ماذا لو قال السعوديون: الشعب يريد إسقاط النظام؟!
متسع الحريّة في المهلكة السعودية: كتب مقاله في 22/2/2011
واعتقل في اليوم التالي
د. خالد الماجد
بالمختصر.. وطننا بما فيه ومن فيه يشعرنا - وعلى الدوام
- أننا غرباء الدار.. كأننا لاجئون أو ضيوف ثقلاء على
الأسرة (الأُولى)!
|
د. خالد الماجد |
نأكل ونشرب على استحياء.. ونمتنّ كثيراً كلما طالت
مدة البقاء.
عيبٌ علينا التبرّم أو المطالبة أو الانتقاد. فما على
المحسنين من سبيل!! ليس لنا من الأمر شيء.. وما لنا حقّ
في شيء.. وكثير علينا كل شيء.. ومنّة علينا كل شيء.
إن حُرمنا فعدل.. وإن أُعطينا ففضل!! فتبّاً لهذه المواطنة!!
وتباًّ للعبودية!!
ثمّة سؤال ملح: هل حالنا أحسن من حالهم في تونس ومصر؟
حين سمعتُ التصريح السعودي المرحّب بالانتقال السلمي
للسلطة في مصر، وبقيام حكومة وطنيّة تحقّق آمال وتطلعات
الشعب المصري.. قلتُ: ومرحباً بهذا الترحيب.. ولكن الأقربين
أولى بالمعروف!!
ماذا لو أن المصدر المسئول قال ـ مثلاً: ونبشّر الشعب
بالانتقال السلمي للسلطة، من الملكيّة المطلقة إلى الملكيّة
الدستوريّة، وقيام نظام شوري حقيقي؟!
كانت لافتات الثائرين تطالب بـ: الحرية، العدل، المساواة؛
وتشجب: البطالة الفساد الظلم.
كانت تطالب بإسقاط النظام الفاسد، الذي ينظم ويكرّس
ويشرّع الجريمة الواقعة على الشعب من أصحاب النفوذ، وأذنابهم
المسبحين بحمدهم.
وأي شيء هذا الذي أغضب المصريين والتوانسة فأسقطوا
نظاميهما ليس موجوداً عندنا؟!
أما حريّة الرأي فبيننا وبين مصر فيها أمد بعيد.. كتب
عبدالحليم قنديل مقالاً عن حسني مبارك قبل سنتين، لو كتبه
أحدنا عن أمير لجدع أنفه، ولغيّبته السجون.. الممتلئة
الآن بالآلاف!!
وأجزم أن أعلى فاتورة فساد مالي دُفعت منذ آدم عليه
السلام وإلى يومنا هذا، وربما إلى قيام الساعة، هي فاتورة
فسادنا المالي!! حتى أنك تحار من أين تبدأ.
من إقطاعات لأفراد ترسم حدودها الهليكوبتر.. ضاق بها
البر والبحر، (فلطشت) جميع الطعوس الزينة العامرة وغير
العامرة.. وسيّجت الجبال الشاهقة.. ويحتاج من يريد النزهة
مسافة قَصْرٍ ليجدَ طعساً يجلسُ عليه هو وعياله البائسون!
وعندنا – فقط - يمكن للكبراء اقتطاع الشواطئ وما يلي
الشواطئ من البحر!! والله (يخلّي) الرمال الدافنة للبحار
الدافئة، لإقامة الشواطيء العامرة!!
وبينما ثلثا المواطنين لا يملك الواحد منهم أرضاً يقيم
عليها بيتاً كئيباً يؤويه وأولاده.. ويكتفي (بصندقة) تحرقهم
صيفاً، وتكسر عظمامهم شتاءً!! في وطن مساحته مليونا كيلو
متر مربع!
ومما مجموعه 2 تريليون بالتقديرات المتسامحة لعائدات
الوطن السنوية.. لا يأتي الشعب إلا 400 مليار؛ يذهب ثلثها
في عمولات المشاريع للسارقين.. فأين الباقي؟!
وبينما (الشرهات الراهية) حكرٌ على العائلة (الأولى)
ومن التصق بها أو احتيج إلى شرائه من النخب.. لا يجد من
يعيش تحت خط الفقر من المواطنين ما يسدّ رمقهم إلاّ ما
تتفضّل به أكوام الزبالة!!
ووظائف الدولة الكبرى: إقطاعيات تدر بخيراتها على كبرائها..
تصفهم ضمن كبار رجال الأعمال.. وبعضهم تجاوز التصنيف العالمي
لأغنى الأغنياء!! فمن أين جاءتهم الثروة؟!
