بعد أن تذهب السكرة وتأتي الفكرة
مآلات التدخل السعودي في البحرين
عبد الوهاب فقي
انتشى عديدون من أن التدخل السعودي في البحرين تحت
عنوان (قوات درع الجزيرة) نجح في إنقاذ نظام حكم آل خليفة
من السقوط، وجعله قادراً على مقاومة ضغوطات المعارضة الإصلاح
والتمنع من الإستجابة لها. بل أن بعض المأخوذين بالصراع
الطائفي رأوا في التدخل السعودي انتصاراً سعودياً مكيناً
على إيران، التي أظهرها الإعلام السعودي وكأنها تريد الإنقضاض
على نظام حكم آل خليفة وتغييره.
|
السلفي جاسم السعيدي: التحشيد الطائفي
|
التدخل السعودي، الذي سمّاه البعض غزواً، او احتلالاً
حتى.. لم يكن مبرره إلا منع انتشار الديمقراطية الى ربوع
الخليج، وتالياً الخوف من تأثيرها المباشر على المواطنين
خاصة في المنطقة الشرقية. قيل وقد يكون ذلك صحيحاً، بأن
الحكومة السعودية كانت ستتدخل بدعوة من حكومة آل خليفة
أو بدونها، وسواء اتخذت صفة فردية مباشرة، أو عبر مظلّة
درع الجزيرة. ذلك أن السعوديين لا يتحمّلون توسع نطاق
الثورات الديمقراطية والإصلاحية فتطوّقهم من كل جانب،
وتجعل إمكانية إبقاء مملكتهم (المستقرة بنظرهم) مستحيلاً؛
بل وتجعل تلك الثورات والتحولات نموذج الحكم السعودي متخلفاً
بالقياس الى كل ما جاوره؛ وتضغط على ال سعود ليغيّروا
ويعدّلوا تناسباً مع تطورات الأوضاع في المنطقة والعالم
العربي بشكل مجمل.
لقد أراد الحكام السعوديون، وقد نجحوا بنسبة غير قليلة
على الصعيد المحلي على الأقل، أن يحولوا موضوع البحرين
من صراع بين عائلة حاكمة مستبدّة، وشعبها المطالب بالتغيير
(إصلاحاً تدريجياً أو ثورة شاملة)، الى حرب طائفية وإقليمية
تشمل كل المنطقة الخليجية، بحيث تصبح المواجهة بين الشيعة
والسنة، وبين دول الخليج وايران، وبين العرب والفرس. وبالتالي
تم تغيير شكل المعركة والتلاعب بأهدافها.
والحكام السعوديون لم يساعدوا حكومة آل خليفة في البحرين
عسكرياً فحسب، بل ربما يوازي الأهمية دعمهم السياسي والإقتصادي
والإعلامي وإثارة الموضوع الطائفي عبر مشايخ وهابيين لا
شغل لهم في هذه الأمة إلا إشعال الخلاف بينها لمصلحة الطغاة.
تحرك سعود الفيصل على دول عديدة من أجل تغطية قمع الحركة
الإصلاحية في البحرين، حيث زار مصر وتركيا وحتى موسكو
لهذا الغرض. وتمّ طبخ صفقة مقايضة مع واشنطن والغرب، بحيث
يتم التغاضي عما يجري في البحرين وقبر ثورتها، مقابل دعم
خليجي غير محدود في ليبيا، حيث بادرت دول الخليج قبل العالم
كله لتوفير المظلة السياسية للتدخل الغربي العسكري، ثم
تبعها الجامعة العربية ومجلس الأمن. وأعلنت وسائل الإعلام
الغربية صراحة بأن السعودية والإمارات وقطر ستتولى دفع
كامل تكاليف معركة اسقاط القذافي وتمويل الثوار وتسليحهم
إن تطلّب الأمر. وعلى الصعيد الإعلامي، اتفقت قناة الجزيرة
والعربية على أمر واحد: إهمال الإحتجاجات والقمع في البحرين،
وكأن شيئاً لم يحدث؛ مثلما اتفقت القناتان على تغطية الأحداث
على الساحة الليبية؛ بل ان الجزيرة ابتدعت من عندها ثورة
في العراق؛ وصارت التغذية الخليجية كاملة ـ وليست السعودية
وحدها ـ تأخذ طابع الطائفية والحضّ عليها، كلّ حسب ذكائه
في العرض!
