|
|
|
سلطان مغادراً الرياض في
18/6/2011 |
|
ويصل نيويورك للعلاج في 19/6/2011
|
ماذا بعد سلطان؟
الصراع داخل العصبة السديريّة
محمد السباعي
مات أم لم يمتْ، لا يهم كثيراً. فالأهم من الموت الجسدي،
هو الموت السياسي.
وسلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد، والنائب الثاني لرئيس
مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام..
الى آخر ما هنالك من ألقاب، مات سياسيّاً منذ نحو ثلاث
سنوات، فيما لازال ورثته (أبناؤه، وأشقاؤه من الأم حصّة
السديري) يتصارعون على مناصبه العديدة الشاغرة، بما فيها
رئاسة العديد من اللجان العليا التي لها كلمة تعلو كلمة
الوزراء أنفسهم.
منذ خروجه من السعودية في يونيو الماضي، والإشاعات
لا تكفّ عن التواصل بأن سلطان قد توفي.
في البداية لم يشأ الديوان الملكي، الذي أعلن خبر مغادرة
سلطان يوم 18/6/2011، أن يوضّح حقيقة الموقف، كل ما كان
في الخبر نصّا من وكالة الأنباء السعودية هو: (غادر بحفظ
الله ورعايته صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز
آل سعود، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع
والطيران، والمفتش العام، الرياض مساء اليوم، في إجازة
خاصة بعد أن يجري بعض الفحوصات الطبيّة في الولايات المتحدة
الأميركية). هذا هو جوهر الخبر. وأما تتمته، فإن المودّعين
لسلطان في مطار الرياض كانوا عشرات الأمراء، حُرص أن يذكر
الأمير فهد بن محمد (أبي الشرين!)، ابن أخي سلطان؛ وشقيقه
عبدالرحمن، وأخاه غير الشقيق متعب بن عبدالعزيز، الذي
يكنّ له كرهاً مشهوراً، والشقيق تركي بن عبدالعزيز، نائب
وزير الدفاع السابق، والذي قضى في المنفى المصري 33 عاماً،
ولم يعد إلا قبل أشهر قليلة، بعد أن ماتت زوجته هند الفاسي،
وبعد أن لاح في الأفق إمكانية استعادة مقامه الضائع. ومن
بين المودّعين ملك البلاد غير المتوّج، شقيق سلطان، نايف
بن عبدالعزيز، وزير الداخلية والنائب الثاني لرئيس مجلس
الوزراء؛ وكذلك الشقيق أحمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية.
فضلاً عن رئيس الإستخبارات العامة مقرن بن عبدالعزيز،
الأخ غير الشقيق لولي العهد؛ وأمراء المناطق، ووزراء،
وأمراء آخرين أدنى مرتبة، ومسؤولين مدنيين وعسكريين، الخ!
ووصل سلطان الى مطار جون كيندي في اليوم التالي 19/6/2011؛
وكما كانت هناك (زفّة) في التوديع من مطار الرياض، وجدت
(زفّة) أخرى لاستقبال الزائر. فالبروتوكول يجب أن يراعى
دائماً، في الحلّ والترحال، وسواء كان في حالات الزيارة
الخاصة أو الرسمية! من بين المستقبلين لسلطان، شقيقه أمير
الرياض سلمان بن عبدالعزيز، الذي اعتاد على مرافقته طيلة
السنوات الماضية، فيما يدير امارة الرياض عبر نائبه سطام،
أو عبر الحقائب التي تقوم بها طائرات الأسطول الملكي،
أو عبر الهاتف!! لكن هذه المرّة سرعان ما عاد سلمان الى
الرياض، فهناك أمور أخرى أهم، وهي ترتيب وضع وراثة العرش.
ثلاثة آخرون كانوا في استقبال سلطان، هم أبناؤه، فضلاً
عن ابنه فيصل الذي كان برفقته، وهو يتولّى منصب الأمين
العام لمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية (وهّاب
نهّاب)!:
|
ماتت الزوجة، فعاد تركي
من المنفى مطالباً بحصته في الحكم! |
ـ خالد بن سلطان، مساعد وزير الدفاع.
ـ وبندر بن سلطان، أمين عام مجلس الأمن الوطني.
ـ وسلمان بن سلطان، مساعد الأمين العام لمجلس الأمن
الوطني.
فضلاً عن أن هناك جحفل من الأمراء المستقبلين من أزواج
بنات سلطان، غير السفير والملحقين وطاقم السفارة، والموظفين
الخاصين بمكتب ولي العهد.
إذن هي زيارة خاصة الى نيويورك، سيجري خلالها ولي العهد
بعض الفحوصات!، والخبر يوحي بأنه ليس هناك أمراً مقلقاً،
فكلّ الأمور على خير، كما هي العادة السعودية.
بيد أن الزيارة هذه يمكن وصفها بـ (الزيارة المستحيلة)
فهي قد شهدت آخر محاولة يائسة لإنقاذ العجوز من فكّ الموت:
وإذا المنيّة أنشبتْ أظفارها/ ألفيتَ كلّ تميمة لا
تنفع!
سرطان القولون استمر لسنوات، وأنفقت مئات الملايين
على رحلات سلطان وعلاجه، واستجلب أمهر الإختصاصيون، ولكن..
ليس من الموت مفرّ، خاصة مع شخص بلغ من الكبر عتيّا، وتجاوز
عمره الـ 85 عاماً.
لا يعني بقاء سلطان حيّاً شيئاً كثيراً. فمن جهة المال،
عمد ولي العهد الى تقسيم تركته التي تقدر بنحو 270 مليار
دولار على الأبناء والبنات في حياته، خشية أن يتم التخاصم
على الثروة بعد مماته، مثلما حدث لأبناء الملك فهد. خاصة
وأن الخشية التي لسلطان كانت أكبر على تشرذم أبنائه بسبب
الصراع على الثروة، مما يضعفهم في مجال المنافسة السياسية،
إن مع نظرائهم من أبناء عمومتهم، أو حتى مع أعمامهم، بل
حتى أشقاء أبيهم، ممن تتطلّعت رقابهم الى المناصب العليا،
وهم ينتظرون اللحظة المناسبة التي يموت فيها سلطان، للإنقضاض
على السلطة.
