الطائفية والعنف عنوانها
كيف أفشلت السعودية الوهابية الإحتجاجات في سوريا؟
يحي مفتي
ربما لم يكن مقصوداً أن تؤدي الممارسات السعودية/ الوهابية
الى إحباط الإحتجاجات السلمية في سوريا والمطالبة بالحرية.
كان الدور السعودي الوهابي يبتغي إشعال الحرائق أكثر مما
كان ينبغي الإصلاحات. ولكن الذي جرى فيما بعد أثبت أن
ما كان يبتغيه السعوديون جاء في الطريق الخاطئ والمعاكس
تماماً.
والمشكلة الأساس تكمن في حقيقة أن السعوديين وحلفائهم
من مشايخ الوهابية كانوا يبتغون نصراً سياسياً ومذهبياً..
بنظرهم يعوّض خساراتهم الفادحة والمتكررة في مصر وتونس
واليمن وقبلها التحولات السياسية في لبنان والعراق. كل
الثورات التي نجحت أو التي قاربت النجاح كما في اليمن،
جاءت على حساب الدور السعودي فأضعفته عربياً وإقليمياً
وهمشته بشكل واضح. سوريا بالنسبة للسعودية ومشايخ الوهابية
هي بيضة القبّان، وهم يرون أن سقوط نظام الأسد يمكن أن
يعوض خسارتهم، أو على الأقل يمنحهم قدراً من السلوى.
لهذا اتخذ السعوديون الرسميون ـ العلماني منهم والوهابي
المتطرف ـ مقعد الإفتاء في الاحتجاجات السورية، والتنظير
لها، والعمل على تأجيجها وإشعال حرائقها، لا بغية للإصلاح،
ولا دفاعاً عن السنّة كما يزعمون. وكيف يكون ذلك وحبر
فتاوى مشايخهم المتكررة بشأن حرمة التظاهرات والثورات
في مصر وتونس وغيرها لم يجف حبرها؟ بل كيف يكون ذلك وهم
قد طبعوا من فتاواهم بشأن حرمة التظاهر في السعودية أكثر
من خمسة ملايين نسخة يفاخرون بها، ويؤملون المزيد من آل
سعود كمكافأة لهم؟
لا يسع المراقب وهو يرى التنظير السعودي للاحتجاجات
السورية إلا بعين القلق من زوايا عديدة. بعضها يتعلق ـ
كما قلنا ـ بالأهداف؛ وبعضها يتعلق بحقيقة أن السعودية
عموماً من أقل البلدان تراثاً وخبرة بالعمل السياسي الجماهيري،
وأقل بلدان العالم العربي ايماناً بالمشاركة الشعبية في
صنع القرار؛ وأكثر البلدان محافظة على الطريقة الوهابية
التي تحصر الشورى في آل سعود والمشايخ، وهي (شورى معلمة
وليست ملزمة) على قاعدة أن أولي الأمر هم مشايخ الوهابية
والحكام.
مثل هذا الفكر لا يستقيم مع سياسة ولا مع ثورة، ولا
لدى الوهابية ولا آل سعود ـ المعارضين بطبعهم للثورات
وللإصلاحات وللديمقراطية ولرأي الشعوب ـ الوعي ولا الكفاءة
ليقعدوا مقعد التنظير لأية ثورة ولأية اصلاحات وأية مشاركة
شعبية، خاصة وأنهم يرفضون كل ذلك ويقعدونه دينياً إن تعلق
الأمر بالحكم السعودي نفسه، أو بحلفائه.
إذا ما تدخل مثل هؤلاء الجهلة المتطرفين في شأن حراك
سياسي عربي، وصار لهم صوت مسموع بشأنه.. لا يمكن إلا أن
نحكم بنهاية ذلك الحراك، وبالضرر البالغ الذي سيلحقه أمثالهم
به، وهم الذين يحملون السلّم بالعرض، والذين تستهويهم
الطائفية بأكثر مما تستهويهم أية قضية سياسية أخرى. وما
يفعله الوهابيون في مصر دليل على ما نريد الإشارة اليه.
ان تحريم التظاهر في السعودية والبحرين وتونس واليمن
ومصر دعماً لآل سعود وحلفائه من الحكام الطغاة، هو عمل
في صلب السياسة ولا علاقة له بالدين والرؤية الدينية.