وتُسنُّ الأنظمة والعقوبات لتزيد من الأرصدة التي لم
يعد يشبعها النهب التقليدي!! وإلاّ كيف لنا أن نفسّر ما
يحدث في منح التأشيرات، وإصدار الفسوحات والتصاريح، وإرساء
المشاريع والإمتيازات، والنقل في الوظائف، حيث صار لكل
بند منها عمولة خاصة؟!
ويقف نظام ساهر.. اللص المرابي.. شاهداً على مدى البجاحة
في سرقة الشعب المخنوق المنهك!!
أُقسمُ لو أن هؤلاء الجشعين لم يجدوا ما يملأون به
أرصدتهم إلاّ لقمة يتيم، أو أرملة، لانتزعوها من أفواههم
انتزاعاً!!
يتحدثون في مصر عن 70 مليار دولار، مجموع ثروة عائلة
حسني مبارك!! وهذه المليارات ربما هي زكاة ثروة بعض كبرائنا!!
فكم ستكون ثرواتهم لو جُمعت؟!!
والفواتير عندنا على الضعفاء فقط... أما الأقوياء فأموالهم
مصونة عن فواتير الكهرباء والماء والهاتف والطيران والفنادق
والرسوم والجزاءات وكل شيء.. يأخذون ولا يعطون!! والمفتون
مشغولون بتحريم التصوير بأوراق العمل على الضعفاء المساكين!!
والمحسوبية في كلّ مؤسساتنا.. فالتعيينات للأولاد والأحباب
والأقارب.. والفتات يذهب للمسبحين بالحمد.. وأما بقية
الشعب المؤهل فتكفيه الأحلام السعيدة!!
ويستطيع كل أخرق غبي أن يصل لكل ما يبتغيه مما لا يستحقه
- لا هو ولا اللذون خلفوه! - ولو خالف ألف نظام بأحد مؤهلين:
قرابة للسادة.. أو دفع للمادة!
وعلى مستوى النفاق للسادة حدّث ولا حرج!!
تجد الجرائد والمجلات، والقنوات والإذاعات، والشعراء
والأدباء والعلماء، والمثقفين والتجار، والكبار والصغار،
والنساء والرجال، والعقلاء والأغبياء، متزاحمين.. تراصت
صفوفهم.. وبحّت حلقوهم... وتقطّعت أعناقهم.. وهم يمدحون
هذا الأمير وذاك الوزير.
وبمجرد أن يكون أحدهم حاكماً أو مسئولاً تخلع عليه
صفات الإخلاص والنجابة... والحكمة والحذاقة!!
فأما إذا جلس على العرش فإنما هو قدِّيس.. لا يجوز
عليه الغلط.. ولا يغيب عنه الصواب.. ولا تفتقده الحكمة..
ولا يطفح منه الكيل.. والاستدراك عليه من الكبائر!! فعله
حجة.. وقوله يرفع الخلاف.. ويقيّد المباح.. فهو قطب رحى
الحق والعدل والإنسانية!!
ويتسابق المأجورون من مجيدي التسلّق إلى نصب الأسماء
المحصورة المتكررة من الكبراء على كل منجز في البلد مهما
صغر.. إلى حدّ يثير الاشمئزاز.. الشوارع، الجامعات، الكليات
في الجامعات، المعاهد، المدن، المراكز، الكراسي البحثية،
المستشفيات، الأحياء.. في كل مدينة وقرية وهجرة نفس الأسماء..
نفس المسميات!
والجريء عندنا ـ البالغ في جرأته مبلغ التهور ـ من
يكتفي بنقد (هامان)!
وبينما الناس يستطيعون قلب أنظمة حكمهم لمجرد احتراق
مواطن على عربة خضار.. لم نستطع إقناع السلطة بتغيير أمير
لم تصلح به دنياً، ولم يقم به دين.. ولم يندفع به ضرر..
وغرق المئات من رعاياه مرتين.. وهو مشغول بمحاربة التدين
وجمع الحطام.. عن الكف عن الفساد ومحاربته!!
لم نستطع طرد وزير فاشل مؤهّله الوحيد: الجرأة على
طرد منتقديه من مكتبه، وكأنه وزير في ملك أبيه أو أمه!!
بل ولا تغيير مدير جامعة بائس فتان مفضوح!!
لكأنما صارت وظائفنا العامة مراتع لهم.. يسرحون فيها
ويمرحون!!
أم تراه الظلم حرك الثورتين؟!!