أما في موضوع المناصب، فهو قد وضع ابنه خالد على رأس
وزارة الدفاع عمليّاً، مع أن شقيقه عبدالرحمن لازال يحمل
صفة (نائب وزير الدفاع)؛ كما أنه حرص في الأشهر الأخيرة
على إعادة إبنه بندر (المغضوب عليه) الى الحظيرة ليمارس
عمله المحبب إليه (الإستخباري والتآمري)، وهناك ابن آخر
ـ فهد ـ يحتل منصب أمير منطقة تبوك، وهكذا. ما يؤمله سلطان
هو أنه في حال غاب عن الحياة، فإن وزارة الدفاع تبقى في
يد عقبه، وبالخصوص في يد ابنه خالد، وهو يتمنّى أن يصطف
بقيه أبنائه الى جانب أخيهم (سواء كان شقيقاً أم غير شقيق).
|
عبدالرحمن، نائب وزير الدفاع،
سيخسر منصبه
في الصراع |
(المملكة السديرية): سيطرة العصبة
السديرية
يدرك سلطان، كما كل المراقبين للوضع السياسي السعودي،
بأن الحكم سيكون شكلاً ومضموناً بيد (العصبة السديرية)
بعد أن حكموها في عهد خالد وعبدالله ـ الملك الحالي ـ
مضموناً فقط. وبالتالي، فإنه بقدر ما هنالك أهمية لسلالة
كل أمير من الأمراء السديريين السبعة (فهد وسلطان وتركي
وعبدالرحمن ونايف وسلمان وأحمد) بأن تقضم شيئاً من كعكة
السلطة في حياة آبائهم وبعد مماتهم، فإنهم مهتمون أيضاً
بأن يكون الحكم في نهاية الأمر (سديرياً كاملاً)، وبذا
تكون المملكة العربية السعودية: (مملكة سديرية) الى ما
شاء الله من العقود القادمة، إن بقي النظام السياسي القائم
على قيد الحياة.
إن مات سلطان، فسيصبح نايف ـ وزير الداخلية الحالي
ـ ولياً لعهد الملك الحالي عبدالله.
وإن مات الملك عبدالله (87 عاماً) قبل وفاة سلطان،
فسيصبح نايف ولياً لعهد سلطان المريض.
وإن مات كلاهما، في فترة متقاربة، فسيصبح نايف ملكاً،
وسيصبح سلمان ـ أمير الرياض، وعضو التجمع السديري ـ ولياً
للعهد، على الأرجح.
لا أٌفقَ حتى الآن لأية أجنحة أخرى بأن تتولّى الحكم
في المدى المنظور.
فالملك عبدالله، نال مراده بأن أصبح ملكاً، بعد أن
أوصله (صانع الملوك) عبدالعزيز التويجري الى حيث هو اليوم،
فكافأه بتولية أبنائه في مناصب عليا من حوله في الديوان
الملكي، وباتوا يتولون شؤونه، وسينقضي أثرهم بعد عين،
بمجرد أن يموت الملك عبدالله (يطلق عليهم البرامكة).
رضي عبدالله بأن يكون مجرد (ربع ملك)؛ له الإسم؛ والخبر
الأول في القنوات الرسمية؛ وصوره تملأ أوراق النقد.. وما
دون ذلك لا يمتلك إلا الشيء التافه، خاصة بعد عودته الأخيرة
من رحلة علاجية من أميركا (في مارس الماضي).
ما يهم الملك عبدالله اليوم، ليس وصول شخص غير سديري
الى الحكم؛ بقدر ما هو مهتم بأن تحفظ لأبنائه حصّة فيه،
وان لا يكونوا نسياً منسيّا. ولن يكون لابنائه موقع في
سلّم السلطة في حال تخطفته المنون، إلا بالإرتكاز على
قوّة حقيقية: إنها قوة الحرس الوطني، الذي جعل إبنه متعب
رئيساً عليه، بمرتبة وزير، قبل أن يغادر في رحلته العلاجية
الأخيرة. هذا هو ضمان أن يحصل أبناء عبدالله على شيء من
الحكم في المستقبل.
أما بقيّة أبناء عبدالعزيز المهمّشين، فقد كان همّ
(صانع الملوك) تكتيلهم ولو شكليّاً ريثما يصل عبدالله
الى كرسي الحكم؛ أما بعد أن وصل، فليذهبوا الى الجحيم.
لهذا ضحّى الملك عبدالله بأخيه غير الشقيق متعب وزير
الداخلية. وضحّى ببدر كنائب لرئيس الحرس الوطني. ولم يعرْ
أهمية كبيرة لطلال ولا لآخرين؛ فضلاً عن أن أخاه غير الشقيق
عبدالمجيد، أمير مكّة، والذي كان يعوّل عليه في تقوية
جناحه بعد أن سيطر على الحكم، توفي بالسرطان.. وهكذا.
|
أحمد، نائب وزير الداخلية،
خاسر آخر، وربما يعوّض بتعيين ابنه فيصل |
من هو داخل السلطة مشغول بها عن إخوته، ممن هم خارجها.
ومن هو قريب من القبر، مشغول بتوريث أبنائه بعضاً من
السلطة، عمّن هو محروم منها.
كل الأبناء ـ حفدة الملك المؤسس من الجيل الثالث ـ
ممن له آباء في السلطة، سيطروا على مواقع آبائهم، بانتظار
إما وفاتهم، أو انتقالهم الى مناصب أرفع.
فنايف، وزير الداخلية، والمصاب هو الآخر باللوكيميا،
لم يعد يمضي وقتاً طويلاً في وزارة الداخلية، فقراراتها
تمضي بأمر من ابنه محمد، الذي أمضى سنوات طويلة وهو يتعلّم
كيفية إدارتها تحت مسمّى منصب مساعد وزير الداخلية؛ وكذلك
كيفية تهميش عمّه أحمد، نائب وزير الداخلية.
ولأن نايف سينتقل الى منصب ولاية العهد قريباً، وربما
الى كرسي المُلك خلال فترة لن تطول، فإنه استجلب ابنه
سعود، الذي يشغل سفارة عائلته في مدريد ليكون قريباً منه
في رئاسة مجلس الوزراء وفي وزارة الداخلية وبرتبة وزير.
فهذا هو وقت العصبة العائلية المصغّرة، ضمن العصبة العائلية
الكبيرة ـ العائلة السديرية؛ وضمن العصبة الأكبر: عائلة
الملك المؤسس عبدالعزيز، قبل الإنطلاق الى آل سعود كعشيرة
ـ بل كقبيلة ـ تضم نحو عشرين ألف أمير وأميرة، جعلوا مال
الله دولاً، وعبيده خولا!
فبإسم الملك عبدالله، الذي لا قرار له، صدر أمر ملكي
في 3/7/2011، يقول في نصّه:
(بناء على ما عرضه علينا صاحب السمو الملكي النائب
الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية. أمرنا بما هو
آت: يُعيّن صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن
عبدالعزيز، مستشاراً للنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء،
ومساعداً لسمو وزير الداخلية للشؤون العامة، بمرتبة وزير).
