الملك ورجال الدين:
إجماع على مناوأة الإصلاح
سعدالدين منصوري
سؤال (من يقف ضد الإصلاح في السعودية؟) بدا الآن خارج
الزمن، لأن من هم ضد الإصلاح ينتمون الى المؤسستين السياسية
والدينية على السواء، وليس هناك من يمكن تصنيفه في خانة
المؤيّد للإصلاح وآخر مناوىء له في أي من المؤسستين. قبلنا
سابقاً إثارة السؤال من باب الفضول، في مسعى لأن نرى بالفعل
تمايزاً داخل هاتين المؤسستين، ولكن بعد أن بات كل شيء
واضحاً، يصبح السؤال متّجهاً إلى مقصد آخر.
حين يطرح التشابك بين رجال في مؤسسة الحكم ورجال في
المؤسسة الدينية تفسّر تلقائياً على أنها تشابك في حلبة
الإصلاح، والأمر ليس على هذا النحو دائماً، وهذا ما تحاول
دائماً أن تقرأه الصحافة الغربية.
في يوم الجمعة، وعند الساعة الواحدة ظهراً يؤمّ الشيخ
سعد بن ناصر الشثري الصلاة في مسجد صغير في حي راق في
الرياض، عاصمة السعودية. يملأ المؤمنون طابقي المسجد،
ويستمعون الى خطبة العالم حول المعنى الحقيقي للتحية التقليدية
(السلام عليكم). يقول الشثري إنها تعني أن تحب جارك.
إنها رسالة معتدلة من رجل حتى في السعودية المحافظة
بشدة، وبلد الأكثر صرامة في العالم،. قبل 18 شهراً فقط،
أقيل الشثري، 45 عاماً، من هيئة كبار العلماء من قبل الملك
عبد الله، الذي يحكم المملكة منذ أغسطس العام 2005.
كان جرمه إنتقاد قرار الملك بالسماح للباحثين من الذكور
والإناث بالعمل معاً في جامعة الملك عبد الله للعلوم على
ساحل البحر الأحمر، كلّف بناؤها مليارات الدولارات. وكان
الملك قد أطلق على الجامعة (منارة للتسامح). ردّ الشثري
بالقول بأن (الإختلاط بين الجنسين هو إثم كبير وشرّ عظيم..
وعندما يختلط الرجال بالنساء، فإن قلوبهم تحترق وسوف ينصرفون
عن الهدف الأساسي من التعليم).
لايزال الشثري غير نادم. وفي مقابلة مع صحيفة (الغارديان)
البريطانية وهي المقابلة الأولى له مع صحيفة غربية، يقول
(إن من واجب علماء الدين تقديم المشورة للحكام)، وأيضاً:
(لجعل الحكام يتقوا الله اذا أخطأوا المسار الصحيح، وتذكيرهم
عقاب الله، اذا استمروا في الخطأ).
في انتقاد ضمني للعائلة المالكة فاحشة الثراء، قال
الشثري أن القرآن يعلمنا أن المال لا ينبغي أن يكون موضع
إعجاب، ولا ينبغي أن يحسد الأغنياء. فكلما ازددت، أنت،
فقراً كلما كان حسابك في الحياة الدنيا والآخرة أقل.
مثل هذه التوترات بين أحفاد بن عبد العزيز آل سعود،
الزعيم القبلي الذي وحّد الدول المتحاربة في شبه الجزيرة
العربية لتشكيل السعودية في عام 1932، ورجال الدين في
البلاد ليست جديدة. بعد استخدام المقاتلين الوهابيين المتعصبين
دينياً، لغزو مملكته الجديدة، سحق إبن سعود التمرّد في
وقت لاحق، وعقد صفقة مع علماء الدين المحافظين في البلاد
والذي تسبب في معاناة استمرت حتى اليوم. وقد سمح للمؤسسة
الدينية استقلالية واسعة، والسيطرة على وزارات رئيسية
وحصة من الثروة في المملكة. في المقابل، في أزمة بعد أزمة،
فإنه قد حان لمساعدة العائلة بدعم سلطتها بالفتوى .
