رضوان السيد.. بوقاً
صدمة الحريري من انتقادات سعودية
محمد شمس
فوجيء فريق 14 آذار في لبنان، وتيار المستقبل على وجه
الخصوص، بالموقف النقدي الذي ظهر في مقالات كتّاب سعوديين
محسوبين على المناصرين للحريري حتى آخر لحظة انتصار، وخصوصاً
عبد الرحمن الراشد، مدير قناة العربية، وداود الشريان،
مدير موقع العربية على شبكة الانترنت. فقد خيّل لمن قرأ
مقالتي الراشد والشريان وكأن ما كتبه كل منهما جاء بعد
جلسة تقييم عميقة لخسارة الحريري في معركة الاستشارات
النيايبة، بسبب تطابق وجهات النظر، والموقف، وحتى عبارات
النقد.
|
رضوان السيد |
في مقالة الراشد التي لا تخلو من موقف اعتذاري لنصيره
الخاسر بعنوان (التشبّه بأخلاق 8 آذار) نشرته صحيفة (الشرق
الأوسط) في 26 يناير الماضي إنتقد فيه ردود فعل أنصار
الحريري بعد خسارته في معركة الاستشارات النيابية في لبنان،
وحصول نجيب ميقاتي على أغلبية الأصوات التي تؤهّله لتشكيل
الحكومة العتيدة. وقال عن الحريري (إن مظهر أتباعه لم
يكن حضارياً) إذ (يخرج غوغاء الشارع يهاجمون الغير، يحرقون،
ويقطعون الطرق). كما وجّه نقداً للحريري نفسه الذي تصرّف
بطريقة غير لائقة وبروح غير رياضية (كان متوقعاً منه ـ
عندما هزم من الطرف الآخر الذي نصب نجيب ميقاتي ـ أن يمدّ
يده الى رئيس الجديد ليس فقط لأنه صار رئيس وزراء شرعياً
للبنان، بل أيضاً لأن ميقاتي منافس محترم).
وفي مقالة بعنوان (معارضة لبنانية مستنسخة) نشر في
صحيفة (الحياة) السعودية في 26 كانون الثاني (يناير) الماضي،
كتب داود الشريان بأن (سعد الحريري هدّد بلغة الوعيد بيوم
آخر. وتمسك بعض نواب كتلته بخطاب مذهبي صارخ جعل خطاب
الأمة يشبه شعارات الطوائف). وانتقد الشريان منهج الحريري
الأب والإبن معاً حيث أن (والده اختصر السنّة في شخصه،
وهو يمارس هذا الاختصار).
وفي نصيحة غير مباشرة للحريري، كتب الشريان (كان المطلوب
أن يقبل سعد الحريري قواعد اللعبة الديموقراطية التي تدعيها
الساحة السياسية في لبنان. يكتفي بالانسحاب من تشكيل الحكومة،
ويترك «المعارضة» تدير التشكيل. ويتبنى «الحقيقة» من موقعه
الجديد..)، ولكن، كما يوضح الشريان أن مشكلة سعد الحريري
هي في مكان آخر (لكن خبرة سعد لم تسعفه). وانتقد الشريان
أسلوب (التجييش والصراخ المذهبي اللذين تورط بهما «تيار
المستقبل»).
بطبيعة الحال، لم يتوقّع فريق الحريري أن يكون أهل
الدار بهذا القدر من (الظلم)، وهو الذي استعان بهم في
الحق والباطل، حتى ضاعت الحدود بينهما بسبب الغمامات المفتعلة
التي أطلقتها الماكينة الإعلامية السعودية التي يتسنّم
الراشد والشريان مواقع قيادية فيها. ولذلك جاء رد الفعل
المضاد من فريق الحريري إنفعالياً، بل لم يكن يخلو من
نبرة إستعلائية، ولسان حال مستشاري الحريري أن (الاستاذية)
التي مارسها الراشد والشريان وغيرهما تكسر النظرة النمطية
عن شكل العلاقة المفترضة بين تيار المستقبل ورعاته السعوديين،
الذي لا يجوز أن يتجاوز دورهم حد الرعاية المالية.