وإلا كيف نفسر دعواتهم وتحريضهم للتظاهر في منابرهم الإعلامية
وقنواتهم الفضائية حين تعلق الأمر بسوريا وبليبيا؟ ان
هذا مخالف صراحة للعقيدة الوهابية، التي تلتزم اليوم الصمت
تجاه دعوات الثورة والتظاهر التي يطلقها مشايخ الوهابية
باتجاه واحد: ليبيا وسوريا فقط، الى حد أن الشيخ صالح
اللحيدان، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء، والمستشار
الحالي في الديوان الملكي، أفتى أواخر ابريل الماضي في
نص تلفزيوني بالصوت والصورة وفي معرض الحديث عن سوريا،
بأنه يجوز قتل الثلث من الشعب السوري (ثمانية ملايين)
من أجل إنقاذ الثلثين!!. مثل هذا الكلام يقوله ذات الشخص
الذي حرم التظاهر في السعودية وغيرها قبل بضعة اسابيع،
لأنها تسبب الفوضى وتخرب الأملاك الخاصة والعامة!! أمثل
هؤلاء يستحق أن يفتي وينظّر للأحداث في سوريا أو غيرها؟
أم أن هناك هدفاً آخر يريده ال سعود من كل هذا العبث؟
ليس هناك اختلاف حول طبيعة النظام السوري المستبد وضرورة
التغيير والإصلاح، بل وحتى الثورة ان اكتملت شروطها، وكانت
ناضجة عاقلة حكيمة مثل تلك التي نشهدها في اليمن. لكن
أنّى تكون هناك حكمة لدى الوهابية أو عقل، ويكفي أن يشاهد
المرء بعضاً مما ينشر في قنوات السعودية كالمجد وصفا ووصال
وأضرابها ليكتشف المرء بأن الخطاب الوهابي متخلف ودموي
الى حدّ الجنون، كل ذلك بغية تحصيل انتصار مذهبي وهابي
مؤمل، وبئس البديل هو هذا.
ما يهمنا التأكيد عليه هنا هو أن التدخل السعودي السياسي
المباشر عبر الأموال والإعلام والسلاح والتحريض الطائفي
المقيت من مشايخ الوهابية، أدى الى نتائج عكسية قوّضت
أهداف الإحتجاجات، وأبعدت الناس عنها، ومنحت الذرائع لإستخدام
العنف، وأوجدت استقطابات لا على أساس المطلب السياسي السلمي،
وعلى أسس الإصلاح والتغيير وحقوق المواطنة المدنية والسياسية،
بل نزعت الوهابية الى جعل الأمر حرباً طائفية عنيفة، ما
أدّى الى قتل الإحتجاجات أو على الأقل إخمادها بعد أن
انحرفت غاياتها وأخافت الجمهور السوري العريض منها، وهي
ترى التدخلات الأميركية والأوروبية جنباً الى جنب التدخل
السعودي والوهابي.
معلوم ان السعودية صنفت الثورات الى ثورات حلال وأخرى
حرام. الثورات الحلال عند آل سعود في سوريا وليبيا وحسب؛
أما الحرام ففي السعودية نفسها وفي البحرين واليمن ومصر
وتونس. هنا الكيل بمكيالين، وهنا مربط الفرس. لقد اتخذت
السعودية موقفاً مغامراً بشأن الأحداث في سوريا ولا يعلم
حتى الآن كيف ستكون العلاقات السعودية ـ السورية إن لم
يتم اسقاط حكم الأسد كما يتمنى السعوديون.
خطآن وقعت فيهما الإحتجاجات في سوريا، كان العنصر الفاعل
فيهما أقليّة وهابية خرّبت الحراك الجماهيري وقزّمته بعد
أن اختطفته: الخطاب الطائفي؛ والتحريض على استخدام العنف.
استخدام الخطاب الطائفي
حرضت الوهاابية على إقحام الخطاب الطائفي بلا مبرر
في الإحتجاجات ضد العلويين قاطبة وضد المسيحيين وضد غيرهم
من الأقليات كالإسماعيلية والدروز، بل وحتى ضد الصوفية
المنتشرة ورموزها. وقد تسرب هذا الخطاب المدعم بتوجيهات
المشايخ الوهابيين السعوديين وكذلك مشايخ الوهابية السوريين
المقيمين في السعودية كالعرعور والمنجد الذي أفتى بقتل
الميكي ماوس! تسرب خطاب هؤلاء جميعاً من خلال البال توك،
وقنوات التطييف، والإتصالات الهاتفية الى قسم من الجمهور
فقام بطرح شعارات طائفية غبية، كانت تنفع النظام السوري
قبل غيره.
