً؟! والحل: (لا مخرج لجمهورياتنا إلا باتباع
النموذج التركي، حيث يكون الجيش هو الضامن والحكم الى
حين ينضج اللاعبون)! ولكن ماذا عن السعودية الملكية، هل
هي ناضجة مثل نضجه هو (الحميد)؟! وهل يمكن استدعاء الجيش
السعودي ليطبق لنا النموذج التركي؟! أم هو من باب أمر
الناس بالبر ونسيان النفس؟
يطعن الحميد في مقالته هذه في قناة الجزيرة دون أن
يسميها لأنها تركز تغطيتها على مصر، ليخلص الى تبني ما
قاله أحد رموز مبارك مؤخراً بأن الأخير أتاح حرية إعلامية
تفوق ما هو موجود في لبنان!! وفي الطريق شتم الحميد حزب
الله وإيران، لأن الإعلام اللبناني لا يجرؤ على شتمهما
وكذلك فعل بسوريا ثم انثنى طائفياً على رئيس وزراء العراق
نوري المالكي وعلى النظام في السودان، وكل ذلك انتصاراً
لمبارك ولدول الإعتلال العربي!! ليقول بأن ما فعله ـ أي
الحميد: (ليس دفاعاً عن النظام المصري أو غيره) حاشى أن
تفعل ذلك! (بل هو دعوة للتعقل والتأمل بدلاً من الإنفعال)!!
هيّن بس.. اركد، اركد!!
في مقالته التالية في (3/2/2011) امتدح الحميد علي
عبدالله صالح الذي أعلن بأنه سيقدم تنازلات، وأنه لا تمديد
ولا توريث. يقول الحميد أن أحد النبهاء قال له بأن ماكس
فيبر قال ان للشرعية ثلاثة مصادر: تاريخية وكارزمية ونظامية.
هو لم يقرأ، بل (قالوا له)! تمنى الحميد أن يستجيب الشارع
لنداء مبارك فيعود المتظاهرون الى منازلهم وتقوم الإصلاحات
ويعم الخير، وأضاف بدون مناسبة، ولكنها الأحقاد الكامنة:
(خير يختلف عما تروجه ايران وحلفاؤها وعملاؤها اليوم في
تصريحاتهم)!
(الجمل ضد الفيس بوك)(4/2/2011): عنوان جميل، ربما
اختاره أحد المساعدين، ولكن محتوى المقالة دعائي لمبارك.
اعتبر مظاهرة البلطجية (همجية) وأنها نسفت الحلول (العقلانية)
ويضيف: (لازلت على قناعتي بنصاعة تاريخ الرئيس المصري
مبارك، وأنه ليس زين العابدين بن علي أو صدام حسين، مهما
قال معارضوه)! ربما تكون نصاعة تاريخ مبارك مثل نصاعة
حكام نجد الفاسدين واللصوص! فمبارك بالقياس الى هؤلاء
ملك من الملائكة!
ولكي يكون الحميد عبقرياً، عاد وقال بأن ما يجري في
مصر ليس ثورة! واستشهد بأن (بعض القنوات الأجنبية لم تندفع
لتسمية ما يحدث في مصر بالثورة. محطة بي بي سي الإنجليزية،
وهي أكثر حرفية في معالجة أزمة مصر من خدمة المحطة نفسها
العربية التي لا تقل سوءا عن الإعلام المصري الرسمي، لم
تسم أحداث مصر بالثورة إلى الآن، ومثلها شبكة سي إن إن
الأميركية). نتمنى ان يقدم لنا الحميد قراءة في تغطية
تلفزيون آل سعود (غصب 1 و2، و3، و..) اضافة الى قناة العربية
وطبيعة أدائها خلال ثورة مصر.
والحميد خائف على مصر أكثر من المصريين (لم يقل أن
ما يجري في مصر ليس في صالح حكم آل سعود وشياطين صحافتهم)،
وهو ينعى: (مصر الكيان اليوم في خطر حقيقي)! كلا.. مصر
اليوم في عرس، وهي ـ وقت كتابة هذا المقال ـ قاب قوسين
للتخلص من الإستبداد، والى حيث الحرية والكرامة والتقدم
بإذن الله. كنا نخاف على مصر سابقاً قبل أن تثور. أما
وقد ثارت فلن يخاف مما يجري فيها سوى آل سعود وآل صهيون
وحلفائهم في الغرب!!
ولا ينس الحميد المؤامرة الخارجية والداخلية، فطبيعة
إعلام آل سعود أن تكون المؤامرات ركن من أركانه حيث يجري
التضخيم والتخويف. ولكن الحميد لا يقصد أية مؤامرات اميركية
أو صهيونية وإنما هي مؤامرات من نوع آخر، مرتبطة بحماس
مثلاً أو إيران! وقد كرر ذلك وأكده في المقالات الثالثة
التالية.. يقول: (الذئاب باتوا يحومون حول القاهرة من
كل نوع.. من دول وميليشيات وأيديولوجيات، وهذا أمرٌ يهددنا
كلنا)! لا توجد ميليشيات سوى ميليشيا السلطة ومعارك جمالها
وخيولها وبلطجة من هم عليها!. ولا توجد أيديولوجيات خارجية
وإنما مطالب بالحرية والكرامة وتغيير النظام الى الأفضل.