من بين ردود الفعل اللافتة على موقف الكتّاب السعوديين
من هزيمة الحريري، كان مقالة رضوان السيد الموسومة (لبنان
والليبراليون السعوديون) نشرت في 30 كانون الثاني (يناير)
الماضي في صحيفة (الإتحاد) الاماراتية. المقالة بدت انفعالية
بدءاً بالسطر الأول وحتى الخاتمة. بل إن رضوان السيد،
الذي كان يحظى باحترام شريحة واسعة من المثقّفين العرب
وخصوصاً عرب المشرق، بدا كما لو أنه إختزل دوره الثقافي
في إطار المعارك الطائفية اللبنانية، بل تنزّل الى حد
الإنحباس في فريق لبناني يقوده الحريري، وصار (يتلاعب)
بخطاب غرائزي طائفي طمعاً في تحريك قضية سياسية من خلال
الشحن المذهبي.
ما لفت في مقالة رضوان السيد التحامل الواضح على من
انتقدوا السلوك السياسي لتيار المستقبل الذي ينتمي إليه
بعد هزيمة الحريري في الاستشارات النيابية، فقد اختار
من مشاكل الأمة الليبراليين السعوديين (باعتبارهم جزءاً
من "المشكلة" التي تعاني منها شعوبنا ودولنا منذ عقود،
وما آلت إليه الأُمور لديهم ولدى الناس بعد التحركات الشعبية
بتونس ومصر). إلى هذا الحد، أصبح الليبراليون السعوديون
مشكلة أمة. حسناً، ما المشكلة؟
يقول رضوان السيد، وسنرى الآن ما هي حدود المشكلة،
(أقبل المسمَّون بالليبراليين من السعوديين وغيرهم على
كتابة المقالات في التهوين من شأن ما جرى، والقول إنهم
نصحوا الحريري منذ البداية أن لا يتولى رئاسة الحكومة،
تارةً لأنه صغير السنّ، وطوراً لأنه سيكون رهينةً بأيدي
خصومه السياسيين). إذن مشكلة الأمة تتصاغر تدريجاً لتقتصر
على مشكلة خروج الحريري من السباق مرة أخرى على رئاسة
الوزراء. وحين يوضّح رضوان السيد وجهة نظره مما جرى تبدو
القضية مثار دهشة، فهو منزعج الآن (من كلام المتلبرلين
السعوديين)، بعد أن كان غير ذلك فيما مضى، (لأنني كنتُ
أحسب أنّ ذلك من باب الحرص على الاستقرار وعلى تجنب النزاعات
في لبنان، بعد اغتيال الحريري الأب). فقد افترض رضوان
السيد بأن كلام الليبراليين السعوديين الجديد ينمّ عن
شيء آخر لا دخل له بالنوايا الطيبة والمخلصة التي كان
رضوان السيد يثق بها. يشرح الأخير أسباب انزعاجه من الليبراليين
السعوديين الذين (اتّخذوا في الأيام الأخيرة مواقف سلبية
من الحريري وأنصاره) وهم كما يصفهم (كلُّ أهل السنة، ونصف
المسيحيين على الأقلّ)؟. إن الليبراليين السعوديين (لا
يقصدون التهدئة والمسالمة؛ بل يريدون إيهام الناس (ولصالح
النظام السوري وحزب الله) بأنّ الموقف السعودي منقسمٌ
من حولنا نحن أهل السنة، وحلفاؤنا في 14 آذار، وأنَّ الذين
أتوا بميقاتي يملكون "فائدة الشكّ"، باعتبار الموقف السعودي
غير واضح). ومرد ذلك الانزعاج الى المسألة لا علاقة لها
(بأن ميقاتي وبعض الصحفيين السعوديين صادقون أو غير صادقين؛
بل لأننا نحن المسلمين في لبنان نعتبر أنّ الملك عبد الله
بن عبد العزيز معنيٌّ بنا وبسلامة لبنان واستقراره).
انفعالية رضوان السيد تمادت الى حد توصيم الليبراليين
السعوديين، الذي فضّل أن يدرجهم في إطار أوسع، أي الليبراليين
العرب، وكأنه يستثني نفسه منهم حين قال (فالليبراليون
العرب ظلُّوا لعقودٍ يلوذون بالأنظمة الاستبدادية هنا
وهناك، بل وطربوا لدعوات الغُزاة الأميركيين للديمقراطية.
