العقدة السعودية: السلطة ضد الحقوق
حكام السعودية بصدد نشر مزيج من القوة والسخاء لإحتواء
تهديد الإحتجاج الديمقراطي؛
لكن الحركة المدنية الناشئة عازمة على المضي قدماً
مضاوي الرشيد
|
د. مضاوي الرشيد |
في عصر النفط، قد تصبح العبودية الطوعية الخيار الوحيد
لشعب حرم من حقوق الإنسان الأساسية والمدنية. لكن وراء
الكواليس وقضبان السجن هناك أمل في المملكة السعودية:
الأهم من ذلك كله في حركة الحقوق المدنية الناشئة أنها
تجذب السعوديين من مختلف الخلفيات الإيديولوجية والإقليمية
والطائفية. النظام السعودي يستجيب مع محاولات لخنق هذه
الحركة الشابة من خلال استراتيجيتين كلاسيكيتين - السياسة
الطائفية والتواجد الكثيف للشرطة. وهناك تساؤلات متزايدة
إزاء مدى فعالية كل منها.
الحكومة في الرياض لا تزال تخصص موارد ضخمة لدعم بيروقراطية
دينية ضخمة، وتعزيز صيانة الأماكن المقدسة، ورعاية المؤسسات
الإسلامية في أرجاء الوطن. في الواقع، ومع ذلك، فقد النظام
السعودي أكثر شرعيته الدينية. إن تحالفه الحميم مع الولايات
المتحدة، والفشل في الدفاع عن الرموز الإسلامية عندما
تكون أو تبدو عرضة للإعتداء - من القدس الى حادثة الرسوم
الكاريكاتورية الدنماركية واسترجاع البابا بنديكتوس السادس
عشر لمصادر القرون الوسطى المهينة ـ تدع النخبة الملكية
كما لو أنها عاجزة عن التعايش/التصالح مع روايتها الدينية.
وينظر العديد من السعوديين إلى النظام باعتباره دمية
في يد كوكبة من الأمراء الفاسدين الذي تحدد مصيرهم في
واشنطن بدلاً من الرياض. وجهة النظر هذه صحيحة جزئيا لكنها
تتجاهل أيضا حقيقة أن النظام قادر على تضليل حماته الغربيين..
وكانت الوسيلة الرئيسية لمكافحة هذا التطور استخدام النظام
للنفط لتحويل نفسه إلى حليف قوي. أصبح التقليد الديني
الوهابي مهماً في مقارعة وإنزال الهزيمة في الحركات السياسية
العلمانية واليسارية والقومية في العالم العربي والإسلامي.
فقد خدم هذا الدين الغرب حيث أنه عبأ طلائع الإسلام لإنزال
الهزيمة في الشيوعية في أفغانستان.
وأصبح اندماج المصالح النفطية والإسلام الوهابي شكلا
من أشكال إبتزاز الغرب، المستخرج من الصمت الأبدي حيال
إساءة النظام لحقوق الإنسان. صحيح، أن استراتيجية الرياض
لاستخدام الإسلام الوهابي كأداة في السياسة الخارجية جاء
بنتائج عكسية مع الاعتداءات على برجي نيويورك، يبقى أن
الغرب ما لبث أن سمح للنظام السعودي بالتحرّك من كونه
حاضنة للإرهاب إلى الظهور في هيئة ضحية له. وبالتالي فإن
النظام ظهر مجدداً بسلاسة كشريك استراتيجي في الحرب على
الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة، وهي شريك مع الذي
يتقاسم مع المخابرات الغربية ويبيع أسلحة الدمار الشامل
وتكنولوجيا التجسس والمراقبة.
الفراغ
الحساب الاستراتيجي الجوهري في واشنطن ولندن إزاء السعودية
يستدعي/يتوسّل الواقعية والبراغماتية لجهة القول بأن ليس
هناك بديل. ولكن الأنظمة التسلّطية ليست معروفة بخلق فضاء
حيث تنمو فيه قيادة سياسية بديلة - لأنهم إذا فعلوا ذلك،
لم يعودوا تسلطيين. وعليه فإن منطق السياسة الغربية هو
الدعم الدائم للنخبة السعودية وضمان “استقرارها”.