ولا توجد دول تلعب بالشارع المصري الثائر، وإنما وجدت
دول تدعم النظام المصري المتهافت ابتداءاً باسرائيل ومروراً
بدول الخليج وفي مقدمتهم السعودية والإمارات. ومن لا يعجبه
شعب مصر وثورته فما عليه إلا أن ينعى نفسه: (هل يجوز ان
تكون هذه هي نهاية نظام الرئيس المصري؟ يا خسارة!) يقول
الحميد!. يا ليت تكون هذه نهاية الطغاة جميعاً، فهذا من
الأرباح الصافية للجمهور، ولن تخسر الشعوب العربية سوى
قيودها وطغاتها وطارق حميدها!
في 5/2/2011، تحدث الحميد عن (ما بعد زلزال مصر السياسي).
حمداً لله! فهو لم تعجبه كلمة ثورة ليصف بها حركة الجمهور،
وإذا به يصفها بالزلزال! ويقول الحميد بأنه لم يجد أدقّ
من هذا الوصف (يا ولد يا دقيق)! في مقالته هذه. يعيب الحميد
على الحكام العرب أنهم في صمت مطبق، بعكس إيران! فلا زالت
المعركة السعودية مفتوحة معها، ولن يشغل الحميد ما يجري
في مصر عن التعرض لإيران وحلفائها!
الآن صار الحميد يخاف على الثورة (عفواً الزلزال) من
أن تسرق! (هل يُختطف جهد الشباب وتنتهي مصر محكومة من
قبل الإخوان المسلمين؟). سؤال يقض مضجع المنطقة!! كما
يقول الحميد. خاصة السعودية فـ (ما سوف يحدث في مصر ما
بعد مبارك سيترتب عليه الكثير سياسيا، خصوصا السياسة الخارجية
لدول المنطقة، وتحديدا الكبرى منها. فمصر حليف استراتيجي
للسعودية وبعض من دول الخليج، ناهيك عن الأردن ودول أخرى
في المنطقة). فقد اقتنع الرجل برحيل مبارك. وهذه الدول
تخاف الديمقراطية والتحول السياسي الهيكلي في مصر، ولكن
الحميد أراد قلب الآية: (دمشق لن تحتمل مصر كديمقراطية
حقيقية، كما لن تحتملها وهي تحت سيطرة الإخوان)! فهل الرياض
تحتمل ديمقراطية مصرية ولو ناقصة؟! وهل تحتمل سيطرة الإخوان
الذين شبعوا شتماً من آل سعود منذ عشرين عاماً ولازالوا
يتلقون الشتائم! وبدل أن يهيء آل سعود أنفسهم للتعامل
مع الحكام القادمين لمصر (وسيكون الإخوان مشاركين في الحكم)
كما تفعل اميركا وغيرها، نرى السعودية وكاتب وحيها الحميد
يحرض دمشق على الإخوان المسلمين، والإصطفاف مع مبارك،
وبقية الخاسرين في السعودية وحلف الإعتدال الذي تعرّض
لضربة لن يفيق بعدها أبداً!
(الأولاد المؤسسون) هو عنوان مقالة يوم 6/2/2011، نزّه
فيها الحميد ـ على غير العادة ولكن لغرض خبيث ـ ما جرى
في مصر وتونس من حركة تغيير، ونسب الفضل كله لـ (الأولاد
المؤسسين) وليس لواشنطن. ودعا الحميد أميركا ـ بعد أن
تلكأت فلم تقف مع مبارك ـ ان تترك (دول المنطقة تختار
طريقها، وما يناسبها من أنظمة حكم وطنية وواعية، وشرعية)
أي أن (لا تفرض ديمقراطية مفصلة على كل دول المنطقة).
اذن الحميد يتكلم بلسان حكومته ويعبر عن رفضها نصائح اميركا
بأن تعدل وضعها قبل أن يأتيها الطوفان الثوري. ولكن لا
بد من الحميد أن يعرج على موضوعه المفضل، فقد طلب مساعدة
أميركا لحل الصراع العربي الإسرائيلي وذلك من أجل (صد
التمدّد الإيراني بمنطقتنا)! لازال عملاء أميركا بحاجة
اليها حتى ولو شنقتهم واحداً بعد الآخر!!
