إهانة مقصودة للمعتمرين المصريين
لماذا يكره العرب والمسلمون آل سعود ومشايخهم؟
محمد قستي
(مقصودة.. مقصودة).. (الله أكبر على الظالمين).. (الله
أكبر على آل سعود).. كانت هذه صرخات وشعارات المعتمرين
المصريين أواخر رمضان وفي أيام العيد الثلاثة في مطار
جدّة، احتجاجاً على الخطوط السعودية، وعلى السلطات السعودية
التي عاملتهم بالعنف والإهانة المخلّة بالكرامة الإنسانية،
فيما كان أهاليهم يتظاهرون أمام السفارة السعودية في القاهرة،
والقنصلية السعودية في الإسكندرية مرددين: (مصري ورافض
عمري أتهان.. مصري وعمري ما حبقى جبان)، و (الشعب يريد
حق المعتمرين) و(آل سعود يا آل سعود، المصري للذلّ لن
يعود)، كما حملوا لافتات تقول: (كل ده عشان المخلوع)؛
(عبدالله اطلع برّه)؛ (عايزة ثورة يا سعودية)؛ و (الشعب
يريد إسقاط الملك)!
لم تكن مشكلة المعتمرين المصريين جديدة في نوعها، فرغم
مضي ما يقارب من تسعين عاماً على احتلال الحكم الوهابي
للحجاز وتدمير دولته المستقلّة المعترف بها دولياً من
عصبة الأمم المتحدة، لم يستطع هذا الحكم تقديم الخدمات
والإحترام اللائق للحجاج وزوار الأماكن المقدسة. ففضلاً
عن المعاملة المهينة التي تخدش كرامة الإنسان ومعتقده،
والتي عادة ما يشهد جانباً منها كل حاج ومعتمر، حيث مشايخ
الوهابية الذين يقفون منددين ببدعة هذا، وشرك ذاك، وضرب
هذا بعصا، ودفع ذاك حرصاً على عدم الإشراك بالله، وفرض
المذهب والمسلك الوهابي على الحجاج. إضافة الى هذا، هناك
سوء الخدمات، رغم مليارات الدولارات التي تتدفق سنوياً
على الخزانة والإقتصاد السعوديين. ولذا، لا يكاد يمر موسم
حج أو عمرة بدون وقوع أزمة يذهب ضحيتها العشرات من الحجاج،
بل وفي بعض الأحيان يصل العدد الى المئات والآلاف، كما
في كوارث الأنفاق (المعيصم) أو بسبب الحرائق التي تشتعل
في الخيام دون أن تتجهز السلطات السعودية لمواجهتها، أو
بسبب مواجهة الحجاج المتظاهرين ضد أمريكا واسرائيل، وقتلهم
كما حدث عام 1987؛ مع أن آل سعود (وأهل نجد) يربطون شرعية
حكمهم بمقدار ما يقدمونه من خدمات للمسلمين في البقاع
المقدسة، لكي يظهروا بأنهم جديرون بحكمها، وليس حكم أهل
الحجاز لها.
بيد أن النظام السعودي كما مشايخه الوهابيين، اعتادوا
أن يظهروا استعلاءً وتغطرساً في معاملة الحجاج والمعتمرين،
تساوقاً مع ثقافتهم، بأنهم أرقى عنصراً، وأكثر مالاً،
وأنقى ديانة، وبالتالي كانوا ولازالوا ينظرون الى المسلمين
الآخرين وكأنهم مجرد أوباش، متخلفين ديناً ودنياً وعنصراً
لا يرقى الى العنصر القبلي الصافي الذي هم عليه!
وما عزّز هذا التوجّه السعودي المغالي البعيد عن قيم
الدين، هو أن الدول الإسلامية لم تتخذ موقفاً حازماً تجاه
الرياض، وفي الغالب كانت تلتزم الصمت إزاء ما يتعرض له
مواطنوها، من مضايقات وتضييع حقوق وإهانات واعتداءات،
وكان ما جرى للمصريين المعتمرين أواخر أغسطس الماضي وبداية
سبتمبر الجاري، آخر الأحداث ولكن لن تكون الأخيرة.
من جانبها، لم تتخذ السلطات المصرية الموقف المطلوب
منها، وبالتالي ووجهت بسيل من النقد بسبب صمتها، وفي بعض
الأحيان، اصطفافها مع الرواية السعودية، وتكذيبها لرواية
آلاف من مواطنيها المعتمرين، الذين شرحوا ما أصابهم عبر
القنوات الفضائية والصحافة ومواقع الفيس بوك واليوتيوب،
حيث تمّ توثيق ما جرى من اعتداءات بشكل دقيق وواضح.