أما سلطان، فقد أوضحنا في الأسماء السالفة مواقع أبنائه،
في وزارة الدفاع وفي الأمن، وفي امارات المناطق.
والملك لديه متعب رئيس الحرس الوطني، وعيّن ابنه الآخر
(مشعل) أميراً لمنطقة نجران، وربما يعيّن آخرين في قادم
الزمن قبل أن يموت.
أما أمير الرياض سلمان، فقد خسر عدداً من أبنائه، بسبب
الإدمان على المخدرات. بينهم فهد بن سلمان، الذي كان نائباً
لأمير المنطقة الشرقية؛ وأحمد بن سلمان الذي كان مسؤولاً
عن الشركة السعودية للأبحاث والتسويق والتي تصدر الشرق
الأوسط وأخواتها. وهناك الآن بين الأحياء: سلطان بن سلمان،
الذي يتولّى منصب رئيس الهيئة العامّة للسياحة.
وفي الجملة، فإن أبناء الأمراء الكبار المسيطرين على
دفّة الدولة قد ورّثوا بعضاً من مناصبهم أو حتى كلّها
لأبنائهم (متعب وزير البلديات، ترك منصبه محتجّاً، ولكن
بعد أن منحه لإبنه منصور) إمّا تقاعداً من السلطة، أو
انتظاراً لقرار ملك الموت وما سيفضي اليه قبضه للأرواح
من إفراغ لبعض المقاعد العليا، ما يترك المجال مفتوحاً
للصراع والمنافسة.
الصراع داخل الجناح السديري
رغم أنه ليس خبراً مبشّراً للسعودية بأن يتولّى حكمها
طاغية مثل الأمير نايف، ولا عصبة فاسدة كالعصبة السديرية.
ورغم أن وصول نايف الى السلطة (إسماً وفعلاً) يعني
القضاء على أيّ أملٍ بالإصلاح السياسي، وحتى الإجتماعي.
فإنك لن تعجب بأن هناك فئات (نجديّة) تستبشر بوجود
نايف على رأس السلطة، لسببين من وجهة نظرها:
الأول ـ أنه سيضبط إيقاع الدولة الأمني بشكل حازم،
رغم فداحة الخسائر.
سلمان، أمير الرياض، ولي عهد نايف القادم!
|
والثاني ـ إنه سيجدد للدولة (دينها!!) باعتباره ـ بنظر
الوهابية الحليفة له ـ حافظ السنّة، والمدافع عنها!! رغم
أنه ليس مشهوداً لنايف ـ مثلما هو لفهد ـ بالتديّن أصلاً،
بل العكس.
الطرفان المنتفعان من وجود نايف، هم نفس الجمهور تقريباً
الذي كان يدعم الملك السابق فهد. العصبية النجدية، والعصبية
الوهابية النجدية أيضاً، ستدعمان نايف، وسيعلو لدى متعصبيهما
مقامهما. فبالعصا المادية، وبالعصا الدينية، يتم تكسير
تطلعات الشعب، وإخضاعه.
هذا ما يتراءى للموالين.
لكن بالمنظور العام، فإن انحصار السلطة في الجناح السديري،
يعني أول ما يعنيه: حدوث صراع محتدم، ليس بين الجناح السديري
والأجنحة الأخرى، بل داخل الجناح السديري نفسها. أما الأجنحة
الأخرى، فبالكاد يمكن تسميتها بأجنحة، إنها ضعيفة مهلهلة
ـ مثلما هو جناح الملك عبدالله ـ وهي لا تستطيع أن تنافس،
ولا تتمتع لا بالخبرة ولا بالأهلية حتى لتتولى السلطة،
لا كأفراد ولا كحاشية ومستشارين. خاصة وأن أبناء المؤسس
ـ من غير السديريين ـ عاشوا على هامش السلطة، ولم يمارسوها؛
ومن مارسها منهم، فإنه كان على حاشيتها، ولم تتشكل لديه
الخبرة بسبب الإنقطاع عنها، أو عزله منها، كما هو الحال
مع الأمير طلال.
من السهولة بمكان تصور أن يصبح نايف الملك السابع للبلاد
المسعودة. فهو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء؛ أي أنه
الرجل الثالث ـ رسمياً ـ في الدولة. وكان تعيينه من قبل
الملك عبدالله لشغل هذا المنصب قد سبّب تصدّعاً في المعارضين
له من إخوته، والى غضب معلن عبّر عنه الأمير طلال أكثر
من مرّة، ودفع ذلك بوزير البلديات الأمير متعب الى عدم
حضور جلسات مجلس الوزراء ومن ثمّ تقديم الإستقالة.
ولذا لا يتوقع أن يلتئم شمل المعارضين من الأمراء المهمّشين
ليشكلوا ورقة ضغط تمنع نايف من الوصول الى السلطة. فهذا
الإلتئمام أُتيحت له فرصة تاريخية في البروز يوم وصل الملك
عبدالله الى كرسي الحكم. ولكن الملك خيّب ظنّ إخوته الذين
أرادوا منه أن يستخدمهم في السلطة ليوازن بهم الجناح السديري.
ولكنه لم يفعل، بل قدّم تنازلات أكبر بكثير في هذا الشأن،
ما جعلهم يتراجعون وينطوون على نفسهم. وفي الوقت الحالي،
وبدون الإعتماد على الملك، أو حتى بالإعتماد عليه فيما
إذا توفرت لدى الأخير النيّة، فإنه من الصعب ـ الى حدّ
المستحيل ـ أن تتشكل عصبيّة من الإخوة توازن عصبيّة السديريين،
بحيث تمنع هؤلاء الأخيرين من الهيمنة الكاملة على الدولة
ومؤسساتها.
لقد تمّ حسم هذا الأمر، بمجرد أن تم تعيين نايف نائباً
ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
أما مجلس البيعة، الذي أسسه الملك عبدالله من أبناء
عبدالعزيز الأحياء، أو ممثل بواحد من الأبناء عن الأموات،
ليختار ولي العهد القادم، وبالتالي الملك القادم، فإن
هذا المجلس قد مات قبل أن يباشر عمله، ولم تعد له أهمية
يعتدّ بها، وسيكون دوره شكليّاً حيث سيقرر تنصيب نايف
ملكاً رغم أنف المعارضين.
إن من قضى على مجلس البيعة هو الملك عبدالله نفسه،
حين عيّن نايف نائباً ثانياً له!