لا غرو ان تأثير الوهابية كان في درعا، التي تتميز
بالعشائرية والسلفية معاً. ولا غرو أن تمتد حالة التطيف
فتظهر شعارات مثل: (العلوية للتابوت، والمسيحية لبيروت)،
بل وقام الوهابيون السعوديون بتوجيهات القيادة السياسية
هناك بتوسعة الصراع وجعله اقليميا وطائفيا معاً، يتناغم
مع المطالب الأميركية والإسرائيلية والسعودية. ففي أول
يوم لاحتجاجات درعا عرضت قناة العربية بتفاخر شعارات المحتجين:
(بدنا واحد يخاف الله، لا إيران ولا حزب الله). واخذ الاعلام
السعودي الخيط ليبث مزاعم كاذبة بشأن تدخل الحرس الثوري
تارة وحزب الله تارة أخرى، وكأن النظام السوري بحاجة الى
دعم أمني خارجي!! وكأنه ينقصه آلة القمع وعدد عناصر الأمن
وإمكانات الحشد!
لكن هذا هو عقل الوهابية الصغير. فقد كانت التظاهرات
تستهدف فكرة ومطلبا اصلاحياً يجمع السوريون عليه، بل حتى
النظام اعترف بمشروعية المطالب. فلماذا الخطاب الطائفي
المنفّر والممزق للجسد الوطني؟ مثل هذا هو الذي يخيف ويؤدي
الى تقليص عدد المحتجين وتحويل المعركة السياسية مع النظام
من أجل الإصلاح الى حرب أهلية داخلية بين الجمهور السوري
ذاته، ولتعيد تشكيله على أسس طائفية بدلاً من الموقف السياسي.
لماذا يتم تكتيل بعض الشعب على أساس طائفي، في حين
أن بمقدورك تكتيله على أساس سياسي ومصالح سياسية وحركة
سياسية؟ هذا ليس من فعل السياسة، بل هو فعل تخريبي بامتياز
جاءت به الوهابية وآل سعود بغرض الضغط على النظام السوري
وإضعافه أو اسقاطه أو على الأقل فك ارتباطه بحلفائه مع
حماس وحزب الله وايران. وهذا بالضبط ما أعلن الغرب مرارا
انه المطلوب من سوريا لإيقاف دعم الإحتجاجات الداخلية.
لقد استغل مشايخ الوهابية بداية الاحتجاجات لطرح أجندتهم
الخاصة، حتى ولو أدت الى مذابح أو حرب أهليّة، التي رأى
بعض الباحثين الغربيين أن سوريا تتجه اليه. وقد كان الخطاب
الطائفي قد أصاب الحركة في مقتل، حاول بعض الوطنيين تفاديه
ولكن الضرر وقع واستمر الوهابيون في استخدامه في مدن سورية
أخرى.
الأكثرية السنيّة ليست بحاجة الى أن تحشد ذاتها طائفياً،
طالما يمكن حشدها سياسياً ضمن النسيج الوطني، فضلاً عن
أن الحشد الطائفي فيه ارتداد ونكوص وتعارض مع مطالب الإصلاح
التي يرفعها المتظاهرون. التحشيد الطائفي يعني وقوف العلويين
والإسماعيليين والدروز والعلمانيين والمسيحيين والصوفيين
الكثر وملايين آخرين من الليبراليين او العلمانيين ومن
المتدينين الذين هم ليسوا سلفيين ويخافون من الخطاب الطائفي..
يقفون ضد مثل هذا الحراك المصدّر من السعودية.
إذا كان النظام السوري متهماً بالطائفية، مع أنه حريص
على رفع الراية واليافطة الوطنية دائماً، فكيف بمعارضة
تطالب بالإصلاح تبدأ بالتهديد العلني بالقتل وبالطرد لملايين
من المواطنين الآخرين؟ لماذا أظهر السلفيون أسوء ما لديهم
طائفياً، وقابلوا النظام بطائفية أقسى وأشد وأفظع، خاصة
وأن السلفية الوهابية لا تمثل الا أقلية، وإن لم تكن حالة
التطيف محصورة بها، ولكنها رائدة ومتزعمة لها وتمتلك امكانيات
نشرها وهي المعركة التي تستهويها دائماً.
