استئصال الأورام الملكيّة!
تساءلت صحيفة أيديعوت أحرنوت الإسرائيلية عن سرّ الحماسة
السعودية لإسقاط النظام السوري، وقالت بأن ذلك جاء ضمن
الصراع الإقليمي المتسع بين طهران والرياض. وأشارت الى
أن السعودية المحافظة لا تؤمن بالثورات، وهي لم تتبنَّ
يوماً دعم أية ثورة، إلا هذه المرّة، واعتبرت ذلك مغامرة
سعودية، لأن تغيير النظام السوري ـ حسب رأيها ـ قد يحدث
تموّجاً يؤثر على استقرار السعودية نفسها، وهي التي ترفض
الإصلاحات السياسية. وتابعت بأن مواطني السعودية سيطالبون
قيادتهم بأن تنتهج الإصلاح، الذي تدعو الأسد المستبدّ
الى تطبيقه (انتهى).
بعض السعوديين قالوا بأن الأموال السعودية التي تذهب
لإسقاط النظامين في سوريا وليبيا كتغطية لحملة الناتو
أو لتمويل عمل المعارضة السورية (وهو أمرٌ دأبت عليه الرياض
منذ زمن، حسب الصحيفة الإسرائيلية) ذهبت في مكانها الصحيح،
بعكس الأموال الأخرى التي ضاعت نهباً وسرقة من قبل الأمراء
وغيرهم. وبخلاف الأموال التي بذلت بلا فائدة على جماعة
14 آذار في لبنان، وعلى الباكستان وأفغانستان، وعلى الحرب
العراقية الإيرانية، وعلى جماعة الكونترا الشهيرة، وغيرها.
سعوديون آخرون يعتقدون بأنه لم تعد هناك ثورات عربية
حقيقية، وأن الغرب وبدعم دول الخليج اختطفها وحوّلها الى
صراعاته الإقليمية الخاصة للإطاحة بالأنظمة التي لا يريدها،
في حين أنه ـ أي الغرب ـ يحاول المحافظة على الأنظمة الموالية
له في اليمن والبحرين مثلاً، كما ويحاول ـ كما في مصر
ـ القيام بثورة مضادّة عبر السعودية وأموالها وإعلامها
وسلفييها هناك.
في كل الخطوات السعودية، وسواء سقط الأسد أم لم يسقط،
ففي نهاية المطاف، قد تتحسن نماذج الأنظمة السياسية العربية
بفعل الثورات، وستتأثر الأنظمة التي لم تقع فيها، ومن
بينها السعودية. الأخيرة ستبقى متخلّفة ـ حين المقارنة
ـ بغيرها. لن تكون الأنظمة الملكية بمعزل عن التغيير والتأثر،
وأمامنا نماذج المغرب والأردن والبحرين، فيما الشرر تطاير
ليصيب بعضه سلطنة عمان التي شهدت العديد من الإحتجاجات
والتظاهرات.
لازالت السعودية تروج بأن الأنظمة الملكية هي الأكثر
استقراراً، وهي النموذج الذي يحتذى به. وهي قد شجّعت على
تحول الجمهوريات الى ملكيات، كما في مصر مبارك، ومحاولة
تخليف علي صالح لإبنه، والقذافي لإبنه، وحتى وصول الأسد
الإبن الى السلطة في سوريا، وجدته السعودية دلالة على
أن النموذج الملكي للحكم هو الأرقى، وأنه هو لا غيره سيكون
قدر المنطقة العربية.
لكن ما بعد ربيع الثورات العربية تغيّر الحال، وتغيّرت
الرؤية. من الواضح أن الشعوب العربية ليست في وارد العودة
الى الملكية، بل أن فكرة الإستخلاف والوراثة كانت مؤججاً
للثورة كما في مصر واليمن، فضلاً عن حقيقة أن الملكيات
العربية لازال عددها يتقلّص، فقد انتهت الملكية في العراق،
وفي ليبيا، وفي مصر، وفي اليمن، ولا يمكن أن تعود هذه
الملكيات الى الحياة مرّة أخرى، خاصة بعد ربيع الثورات.
في كل الأحوال، سيبقى النظام الملكي الوراثي متخلّفاً
من الناحية السياسية، وبقاء الملكيات واستمرارها مرهون
بتحوّلها الى ملكيات دستورية: عوائل مالكة تملك ولا تحكم.
ومن يعاند من هذه الملكيات التحوّل كما في السعودية، فإنه
يعيش خارج التاريخ، وسيجبر مواطنيه الى التخلّص من الملكية
الحاكمة والى الأبد. قوّة الملكيات رهين بمرونتها السياسية،
وتماشيها مع المعطيات السياسية المحلية والإقليمية (قد
يكون المغرب نموذجاً). وإذا ما وجدنا العائلة المالكة
في السعودية مغالية في التشدد وعدم التنازل حتى في تغيير
الديكور السياسي دون?الجوهر، فهذا لا يعدّ دلالة على صحّة،
فالورم ليس دلالة نشاط وعافية، ومصيره الإستئصال.
|