وفي الحقيقة فإنه اتيحت للجناح السديري الفرصة خلال
السنوات القليلة الماضية ليرتّب عمليّة الوراثة في داخله
لصالح الأمير نايف.
مشعل، حصته من الحكم مزيد من المال فقط!
|
فمن جهة، تواصلت عملية تهميش أبناء الملك المؤسس المعترضين
على زيادة سلطة السديريين؛ كما هو الحال مع طلال، أو مع
متعب أو بدر، فضلاً عن من غيّبهم الموت كعبدالمجيد.. ولم
يبق سوى الضعفاء، الذين لا حول لهم ولا قوّة.
ومن جهة ثانية، تمّت خلال الفترة آنفة الذكر، عمليّة
ترضية لبعض الأمراء الكبار، ممن يكبرون نايف سنّاً، أو
يتطلعون الى مقامه، أو أبناء الملوك السابقين. إما عبر
تعيين أبنائهم في مناصب، كما هو الحال مع مشاري بن الملك
سعود بن عبدالعزيز، المقرب من الملك عبدالله، والذي عيّن
أميراً للباحة؛ أو عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز الذي
تم تعيينه أميراً لمنطقة المدينة المنورة، وقد كان أبوه
كارهاً للجناح السديري؛ أو الأمير فيصل بن الملك خالد،
أميراً لمنطقة عسير؛ أو الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز،
أميراً لمنطقة جازان؛ فضلاً عن تولية عدد آخر من حفدة
الملك عبدالعزيز، إرضاءً لآبائهم الأحياء، أو خشية من
عصبهم، اللهم إلا الضعيف المهمل جداً. ومثل ذلك: تولية
سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز أميراً لمنطقة حائل؛ وأمير
منطقة القصيم فيصل بن بندر بن عبدالعزيز؛ أو أمير منطقة
الجوف فهد بن بدر بن عبدالعزيز؛ فضلاً عن أمير مكة، خالد
الفيصل؛ ومحمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية.
وهكذا نلاحظ، بأن أغلب الأمراء الكبار قد حصلوا على
ترضية من نوع ما، في الإمارات، وقليل محدود في الوزارات.
ومثل هذه الترضيات، وإن لم تكن كافية، إلا أنها الى جانب
المال يمكن أن تقضي على ما تبقّى من معارضة خارج الجناح
السديري لأن يكون نايف ملكاً.
معلوم أن هناك عدداً من أبناء عبدالعزيز يعتقدون بأنهم
أولى بأن يكونوا ملوكاً من أخيهم غير الشقيق نايف. وذلك
اعتماداً على قاعدة السنّ، كما هو الحال مع مشعل، وزير
الدفاع السابق (ولد في 1925)، ومتعب (ولد في 1928)، وطلال
(1931)، وبدر (1932)، ونوّاف ـ رئيس جهاز الإستخبارات
السابق (1933)، فضلاً عن أن هناك إخوة أشقاء من بين السديريين
يكبرون نايف (1933) نفسه، من بينهم: شقيقه عبدالرحمن،
نائب وزير الدفاع الحالي (1931)، وشقيقه الآخر تركي، نائب
وزير الدفاع السابق (1932). وكلّ هؤلاء يريدون إما كرسي
الحكم، أو يبحثون عن ترضية ما، على شكل مناصب لأبنائهم،
أو أموال تقتطع لهم.
فمشعل سبق له أن تنازل عن حقه النظري في الحكم لسلطان
لكي يكون الأخير ولياً للعهد مقابل مخصصات مالية ضخمة
بالمليارات؛ ولا يبدو أن لديه مانعاً ما من أن يتنازل
مرّة أخرى إن كانت الغنيمة تستحق! وأما طلال فهو لم ينجح
حتى الآن في الحصول على شيء لا لنفسه ولا لأحد من أبنائه.
وقد عبّر مراراً هو وابنه الوليد عن رغبتهما في وصول الأخير
لمنصب ما، وقال الوليد في مقابلات عديدة بأنه لا يستطيع
الإنتظار ليصبح ملكاً! ما أثار سخطاً حادّاً عليه في الجناح
السديري. وهناك إبن آخر لطلال، إسمه خالد، نزل عليه التديّن
الوهابي تنزّلاً كالوحي!!، وإذا به يصبح طائفياً شرساً
ضد المواطنين الشيعة وضد السنّة في الحجاز، ولعلّه وجد
في هذا الطريق وسيلة تقرّب الى من بيدهم السلطة، وهو ما
فتيء يتحدث عن ولائه لأعمامه السديريين، محاولاً أن ينأى
بنفسه عن والده وصراعاته معهم. ولا يرجّح أن يحصل أيّ
من أبناء طلال على شيء من كعكة السلطة التي يجري تقاسم
أجزائها تدريجياً منذ سنوات، ولم يبقَ منها إلاّ القليل
حتى الآن!
وإذا كان من السهل على الجناح السديري تجاوز الأخوة
غير الأشقّاء، واسترضائهم بصورة من الصور؛ فإن الصعوبة
تكمن داخل العصبة السديرية نفسها. فهناك احتمال بنسبة
غير كبيرة أن تتفجّر داخلها الصراعات، بعد أن استفردت
بالحكم.
إذا ما توفي سلطان، ولي العهد الحالي، فإن على نايف
أن يحل مشكلتين يمثلهما شقيقاه اللذان يكبرانه سنّاً:
عبدالرحمن؛ وتركي.
|
متعب مع أبيه: مستقبل سياسي
مضمون
اعتماداً على الحرس الوطني |
يتولى عبدالرحمن نيابة وزارة الدفاع والطيران، أي أنه
ـ رسمياً ـ الرجل الثاني فيها. لكن الوزارة تدار فعلياً
من قبل خالد بن سلطان، ويقبع في مؤسسات الوزارة عدد من
الأمراء من أحفاد الملك المؤسس، ممن تزوجوا ببنات سلطان
نفسه. ولا يبدو أن أحداً من الأمراء ـ كما الملك نفسه
ـ يقبل بأن تسلّم وزارة الدفاع الى شخص مثل عبدالرحمن،
فهو أشبه ما يكون بأمّي جاهل، لا يجيد حتى التصريح. ومن
جهة ثانية، فإن وزارة الدفاع، والتي تأكل نحو 30-40% من
ميزانية الدولة كل عام، والتي يتم عبرها نهب الميزانية
لا يمكن تسليمها بسهولة لعبدالرحمن، كما لا يمكن لهذا
الأخير ان يأتمر بأمر ابن أخيه، وعليه فمن المتوقع:
ـ إحالة عبدالرحمن على التقاعد، وتعيين خالد بن سلطان
وزيراً للدفاع.