الذي حدث ببساطة هو أن نحو 5000 معتمراً ـ واعتماداً
على الحجوزات لديهم على الخطوط السعودية ـ ذهبوا الى مطار
جدّة، وإذا بهم يفاجأون بأن رحلاتهم الى القاهرة قد أُلغيت،
وكان هؤلاء المعتمرون الصائمون لازالوا في نهاية شهر رمضان،
ويتوقعون الوصول ليشاركوا أهليهم فرحة العيد. كان من المفترض
أن تقوم الخطوط السعودية بإيوائهم في أحد الفنادق، إن
كان التأخير سيطول، ولكنها لم تتفضل عليهم حتى بقارورة
ماء، وتركتهم في المطار أياماً بلا أفق لحل مشكلتهم، حتى
طفح الكيل، وقاموا في محاولة يائسة بإطلاق الشعارات المنددة
بالمعاملة السيئة، فتدخلت قوات الأمن وقمعتهم ضرباً وإهانة
وشتماً بأنهم (أولاد التحرير) وكأن قيامهم بثورتهم معيباً،
وقد اخترق بعض المعتمرين الحواجز وحطموا بعض الزجاج، ووصلوا
الى موقف إحدى الطائرات ورابطوا عندها، ثم جرى أخذ بعضهم
بالحافلات وكأنهم يريدون حل مشكلتهم، وألقوهم في البرّ،
واعتدوا عليهم بالضرب، وقيل أن إثنين منهم توفوا، فضلاً
عمن تعرض للإغماء والإعياء من كبار السن رجالاً ونساءً.
وكما في كل حالات الإخطاء، لم تعترف الخطوط السعودية
بخطئها، بل زعمت ويا للغرابة، بأن المصريين ليس لديهم
حجوزات أصلاً! ثم ألقت باللائمة على متاعهم الكثير! ثم
اتهمتهم بتعطيل حركة الملاحة في المطار؛ فيما كان أهالي
المعتمرين في القاهرة يتحركون للإحتجاج لدى السلطات المصرية،
وفيما كانت مشاعر الغضب تترجم على أبواب السفارة والقنصلية
السعودية، ومطار القاهرة.
وبعد نحو أسبوع وأكثر، وصل المصريون المعتمرون الى
القاهرة في وضع بائس، وقد رفض بعضهم النزول من الطائرة
السعودية بعد وصولها للقاهرة احتجاجاً على ما أسموه بالمعاملة
غير الآدمية من رجال أمن مطار جدة، ومن مسؤولي الطيران
والأمن السعوديين، ولم يقبلوا بالنزول إلا بعد تحرير شكاواهم
ضد السلطات السعودية، ثم واصلوا وآخرون احتجاجهم في المطار
وحرروا شكاوى، وطالبوا بتعويضات، حسب قوانين الملاحة الدولية
خاصة وأن امتعة الكثير منهم لم تصل، وضاعت أو نهبت في
مطار جدة.
حين ردد المصريون في ثورتهم بمطار جدة (وتعبير الثورة
للسي إن إن): (مقصودة.. مقصودة)، فإنهم كانوا يدركون بحق
بأن المعاملة المهينة للمعتمرين المصريين بالذات، مرتبطة
بالموقف السياسي السعودي من الثورة المصرية التي أنجزت
الإطاحة بحليف آل سعود الأكبر وهو حسني مبارك. وهذا ما
أوضحته شتائم قوات الأمن السعودية، وبعض موظفي الخطوط
السعودية. ويعلم المصريون ـ كما التونسيون واليمنيون والبحرينيون
ـ بأن السعودية عدو لثورتهم، وأنها هددت القيادة العسكرية
والحكومة المصرية بأن محاكمة مبارك سوف تدفع بالسعودية
لطرد العمال المصريين وهم بمئات الألوف، مثلما فعلت من
قبل في أواخر 1990 وبداية 1991 حين طردت نحو مليوني يمني،
بعيد ازمة احتلال الكويت، وسلبت الكثير منهم أموالهم وممتلكاتهم،
وشجعت رعاعها على الإعتداء عليهم، ما أدّى الى وفاة العديد
منهم.