أثبت الدين السعودي بأنه بنفس القدر من الأهمية عندما
أقلعت ايران عن أن تكون جزيرة غربية إلى معقل للثورة الاسلامية
في 1979. رعت المملكة السعودية حرب صدام حسين التي استمرت
ثماني سنوات ضد ايران (1980-88) وألهبت خيال شعبها بخطاب
طائفي للتنديد بالشيعة الزنادقة!. خطاب الكراهية الدينية
نفسه يجري اليوم استعماله للتدخل في أماكن مثل اليمن في
دعم علي عبد الله صالح ضد التمرد الحوثي في الشمال،
ودعما لآل خليفة حكّام البحرين ضد الحركة السلمية المؤيدة
للديمقراطية في الجزيرة.
في هذه الصراعات على حد سواء، فإن السعوديين يقدّمون
أنفسهم باعتبارهم مدافعين عن العرب السنة ضد، زعماً، استيلاء
الصفويين (الإيرانيين) الشيعة في العالم العربي. يراقب
الغرب المنافسة ويتمسّك بالحكمة القديمة حول أولئك المتعصبين
الطائفيين، والقبليين، وأساساً المحافظيين الدينيين المتعصبين.
قلة من قاموا بدراسة السياقات السياسية والاقتصادية التي
تؤجج صراعات من هذا القبيل ؛ مستعدون للذهاب وراء الإسلام
لشرح ازدهار الهويات البدائية وتجددها في كل بلد في المنطقة،
أو على استعداد لنرى كيف يساهم النظام السعودي في انبعاث
هذه من خلال تعميم الخطاب الطائفي.
بعد أن فشلت النخبة السعودية في الدفاع عن المسلمين
في أفغانستان وفلسطين والعراق، تتعهد الآن بحراسة نظرائها
السنة ضد خصومهم التاريخيين اللدودين: لا شي بل الشيعة.
إن تصاعد التوتر الطائفي في البحرين والكويت واليمن، والذكريات
الأخيرة للصراع الطائفي في لبنان والعراق، يمثل مخاطر
هذا الطريق. يبقى أن الحكام السعوديين على استعداد للمخاطرة
بنزاع مع ايران، ومع طابورها الخامس محلياً، على الشاطي
العربي من الخليج الفارسي، بما في ذلك المملكة السعودية
نفسها - كوسيلة لإنقاذ شرعيتها الدينية المتلاشية.
الهوّة
جهود السلطات الرسمية السعودية لإحباط حركة جنينية
للحقوق المدنية داخل المملكة السعودية تكثّفت منذ الحركات
الاحتجاجية في تونس ومصر ونجحت في إسقاط الحكام المستبدين
هناك، وانتشرت في جميع أنحاء المنطقة. السياسة تمزج بين
خدش الدعاية حول احتمال استيلاء الشيعة المدعومين من ايران
على معاقل السنة مع تقديمات ملكية عاجلة بقيمة 36 مليار
دولار.
وقد فشلت هذه السياسة المزدوجة في نزع فتيل الغضب والإحباط
على نطاق واسع في أوساط الشباب السعودي خصوصاً مع: انهيار
البنية التحتية المدنية، والبطالة، والفساد وقبل كل شيء
الاعتقالات التعسفية وانتهاك حقوق الإنسان. ظهرت هذه المشاعر
في العالم الافتراضي مع الدعوة الى “يوم الغضب” في 11
مارس 2011.
محمد الودعاني، وهو ناشط في أوائل العشرين من عمره،
أرسل فيديو كليب عن سقوط النظام. وعندما كان خارجاً من
مسجد وسط الرياض بعد صلاة الجمعة مع مجموعة صغيرة من أتباعه،
ألقي القبض عليه من قبل أفراد أمن بملابس مدنية، واختفى،
واضطرت عائلته إلى إصدار بيان استنكرت فيه أفعاله وتخلت
عنه. من بين تسعة من الأعضاء المؤسسين (بمن في ذلك أكاديميين)
من حزب سياسي إسلامي، اختفى ثلاثة منهم.
في اليوم الذي أطلق عليه يوم الغضب، نشر النظام قوات
الأمن التابعة له في كل شارع رئيسي في المدن الرئيسية.
تحدى احد المتظاهرين يدعى، خالد الجهني، في استعراض للقوة
وسار وسط مدينة الرياض، وقال في مقابلة مع قناة بي بي
سي : “لقد سئمت من هذا السجن الكبير. لدي الحق في التظاهر”.
وكانت تحيط بالرجلين قوات الأمن، لقد انضم خالد لآلاف
من النشطاء والسجناء السياسيين المحتجزين دون محاكمة.