ـ ترضية عبدالرحمن بإغداق المال عليه، وهو معروف ـ
كما أخيه مشعل ـ بأن شراهتهما للمال لا تقف عند حدّ. كما
يمكن تعيين أحد من أبنائه (وأكثرهم على شاكلة أبيهم) في
منصب تشريفي إما في وزارة الدفاع، أو في واحدة من مؤسسات
الدولة المسعودة!
لكن قد تأتي المشكلة الأكبر من تركي بن عبدالعزيز،
شقيق نايف الآخر، فهذا قد كان نائباً لوزير الدفاع حتى
عام 1978، ومن يومها بقي منفياً لمجرد أنه تزوج من هند
الفاسي التي توفيت في أغسطس 2010. وها هو تركي قد عاد
من المنفى، في إشارة الى بحثه عن موقع أو حصّة من الحكم،
او تعويضاً عما جرى له خلال ثلاثة عقود.
هنا أيضاً، لا يعتقد بأن تركي سيحصل شخصياً على منصب،
ولا نظنّ بأنه يبحث عنه، اللهم إلا من أجل المساومة. جلّ
ما يريد هو تعيين أحد أبنائه في موقع عالٍ في السلطة،
وإعادة اعتبار له داخل الجناح السديري، وداخل العائلة
المالكة.
ولا ينتهي المشهد السياسي المتوقع عند هذا الحدّ.
فهناك موقع الأمير سلمان من كامل معادلة الحكم ومن
دائرة السديريين السبعة.
في أية مشهد قادم، هناك سؤال حول من يتولّى ولاية عهد
نايف فيما إذا أصبح هذا الأخير ملكا (بافتراض ان الملك
وولي العهد الحالي سيرحلان عن الدنيا قبل الآخرين: نايف
وسلمان).
بوصول نايف الى ولاية العهد، ومن ثمّ الى كرسي المُلك،
فإن الدولة ستصبح سديرية كاملة.
بمعنى أنه لن يكون هناك ولياً للعهد من خارج الإطار
السديري في المدى المنظور.
وهذا يحتّم الإتفاق على واحد من أمراء العصبة السديرية
الأحياء. بموت سلطان سيكون الأحياء هم: عبدالرحمن، وتركي،
ونايف، وسلمان، وأحمد. فالسديريون السبعة يصبحون خمسة،
أحدهما، وهو نايف، سيصبح ملكاً. وإثنان آخران سيتنحيان
عن السلطة: عبدالرحمن وتركي. ولا يبقى سوى سلمان وأحمد
(الذي يشغل نيابة وزارة الداخلية).
حين يصبح نايف ولياً للعهد، ستكون الداخلية من نصيب
إبنه محمد. وفي هذه المرحلة على (العم أحمد) نائب وزير
الداخلية أن يتنحّى من منصبه. إذ من غير اللائق أن يظهر
العمّ تابعاً لإبن الأخ! وفي هذه المرحلة يجب حسم موقع
الأمير أحمد نفسه باعتباره أصغر الأمراء السديريين (مواليد
1941). فهل يبقى منصب نيابة وزارة الداخلية لأحمد ولكن
يسلم لإبنه فيصل، أم يعهد إليه ـ أحمد ـ بإمارة الرياض
مكان الأمير سلمان (مواليد 1936)، فيما ينتقل هذا الأخير
الى أن يصبح وزيراً للدفاع بدلاً من خالد بن سلطان كمرحلة
أولى، ويبقى خالد نائباً له، ريثما يصبح نايف ملكاً وحينها
ينتقل سلمان الى ولاية العهد، وخالد الى منصب وزير الدفاع
والطيران؟
|
أبناء سلطان: خالد وبندر
وفهد: مستقبل سياسي مضمون!! |
هذا محتمل!
فالمرجح في لعبة الوراثة والصراع على السلطة، أن سلمان
سيكون وليّ عهد نايف، ولا يوجد بديل لذلك، إلاّ أن يصنع
(ملك الموت) بديلاً، فلطالما كان الموت (بوابة للتغيير)
على الأقل للوجوه الكالحة الحاكمة!
الإنفراد بالمجد وتفكّك الدولة
يوماً بعد آخر تضيق دائرة الحكم، وتتسع دائرة التهميش
داخل العائلة المالكة. والحكم وإن وقع بيد أقوى العصب
العائلية (السديرية هنا)، فإنه من جهة أخرى يزيد من إشكالات
السلطة نفسها، ويزيد من عدد الساخطين والطامعين بين الأمراء،
بسبب تقلّص عدد الأسماء والجهات التي تستفيد من النظام
وتغنم من قربها منه، وبالتالي تزداد العداوة، ويزهد المقرّبون
من الحكم برمّته، ويضعف التعلّق به والدفاع عنه إن ألمّت
به المكاره والتحديات، بحيث يؤول به في نهاية الأمر الى
التفتت والسقوط، وفي الحالة السعودية يؤدي الى تفكك الدولة
برمّتها.
هذا ما يسمّيه ابن خلدون بـ (الإنفراد بالمجد) بما
يحمل من تبعات، وهو مؤشّر على أفول الدولة وهرمها قبل
أن تموت. يلخص ابن خلدون رأيه بأن الوصول الى الملك قائم
على قوّة العصبيّة وشوكتها التي تستطيع إزاحة عصبيّات
أضعف وتحلّ محلّها، بعد أن ينالها التلف بفعل الزمن، وبفعل
الترف الذي يرافق المُلك. في السعودية، كان الأمر كذلك،
حيث تغلّبت عصبة آل سعود، على عصبة آل الرشيد القبلية
وكذلك على العصبية الهاشمية في الحجاز، والإدريسية في
الجنوب، وغيرها، فأزاحتها جميعاً واحتلّت مقاعدها، معتمدة
في ذلك على عصبيّة مضافة هي مزيج من المناطقية النجدية،
والدعوة الوهابية النجدية، خاصة هذه الأخيرة التي نجحت
في خلق عصبية مذهبية/ مناطقية جعلت من البدو مقاتلين في
سبيل نجاح العصبة السعودية ـ النجدية ـ الوهابية، وتسنّمها
مقام السلطة.