وانصرفوا كلَّ الوقت لمصارعة الإسلاميين باعتبارهم مدنيين
وعلمانيين، وكانوا يظنُّون أنّ الأنظمةَ سوف تُرحِّبُ
بهم، وتستمعُ إلى أُطروحاتهم). قد يكون ذلك صحيحاً نسبياً
ولكن ماعلاقة ذلك كله بالليبراليين السعوديين، وكأن رضوان
السيد لم يجد ما ينقم به على من كتبوا ضد تصرّفات الحريري
وفريقه حين هزموا إلا أن يستدعي من الإرشيف حوادث باتت
معروفة لدى كل ذي لب.
أسهب رضوان السيد في الحديث عن أمور زائدة عن الحاجة
بما يشبه محاولة تنفيس منفعل (فقد أعصابه)، فاستحضر كل
قضايا الأمة، وحتى الثورة في كل من تونس ومصر وجدت مكاناً
لها في حملته على الليبراليين السعوديين، والتي أتت في
طريقها على خصومه من شخصيات سياسية وفكرية أوحتى فضائيات
مثل (الجزيرة) و(المنار). جولة طويلة لا يكاد القارىء
يمسك بناصية البداية حتى ينفلت الزمام وتحشر القضايا الأخرى
حشراً متكلّفاً، ولا يكاد يختم بنداء ـ نصيحة الى الاخوة
الليبراليين والاخوة الاسلاميين، ولا أدري ما علاقة ما
سيأتي بأصل الموضوع خصوصاً قوله (لقد تحركت الشعوب العربية،
وها هي تتقدم واحداً بعد آخر على الدرب الطويل للتغيير
والمشاركة واستلام إدارة شأنها العام). ثم ختم بطلب (ولستُ
أريد منكم أن تُغيّروا عوائدكم، لأنّ هذا وعْيٌ تربَّى
لديكم عبر عقود، بل الذي أطلبه منكم ولصالحكم: أسكتوا
لحفظ أنفسكم ومصالحكم، أو يصيبكم ما أصاب متنوِّري النظام
التونسي..).
في التقويم العام، لا أرى بأن رضوان السيد قد أجاد
على الإطلاق في عرض قضيته، حقاً كانت أم باطلاً، لأن العنوان
خالف المضمون، وأن الواضح فيه لايعدو إنزعاجاً مما كتبه
الراشد والشريان حين نصحا الحريري بقبول الهزيمة والتعامل
مع حكومة ميقاتي على أنها واقع، وعارضا ردود الفعل الإنتقامية
من جانب أنصار تيار المستقبل في الشغب بشكله الشوارعي
والصبياني كما ظهر في طرابلس في 25 كانون الثاني (يناير)
الماضي.
في أول وأقوى رد على مقالة رضوان السيد، جاء من صالح
الراشد في 3 شباط (فبراير) في صحيفة (إيلاف) الالكترونية
بعنوان (عندما يصبح المفكرُ بوقاً: رضوان السيد مثالاً)
قال فيه:
كتب رضوان السيد مقالاً ينتقد فيه بعض الكتاب السعوديين،
الذين وصفهم بالليبراليين، بسبب موقفهم المنتقد سعد الحريري
بعد سقوط حكومته، ويقارن - بسذاجة مضحكة - بين ليبرالية
بشار الأسد وحسن نصر الله من جهة وليبرالية سعد الحريري
والسنيورة من جهة أخرى؛ وكأن الليبرالية هي شرط الكفاية
لإقناعنا بسعد الحريري كحصان رهان في الساحة اللبنانية.
كما أن الهجمة التي شنتها الصحافة السعودية على سعد الحريري
تعامل معها رضوان السيد في مقاله على أنها هجمة ليبراليه
ليس إلا؛ والواقع أن سعد الحريري في الداخل السعودي يمثل
عامل (توحّد) بين فئات الشعب السعودي وأطيافه المختلفة،
بما فيهم الليبراليين وغير الليبراليين، بما تمثله شركته
- شركة سعودي أوجيه - من دور سلبي خطير في قطاع الأعمال،
وبالذات قطاع المقاولات في السعودية، حيث يكتنف أعمالها
وتعاملها مع الأيدي العاملة السعودية مواقف عنصرية واضحة؛
حيث يتم تفضيل اليد العاملة اللبنانية على العمالة السعودية،
ناهيك عن بعض المقالات التي تنشرها الصحافة السعودية الورقية
المحلية بين حين وآخر، تتحدث بوضوح عن هذه السلبيات؛ وهذا
هو مربط الفرس من القضية، والذي جعل جميع السعوديين بما
فيهم الليبراليين يقفون منه، أو بالأحرى من شركته، هذا
الموقف. فالليبراليون والإسلاميون في السعودية يختلفون
في كل شيء، ولكنهم يتخذون موقف سلبي واحد تجاه الحريري
وشركته.