ولذلك، في عام 1991، أعلن رجال الدين بأن القوات الأميركية
يمكن أن تقيم في المملكة. بعد هجمات 9/11، حيث كان 15
من 19 من الخاطفين من السعوديين، تنصل علماء الدين من
تطرّف تنظيم القاعدة، وقبلوا على مضض بعض التغييرات على
الكتب المدرسية التي تشجع على التعصب، وتعاونوا في مجال
الحد من تدفق الأموال من السعودية الى المنظمات الراديكالية.
|
سعد الشثري: أقاله الملك
بسبب نقده |
هذا العام، ووحيث أن التظاهرات أطاحت بقادة تونس ومصر
وهدّدت الكثير من قادة الدول العربية، فإنهم، أي علماء
الدين، أبلغوا المؤمنين بأن الاحتجاجات ضد حكامهم غير
إسلامية.
(العلاقات بين الأسرة المالكة ورجال الدين جيدة جداً)،
كما يقول تركي السديري، رئيس تحرير صحيفة الرياض الموالية
للحكومة. ولكن هذا الدعم هو في كثير من الأحيان على مضض.
الشثري يمقت تحرّكات الملك الحالي نحو نحو الإصلاح التدريجي.
الجزء الأكثر محافظة في السعودية هي منطقة القصيم،
وتقع نحو 250 ميلاً باتجاه الغرب عبر هضبة صحراوية من
العاصمة. وقد شهدت المدن هنا تحديات متكررة لسلطة آل سعود.
كانت هناك أعمال شغب عندما تم إقرار تعليم المرأة الستينيات
من القرن الماضي وفي التسعينيات كانت المنطقة قاعدة حركة
الصحوة للعلماء الراديكاليين الذي ألهموا وأثروا على بن
لادن.
وهنا ينظر إلى كل من آل سعود وعلماء المؤسسة الدينية
المقرّبة من الملك بقدر من الشك غير المعلن. من القصيم،
الرياض تبدو مثل باريس، والمدينة ـ الميناء ـ المتسامحة
نسبياً، وهي جدة تبدو مثل بانكوك، كما يقول أحد الإصلاحيين
السعوديين.
ولكن هناك تنوع حتى في القصيم المحافظة أيضاً.
إبراهيم الدويش يدير معهد العلوم الاجتماعية في بلدة
صغيرة من الرس. عالم الدين البالغ من العمر 41 عاماً،
يستخدم جهاز آيفون، ويقول أنه كان يستمتع بوقته في المملكة
المتحدة العام الماضي، حيث كان معجباً بالمرور المنظّم
والجامعات المتعدّدة ـ ولكن ليس السكر في الأماكن العامة
في عطلات نهاية الإسبوع.
فبعد أن كانت فيما مضى توصف بأنها رجعية، فيما ينظر
إليها الآن محلياً باعتبارها معتدلة نسبياً، يقول الدويش:
ليس هناك شيء خاطىء في قيادة المرأة من الناحية النظرية
لكنه يعارضها من الناحية العملية لأن جلب النساء الى الطريق
سيتسبب في وقوع حوادث مرورية عديدة. على قدم المساواة،
رحّب الدويش بتكنولوجيا الاتصالات الجديدة المتغيّرة التي
جلبت الى المملكة، كما يعني الانترنت بأنهه يستطيع توظيف
النساء في معهده. وهن قادرات على العمل من المنزل وبذلك
يتجنبن الاتصالا بالرجال الذين هم ليسوا أزواجاً لهن أو
ليسوا من أفراد أسرهم المباشرة، حسب قوله.
واضاف: (اذا كنت تسأل النساء في جميع أنحاء العالم
إذا كنَّ يفضلن بيئة مختلطة أو أن يكنَّ بعيداً عن الرجال،
فإنهن سيخترن الأخير). وقال الدويش، الذي كان من أوائل
المراكز التي نشرت تقريراً عن العنف المنزلي في المملكة،
كما أخبر بذلك صحيفة الغارديان.