يأتي الموقف السعودي من المصريين المعتمرين وحتى غير
المعتمرين عبر إساءة معاملتهم متوازياً مع الموقف السياسي
الرسمي الذي طاش عقله من تحول مصر الى نظام سياسي آخر،
ولربما عدّ ذلك إحدى وسائل الضغط على الحكومة المصرية
ـ التي أرخت رأسها ولم تشأ تصعيد الموقف ـ بشأن محاكمات
رموز النظام السابق، كما بشأن عزمها على إعادة علاقاتها
السياسية مع إيران.
وفي الجملة فإن هذه ليست الرسالة الأخيرة، ولم تكن
تلك الرسالة الأولى؛ فقد سبق للسعودية أن حرّكت سلفييها
لإشعال الفتنة الطائفية مع الأقباط والصوفيين، حيث المصادمات
وحرق الكنائس، والإعتداء على الأضرحة، وكل هذه خطوات تحسب
في خانة العمل المضاد للثورة المصرية.
لكن أياً تكن الغاية السعودية، فإنها خرجت من كل فتنها
المتنقلة خاسرة لسمعتها على الصعيد الشعبي العربي، الى
حدّ يمكن معه القول بأن سمعة آل سعود ووهابيتهم التكفيرية
العنفية لم تصل الى الحضيض الذي وصلت إليه اليوم، في تاريخها
كلّه؛ أي منذ تأسيس الحكم السعودي الوهابي في 1932م. لكن
المتغطرس سياسة أو ديناً أو عرقاً، لا يلقي بالاً للضعفاء،
ويرى أن البشر ضعيفو الذاكرة، ويمكن تكرار الإهانات والإعتداءات
عليهم المرة تلو الأخرى.
وعبثاً حاولت بعض الأقلام التنبيه الى الخسائر الفادحة
لسمعة الدولة؛ كما حاول السفير السعودي في القاهرة تهدئة
الموقف ما أمكنه، مقدماً الكثير من الوعود للمعتصمين والمتظاهرين
المصريين على أبواب السفارة والقنصلية أو أمام مكتب الخطوط
السعودية؛ ودسّ لمناصري آل سعود في الصحافة المصرية أخباراً
كاذبة لتسريبها تقول بأن الحكومة السعودية قررت تعويض
المتضررين بمبالغ مجزية. كما تابع السفير مع مسؤوليه في
الرياض مقترحاً اتخاذ بعض الخطوات لتهدئة الموقف، لكن
آل سعود لم يبتدعوا حلاً سوى المتعارف على خداعه وكذبه،
إذ أعلنوا بأنهم (شكلوا لجنة) لدراسة أسباب ما حدث من
تأخير لرحلات المعتمرين، وما نجم عنه من اضطراب. وتبرّعت
صحيفة سعودية خديوية هي (عكاظ) لتزعم حسب مصادرها بأن
النتيجة ستخرج بفرض غرامة على الخطوط السعودية، مع أن
هذه الخطوط مملوكة بالكامل للدولة، ولم تشر الصحيفة الى
ممارسات موظفي المطار والأمن المهينة للمعتمرين المصريين.
إن ما حدث للمعتمرين المصريين يكشف حقيقة أن السعودية
تسيّس الحج والعمرة لخدمة أغراضها السياسية، وأنها في
الوقت الذي تريد فيه إبعاد الحج عن السياسة ـ كما تقول
ـ إكراماً لإسرائيل وأمريكا، ومنعاً لدعم القضية الفلسطينية
والقضايا الإسلامية الأخرى، فإنها توجه رسائل غضبها الى
الشعوب والحكومات مباشرة من خلال التعرض للمعتمرين والحجاج
وحتى العمال، ولم يكن المصريون، ولا اليمنيون ولا التونسيون
أو الإيرانيون وبعض اللبنانيين والعراقيين نماذج شاذّة
في السياسة السعودية.
لكنه زمن الإنحطاط السياسي السعودي الذي بدأ منذ زمن؛
وتسارع مع الثورات العربية؛ وكما أصبحت مملكة آل سعود
شبه وحيدة منبوذة في السياسة الإقليمية لا همّ لها إلا
التخريب والتدمير والتآمر على ثورات الشعوب.. فإنها في
الوقت الحالي، قد انكشفت بالكامل أمام الرأي العام العربي
والإسلامي، بحيث لا تذكر إلا بالتقزز والكره المتصاعد،
وهذا ما عبّر عنه كتاب سعوديون في صحافتهم متسائلين: لماذا
يكرهنا المسلمون؟ أو لماذا يكرهون السعودي؟.
|