تصاعدت الاعتقالات منذ 11 مارس، وتمّ اصطياد مئات آخرين
في الشبك. عدد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية
مازالت تحتفظ بقضاياها حية على الرغم من حلفاء النظام
العطشى للنفط في واشنطن ولندن بقوا غير مبالين. إن الصراع
في الصحراء الليبية مع دولة بترولية أخرى، أثبتت في هذا
الصدد بأنها قد تكون عذراً ترحيبياً لتجاهل المشاكل التي
ينظر إليها الغرب بشكل روتيني على أن المواطنين السعوديين
مدللون وأثرياء.
كثير من السعوديين لا يندرجون في هذه الصورة النمطية:
يعيشون على مرتبات شهرية تقل عن 800 دولاراً في بلد ليس
فيه حد أدنى للأجور. صحيح أن كثيرين آخرين هم منعّمين
جزئياً، أو مكرهين جزئياً على الخضوع للسلطة الملكية،
مع وعد وواقع من السخاء الملكي الذي يلعب دوراً كبيراً.
لكن ظروف معظم السعوديين مختلفة جدا عن تلك التي للأمراء
الكبار: وثيقة تم تسريبها تكشف عن أن بعض هؤلاء كانوا
في 1996 يتلقون دفعات شهرية تزيد عن 270 ألف دولار شهرياً
كدعم بواسطة تقديمات أخرى.
افتتاح
كثير من الأسر السعودية تستخدم مواردها لتوفير المأوى
لأبنائها الشباب إزاء واقع التهميش والبطالة. وهناك أقلية
صغيرة من الشباب السعودي يبحث عن الحرية الأساسية من سلطة
الدولة، والسيطرة الأبوية، والرقابة والقمع، والمراقبة.
النساء، وكثير منهن متعلمات ولديهن توقّعات متزايدة، وينشطن
بشكل خاص بين هذه المجموعة. والواقع أن النساء هن الفئة
الأكثر إحباطاً في المجتمع السعودي، ولا عجب: أن 78% من
النساء العاطلات عن العمل هن من خريجي الجامعات (بينما
البطالة بين الرجال هي 16% فقط)، ويتم استبعادهن من التصويت
في الانتخابات البلدية التافهة .
الإنترنت يوفر شكلاً شافياً للهروب الظاهري للرجال
والنساء على حد سواء. والبعض لديه من الشجاعة ما يكفي
لأن يذهب أبعد من ذلك. وتشمل هذه الفئات من النساء المحجبات
اللاتي تجمّعن منذ 11 مارس أمام وزارة الداخلية للمطالبة
بإطلاق سراح رجالهن من السجن. المخاطر كبيرة: أكاديمي،
مبارك آل زعير، منح لقاء مدة خمسة عشر دقيقة مع مسؤول
في الوزارة ليسأل عن والده السجين، فقط ليجد نفسه محبوساً
بعد الإستجواب.
المفقودون السعوديون هو فيديو كليب نشر على موقع يوتيوب،
وقدّم له علي الظفيري ، الصحافي السعودي الذي يعمل في
قناة الجزيرة. وهو يسلط الضوء على محنة النساء والأطفال
الذين حكم على أزواجهم، وأبنائهم، وآبائهم بفترات حبس
طويلة. لن يتم عرض الكليب على قناة الجزيرة نفسها - السجناء
السعوديون لا يصنعون الأخبار، جزئيا لأن معظم الناس في
الغرب يفضلون قبول الرواية الرسمية على أنهم إرهابيون،
والمتعاطفون معها من الإرهابيين، ومساعدة الإرهابيين أو
جمع الأموال للإرهابيين. الفائدة المتبادلة بين الخداع
ووسائل الاعلام تجتمعان لتصوير السعودية باعتبارهاً مجتمعاً
ثرياً، مزدهراً، ومحافظاً، حيث أن الرجال والنساء يعبدون
الله ومليكهم.
ان الواقع مختلف. معظم السجناء السعوديين هم نواة لحركة
المجتمع المدني الناشئ الذي يشكل تهديداً للنظام أكثر
من الإرهاب الذي خلقه والذي تظاهر هو بمحاربته. هذه الحركة
هي تعريف الناس بأفكار الاستحقاق، والتمكين، وحقوق الإنسان،
والالتزامات المدنية. الحركة لا تزال مجزأة ولكنها تكتسب
زخماً. المواطنون السعوديون أيضا يحاولون أيضاً تغيير
مجتمعهم نحو الأفضل.
|