كما في أماكن أخرى من السعودية، فقد تغيّرت الرس كثيراً
منذ كان الدويش طفلاً. وقد شهدت العقود الأربعة الأخيرة
نزوحاً سكانياً هائلاً من الريف إلى المدن الصغيرة وداخل
المدن، وكذلك قفزة في الراحة المادية وهدم كل مبنى تقريباً
يعود الى ما قبل تاريخ الثروة النفطية الهائلة في السبعينيات.
منذ أربعين عاماً، لم يكن معظم النساء وكثير من الرجال
لديهم القدرة على القراءة.
ولكن هناك أوقات الحنين إلى الماضي. الرس كانت (بلدة
هادئة حيث يعرف الجميع بعضهم البعض)، كما يتذكّر الدويش.
(لقد كانت نقيّة وهادئة جداً).
العدد المتزايد من المشاريع التراثية في المملكة يشير
الى مثل هذه المشاعر على نطاق واسع. بلدة الرس افتتحت
مؤخراً متحفاً (تقليدياً) في زاوية من مركز للتسوق حيث
الجندي سابقاً يرتدي اللباس التقليدي، ويعدّ القهوة على
الطراز القديم للزوار الذي يجلسون على السجّاد. هناك أكثر
من 80 زائراً يأتي كل يوم، وأغلبهم من الشباب الذين لديهم
فضول التعرّف على تراثهم.
وقال الدويش، رجل الدين، أن المتحف هو مبادرة جيدة،
لأنه (عندما تختفي التقاليد بين عشية وضحاها، فإن تتفاعل
بشكل سيء).
واحدة من ردود الفعل تلك في العقود الأخيرة هو التطرّف
العنيف. فقد تعرّض المملكة السعودية الى سلسلة من هجمات
مستوحاة من القاعدة بين 2003 ـ 2004، ما عجّل بتطوير واسع
النطاق لأجهزة الأمن واعتقال مئات الأشخاص. وكان البعض
الآخر من المسؤولين والمحاربين القدامى في معسكرات تدريب
المتشدّدين في أفغانستان، فيما كان آخرون مجرد مجنّدين
جدد. السنوات الأخيرة كانت هادئة على أية حال.
|
ابراهيم الدويش: مع قيادة
المرأة للسيارة! |
يقول عبد الله الهدلق إخصائي علم الجريمة في وزارة
الداخلية، والذي يعمل على الإسلام الراديكالي في السعودية
(أن المشكلة إختفت الآن تقريباً). وأن (القاعدة تموت هنا.
وأن الوعي العام أعلى بكثير، والأمن أصبح صارماً).
وقد تم القبض على أكثر من 10000 شخص بتهم تتعلق بالإرهاب،
وأحيانا بناء على أدلة واهية، كما يقول مدافعون عن حقوق
الإنسان. وقد فرّ العديد من كبار المتطرفين في اليمن.
وقد بدأت محاكمة المسلّحين المزعومين والمتهمين بهجوم
عام 2003 على مجمع سكني يقطنه بصورة كاملة تقريباً الوافدون.
ومن المتوقع صدور عشرات أحكام الإعدام.
يتم التعامل مع المخالفين الأقل خطورة بتساهل أكبر.
الهدلق يدير فريقاً من علماء النفس والمستشارين ورجال
الدين الذين يعملون لإعادة تأهيل المقاتلين السابقين في
مركز في ضواحي الرياض. منذ إفتتاحه في العام 2007، ومئات
من السجناء الذين أفرج عنهم في الآونة الأخيرة، أدينوا
بتنفيذ عمليات مسلحة (قد تخرّجوا).