هذا هو حال الدولة في نشأتها. وكان يمكن أن يختلف الأمر
في نهايتها. فلم يعد هناك متسع للعصبيّات في الدول الحديثة
لكي تتكتّل أو تصنع قوّة موازية للسلطة المركزية وللعصبة
الحاكمة. لكن الذي حدث هو أنه تمّ تكسير هذه العصبيّات
على السطح فقط، دون أن يخلق آل سعود عصبيّة أخرى جامعة
(وطنيّة مثلاً) يمكن للباحث أن يتنبّأ بأن يكون تغيير
العصبة الحاكمة مختلفاً عمّا سبقه. العصبيات لازالت موجودة
مناطقية ومذهبية وقبلية. والسلطة السعودية لم تقتلها،
وإن أنهكتها، ذلك أن الدولة السعودية لاتزال مثلما هو
اليوم الأول في نشأتها قائمة ومستمرة على العصبيات، وتأجيجها
وضرب بعضها بعضاً.
وإذا لم يكن بالإمكان أن تحدث دورة في الحكم، عبر وسائل
ووفق قيم عالمية متعارف عليها مثل الإنتخابات، وغيرها..
فلا بدّ والحالة هذه أن يرتكز النظام على عصبته القديمة،
وهو ما يحدث فعلاً. وكلّما جرى انحراف عن هذه المسيرة
ولو بشكل يسير جداً، عاد النظام مجدداً الى قواعده العصبيّة
مستنجداً بها، كيما تحميه من التغيير، وهو ما حدث جليّاً
في مارس الماضي، حين تمّ تجنيد مشايخ الوهابية والعصبة
النجدية لتفادي التغيير، الأمر الذي أدّى الى مكافأة هذه
العصبيات في نحو عشرين قراراً ملكياً أغلب منافعها ذهبت
الى قوى الأمن ومشايخ الوهابية ومؤسساتهم.
لهذا، وإزاء العصبيات القائمة والمتفجّرة في العقدين
الماضيين، لا يحتمل أن يكون هناك تغييراً طوعياً في جوهر
النظام السياسي القائم على العصبية الغالبة والمستأثرة
بالملك والحكم والمال والدين والإعلام وكل مؤسسات الدولة.
|
الأمير طلال وابناه؛ الوليد،
والسلفي خالد!:
خاسرون في السياسة ورابحون في المال! |
لكن ضمن هذه العصبيات النجدية الموحّدة تجاه الخارج
المناطقي والمذهبي والقبلي في (الحجاز، الشمال، الجنوب،
المنطقة الشرقية الغنية بالنفط)، والتي يجمعها نظرياً
مصارعة الخصم المنافس أو الذي يحتمل المنافسة، بمزيد من
الإستئثار بالسلطة، وبمزيد من القوة والعنف، وبمزيد من
محاولات بائسة لقتل الهويّة الخاصة/ الفرعيّة.. فإن العصبة
النجديّة تميل الى التفكّك منها الى التوحد على ذات القواعد
والأسس العصبوية الغالبة، أو المهمشة، أو المنتفعة جزئياً.
كلّما انكمش النظام على ذاته، واستأثر أكثر بالسلطة، كلّما
تباعدت عنه النخب المناطقية النجدية. بحيث يمكن القول
بأنه داخل العصبة النجدية هناك انشقاق عن الحكم بنسبة
أو بأخرى؛ وداخل الجهاز الديني هناك أيضاً انشقاق، وهناك
آلاف من المعتقلين من (الوهابيين النجديين الأصيلين) الذين
يفترض أنهم وآباءهم وأجدادهم كانوا يوماً ما دعامة النظام
القائم.
شرعية النظام السياسي اليوم في محيطه العصبوي هي أقلّ
مما كانت عليه في السنوات القليلة الماضية، ومؤشر شرعية
النظام الى تناقص مستمر في محيطه الخاص، وهو لا يأمل بشرعية
كبيرة في المحيط الأكثري في المناطق الأخرى، لأنها في
الأساس منبوذة، ولأن الصراع على الغنيمة صار منحصراً في
الدائرة النجدية، بعلمانييها وليبرالييها، ومشايخها، وقاعدتها،
وأمراء وملوك آل سعود فيها.
ويتواصل الإنكماش الى داخل الدائرة الأًصغر، صانعة
القرار، ومالكة الأمر! أي داخل العائلة المالكة نفسها،
حيث ينتهي المُلك في يد بضعة أيدٍ من أبناء الملك عبدالعزيز،
بعد أن تمّ تهميش العديد من أفرع العائلة المالكة، وإبعادهم
عن (الغنيمة).
يرى ابن خلدون: (إن الدولة تقتضي الإنفراد بالمجد،
وما كان المجد مشتركاً بين العصابة، وكان سعيهم له واحداً،
كانت هممهم في التغلب على الغير والذبّ عن الحوزة أسوة
في طموحها وقوة شكائمها، ومرماهم الى العزّ جميعاً، وهم
يستطيعون الموت في بناء مجدهم، ويؤثرون الهلكة على فساده.
فإذا انفرد الواحد منهم بالمجد، قرع عصبيتهم، وكبح من
أعنّتهم، واستأثر بالأموال دونهم، فتكاسلوا عن الغزو،
وفشل ريحهم، ورئموا المذلة والإستعباد. ثم ربى الجيل الثاني
منهم على ذلك، يحسبون ما ينالهم من العطاء أجراً من السلطان
لهم على الحماية والمعونة، لا يجري في عقولهم سواه، وقلّ
أن يستأجر أحد نفسه على الموت، فيصير ذلك وهناً في الدولة،
وخضداً من الشوكة، وتقبل به على مناحي الضعف والهرم لفساد
العصبية بذهاب البأس من أهلها).
ثم يضيف ابن خلدون: (اعلم ان صاحب الدولة إنما يتم
أمره بقومه، فهم عصابته وظهراؤه على شأنه، وبهم يقارع
الخوارج على دولته، ومنهم من يقلد أعمال مملكته، ووزارة
دولته، وجباية أمواله، لأنهم أعوانه على الغلب، وشركاؤه
في الأمر، ومساهموه في سائر مهماته. هذا ما دام الطور
لأول للدولة، فإذا جاء الطور الثاني... وظهر الإستبداد
عنهم والإنفراد بالمجد، ودافعهم عنه بالراح، صاروا في
حقيقة الأمر من بعض أعدائه، واحتاج في مدافعتهم عن الأمر
وصدّهم عن المشاركة الى أولياء آخرين من غير جلدتهم، يستظهر
به عليهم، ويتولاهم دونهم.. وذلك مؤذن باهتضام الدولة،
وعلى المرض المزمن فيها، لفساد العصبية التي كان بناء
الغلب عليها، ومرض قلوب أهل الدولة حينئذ من الإمتهان
وعداوة السلطان، فيضغطون عليه، ويتربصون به الدوائر، ويعود
وبال ذلك على الدولة، ولا يطمع في برئها من هذه الداء،
لأن ما مضى يتأكد في الأعقاب الى أن يذهب رسمها)(انظر
مقدمة ابن خلدون، ص 541-542).
