|
العريفي: طائش ووقح، وداعية
عنف! |
الملك يغطّي سفه القول..
أدب العريفي!
عبدالحميد قدس
ليس الشيخ الطائش محمد العريفي من تجرأ بوقاحة على
استعمال لغة تخوينية ضد الصحافيين المحليين، بل المسؤول
عن ذلك كله هو بيان 17 آذار (مارس) الماضي الصادر عن الملك
(بتوجيه من وزير الداخلية نايف)، والذي حصّن فيه المؤسسة
الدينية الرسمية إزاء النقد، وأعاد المجتمع بكل أطيافه
ومؤسساته قرنين إلى الوراء، حين أرسى لغة تهويلية ضد كل
من يوجّه نقداً لعلماء الدين، الأمر الذي أشعر كل المشايخ
بأنهم باتوا أقوياء بالدولة بما يمنحهم قدرة على الهجوم
المضاد، والإنتقام من أولئك الذين نالوا من تصرفاتهم وأفكارهم
الرجعية.
في هذا البلد، يمتلك رجل الدين حصانة إزاء تبعات النيل
من الآخر، فهو يشتم، ويكفّر، ويتوعّد، ويسخر، ويشهّر بخلق
الله من خصومه دونما رادع. ولأن من أمن العقوبة أساء الأدب،
فقد تمادى مثل الشيخ محمد العريفي في قلّة أدبه، وتعريضه
بأشخاص وجماعات وأحياناً أمم لمجرد أنهم يختلفون معه،
أو ينتمون إلى ملل ونحل أخرى.
لم نسمع في يوم ما أن العريفي الذي يستمد جزءً كبيراً
من شهرته من خلال سلوك فظ وغليظ إزاء من يختلف معهم، ومن
لغة مدقعة يربأ كل إنسان نبيل وشريف عن إستعمالها، إن
حوكم أو حتى نُقِد بسبب تصريح له خاطىء. فإلى جانب الأساطير
التي يلقيها على مسامع جمهوره كل يوم، وعن الخوارق التي
تعارض الذوق العام والعقل الحر، يجيز لنفسه الهجوم على
كل من يختلف معهم ودون قيود في الأدب أو اللغة.
لا تكاد قضية الهجوم الوقح الذي شنّه العريفي على السيستاني
في العراق، والذي وصفه بـ (الفاجر) تهدأ، وعلى أكبر علماء
الزيدية متهماً اياه بأنه يدعي بأنه المهدي، وقوّله ما
لم يقل كذباً.. حتى خاض في موضوع لا يقل وقاحة وقبحاً،
إلى جانب الإثارة الاعلامية المضحكة حول إعلانه عن زيارة
القدس وتصوير برنامج مباشر على الهواء من هناك. فقد وصف
العريفي الصحافيين في مقابلة مع صحيفة (سبق) الالكترونية
في 4 تموز (يوليو) الجاري بأنهم خونة (وأن بعضهم لا يساوي
“بصاق” مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ). وقد
أثار العريفي بهذا التصريح المقزّز إنتقادات واسعة في
الوسط الإعلامي ومن قبل عدد محدود من مشايخ المؤسسة الدينية
المعروّفين بمواقفهم المعتدلة فيما التزم المفتي وأعضاء
هيئة كبار العلماء وغيرهم من المشايخ الصمت. فقد نسبت
صحيفة (عكاظ ) لعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع
القول (أن من يصف الناس بالبصاق شخص متدني التصرف) مستغرباً
إقحام العريفي لمفتي المملكة في خلافاته ومهاتراته الشخصية،
ودعا الشيخ المنيع، العريفي للإعتذار وعدم التمادي في
الكلام الذي لا خير فيه على حد وتعبيره. من جهته قال المستشار
في الديوان الملكي الشيخ عبدالمحسن العبيكان أن العريفي
بكلامه هذا وضع نفسه موضع المساءلة والمحاسبة والمحاكمة
واصفاً إياه بالعاجز. ووصف العبيكان العريفي بأنه من (الذين
لم يتأدبوا بآداب الإسلام ولا بالآداب التي توراثها العرب)،
وأن هذا الإسلوب (دليل على قلة البضاعة العلمية).