معدلات العودة إلى الإجرام، حسب الهدلق، كانت حوالي
10٪ بالنسبة لأولئك المتورطين في أنشطة الدعم، أو الذين
سافروا الى العراق لمحاربة القوات الاميركية هناك، ولكن
اقترب 25٪ من 123 مواطناً سعودياً من الذين اعتقلوا في
معتقل غوانتنامو.
العديد من (المحاربين القدامى في غوانتانامو) من هؤلاء
على رأس قائمة المطلوبين في وزارة الداخلية، وفقاً لمنصور
التركي، المتحدّث بإسم وزارة الداخلية.. الآن هناك العديد
من زعماء مجموعة (تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية)
يقيمون في اليمن.
يوسف الرابش، 32 عاماً، هو أحد المقاتلين المخضرمين
في غوانتامو والذي جرى تأهيله بنجاح؛ اعتقل مثل كثيرين
على يد القوات الأميركية في أفغانستان في أواخر عام 2001.
وأمضى سبع سنوات في عهدة الولايات المتحدة قبل أن يتم
الإفراج عنه دون توجيه تهمة. يزعم الرابش أنه كان في أفغانستان
للبحث عن أخيه، وهو مقاتل من طالبان. وقالت السلطات العسكرية
الأميركية أنه مقاتل مدرّب.
في المعتقل في أفغانستان ثم في كوبا، يقول رابش (ضربني
الأميركيون، جرّوني، وقيّدوني بالسلاسل مثل الكلب). كانوا
يتعاملوا معنا أسوأ من الحيوانات، إلا أن برنامج إعادة
التأهيل أزال هذه التجربة السوداء بعيداً).
وعند اطلاق سراحه، أوجدت الحكومة له وظيفة مدير شركة
سيارات الأجرة، وزوجة في مسقط رأسه في بريدة في منطقة
القصيم، وقدّمت له عشرات الآلاف من الدولارات لتغطية نفقات
حفل زفافه. إنه الآن (يفهم الإسلام بشكل أفضل). وقال (هناك
أسباب مشروعة للجهاد في ديننا لكني تعلّمت أنه لا يوجد
شخص عادي يمكن القول أن هناك ما يبرر الجهاد، وهذا لا
يمكن إلا أن يكون رجال الدين الإسلامي الذين يتخذون هذا
القرار وفقا لشروط معينة)، حسب قوله.
قال الأمير نايف، أحد أكثر الأمراء محافظة ووزير الداخلية،
لجمهور محلي أن الإرهاب (قد أساء لكثيرين، وشوّه صورة
الاسلام، والعرب خاصة السعودية).
نايف هو رئيس الشرطة الدينية، وإن كانوا أقل وحشية
واقتحامية من ذي قبل. ومن المعروف أن الطهرانية المتزّمتة
في السعودية هي معروفة بكونها تتعارض مع أي اصلاحات اجتماعية
كبيرة في البلاد.
التآكل العميق للمحافظة في السعودية هو حقيقة واقعة
ولكنها ليست عملية واحدة ولا خطية. فمن غير المرجح للغاية
حتى العناصر الأكثر اعتدالا داخل العائلة المالكة سوف
تسعى إلى تسريع وتيرة الإصلاح والمخاطرة في استعداء المؤسسة
الدينية. وفي حال ورث نايف ـ وهو يبلغ حالياً 76 عاماً
والثاني في ترتيب ولاية العرش، وهو يصغر الملك بإحدى عشر
عاماً ـ معظم المحللين يتوقعون أجواء رجعية جديدة.
كثير من السعوديين سيكونون سعداء!
يقول عبد الله العتيبه، 32 عاماً، مخاطباً زائره الغربي
(لديكم الديمقراطية، ولدينا ديننا)، وهو تاجر إبل يستمع
الى أخبار انتفاضات ربيع العرب على الراديو في خيمة في
مناطق نائية تقع على هامش الرياض. ويضيف: (لقد فقدتم تقاليدكم،
ونحن لم نفقدها، ومن الأفضل أن تبقى الأمور على هذا النحو).
|