شارك أربعة أفرع من العائلة المالكة في الإستيلاء على
الرياض عام 1902 ما أنتج حكماً لعبدالعزيز. كان عدد الإنقلابيين
على حكم آل الرشيد في الرياض 67 شخصاً، منهم عشرة اشخاص
فقط من ال سعود. اربعة من فرع آل فرحان؛ وأربعة آخرون
من آل جلوي؛ وواحد من آل مشاري؛ إضافة الى الملك عبدالعزيز
وأخيه محمد. بيد أن هناك فروعاً أخرى، كفرع الثنيان، الذين
تولّى منهم الحكم في الدولة السعودية الثانية (عبدالله
الثنيان بين عامي 1257-1258هـ) وذلك بعد الحملة المصرية
وتدمير الدولة السعودية الأولى، ثم قتل هذا الحاكم، وعاد
الحكم الى الفرع الأساس (أبناء محمد بن سعود الذي أجرى
اتفاقاً مع محمد بن عبدالوهاب صاحب الدعوة). أما آل مشاري،
فمع أن بعضهم شاركوا في بعض مسؤوليات الدولة السعودية
الحالية، في مناصب صغيرة وقليلة، فإنهم اليوم لا يشار
اليهم بأنهم حتى كأعضاء في العائلة المالكة. لقد انتهى
هذا الفرع من المنافسة تماماً مثله مثل فرع آل الثنيان،
وأيضاً مثله مثل فرع الفرحان، الذي هو أبعد فروع آل سعود.
|
محمد بن نايف وأخوه سعود:
السيطرة على مفاصل الدولة |
باحتلال الرياض صار الحكم في فرع من أفرع العائلة المالكة،
هو فرع عبدالرحمن بن فيصل (والد عبدالعزيز)، وقد نافسه
فرع العرايف المعروفين أبناء عم عبدالعزيز من أبيهم (سعود
بن فيصل). وكان هناك فرع بقي مساهماً في الحكم الى اليوم
وهو فرع (جلوي بن فيصل)، ومن هذا الفرع اشتهر عبدالله
بن جلوي، وابنه سعود، في حكم المنطقة الشرقية، ولاتزال
هناك بقيّة اسمية لهذا الفرع (ينتمي أمير الأحساء الحالي
الى هذا الفرع). وهذا الفرع يزعم بأنه الأكثر مساهمة في
احتلال الرياض، وفي تطويع القصيم ثم الأحساء، وأنه كوفئ
بالتهميش، الى حد أن واحدة من حفيدات عبدالله بن جلوي
كتبت كتاباً عنه، قبل نحو 15 عاماً ومنع من التوزيع، لأن
رفع شأن آل جلوي، بما يعني تأسيس حقّ لهم في كعكة السلطة،
وليس تفضلاً من عبدالعزيز وأبنائه الحاكمين.
لكن عبدالعزيز، الذي أصبح ملكاً، أراد أن يكون الحكم
في ذرّيته، فتنازل له والده عن مسمّى الإمامة، وبقي لعبدالعزيز
ثلاثة أخوة (محمد وعبدالله ومساعد) يعتقدون أنهم شركاء
في الحكم، ولكن تم إبعادهم شيئاً فشيئاً، الى أن وصلت
النهاية مع مساعد بن عبدالرحمن وزير المالية حتى 1975،
وكان معروفاً أن الملك فهد يكنّ له الكره الشديد.
تخلّص عبدالعزيز من منافسيه من أبناء أبناء عمّه المعروفين
بالعرايف (ابناء عبدالعزيز بن سعود بن فيصل)، وأشرك إخوته
في الحكم الى حين، وهيّأ ابناءه للإستحواذ على السلطة
كاملة، بإعلان سعود ولياً للعهد، ثم جاء فيصل بعد طرد
سعود ونفيه الى ان مات في اليونان عام 1968، ثم جاء خالد،
ففهد، فعبدالله.
ونظراً لاتساع ذريّة الملك عبدالعزيز، حيث عشرات الأبناء
والبنات. كان من البديهي أن تتشكل عصب من نوع ما اعتماداً
على القرابة من جهة الأم. وكان السديريون أكبر عصبة، حيث
لم تنجب أية زوجة من زوجات عبدالعزيز هذا العدد. فسعود
لم يكن له أخ شقيق حين تولى الحكم، وكذلك فيصل، وخالد
كان له شقيق واحد هو محمد ابو الشرين، وأما فهد فكان واحداً
من سبعة أشقاء، وعبدالله ليس له أخٌ شقيق، وهكذا. بل أن
أبناء عبدالعزيز كانوا منقسمين على أساس (ابن الجارية
وابن السيدة!!) فأكثر الأبناء ولدوا من الجواري، في حين
أن الجناح السديري ينتمي من جهة الأم الى إحدى القبائل
المعروفة.
ونظراً أيضاً لعدد أفراد الأسرة الحاكمة من ذريّة عبدالعزيز
وغيره، فإن مشاكل عديدة ولّدها تكاثرها وازدياد عددها،
الى أن تحدد مؤخراً أن يكون الحكم في ذرية عبدالعزيز في
قانون 1992، وصار يفرّق بين (صاحب السمو الملكي) الأمر
الذي يشير الى سلالة عبدالعزيز المؤسس، وبين (الأمير..)
الذي يشير الى أنه من غير فرع عبدالعزيز؛ وهناك آخرون
كثيرون اسقطوا من حساب أن يكونوا من العائلة المالكة أصلاً،
فلا يلقبون بأمير ولا غيره كما ذكرنا.
المشاكل التي جلبها آلاف من الأمراء، ناتج من كثرة
العدد، حيث يصعب على كبار العائلة إرضاء أفرادها فرداً
فرداً بالمناصب والمال. والمناصب على كثرتها لا تتسع لهم،
وإن وسعت فإنه لا قدرة لهم على إعطائها حقها لقلة كفاءتهم،
وإن كانوا قادرين بالفعل وولوا جميع المناصب صغيرها وكبيرها،
فإن ذلك يؤدي الى اتساع الخلاف بين الأمراء، فكلّ منهم
يطمع الى منصب أعلى، حيث المنافسة الشديدة التي نرى بعضاً
من آثارها طافحاً في الإعلام الرسمي حتى. المناصب لا تكفي
العائلة المالكة ولو استحوذوا عليها كلّها من ألفها الى
يائها، ومثل ذلك يقال عن المال، فرغم نهب معظم إمكانيات
الدولة، إلا أن التنافس والعداوة قائمة بين الأمراء: فلماذا
فلان يأخذ أكثر من علان؟ ولماذا أُعطيت الأراضي بمساحة
كبيرة الى الأمير الفلاني، في حين أن الآخرين لم يحصلوا
إلا على مساحات صغيرة؟ وهكذا!!