وبالرغم من ردود الفعل الغاضبة والمتوعّدة بمحاكمة
العريفي، أصرّ الأخير على إتهامه بعض الصحفيين بـ (الخونة)
وعلى قوله إن (بعضهم) لا يساوي (بصاق) المفتي على قاعدة
(إذا كان هؤلاء يتكلّمون في حق كبار العلماء فماذا أقول
فيهم؟)، ونفى أن يكون أستدعي من قبل وزارة الشؤون الإسلامية،
بل إنه كلّف ثلاثة محامين لمتابعة من أساء إليه قضائياً
وأنهم فعلاً بدؤوا عملهم.
لم يخطىء العريفي الهدف ولا المبرر ولا الغطاء حين
شنّ هجومه على الصحافيين ووصفهم بالخونة فهو يستند إلى
قرارات صادرة من الملك مباشرة. يقول العريفي (أما ما يتعلق
بخطبتي عن الصحافة والصحفيين فالقرارات الملكية التي أصدرها
خادم الحرمين الشريفين كانت مدروسة بعناية، وعلى واقعٍ
نَظَرَ إليه خادم الحرمين، ونظر إليه الإخوة من مستشارين
وغيرهم، ولم تصدر هذه القرارات جزافاً؛ فعندما يُصدر الملك
قراراً بمنع الكلام عن أهل العلم في الصحافة ألا يدل ذلك
على أمر واقع رآه خادم الحرمين فصدر القرار بناء على ذلك؟)
فالعريفي قبل أن يبدأ حملته على الصحافيين، بدأ بتوفير
الأرضية والغطاء بقول (في الخطبة أنا أثنيت على القرارات
الملكية، ثم تكلمت عن الصحفيين الذين يتكلمون في أهل العلم..
هؤلاء هم مَنْ قصدتهم، فقلت هؤلاء “خونة”؛ فمن يتآمر على
الدين ويُسقط الدعاة والمشايخ من أعين الناس هو بلا شك
متآمر..).
فالرجل إذن يتسلّح بقرارات الملك، وهو من أضفى مشروعية
على هجومه على الصحافيين، ولذلك لم يتردد أو يخشى العقوبة،
بل كرّر قوله أكثر من مرة، وقابل الهجوم عليه بهجوم مضاد،
وقرر أن يقاضي من ينوي مقاضاته وتقديمه للمحاكمة..فهل
يسأل أحد عن بشاعة القرارات الملكية التي أجازت لمثل العريفي
النيل من كرامة الآخرين دون أن يشعر ولو للحظة واحدة بأنه
قد يتعرض للمسائلة والعقوبة.
مبررات هجوم العريفي على الصحافيين تبدو هي الأخرى
مثيرة للدهشة، وتكشف كم هي رجعية العقلية الدعوية التي
توجّه الجمهور النجدي. يبرر العريفي قسوته على بعض الصحافيين
ورؤساء التحرير في الداخل لأن (موقفهم كان متخاذلاً في
موضوعات المظاهرات). وكما يبدو، فإن الرجل بنى قسوته على
رصد قام به صحافي هاوي في موقع هامشي على الانترنت لمقالات
نشرت في صحيفتي (عكاظ) و(الرياض)، وذكر بأن الأولى نشرت
297 مقالاً منها 5 مقالات فقط تتناول موضوع المظاهرات
ويعتبر ذلك (عيباً)، وأن جريدة (الرياض) نشرت 270 مقالاً،
ليس فيها حديث عن المظاهرات سوى 5 مرات وهذاعلى حد قوله
(عيب أيضاً). وتحدى (هؤلاء الصحفيين بأن يأتوا برد على
هذه الإحصائيات، إنْ كان لديهم رد). وبصرف النظر عن الأساس
العلمي لمثل هذا التحدي، فإن الرجل اعتبر الموقف من المظاهرات
معياراً وحيداً في تقييم الصحافي إن كان يستحق البراءة
أو يستحق (البصق)
ما يثير الدهشة، أن موضوعة المظاهرات تصبح جريمة في
ظل الثورات الشعبية في العالم العربي، بل ويريد مقاضاة
من سكت عن نقدها وتقريع من دعا إليها، وهذا طراز من رجال
الدين الوقحين في تماهيهم مع المستبدّين. تصوّروا أن العريفي
يعتبر الصحافيين خونة لأنهم لم ينتقدوا المظاهرات بما
يكفي..فهل يحرّمها في سورية الآن، ومنهم، ونخصّ بالذكر
الشيخ صالح اللحيدان الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى
من أجاز قتل الثلث من أجل أن يسعد الثلثان.