ان التحريض الطائفي يرسل الرسالة الخطأ في الوقت الخطأ.
إنها تقول لمجاميع الشعب السوري بأن هناك انتقام قادم،
وأن هناك دماء تنتظر أن تسيل، وجثث تنتظرها التوابيت.
وقد علمنا الوهابيون وقاعدتهم بأن مثل هذا الفعل غير مستغرب
أن يأتي منهم، بل هم خبراء فيه كما لاحظناه في الباكستان
والعراق والسعودية نفسها، وحتى المغرب والجزائر. والرسالة
الأخرى الخاطئة التي يرسلها التحريض هو أن هؤلاء المحرضين
لا يطالبون باصلاح، بل هم يبحثون عن انتقام طائفي، وأن
المستهدف ليس الحرية ولا الديمقراطية ولا العدالة. ترى
أية عاقل يقبل بأن تحكمه مثل هذه العقول، ويقبل بالوهابية
بديلاً؟!
عسكرنة الإحتجاجات
الخطأ الإستراتيجي الآخر الذي وقعت فيه الاحتجاجات
السورية بدعم من السعودية وأركان حكمها هو تحويلها من
مظاهرات سلمية الى مواجهات مسلّحة؛ وحين يستخدم السلاح
من قبل الجمهور أو بعض قليل منهم كما هو الحال في درعا،
يكون الحراك السلمي الديمقراطي قد ضرب ضربة قاصمة. ذلك
أن أي حراك سياسي مسلح هو أضعف من أن يواجه أنظمة مدججة
بالسلاح وتميل الى الخيارات الأمنية في حسم مشاكلها مع
شعوبها.
وهذا واضح لذا تجنبت الثورات العربية عدا ما جرى قبلها
من حالات نادرة، كان فيها الأمر مختلفاً، كأن يكون الحراك
السياسي انفصالياً ويعتمد السلاح كما في جنوب السودان
الذي تحول الى دولة مستقلة مؤخراً.
وحده الخيار السلمي قادر على تحييد الآلة العسكرية،
او اضعاف مبررها باستخدام السلاح قبال الجمهور.
وحده الخيار السلمي الذي يمكن أن يخفض كلفة التغيير
السياسي الى أدنى مستوى لها، ويقصر المدة الزمنية التي
يستغرقها التغيير التدرجي أو الثوري.
كانت هذه هي رسالة الثورات العربية المنتصرة. لا يوجد
أوضح منها.
لقد التقطها من التوانسة المصريون ثم اليمنيون بحكمتهم،
وإلا فإن الأخيرين شعب مسلّح، بل لا يوجد بلد في العالم
يمتلك شعبه وبنسبة عالية السلاح مثل اليمن. 12 مليون قطعة
سلاح في اليمن، لم يستخدمها أحد، ولم يستخدم أي من المحتجين
الخناجر وما دونها، مع أن البلد قبلي وعشائري، وبه تفاوت
في المحافظات وفي المذاهب؛ بل وبه حركة انفصالية في الجنوب
قوية.
كان واضحاً حتى للأعمى بأن استخدام السلاح في الاحتجاجات
السورية خطأ فظيع. والتجربة الليبية تقدم دليلاً واضحاً
على ذلك، اللهم إلا اذا كان الوهابيون يستدعون التدخل
الاجنبي وتكرار النسخة الليبية في سوريا، وهي نسخة تختلط
فيها الحرب الأهلية بالتدخل الغربي العسكري المباشر وبدعم
من دول أبعد ما تكون عن الإصلاحات والتغيير التدرجي او
حتى غير التدرجي كما هو الحال في قطر والإمارات والسعودية
والتي تقوم بتمويل العملية العسكرية الغربية في ليبيا
مباشرة.
أيضاً كان واضحاً قبل ذلك أن الخيار السلمي هو الأجدى
من خيار القاعدة سواء في التكتيك أو الأهداف. الثورات
العربية همّشت خيار القاعدة الوهابية العنفي الذي أفضى
الى حروب أهلية؛ وهمّشت أهدافها في إيجاد ممالك وهابية
في أكثر من بلد؛ وأضعفت مبررات الأيديولوجية الوهابية
الطائفي لصالح الخيار الوطني والتلاحم الشعبي على مستوى
العالم العربي بأجمعه.