وها قد وصلنا الى موضوع الحميد المفضل. إنه شتيمة حماس
التي دأب على القيام بها منذ سنوات عديدة. نعلم أن حماس
محاصرة اقتصادياً من قبل اسرائيل وحكومة مصر، فضلاً عن
حصارها السياسي والإعلامي من قبل آل سعود والقاهرة وتل
ابيب. وحماس في هذه الأزمة لم تحرك ساكناً، بل أنها ـ
ولفرط خشيتها من نظام القمع في القاهرة ـ منعت وبالقوة
قيام أية تظاهرات مؤيدة للثورة المصرية. وحين سمحت بعد
تلكؤ وتأخر وبعد ثبوت ان النظام المصري راحل لا محالة،
فإنما سمحت بـ (وقفة) لم يظهر فيها أي من قادة حماس أو
جمهورها، ولم يقدم أحد من قيادات حماس تصريحاً لا مؤيداً
ولا معارضاً، نظراً لحساسية الوضع. هذا الموضوع (موقف
حماس وخلفياته) نوقش باستفاضة في القنوات الفضائية بما
فيها قناة العربية، والجميع ادرك ان حماس لا تريد ان تورط
نفسها باتخاذ أية موقف.
لم تعلن حماس فرحتها إلا بعد أن سقط طاغية مصر، أما
قبل ذلك فبقيت صامتة. لكن الحميد أبى إلا أن يجرجرها الى
حقل الشتيمة ويحملها والفلسطينيين المحاصرين والمضروب
على رأسهم منذ سنوات مسؤولية ما يجري في مصر من ثورة (أو
بعض منها).. وقد سبق أن كذبت المخابرات المصرية من قبل
حين قالت بأن غزة كانت مصدر مفجري كنيسة القديسين، وكان
الأولى أن تقول بأن وراءها فكر الوهابية الضال ورجالها
الذين امتطتهم مخابرات كل الدنيا السعودية والأميركية
والألمانية والمصرية وغيرها.
في 7/2/2011، كانت مقالة الحميد تحت عنوان (هل حماس
تمزح؟). ويكفي أن نبين سذاجة الحميد وجهله وسخافته معاً
بذكر أول مقطعين من مقالته الغبيّة: (ردت حماس، وهذا من
حقها، على ما يقال في بعض وسائل الإعلام المصرية من دور
لها في الأزمة المصرية الأخيرة. لكن رد الحركة الإخوانية
بدا وكأنه نكتة سياسية، أو مزحة، حيث حذر القيادي في حركة
حماس صلاح البردويل المصريين من تصدير الأزمة الحاصلة
في مصر إلى قطاع غزة!). واضاف: (فيا سبحان الله.. هل باتت
مشاكل مصر هي التي تصدر لقطاع غزة؟ أم إن حماس باتت تخشى
من انكشاف أمرها لدى الكثيرين في مصر؟ ناهيك عن قلق الحركة
الإخوانية من أوضاع غزة الداخلية نفسها، والدليل أن الحركة
- وعلى وقع هزة مصر الأسبوع الماضي - أعلنت أنها لا تمانع
في فتح دور السينما بالقطاع؟).
وطالب الحميد الحكومة المصرية بعد ان ترتب أوراقها
بأن تقوم بـ (التحقيق والتحقق حول حجم اختراق الجماعات
الخارجية لأمن مصر، فكيف استطاع كل من حركة حماس وحزب
الله تسهيل فرار مساجينهم من داخل مصر).
وهكذا لم تخل مقالة كتبها غير الحميد هذا إلا وحوت
جهلاً وسموماً، وكان من بين آخر ما كتب عن مصر مقالة (نصر
الله والإعتراف الخطير)(8/2/2011) علق فيه على خطاب نصر
الله ودعمه للثورة المصرية، اعقبته مقالة (مصر وفارق التوقيت)(9/2/2011)
تحدث فيه عن التأخر المصري الرسمي في اتخاذ القرارات الحاسمة
واضراره، ومقالة (مصر.. نرى فهل نستوعب؟)(10/2/2011) نعى
فيها وعيه ووعي أمثاله، حيث رأى ان مصر تغيرت فعلاً! (صح
النوم)، فكانت هذه آخر مقالة له قبل سقوط هبل في اليوم
التالي 11/2/2011.
وعموماً، على الأرجح لن يكف الحميد عن أن يحاضرنا بعد
أن انتصرت الثورة المصرية، وسيكون لها بالمرصاد، هو وآل
سعود، وتلك قصة أخرى. ولكن لنأخذ مقالته التالية ليوم
الإنتصار (12/2/2011)(الحمد لله على سلامتك يا مصر)! ما
شاء الله على هذا النفاق! فقد اعترف الحميد ـ ولا يهمنا
اعترافه وجهله ـ وفي السطر الأول لمقالته ما جرى في مصر
بأنه ثورة: فقد تنحى حسني مبارك عن منصبه (تحت ضغط الثورة..
نعم هي الثورة المصرية)! واضاف منافقاً: (ما حدث في مصر
يعد أمراً مذهلاً. فهي ثورة لم يُرق ثوارها قطرة دم واحدة،
بل كانوا أكثر حكمة وتعقلاً ممن حاولوا قمعهم.. هي ثورة
الشعب، ثورة ليس لها قائد يأتي بالطائرة من الخارج مثل
ما رأينا في حالة ايران يوم جاء الخميني من فرنسا) وكأن
عدم وجود قائد فضيلة، أو أن مجيئه من المنفى رذيلة، كما
يتصور الجاهل الحميد!
(ويأتيك بالأخبار من لم تزود)!
|