ردود الفعل على كلام العريفي جاءت غاضبة واعتبرت حديثه
(لا يليق بداعية، وفيه احتقار للإعلاميين بشكل واضح)،
فيما طالب عدد من الاعلاميين المفتي بالتدخّل (لإيقاف
مثل هذه التصريحات والألفاظ، التي تسيء للإسلام وتزيد
من فرقة المجتمع). وقال الاعلامي ورئيس تحرير جريدة (الوطن)
السعودية السابق جمال خاشقجي، إنه لا يليق أن يطلق داعية
إسلامي مثل هذه الألفاظ على الصحافيين، حتى وإن قال (بعض)
ولم يعمم. وقال الخاشقجي إن المفتي (هو من يمكن أن يضع
حداً لمثل هذه التصرفات والأقوال.. وهو المفترض أنه كما
ينصح الصحافيين أن ينصح أيضاً الدعاة وطلبة العلم والقلة
التي تسيء للدعوة بهذه التصريحات). وناشد المفتىي بأن
يضع حداً (لمثل هذه العبارات والتحزبات والحدية في الطرح).
ولكن لم يصدر المفتي حتى الآن تصريحاً بهذا الصدد، بما
يعتبره إعلاميون موافقة ضمنية على ماقاله العريفي. الخاشقجي
الذي أبدى استغرابه من لغة العداء التي يتسلّح بها الدعاة
ضد الصحافيين، وتوقّف عند هجوم بعض الكتّاب الصحافيين
ضد بعض الدعاة بسبب فتاوى غريبة تصدر عنهم مثل قتل ميكي
ماوس أو غيره بما يجعلها موضوعا للملاسنة وتصفية الحسابات،
وهنا يعلّق الخاشقجي (أعتقد أن السبب في هذا أن كبار أهل
العلم سكتوا عن الصغار، فأنا لو أعلم أن هناك من هو أكبر
مني سيعاتبني على ما أقول سأكون حريصاً على كل كلمة).
ومع أن الخاشقجي يرجّح فض الاشتباك بين الدعاة والصحافيين
ويربط ذلك بتدخّل المفتي فالمسألة، من وجهة نظره (مسألة
قيم وستحسم بكلمة واحدة من كبيرنا الذي هو سماحة المفتي).
ولكن المفتي مازال صامتاً، وعلى ما يبدو فإنه سيبقى كذلك
طالما أن القرارات الملكية تغطّي هذا النوع من الهجوم
على الصحافيين، فالكفة الراجحة للدعاة لا تفتح طريقاً
لأي توافق قريب.
من جانبه، تساءل خالد المعينا، رئيس تحرير جريدة (عرب
نيوز): (لو كان من قال هذا الكلام صحفياً، هل كان سيسكت
عنه؟)، سؤال لا يبعث على حيرة مطلقاً بالنسبة للعريفي،
الذي اختار المواجهة المفتوحة على طريقته، فهو يضع الجامع
والجمعة والجماعة في مواجهة الصحافة التي يرى بأنها باتت
محتكرة من قبل الخصوم (الليبرالين والعلمانيين)، وألا
سبيل أمامه في مواجهة الخطاب المناوىء للدعوة سوى بتوظيف
خطبة الجمعة للرد وللهجوم المضاد على ما يعتبره هجوماً
على الإسلام، ممثلاً في الدعاة إليه، حسب زعمه.