فماذا نقول عن سجنائنا الباقين في سجنهم.. بلا محاكمة
ولا جرم.. من سنين تجاوزت سني يوسف عليه السلام التي أهلته
للنبوة؟!.. وكأنهم أسرى عدو لا يرقب فيهم إلاًّ ولا ذمّة!!
وإذا كان سجَّانوهم يرفضون أن يخبرونا عددهم، فهذا
لا يطمس الحقائق.. فنحن نجزم أنه ما من أسرة إلا ولها
سجين منها أو من جيرانها أو من قرابتها!! مما يجعل العدد
بالآلاف!
حتى البهائم لها حرمة وكرامة؟! فكيف بمواطن مسلم كريم!!
كيف لا نخاف عقوبة الله علينا جراء السكوت على هذا الظلم
العظيم!!
وأمّا كرامة الشعب فذاهبة في تقبيل الأيدي والأكتاف،
وانتظار الساعات الطوال لتصل إلى يوم كامل بلا ماء ولا
طعام، لتقديم المظالم لبعض الأمراء المسئولين!
وذاهبة مع كل عطاء منقوص زهيد يأتيك ومعه ألف منّة..
تغلّفه (يافطة) تقول: (مكرمة ملكية)!
لئن كان العطاء من المال الخاص فليس كل الشعب يقبل
الصدقة!
ولئن كان العطاء من المال العام الذي هو ملكنا فكيف
يكون المرء كريماً من مال غيره؟!!.. لماذا المن والأذى؟!!
وتكاد تنعدم الغيرة على مواطنينا إذا انتهكت حقوقهم
في الخارج.. ومن انتهكت حقوقه في الداخل.. فلا يطمعنّ
في النصرة على الخارج!!
ونحن في رعب دائم.. فالهاجس الأمني جبلٌ على رؤوسنا..
تضيقُ بنقاطه شوارعنا.. ويهدّد به من يروم الإصلاح منّا!!
بالمختصر.. وطننا بما فيه ومن فيه يشعرنا - وعلى الدوام
- أننا غرباء الدار.. كأننا لاجئون أو ضيوف ثقلاء على
الأسرة (الأُولى)!
نأكل ونشرب على استحياء.. ونمتنّ كثيراً كلّما طالت
مدّة البقاء.. عيب علينا التبرم أو المطالبة أو الانتقاد..
فما على المحسنين من سبيل!! ليس لنا من الأمر شيء.. وما
لنا حق في شيء.. وكثير علينا كل شيء.. ومنّة علينا كل
شيء.. إن حرمنا فعدل.. وإن أعطينا ففضل!!
فتباً لهذه المواطنة!! وتباً للعبودية!!
لكن.. أيها العرب.
المراهنة على دوام صبر الشعوب على الظلم والإهانة..
وعجزها عن الفعل، فشلت في دولتين عربيتين إلى حد الآن..
وهي في طريقها للفشل في باقي الدول.. ولا أمنة لأحد!
المراهنة على عدم وجود البديل.. والتخوّف من الفتنة،
وحصول الفرقة بالتناحر القبلي أو المناطقي أو الطائفي،
بعد سقوط الأنظمة الفاسدة فشلت أيضاً.
فالفتنة والخراب والفرقة والتناحر في الأنظمة ومعها..
وأما الشعوب فما أزكاها!! فمع طول ما ظلمت وقهرت وأفقرت..
لم تسفك دماً.. لم تهتك عرضاً.. لم تنهب مالاً.. لم تمزق
وحدة.. بل حفظت الأمن.. وحرست مقدرات الدولة!!
رسمت الثورتان خطّة طريق للشعوب التي تتطلّع للتخلّص
من النظم الفاسدة: أنه بإمكان الشعوب القيام بالوظيفتين
وفي الوقت نفسه: إشعال الثورة... وقمع الفتنة.. أن تكون
الثائر والحارس!!
يا أيتها الأنظمة العربية!!
باتت الشعوب تملك الرؤية.. وتهتدي للمخرج.. وتعرف الوسيلة..
وتسخو بالثمن.. ولها نزوع شديد جارف إلى الحياة الحرة
الكريمة..
مواقفكم إلى الآن لا تبشر بخير.. وأنتم على الدوام
تبرهنون على: أن أشد الدكتاتوريين رفضاً لمطالب الشعب
أكثرهم فهماً لها!
حينئذ لا مناص من نتيجة تونس ومصر!! كما تقول العامة:
(من بغاه كلّه.. خلاّه كلّه)!!
وكل ثورة وأنتم بخير..
|