أما رأينا فيه كسياسي فهي تنطلق من منطلقين : أولهما
أن الرجل لا يملك قدرات وإمكانات ومهارات ذاتية تؤهله
للقيام بما هو مطلوب من زعيم أهل السنة في لبنان، والدفاع
عن مصالحنا هناك. المنطلق الثاني أننا لا يمكن أن نلغي
كل الخيارات السنية، ونضع كل بيضنا في سلة سعد الحريري.
السبب أنه يفتقد أولاً للكاريزما التي يشترط أن تتوفر
في الزعيم السياسي، وثانياً قدرته المتواضعة على الخطابة،
وتلعثمه في الحديث. وثالثاً نعومته واهتمامه المفرط بالشكليات
إلى درجة تجعله أقرب إلى عارض أزياء منه إلى زعيم سياسي.
وفي السياسة تستطيع أن ترث المال والإسم وربما المكانة
والعلاقات الاجتماعية، أما الإمكانيات الشخصية فلا تورث؛
والدليل الفرق بين الحريري الأب والحريري الابن، فالابن
لم يرث من الأب إلا الثروة إضافة إلى الاسم والشكل ليس
إلا. أريدك - أيها المفكر المبجل - أن تقارن بين حسن نصر
الله كزعيم يملك شخصية آسرة، وقدرة خطابية استثنائية،
وذكاء سياسي وتقارنه بصاحبك سعد الحريري، ثم افترض أن
حسن نصر الله اغتيل، كما هو ديدن ساستكم في دولتكم دولة
الطوائف المتخاصمة، فهل سيأتي الإيرانيون بإبنه – مثلاً
– ويعمّدونه زعيماً لشيعة لبنان، حتى وإن كان في تواضع
قدرات وإمكانات سعد الحريري الشخصية، كما فعل (جماعتنا)
مع صاحبكم؟.. طبعاً لا، ولا أعتقد أن أحداً سيوافقك –
يا رضوان – لو قلت حتى (ربما)؛ فالإيرانيون أهل حزم وعزم،
وليس للعواطف والمجاملات علاقة بقراراتهم، لهذا استخدموا
(ميقاتي) ليعمل أجيراً لهم، ويدافع عن مصالحهم؛ فلماذا
لا نستأجر نحن أيضاً (القوي) القادر على الدفاع عن مصالحنا
ومصالح أهل السنة في لبنان، ولماذا لا يكون لدينا نحن
السعوديون، خياراً آخر غير الحريري؟
يقول الساسة يا رضوان: (أينما تكون المصلحة فثمَّ شرع
السياسي)؛ فالمصلحة هي التي تفرض في نهاية المطاف منطقها،
وقيمها، وشروطها؛ وعندما تراهن على حصان (واحد) لا يملك
إمكانات الفوز، فلا تتوقع أن يأتي متقدماً في سباق هيأ
له المتنافسون أفضل ما يملكون من جياد، ولأن سعد لا يملك
الأسباب الموضوعية للفوز، كان لا بد من إخراجه من السباق،
ولأننا لم نخرجه، سقط وخسرنا السباق.
أخي رضوان؛ أعرف أنك مدفوع للكتابة، وتقبض في نهاية
النهار ثمن ما تكتب عدّاً ونقداً، ولأنك متورط بالرجل،
فلم تجد للدفاع عنه إلا إقحام الليبرالية والليبراليين
في الموضوع، بطريقة مضحكة ومحزنة في الوقت ذاته، فحاولت
أن تجعل من قضايانا (المحلية) نحن السعوديين، وصراعاتنا،
للنيل من أناس جعلوا من سيدك، وأبيه من قبله، شيئاً مذكوراً،
في حين أنه عندما أتى للمملكة أتى (ماسك دفاتر) وليس سياسياً
تلتفت إليه الأعناق؛ وختاماً أذكرك ببيت لنزار قباني يقول
فيه:
وإذا أصبح (المفكر) بوقاً
|
يستوي الفكر عندها والحذاءُ
|
أربأ بك يا رضوان أن تصبح في نهاية حياتك مجرد بوق
ينفخ فيه الآخرون.
|