زد على هذا، فإن القبائل الكبيرة كما العوائل الممتدة
الكبيرة لا بدّ أن تتفكك الى حمولات وعشائر، ولكل حمولة
رأس وافراد ومطامح وتحالفات ومؤامرات حتى! تضخم العدد
يضعف العصبيّة العائلية ويزيد النزاعات ويقسّم الجماعة
الى جماعات.
والمسألة التي لها أهمية في هذا الصدد أيضاً، هي أن
زيادة أفراد الأسرة تقود الى عدم القدرة على ضبط تصرفات
أفرادها، وهي المهمة التي يفترض أن يضطلع بها كبير العائلة.
واليوم، فإن الأمير سلمان هو الذي يتولّى هذا الملف، حيث
لديه معرفة بتفاصيل العائلة وأفرادها، وله القرار في رواتب
أفرادها وشرهاتهم، ومخصصاتهم، وفضّ المنازعات بينهم، وحسم
الخلافات الزوجية وما أشبه. وقد اتاح له هذا المنصب فرصة
لا تعوّض لإعداد ملف عن كل واحدٍ منهم، ذكراً أو أنثى،
كما لدى أية جهاز استخباري، بحيث يستطيع أن يشهر ما فيه
من معلومات ضدّ الشخص إن لم يلتزم بالأوامر، أو إن تطلّع
لأبعد مما ينبغي في طموحاته!!
بيد أن الذي يتحمّل التجاوز هو الشعب نفسه بكامل فئاته؛
إذ لنا أن نتخيّل تجاوزات وتعديات عشرين ألف أمير وأميرة
على جيرانهم وعلى أموال الدولة وعلى التجار وعلى كلّ من
يحتكّ أو يتعاطى معهم في المؤسسات الخاصة كالبنوك وغيرها.
لقد سوّد آل سعود سمعة أنفسهم بكثرة التجاوزات على المستوى
الشخصي وعلى المستوى العام، بلا رادع قوي، حتى وصل بهم
الأمر الى قتل الناس، فضلاً عن قتل الضعفاء من العمال
الأجانب ومن الخادمات، دون أن تقوم السلطة باعتقالهم أو
محاكمتهم!!
كانت هناك ما يشبه العصب داخل العائلة المالكة، تحلل
أكثرها بموت رؤوسها الملوك والأمراء، وما تبقى يكاد يتلاشى
ـ أو تلاشى فعلاً ـ عدا العصبة السديرية الحاكمة، والباقي
مجرد أدوات صغيرة في المنافسة، لا قيمة كبيرة لها. في
وقت ما كان هناك جناح الملك سعود مقابل أخيه فيصل؛ ثم
ظهر جناح فيصل المتحالف مع السديريين؛ ثم بعد موته ظهر
جناح السديريين المتحالف مع خالد؛ ثم جناح الملك عبدالله
(اكتشف الجميع أنه ليس جناحاً أصلاً، وإذا كان جناحاً
فهو جناح مهيض لا أمل في علاجه!). وفي فترة من الفترات
كان أبناء الزوجة من عبدالعزيز يشكلون ما يشبه التحالف،
وهذا أيضاً انهار، لأن هذه الأجنحة عددها قليل، وقد انتهت
بموت واحد أو أكثر من الأشقاء. وظهر أن أبناء الملك فيصل
يشكلون عصبة واحدة: عبدالله الفيصل وزير الداخلية الأسبق؛
وسعود الفيصل وزير الخارجية الحالي؛ ومحمد الفيصل وكيل
وزارة الزراعة والمياه السابق، وتركي الفيصل رئيس الإستخبارات
الأسبق؛ وخالد الفيصل أمير مكة الحالي. لم يبق إلا وجهان
من أبناء هذه العائلة لهما مكانة رسمية: سعود وزير الخارجية،
وخالد الفيصل أمير مكة، أما تركي الفيصل الذي لا منصب
له حالياً، فيحتمل أن يحتلّ منصب أخيه سعود. وابناء فيصل
لا يختلفون كثيراً ـ رغم ما يقال عن تعليمهم وثقافتهم!!
ـ عن بقية أبناء الملوك الآخرين، فلم يظهر أن هناك عصبة
من ابناء الملك سعود، رغم أن لسعود حينما مات ما يزيد
عن الستين ابناً وأكثر من ذلك من البنات! وأبناء الملك
خالد مهمشين وربما مختلفين وبالقطع فهم رقم غير مؤثر في
السلطة؛ أما ابناء فهد، فلم تهدأ الخلافات بين الأبناء
بعد، وقد أبعد عبدالعزيز بن فهد مؤخراً عن منصبه، ومثله
من قبل سعود بن فهد نائب رئيس الإستخبارات، والأمير الفجّ
رئيس رعاية الشباب السابق، سلطان بن فهد الذي أطيح به
العام الماضي. هناك اليوم رئيس رعاية الشباب الجديد نواف
بن فيصل بن فهد؛ ومحمد بن فهد أمير الشرقية.
التحول نحو (السديرية) أمرٌ متوقع؛ فهذه العصبة تمسك
بالسلطة منذ زمن بعيد؛ وهي من جهة ثانية أكثر العصب نشاطاً
وتكتلاً؛ وهي مع هذا لا تزال أكبر العصب قوّة من حيث العدد.
في نهاية المطاف، فإن (السديرية) تعني تحديداً أكبر
للسلطة بين (أصحاب السمو الملكي) وتعني اكثر استفراداً
بالقرار، أو (انفراداً بالمجد). ولذا يتوقع زيادة عدد
المتخاصمين والساخطين والحالمين بين الأمراء.
العائلة المالكة تعيش عصر العصبيات. كانت كذلك ولم
تزل.
العصبيّة تدير الدولة، سواء كانت عصبية مناطقية أم
مذهبية أم عائلية.
ومثل هذه العصبيات التي يفترض أن قيام الدولة قد أضعفها،
لا تتيح تغييراً سياسياً تدريجياً ولا إصلاحاً لا يموت
فيه الذئب جوعاً ولا تهلك الشياه!
لا بدّ أن تقوم عصبية جديدة، ثورة تطيح بهذه العصبة
العصابة.
هذا مآلها، لأن العصبيات تتفكك، وستأتيها أمواج من
العصبيّات غير المتحدة، لتخلخل حكم العائلة المالكة الى
أن تقع في نهاية الأمر.
والله غالب أمره.
|