المعينا يأمل بأن تستعيد الدولة توازنها في التعاطي
مع الأفراد بصرف النظر عن مراكزهم، وتطبيق قانون المسائلة
ضد ما اقترفه العريفي من كلام جارح (يجب على الدولة أن
تتخذ إجراءً صارماً بالنسبة لهذا الموضوع). ويرفض محاولات
الدعاة الى تقييد الحريات الصحافية من خلال وقف نقد العلماء
ورجال الدين أو حتى تناول موضوعات الساعة مثل الثورات
العربية، فهو يرى بأن هجوم العريفي على الإعلام لأن الدعاة
مزعوجون من طريقة تناول الإعلام لتصرفات المؤسسات الدينية
(فالإعلام فضح أشياء كثيرة). ويضيء المعينا على بعض اقترافات
الدعاة بقوله (في التسعينات عندما ذهب الكثير من الدعاة
للبوسنة والهرسك وغيرها للدعوة، انتهوا بالزواج من نسائهم،
وهذا ما ذكره جمال خاشقجي قبل فترة، فمثل هذه الأمور تضايقهم،
خاصة وأنهم يعتبروا الإعلام كلام فاضي).
يبدو أن ثمة إتجاهاً في الوسط الديني السلفي على توحيد
الموقف وعدم السماح لمن هم خارج هذا الوسط بتوجيه النقد
إليه، أو التعرّض له، ولذلك حتى الذين انتقدوا تصريحات
العريفي مثل الشيخ عبد الله المنيع والشيخ عبد المحسن
العبيكان تراجعوا عن تصريحاتهم وأعادوا تفسيرها، فيما
اعتبر أن تعليمات وصلت هاتين الشخصيتين بضرورة الإمتثال
الحرفي لقرارت الملك ـ نايف، التي تفرض على الجميع التمسّك
بحرفية القرارات وعدم السماح بنقد العلماء.
وكان عدد من الصحافيين قد أعلنوا عزمهم مقاضاة العريفي،
والتقدّم بشكوى ضده. وتساءل الكاتب الصحافي صالح إبراهيم
الطريقي قائلا: متى ستتم محاكمة الداعية محمد العريفي
بسبب الفاظه وشتاءمه؟ وقال: لا يمكن للعريفي وعشاقه ان
يتهموا عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي
الشيخ عبدالله المنيع او المستشار في الديوان الملكي الشيخ
عبدالمحسن العبيكان بأنهما لا يفقهان بالدين، مع أن الرد
على ما قاله العريفي لا يحتاج لتخصص في الدين، بقدر ما
يحتاج تخصصا في اللباقة وحسن اختيار الكلمات.
الداعية محمد العريفي - مع أني لا أعرف كيف يمكن له
أن يكون داعية وشتاماً في آن واحد- قد تورّط، حسب الطريقي،
هو وعشاقه الذين يبيحون له قذف الناس، فالرد هذه المرة
جاء من أشخاص لا يمكن للعريفي وعشاقه كالشيخ سليمان الدويش
أن يقولوا لمن رد على قذفه وشتائمه، (هل تفهم بالدين)؟
وشجّع الطريقي على أن يمضي رئيس تحرير صحيفة «أنحاء
الإلكترونية» حسن الحارثي في طريقه هو ومجموعة من الصحافيين
لمقاضاة العريفي على كل ما قاله عن الصحافيين، على ألا
يفكر الحارثي والصحافيون بأن يكتفوا باعتذار يقدمه العريفي
لتنتهي القضية.
قد لا يقع العريفي في قبضة مؤسسات العدالة المفقودة
في هذا البلد، ولكن أن يتجرأ الناس على المطالبة بحقوقهم
العادلة يعني أن المجتمع بخير، لأن ما قاله العريفي ومابنى
عليه تصريحاته المقزّزة ظلم فاضح.
|