ضم الأردن في مجلس (شاي)!
هناك شبه إجماع على أن قرار دول الخليج (السعودية في
حقيقة الأمر) بضم الأردن الى مجلس التعاون الخليجي ودعوة
المغرب الى المشاركة فيه، عمل يعبر عن يأس سياسي وقلق
عميق من انتشار الثورات العربية الى الحريم الخاص لدول
المجلس، الذي هو في واقعه منظمة سياسية أمنية إقليمية
تشترك فيه ست دول ذات خصائص اجتماعية وسياسية، وتطل جميعها
على الخليج.
وبغض النظر عن الحسابات السياسية والأمنية التي توخاها
آل سعود من هذه الخطوة الغريبة، إلا أن هناك إجماعاً آخر
على أنها تمت بسرعة، بل وبتعجل وبدون دراسة. كان آل سعود
يعيشون تحت ضغط اللحظة التاريخية الثورية، وكانوا يبحثون
عن مصدّات لهذه الثورات المتنقلة من بلد عربي الى آخر،
وعينهم القلقة تدور كالذي يخشى الموت من أن تحل واحدة
منها في أرض تختطف نظاماً ملكياً قابعاً فيها، فتفتح شهية
الشعوب للإطاحة بغيره من الانظمة الملكية.
لم ينظر أي من الباحثين والمعلقين وحتى الأفراد العاديين
الى ضم الأردن ومحاولة ضم المغرب الى دول مجلس التعاون
وكأنه منجز، فحتى المكسب الإعلامي لم تتحصل عليه هذه الخطوة،
حتى ضمن محيط الإعلام الرسمي الخليجي والسعودي نفسه.
الخطوة السعودية فاجأت الجميع. وعبثاً حاول الكثيرون،
ممن تفهموا القلق السعودي العميق مما يجري في الساحة العربية،
أن يكتشفوا الفوائد والمنافع من هكذا خطوة. فالمجلس لازال
يقبع في خانة الفشل حتى الآن رغم مضي ثلاثين عاماً على
تأسيسه. لم ينجح في إصدار عملة موحدة؛ ولم يفلح في إيجاد
تصفية نهائية للخلافات بين أعضائه سواء في الشأن السياسي
أو في الشأن الحدودي. والمجلس لازال عاجزاً عن لعب دور
إقتصادي مشترك بين أعضائه، فضلاً عن توفير الغطاء الأمني
والعسكري؛ إذ تعشعشت وتكاثرت القواعد الأميركية وتعززت
بأفراد وتجهيزات أكثر في كل الأقطار الخليجية من أجل حمايتها،
في وقت لم يستطع فيه السعوديون مواءمة الإمكانات والتجهيزات
والخطط العسكرية لدول المجلس لتعمل تحت مظلة واحدة وتحدد
العقيدة العسكرية لها، وتضع التحديات والأولويات لعملها.
قوات درع الجزيرة مجرد هيكل، لم نسمع باسمها منذ تحرير
الكويت عام 1991، وعديد افرادها لا يزيد عن العشرين ألفاً،
وربما أقل. وكان غرضها المساهمة في مواجهة تحديات المجلس
العسكرية بدلا من اتحاد الجيوش وتلاحمها، فصارت كل دولة
تتطوع ببضع مئات ليكون المجلس عملا في مجمله قوات سعودية.
لكن هذه القوات استخدمت الان ضد شعوب الخليج ولقمع
ثورة البحرين. وبدل أن يحل مشكلة لنظام حكم (خليفي) جاء
القرار السياسي ليزيد النار اشتعالاً ويكبر المشكلة فيجعلها
معركة اقليمية على خلفية طائفية وقومية، وما هي كذلك.
في مثل هذا الظرف، ماذا يستطيع المفكر الاستراتيجي
أن يخرج بقرار ضم الأردن؟ ما هي الميزة التي سيضيفها الى
المجلس على الصعيد الأمني والسياسي والعسكري؟ سوف تزيد
الأردن من الأعباء الأمنية والإقتصادية والسياسية للمجلس،
وتجعله غير متناسقاً مع ذاته، عسكرياً وسياسياً، خاصة
وان الأردن على علاقة مع اسرائيل. والأكثر فإن المجلس
بضمه الاردن سيشعل خلافاً مع اليمن ـ الأكثر تأهيلا لدخول
المجلس ـ واستعدى دولاً أخرى كالعراق (الخليجي) وسوريا
التي تنظر الى أن المجلس يستهدف نظامها السياسي؛ وفتح
المجلس بضم الأردن الباب على مصراعيه لتطبيع العلاقات
مع اسرائيل.
في المحصلة النهائية فإن ضم الأردن لن يعيد للسعودية
دورها، وسيفتح عليها النار من دول عديدة، وقد صدق من قال
بأن قادة الخليج أقروا دخول الاردن للمجلس في مجلس شاي!
بلا وعي ولا إدراك وإنما بإرادة سعودية غبية لا تؤمن بالتخطيط،
ويستهويها رد الأفعال عن العمل الحقيقي المنظم والمخطط.
ضم الأردن سيسبب اضراراً للمجلس، ويفقده خصوصيته الخليجية،
وقد يأتي دوله بالمشاكل الأمنية من الباب الأردني، ويحفّز
الى قيام أحلاف مضادة ستتشكل على خلفية الصراع السياسي.
|