لكن أنّى للعقول الصغيرة أن تعي. لقد اختطفت زمر الوهابية
خيار الجمهور السوري الذي حمل شعار: سلمية سلمية! وغطت
عليه، وبررت للعنف واستخدامه، وأجازته شرعاً، الى حد قتل
ثلث الشعب مقابل بقاء الثلثين، وكأن الحالة السورية وصلت
الى إبادة جماعية لم توجد إلا في عقول أتباعها.
كنتَ ترى من يرفع شعار سلمية.. سلمية من جهة في الأماكن
التي لا يوجد بها أمثال هؤلاء المتفلتين من العقل والوعي؛
وفي نفس الوقت كنتَ ترى المصادمات على أساس السلاح في
تكرار فاشل لتجربة الإخوان السوريين بداية الثمانينات،
حيث بادروا الى العنف فحصدوا (حماة) وراح آلاف الضحايا
فداءً لنزق جهلة بالسياسة، لم يتبعوا فلسفة وحكمة أقرانهم
من الإخوان في شتى بقاع العالم العربي.
عادت فلسفة الوهابية القاعدية الى الحراك السوري خلافاً
للنسق الذي مضت عليه الاحتجاجات في البلدان العربية الأخرى.
وما كان ذلك ليتم لولا وجود أرضية للتيار السلفي في سوريا
وقبله في ليبيا، ولولا وجود استثمار سعودي قديم في دعم
هذا التيار، ووجود مشايخ سوريين عديدين تربوا في أحضان
السعودية وأقاموا بها الى جانب عدد غير قليل من المعارضين
الاسلاميين السابقين السوريين الذين احتضنتهم السعودية
بعد فشل تجربة الثمانينات، ما سمح باعادة استخدامهم وبنفس
العقلية العنفية والخطاب الطائفي المقيت، والأيديولوجية
الباحثة عن انتصار مذهبي سياسي لا علاقة له بالحريات والإصلاح،
وتالياً اختطاف القرار الشعبي السلمي الإصلاحي، وطغيان
المواجهة العسكرية.
قدمت فلول الوهابية وعلى طريقة القاعدة ـ وخلافاً للمعتقد
الوهابي الذي يبرر الخضوع والسمع والطاعة للمتغلب من ولاة
الأمر ـ قدمت هبة السماء للنظام السوري حين استخدمت العنف
والخطاب الطائفي، ما جعل النظام يستعيد قواه ويحشد الشارع
مجدداً في مواجهة ما أسماه بـ (الفتنة السلفية المصدرة
من السعودية).
بحجة عدم جدوائية العمل السلمي؛ والرد بالمثل عبر السلاح،
استسهل سلفيو سوريا بدعم ومباركة وتأييد من السعودية وبعض
دول الخليج، اللجوء الى السلاح، ثم عادوا واتهموا النظام
بأنه يقتل جنوده وعساكره وضباطه وليسوا هم من يقوم بقتلهم
وتشويه جثثهم، كما عمدوا في حالات أخرى الى مهاجمة رجال
الأمن، وطرد بعض العوائل في أماكن السكنى المختلطة على
أسس طائفية، في عملية تجمع الغباء السياسي والقبح الأخلاقي
معاً. ما جعل الجمهور يصدق بأن هناك تهريب أسلحة من السعودية
(مسدسات بالذات) جاءت عبر شركة نقل اليحي السعودية، فضلاً
عن التدريب لبعض الأفراد في السعودية والأردن، وهذا الأخير
يكرر ذات التجربة القديمة في تدريب الإخوان عسكرياً كما
فعل صدام حسين الذي فتح معسكراته لهم، وجعلهم هو وغيره
مجرد أدوات في معارك أنظمة مستبدة تسعى لتصفية خلافاتها
عبر دعم المعارضات.
ربما لازال هناك القليل من الوقت لإصلاح بعض ما أفسدته
السعودية ووهابيتها، عبر تأكيد الخطاب الوطني الجامع،
وعبر العمل السلمي المجرد من كل شوائب العنف، وعبر رفض
التدخل الأجنبي ـ الغربي منه خاصة، وعدم التنظير لتكرار
التجربة الليبية التي هي تجربة بائسة في الثورة ومنتجها
سيكون هزيلاً جداً حتى في حال سقط نظام القذافي.
لكن إذا استمرّ تصدّر طائفية وعنف الوهابية للمشهد
السياسي السوري، فإن خيارات الإصلاح والتغيير معتمة للغاية.
|