أما على الصعيد الإقتصادي، فقد اعلنت دول الخليج استعدادها
لدعم الحكم في البحرين بالذات اقتصادياً بمليارات عديدة.
وأبلغ السعوديون حكام البحرين بأنهم على استعداد لتحمل
كافة الخسائر التي تنجم عنها مواجهة قمع الحريات في في
ذلك البلد، بما فيها التعويض بسبب خروج المؤسسات الدولية
المالية من البحرين.
هذا الدعم المتعدد، وفّر مساحة واسعة من الحركة للحكومة
البحرينية لتقمع شعبها، ولتتخلّى عن كل مزاعم الإصلاح
التي قامت قبل عشر سنوات، وهنا لنا وقفة بشأن مآلات التدخل
السعودي وآثاره المستقبلية:
أولاً ـ إن السعودية لم ترد قمع الحريات والديمقراطية
مؤقتاً في البحرين، بل تريد إزالة هذا الهاجس الديمقراطي
والى الأبد، وأعادة البحرين الى ما كانت عليه في التسعينيات
الميلادية الماضية. المطلعون على اوضاع البحرين يعلمون
بأن السعودية في منتصف السبعينيات الميلادية ضغطت على
ال خليفة (ولم يكونوا بحاجة الى ضغط كبير على أية حال)
لكي يجمدوا الدستور، ويلغوا البرلمان، ويؤسسوا للقمع الذي
استمر ربع قرن، والذي ووجه بانتفاضات ومحاولات ثورة، اضطرت
معها العائلة المالكة في البحرين الى تجربة طريق الإصلاح
البطيء والصوري في كثير من الأحيان ابتداءً من عام 2000.
|
مظاهرات مطالبة بالديمقراطية
|
لكن آل سعود لم يرضوا بهذا التحول، ولم يقبلوا بمنطق
أن البحرين تختلف عن السعودية ديمغرافياً وسياسياً. وكانوا
من أكثر الضاغطين لإيقاف الإصلاحات التدريجية، وحتى الغائها،
في حين أن دولاً خليجية أخرى كالإمارات وقطر كانتا تطالبان
بأن تكون البحرين أكثر بطئاً!
الآن بعد أن تدخلت السعودية عسكرياً، فإنها تدفع باتجاه
عودة الأمور الى سابق عهدها في التسعينيات، وهناك بين
آل خليفة من يؤيد ذلك وفي مقدمتهم رئيس الوزراء. لقد فقدت
ال خليفة جزءً مهماً من قرارهم، وهذا يدفعونه ثمناً للتدخل
السعودي. إن أي تدخل خارجي لصالح ثورة أو لصالح دولة يفقدها
القدرة على اتخاذ قرارها المستقل، كما هو حال ثوار ليبيا،
وكما هو حال البحرين التي تفقد رصيدها لصالح التطرف السعودي
وحتى الأميركي الذي يتواجد بقيادة أسطوله الخامس في أراضي
البحرين.
الآن بعد أن تدخلت السعودية عسكرياً، فإنها تدفع باتجاه
عودة الأمور الى سابق عهدها في التسعينيات، وهناك بين
آل خليفة من يؤيد ذلك وفي مقدمتهم رئيس الوزراء. لقد فقدت
ال خليفة جزءً مهماً من قرارهم، وهذا يدفعونه ثمناً للتدخل
السعودي. إن أي تدخل خارجي لصالح ثورة أو لصالح دولة يفقدها
القدرة على اتخاذ قرارها المستقل، كما هو حال ثوار ليبيا،
وكما هو حال البحرين التي تفقد رصيدها لصالح التطرف السعودي
وحتى الأميركي الذي يتواجد بقيادة أسطوله الخامس في أراضي
البحرين.
