الأميركيون يستعدون لمواجهة جديدة مع السعودية
ملف السلفية الجهادية سيفتح في العراق قريباً
بالكاد تحاول الحكومة السعودية مواجهة الإتهامات بأنها مصنع تفريخ
الإرهاب، وتدافع عن نفسها بأنها (ضحيّة) من ضحاياه. ولكن الأصدقاء
كما الأعداء يتذرعون بالمثل العربي: بضاعتكم ردّت إليكم! وإنك لا
تجني من الشوك العنب! ومن زرع حصد! الخ.
لكن يبدو أن السلفيين قد كبروا وشبّوا عن الطوق ولا تستطيع
الحكومة إيقافهم. ومع أن نفوذها السياسي في البلدان الأخرى كان
قائماً على مركب الوهابية والمذهبية والتبرعات ونشر الفكر الوهابي..
حيث الولاء للوهابية يسبق الولاء لآل سعود، وحيث الداعمون للمذهب
يعتبرون أوفياء لنظام
الحكم!.. مع
هذا، فإن الحكومة لم تستطع حتى الآن فرز الألوان، بل هي مصابة بعمى
الألوان فعلاً، فلم تعد تعرف من هو المتطرف ومن هو المعتدل، ومن هو
العنفي، وفق مقاييس الوهابية طبعاً. كما أن الحالة في المملكة لا
تساعد على التمييز، فالوهابي المعتدل في قضية ما متشدد في أخرى،
ولهذا فإن الحدود مائعة الى حدّ بعيد بين المتطرفين والمعتدلين
والعنفيين.
ولأن مؤسسات الدولة الدينية والجمعيات الخيرية والدعوية شبّت على
الطوق، وهي متداخلة جداً مع المؤسسات الحكومية وشخصياتها، فإنها
تستطيع إكمال رسالتها كما قبل أحداث سبتمبر، لأن جسد الدولة الديني
لم يتغير فيه شيء، بل تمّ تحفيزه باتجاه العداء للغرب، وإن إمكانية
المؤسسات الدينية لم تتغير، والجمعيات الخيرية قائمة مع شيء من
المراقبة يقوم بها المتطرفون أنفسهم!
يتحدث الدبلوماسيون والصحافيون الغربيون العائدون من بغداد عن
موجة سعودية جديدة تساهم في مواجهة الإحتلال، ويقولون بأن هناك تدفق
في الأموال والرجال والفكر، حيث الكتب الوهابية بدأت بالإنتشار بين
بعض طبقات السنّة الذين لم يكونوا في التاريخ السعودي الحديث هدفاً
دينياً للحكم السعودي ولا لمؤسسته الدينية.
ويسوق هؤلاء أن عدداً من السعوديين قتلوا في عمليات المواجهة مع
الأميركيين أعلنت بعض المنتديات عن أسماء بعضهم؛ كما أن التيار
السلفي بشكل عام، استفزّ من إحتمالية سيطرة الأكثرية الشيعية على
الحكم القادم في العراق، ورأى بأن وقت العمل قد بدأ، من خلال اختراق
الحدود وإيصال الدعم، وفي بعض الأحيان ـ وحسب ما نشر ـ قام المستشفى
السعودي في بغداد بإيصال بعض النشرات والكتب الدعوية والمعونات لفئات
ألمح بريمر أكثر من مرة بأنها تحرّض على مهاجمة الأميركيين.
وقيل أن الحكومة السعودية تلقّت تحذيرات من الولايات المتحدة،
وطلبت منها ضبط مواطنيها وحدودها مع العراق، خاصة بعد إعلان قناة
(العربية) علانية في نشرات أخبارها أواخر يوليو الماضي عن تأسيس
سعوديين للحركة السلفية الجهادية لمقاومة الإحتلال الأميركي للعراق،
وقد ظهر في الشريط الذي سُرّب للعربية متحدث بلهجة سعودية واضحة يعلن
تأسيس الحركة وتهديداتها، الأمر الذي اعتبرته أوساط أميركية معادية
للمملكة بأنّ ذلك مساعدة رسمية للإرهاب!
وبشكل مجمل، يشعر مسؤولون أميركيون بأن أيّة انغماس للسعودية في
الشأن العراقي، سواء كان رسمياً أم إغاثياً سيؤدي الى تأليب الوضع
على القوات الأميركية، التي بدأت ـ كما تقول مصادر غربية ـ بمراقبة
النشاطات السعودية الإغاثية في العراق (بغداد تحديداً). أما
المسؤولون في المملكة فيقولون بأنهم غير قادرين على ضبط الحدود
العراقية السعودية، وترى بأن ذلك أثّر على الوضع الأمني السعودي
أيضاً، حيث يتدفق السلاح الى المملكة وافراً رخيصاً. لكن لا يخفي بعض
المسؤولين حقيقة أن المملكة ترى من واجبها دعم الجهات التي ترى بأن
وصولها الى الحكم في البلد العربي المجاور عامل استقرار لحدودها وفي
علاقاتها مع العراق المستقبلي. كما أن بعض المسؤولين يعتقدون ـ بحق ـ
بأن الولايات المتحدة تريد تصدير أزمتها الداخلية في العراق الى دول
المجاورة، وتحميلها أخطاء قوات الإحتلال، سواء كان المتهم سوريا أو
إيران أو السعودية نفسها، وهي الدول التي تزعم واشنطن أن لها مصالح
في تعكير الوضع الأمني الداخلي العراقي، وأول تلك المصالح تقوم على
قاعدة إنغماس الأميركيين في مستنقع وتكبيدهم خسائر حتى لا يفكروا في
التوجه الى بلد آخر.
ومن المعلوم أن المملكة في تاريخها الحديث، كما تاريخ آل سعود
كلّه، لم تكن على وفاق سياسي أو ديني مع العراق، لا مع شيعته ولا مع
سنته ولا مع أكراده. وكان العراق على الدوام منافساً للحكم السعودي
على زعامة الشرق العربي، وله من الإرث السياسي عداء غير قليل مع
السعوديين منذ أن تشكّل العراق الحديث وقاده الهاشميون المنفيون من
الحجاز.
ولكن المملكة تشعر اليوم بأن استثمارها في العراق جاء متأخراً،
وفي ظرف تسلط فيه الأضواء على مجمل حركتها ونشاطها السياسي، وخاصة
المرتبط منه بالجزء التبشيري الديني الذي لم يكن يوماً يروق
للعراقيين بمختلف توجهاتهم المذهبية. ولهذا، فهي من جهة تريد بناء
قاعدة لها في العراق بالتحالف مع من أمكن من الشخصيات السنيّة
العربية، ومن جهة ثانية لا تريد أن تتهم بالتدخل في الشأن العراقي،
خاصة من زاوية مكافحة الإحتلال، وهي غير قادرة على منع السلفيين من
المشاركة في المعارك ضد القوات الأميركية، كما أنها ـ رغم جهود مكثفة
تبذلها ـ غير قادرة أيضاً على القطع بشكل يقيني أن المساعدات التي
ترسلها لا علاقة لها بتمويل أنشطة ضد قوات الإحتلال.
المملكة في حيرة. وحيرة حكومتها تزداد من حقيقة أنها كلّما أغلقت
ملفاً انفتحت ملفات أخرى ضدها.
كما قلنا هو زرع، ومن زرع حصد، وهذا أوان الحصاد كما قلنا مراراً! |