هل يغتال السعوديون الربيع العربي؟
- السعودية تقود جبهة رفض مصممة على
هزيمة المطالب الشعبية للإصلاح وهذا يضعها في مواجهة
واشنطن
- السعوديون يرون في تأييد واشنطن للديمقراطية
خطراً وسذاجة؛ لأنّ ذلك يهدد وجود الملكيّات في الخليج
- شجّعت الرياض القادة العرب على مقاومة
الإصلاح؛ وكلما تقبّلت واشنطن (ربيع الثورة) ازدادت
مخاوف الرياض
- حين استعجلت أمريكا موضوع الإصلاح
في البحرين، رأت السعودية في سياسة أمريكا تلك تهديداً
مباشراً لها
فالي نصر
الرئيس باراك أوباما في خطابه الأخير عن الشرق الأوسط
لم يترك مجالاً للشك بأنّ أمريكا تقف مع شعوب المنطقة
في طلبها للتغيير. وهذا يضع الولايات المتحدة في حالة
صدام مع المملكة العربية السعودية. لقد غدت المملكة قيادة
لجبهة رفض مصممة على هزيمة المطالب الشعبية للإصلاح. وكان
من المتوقع بأن تتخذ إيران هذا الموقف، ولكنّ حليف أمريكا
الأقرب في المنطقة (السّعوديّة) صمم على هزيمة سياستنا.
ورغم عدم ذكر السعودية في خطاب أوباما، إلا أنّ مواجهة
أمريكا لها في المنظور القريب تعدّ أكبر صعوبة في الشرق
الأوسط.
الحكام السعوديون عبّروا بوضوح بأنهم يرون في تأييد
الولايات المتحدة للديمقراطية خطراً وسذاجة؛ إذْ أنّه
يهدد وجود الملكيّات في الخليج. وإذا قرّرت الولايات المتحدة
تأييد الديمقراطية، فإنّ السعوديين يستشعرون بأن الولايات
المتحدة لا تستطيع أن تبقى على علاقة وثيقة مع الرياض
(النفط).
التهديد السعودي يُراد منه وضع صنّاع السياسة الأمريكان
في خيار بين القِيم الأمريكية والمصالح الأمريكية. الفكرة
هي أنّ تفي واشنطن بموقفها وتدعم الشعوب العربية وخيارها
المطلبي للإصلاح، وتصدّع علاقتها بالسعودية، أو أن توثّق
علاقتها بها وتخسر بقية الشرق الأوسط.
في الحقيقة، إنّ خيار الولايات المتحدة بين قِيمها
ومصالحها هو خيار خاطئ، حسبما صرّح بذلك الرئيس في خطابه.
السياسة الأمريكية الآن يجب أن تعكس هذه الحقيقة. ولحد
الآن حاولت واشنطن استرضاء السعودية، وحان الموعد الآن
لتحدي خطاب قادتها وأفعالهم.
التحول التكتوني (Tectonic Shift)
لم يعد غريباً بأن التحولات التكتونية في السياسات
العربية، الثورات الشعبية المطالبة بالديمقراطية والإنفتاح
والمساءلة، باتت أمراً يقلق الملكية السعودية. المملكة،
كحال باقي العالم العربي، لديها طاقة شبابية تريد وظائف،
وتريد حرية ومشاركة في الحياة السياسية. والواقع أنّ 39%
من السعوديين بين 20-24 سنة عاطلين عن العمل.
وبعد مشاهد تنحي الرئيس المصري حسني مبارك في خضم الاعتصامات
التي لعب الشباب المصري دوراً مهماً فيها، أعلن الملك
عبدالله عن 35 بليون دولار تقديمات إجتماعية لبداية المطالب
بالإصلاح في المملكة. وقد استطاعت المملكة شراء الوقت
بهذه التقديمات، ولكن العديد من أحجار الشطرنج تتهاوى
في طريقها لتعبّد الطريق. فالمظاهرات العنيفة على الحدود
السعودية، في البحرين واليمن على الخصوص تبدو مقلقة.
بداية الأمر شجّعت الرياض جميع الزعماء العرب لمقاومة
الإصلاح. وكلما تقبّلت واشنطن ربيع الثورة العربي ازدادت
مخاوف الرياض. واتخذ الحكام السعوديون إستثناءً خاصاً
من دعوة واشنطن لتنحية مبارك، وحين استعجلت الولايات المتحدة
موضوع الإصلاح في البحرين، رأت السعودية في سياسة الولايات
المتحدة تهديداً مباشراً لها.