ثانياً ـ الطائفيون الذين صفّقوا لقمع المواطنين الشيعة
في البحرين، ورفضوا حتى مجرد التفكير في شعاراتهم ومطالبهم
بالملكية الدستورية و(إخوان سنّة وشيعة، هذا الوطن ما
نبيعه)، سيجدون أنفسهم بعد أن تهدأ الأوضاع ضحايا للتواجد
العسكري السعودي في بلدهم البحرين. فهذا التواجد سيعزّز
لغة القمع، وهي لغة لن تشمل جماعة أو فئة دون أخرى. وسيعزّز
قوة التيار الأكثر تشددا وتطرّفا في العائلة الخليفية
الحاكمة. ومن المرجح أن الوجود العسكري السعودي سيستمر
طويلاً، فقد جاءت الفرصة لآل سعود على قدميها ولن يتنازلوا
عنها بسهولة أو بمجرد طلب من حاكم البحرين منها العودة
الى ديارها. وهذا الوجود هو أداة الحكومة السعودية في
فرض إرادتها وقرارها في الشأن الداخلي البحريني، وهو أداة
انتقاص حتى لمساحة القرار التي بيد آل خليفة.
زد على ذلك، فإن هذه القوات السعودية ستكون ضاغطة على
الوضع الإجتماعي وليس السياسي فحسب. فمادامت حكومة آل
خليفة في البحرين قد قبلت بالدخول في اللعبة الطائفية،
واعتمدت في معظم الحالات على الخطاب السعودي المهيّأ لمثل
هذه المعارك، فإن سلفيي البحرين والمستوردات الفكرية من
السعودية ستجعل من الوضع الاجتماعي متوتراً بين الشيعة
الذين يمثلون أكثرية السكان. وحتى سنّة البحرين، قد يكتشفون
قريباً بضغوط الوهابية ورجالها عليهم وتدخلاتهم في حياتهم
اليومية، تماماً مثلما فعلوا في العراق، حيث انتدبوا هناك
لمساعدة السنّة، ثم اكتشف الأخيرون بأنهم غير قادرين على
ضبط الغول الوهابي القاعدي الذي انتهى وأعلن لهم دولة
العراق الإسلامية!
الآن للسعودية ومشايخها وإعلامها الطائفي وقنواتها
الفضائية دالّة على حكم آل خليفة. وكل هؤلاء يريدون ثمن
مساعدتهم وتدخلهم؛ وال سعود بالذات لا يعتقدون بأن نفوذهم
السياسي سيكون راسخاً في البحرين ما لم يكن مصحوباً بانتشار
عقدي وهابي. وها قد بدأت تباشير الفتح السعودي الجديد
في البحرين، حيث رواج الفكر والخطاب الوهابي الذي لم يكن
يوماً مقبولاً بين أكثرية البحرينيين. وبدأت القوات السعودية
والمتطيفيون الجدد بمهاجمة حسينيات ومساجد الشيعة وتدمير
بعضها وإهانتها، في محاولة لإشعال حرب أهلية، خشي منها
حتى بعض آل خليفة، وهو ما دعا ولي العهد هناك الى محاولة
استعادة لغة وحدوية بدت ميّتة متخشّبة، في ظل العقاب الجماعي
والفصل التعسفي للطلبة المبتعثين والموظفين، والإهانات
المتكررة للمواطنين.
ملخص القول: دخول القوات السعودي قد يكون نعمة لآل
خليفة في بداية الأمر، ولكن سيكتشف الرابحون اليوم بأنهم
لم يكونوا رابحين أبداً، وأن الخسارة كانت كبيرة لكل أهل
البحرين سنّة وشيعة وحتى عائلة خليفية مالكة.
|