العلاقات السعودية الأميركية
قلق من غياب الدعم وخوف من الإصلاح
هاشم عبد الستار
من الصعب توصيف العلاقات السعودية الأميركية اليوم
بأنها علاقات متوترة. ولكنها على أية حال ليست في أفضل
حالاتها. والأسباب كثيرة ومتراكمة، وكلها ترتبط بالمواقف
السياسية الأميركية في المنطقة.. ولكن ما جعل العلاقات
بين البلدين تميل الى البرود، والى اعلان الإنزعاج من
الطرفين في الرياض وواشنطن، هو الموقف الأميركي من الثورات
العربية.
ففي الوقت الذي تحاول فيه واشنطن وحليفاتها الغربيات
تكييف نفسها وسياساتها مع المعطيات الجديدة في العالم
العربي، عبر استيعاب الثورات، وعدم مصادمتها، بل وفي بعض
الأحيان اعلان دعمها، ترى السعودية ودول الخليج واسرائيل
بأن أميركا (تفرّط) بأصدقائها، وتتركهم يتهاوون تحت ضربات
شعوبهم دون أن تمدّ لهم يد العون. بل العكس من ذلك ـ حسب
وجهة النظر السعودية ـ فإن واشنطن أخذت تمارس ضغوطاً على
من تبقّى من حلفائها المخلصين (كالسعودية ودول الخليج
الأخرى) لكي تقوم بعمليات إعادة تأسيس هيكلية في نظمها
السياسية، بحيث تكون تلك النظم قادرة على الإيفاء بمتطلبات
المرحلة القادمة، عبر الإستجابة لرغبات شعوبها في الحرية
والديمقراطية.
سقوط حسني مبارك أقنع السعوديين بأن واشنطن يمكن أن
تحمي ملكهم إن تعرّض لغزو خارجي. أما في حال جاء التهديد
من الداخل فإن واشنطن ستتردد في دعمهم، وتمارس ضغطاً عليهم،
حتى لا تقتلع الثورات نظامهم الحليف، وهو ما لا يريده
السعوديون.. بل أن بعض الأمراء، من الدرجة الثانية من
آل جلوي، قال على قناة القذافي نفسه بأن أميركا تحارب
الإسلام! وتريد اسقاط الأنظمة المسلمة خدمة للصهيونية!!
في اشارة الى النظام السعودي نفسه.
اهتزاز الثقة بواشنطن تكرر مراراً عبر التاريخ، فحين
سقط شاه إيران، غضبت السعودية وحليفات واشنطن الأخريات
لعدم إنقاذ الشاه. اليوم المسألة تتعدى نظاماً واحداً
بل مجموعة نظم عفا عليها الزمن أخذت تتساقط كأوراق الخريف.
وفي خضم هذا طفى على السطح عدم الثقة بين واشنطن والرياض.
نصحت واشنطن دول الخليج مراراً بالإصلاح منذ تفجر الثورة
التونسية، ولكن السعوديين رفضوا النصائح، وأصرّوا على
المضي قدماً في سياسة الإستبداد، حتى بعد أن تحركت الشعوب
الخليجية في البحرين وسلطنة عمان والسعودية نفسها.
لم يخف السعوديون وكتابهم غضبهم من أن الثورات وقعت
كلها تقريباً في دول جناح الإعتدال العربي، واعتبروا ذلك
جوائز قيّمة تقدّم لطهران التي تمثل عقدة العقد للرياض.
ومما زاد من غضب السعوديين، هو أنهم كانوا يمنّون النفس
بأن تقوم واشنطن بإسقاط النظام في طهران بالحرب أو بإشعال
الثورات المحلية، ولما لم يحدث ذلك، لعدم قدرة واشنطن
أصلاً على إشعال حرب جديدة او على اشعال ثورة شعبية، انزعج
السعوديون بأن الضغط توجه من طهران اليهم هم، حلفاء واشنطن!
لا تتفق الرياض وواشنطن على كيفية انقاذ علي عبدالله
صالح. أميركا تدرك بأن الرجل انتهى. أما السعودية فتغالب
نفسها وهي ترى حلفاءها القبليين قد نزلوا الى الميدان
مخالفين لرأيها، حيث سقطت سياسة الريال أمام الثورة..
ومع هذا لازال السعوديون يعتقدون بأنهم قادرين على إنقاذ
علي صالح ومن ثمّ إنقاذ أنفسهم من تطويق الثورة لجنوب
مملكتهم، فأرسلوا بالأمس القريب أكثر من سبعين مدرعة الى
ميناء عدن يعتقد أنها ستستخدم ضد المتظاهرين، فضلاً عن
ملياري دولار رصدا لمكافحة الثورة اليمنية.
بديهي أن الرياض ستخسر المعركة في اليمن، وسيسقط صنيعتها
علي صالح، لكن ما أساءها هو أن واشنطن لا ترى الخطر بعين
سعودية!، بل بعين براغماتية مصلحية شمولية أمريكية.
أما في موضوع البحرين، فقد تعرضت العائلة المالكة فيها
لضغطين: أميركي يريدها أن تتنازل لإنتاج نظام سياسي يمكنه
البقاء؛ وسعودي يطالب بعدم التنازل واعتماد سياسة التشدّد
باعتبارها الحل. انتصرت وجهة نظر السعودية التي أبدت استياءها
الشديد من بعض تصريحات المسؤولين الأميركيين، خاصة وزير
الدفاع روبرت غيتس. لكن واشنطن قبلت فيما يبدو بأنصاف
الحلول: اعتماد العنف تجاه المعترضين لفترة مؤقتة. فأرسلت
قوات السعودية، والآن يجري التفاهم الأميركي مع الرياض
لا مع المنامة. المهلة التي منحت لآل خليفة باستخدام العنف
الأقصى لن تدوم طويلاً، فالعالم يراقب ما يجري في البحرين
دقيقة بدقيقة. والعنف له حدود، والشارع البحريني المطالب
بحقوقه لم يملّ أو يتراجع رغم الخسائر البشرية الفادحة،
ولازال محافظاً على سلميّة التظاهرات.
من المرجح أن يزداد البرود في العلاقات السعودية الأميركية
إن فشلت الحملة العسكرية السعودية في البحرين، وإن سقط
علي صالح في اليمن، وإن زادت واشنطن من الضغط على حلفائها
لفرض الإصلاحات المانعة للثورات!
|