تشجيع الحوار
واشنطن شجعت ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة للدخول
في حوار مع المعارضة هناك، وكان الأمريكيون وسطاء مشاركين
في الحوارات. وكان الاتفاق على وشك التمام.. إلاّ أنّ
الرياض إتخذت خطوة نادرة بتقويض السياسة الأمريكية. فقد
قام الحكام السعوديون بإقناع البحرين بتشتيت الحوار وجلب
الجنود من السعودية والإمارات العربية لقمع الاحتجاجات.
والعذر الأخرق للقمع هو أنّ المظاهرات تمّت بتحريض
من إيران، وأن مشروعاً توسعياً يجب أن يقف عند مضماره.
إنّ اعتصاماً محلياً مستوحى من مظاهرات شعبية في مصر وتونس
تحوّل إلى صراع إقليمي. والإستراتيجية السعودية كانت واضحة،
هي تحويل التركيز من الديمقراطية إلى البعبع إيران.
وبالنظر إلى النتائج الجريئة في البحرين، قامت السعودية
بتسخير إستراتيجيتها لسحق الربيع العربي. ودعت الرياض
لتوسيع مجلس التعاون الخليجي، مجموعةً من الدول العربية
التي تمتاز بالثروة النفطية، وتقع في الخليج لتشمل الأردن
والمغرب، اللتين لا تشتركان في هاتين الخاصيتين.
تهدئة المتظاهرين
التوسعة من شأنها تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى نادٍ
للملكيات في العالم العربي. والعضوية ستأمن سيولة كافية
للبلدين (الأردن و المغرب) وموارد إقتصادية لتهدئة غضب
المعارضين. وبالمقابل، فإنّ عليهما هجر سياسة الإصلاح
والإستعداد لإعارة المزيد من إمكانياتهما العسكرية لإخماد
المظاهرات في حال إندلعت مرة أخرى في الدول الخليجية.
موقف السعودية الجديد هو مواجهة السياسة الأمريكية.
وإنّ التنازل للمطالب السعودية في الجهة الخاطئة مقابل
تحوّلات شعبية واسعة في المنطقة ستضرّ بمصالح الولايات
المتحدة بلاشك على المدى البعيد. فإخماد المتظاهرين بشدة
في البحرين أدى إلى تراجع لموقف الامريكيين في المنطقة.
وتكون المخاطرة أكبر حين تكون السعودية على خلاف قائم
وحساسيات مع إيران؛ فالملكيات في الخليج لا تملك القدرة
العسكرية لمواجهة سياستهم الحادّة تجاه إيران. مصداقيتهم
تعتمد على الدعم الأمريكي. وحين تؤدي مناكفة إيران إلى
تصاعد الخلافات في الخليج، تتعرض المصالح الأمريكية وكل
حجمها العسكري الموجود في الخليج إلى صراع إيراني مع الولايات
المتحدة.
مواجهة التّحدي
من أجل كلّ هذه الأسباب، ينبغي أن تواجه الولايات المتحدة
التحدي السعودي مباشرة. فالفشل في القيام بذلك سيضرّ بموقفنا
في المنطقة، ويعزل الرأي العام عنّا هنالك، الأمر الذي
سيخدم إيران فقط. الولايات المتحدة يجب أن تعزز دورها
القيادي في الشرق الأوسط. يجب أن توضّح، انه على الرغم
من علاقاتنا الوثيقة بالسعودية، فإنها ستكون حذرة في الدفع
نحو الإصلاح في البحرين كما كانت في سوريا وليبيا. وينبغي
على واشنطن الإستعداد للتدخل فيما لو لم تتوقف الملكية
في البحرين عن القمع، وتبدأ الحوار الجدي مع المعارضة.
كما ينبغي علينا توضيح ذلك للأردن والمغرب بأنّ أمريكا
تدعم مبادرات الإصلاح ولن تسير عكس ذلك.
صحيح بأننا نعتمد على مجلس التعاون الخليجي للنفط،
ولكن لن يكون هناك انقطاع في تدفق النفط فيما لو اختلفنا
مع الدول الخليجية. فمعيشتهم تعتمد على النفط، وللاستغناء
من ورائه ينبغي عليهم بيعه. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ دول
مجلس التعاون الخليجي تعتمد علينا لحمايتهم الأمنية، كما
بات ذلك جلياً في حربي العراق. والمقلق لنا ليس التهديد
السعودي، ولكن شعوب الشرق الأوسط، وكيف ستحاسب سياستنا
في هذا الظرف التاريخي الحرج.
* عن صحيفة بلومبيرج، 23 مايو 2011
|