حفر حفرة ووقع فيها
إقالة الأمير المعجزة: عبد العزيز بن فهد!
محمد فلالي
إعتقد الأمير المدلل، سابقاُ، عبد العزيز بن فهد، زوج
إبنة الملك عبد الله، أنه سينجح في تمرير خطته التي لم
يكشف النقاب عنها حتى الآن حين قرر أن يرفع خطاباً إلى
الملك مستفيداً من نزوع الأخير نحو ضمان مستقبل أبنائه
في الدولة السعودية بعد رحيله عن دار الدنيا. ما كشف النقاب
عنه في خطاب الأمير عبد العزيز بن فهد، وزير الدولة ورئيس
ديوان رئاسة الوزراء سابقاً، أنه كان يطمح لتولي حقيبة
هامة في التغييرات الوزارية المرتقبة، فاختار أن يكون
“الطعم” الذي يقدّمه للملك هو إبنه الأمير منصور، وهو
الآخر يعتبر الإبن المدلل للملك عبد الله، والقريب إلى
قلبه والأصغر سنّاً بين إخوته، ولصغر السن معنى خاص لدى
الآباء.
ما ورد في خطاب الأمير عبد العزيز الى الملك عبد الله
له دلالة خاصة، حيث التمس الأول من الثاني أن يشدّ أزره
بابن عمّه الأمير منصور كي يتقاسم معه حمل الأمانة في
الديوان، بعد أن تزايدت الأعباء وكثرت المسؤوليات، ولم
يجد غير إبن الملك الأمير منصور عوناً له على تحمّل المسؤولية.
وكان الأمير عبد العزيز على قناعة بأن الملك لن يرفض هذا
الطلب، خصوصاً وأن طلب التعيين جاء بناء على رغبة الأمير
عبد العزيز بن فهد نفسه، أي أن مبرر التعيين كان جاهزاً
بل محكماً، وبالتالي فإن الملك لن يجد نفسه محرجاً في
حال أصدر أمراً بتعيين إبنه الأمير منصور، بناء على (إلحاح)،
و(رغبة)، و(التماس) صاحب الشأن نفسه، بما يسهّل عليه المهمة،
ويرفع العتب ويوقف الجدل، وبالتالي فإن مجرد تعيين منصور
نائباً للأمير عبد العزيز يعني في لحظة ما إقترابه من
رئاسة الديوان.
كانت بالفعل خطة محكمة، في حال قدّر لها النجاح، لولا
فطنة المتحيّن لفرصة من هذا النوع لبيعها بثمن كبير. قبل
أن يصل الخطاب الى ديوان الملك، تبلّغ رئيس الديوان الشيخ
خالد بن عبد العزيز التويجري بالأمر، وهنا نفتح قوساً
كبيراً حول سر بل أسرار كل ما جرى بعد ذلك، وماهي الأهداف
غير المعلنة. الرواية الخاصة تقول أن الشيخ خالد التويجري
قام بالإتصال بالأمير نايف، وزير الداخلية والنائب الثاني
لرئيس مجلس الوزراء، وأبلغه بنوايا الأمير عبد العزيز
بن فهد وحقيقة الخطاب الذي يعزم رفعه إلى الملك ومايتضمنه
من طلب تعيين الأمير منصور..
لا نعلم على وجه الدقة هوية الشيطان القابع في تفاصيل
المعركة الخفيّة، لأن ثمة سيراً غير منطقي للأشياء جرى
في هذه العملية، بما يلغي كل الأحاديث عن صراع أجنحة أو
حتى لعبة عائلة بين الملك وأمراء الجناح السديري. قيل
لنا بأن الشيخ خالد شعر بأن الأمير عبد العزيز بن فهد
يضمر له شراً منذ أمد بعيد، ويحاول إبعاد الشيخ خالد عن
دائرة الملك، وأن الخطاب الذي كان ينوي الأمير عبد العزيز
تقديمه لعمه بما يشتمل على (طعم) تعيين الأمير منصور إبن
الملك عبد الله في منصب نائب رئيس الديوان كان يستهدف
تهيئة أرضية إزاحة الشيخ خالد عن موقعه، خصوصاً وأن منصب
النائب هذه الأيام في ظل الأمراض والتموضوعات الجارية
في العائلة المالكة تعني بمعنى وآخر الرئيس الفعلي، كما
هو الحال بالنسبة لوزارات الدفاع والداخلية وحتى الخارجية
التي أصبح إبن الملك عبد الله نائباً فيها لوزيرها العليل
والعتيق الأمير سعود الفيصل. وقيل في سياق موازٍ أن الشيخ
خالد التويجري يسعى من الآن إلى ترتيب علاقة مستقبلية
مع الأمير نايف، المرشح الأقوى لأن يكون الملك القادم
عمّا قريب، وبالتالي فإن ثمة عربوناً مطلوباً لعلاقة إستراتيجية
بين البرامكة والجناح السديري. وقيل لنا أيضاً بأن العلاقة
بين الملك والأمير نايف غدت ممتازة نتيحة التفاهم الثنائي
بينهما على ملفات حيوية بما فيها ملف التعيينات، وبالتالي
فإن محاولات الإختراق التي يقوم بها بعض الأمراء وخصوصاً
في ملف التعيينات تجعلها محفوفة بالفشل، وتمسّ أسس التفاهم
بين الملك والأمير.
مهما يكن الحال، فإن الأمير نايف وفور تلقيه خبر مساعي
الأمير عبد العزيز بن فهد للفوز بنصيب أكبر في كعكعة السلطة،
تحرّك على نحو عاجل من أجل إطاحة الأمير عبد العزيز وإبطال
مفعول طموحه السياسي.
|
الأميرة المعجزة: عبدالعزيز
بن فهد |
إلتقى الأمير نايف بالملك وتحدّث معه مطوّلاً حول الغياب
المستمر والطويل للأمير عبد العزيز بن فهد عن ديوان رئاسة
الوزراء، وإخفاقه في أداء مهامه، وتعطّل قضايا هامة في
وقت يراد فيه مضاعفة الجهود وتلبية احتياجات الحكومة والمؤسسات
والناس. وبالفعل نجح الأمير نايف في إقناع الملك عبد الله
بأن موقع رئيس ديوان مجلس الوزراء أصبح عبئاً، ولابد من
إجراء جراحي لمعالجة المشكلة القائمة. مالم يفطن له الملك
أن الأمير نايف وهو يقنعه برأيه في الأمير عبد العزيز
أراد تعزيز دور الملك القادم، الذي سيكون من نصيبه، فيما
يستبعد أي سلطات أخرى موازية.
الملك لم يصدّق خبراً، فقام بإصدار أمرين ملكيين هما
في الواقع بوحي من الأمير نايف نفسه، فقد اشتمل الأول
الصادر برقم أ/132 في 27 يونيو الماضي، وجاء فيه ما نصّه:
نحن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية
السعودية
بعد الاطلاع على المادة الثامنة والخمسين من النظام
الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1412هـ،
وبعد الاطلاع على نظام مجلس الوزراء الصادر بالأمر الملكي
رقم أ/13 بتاريخ 3/3/1414هـ وبعد الاطلاع على نظام الوزراء
ونواب الوزراء وموظفي المرتبة الممتازة الصادر بالمرسوم
الملكي رقم م/10 وتاريخ 18/3/1391هـ، وبعد الاطلاع على
الأمر الملكي أ/162 بتاريخ 19/9/1428هـ، وبعد الاطلاع
على ما عرضه علينا صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس
مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وعلى
كتاب صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء
وزير الداخلية المؤرخ في 23/7/1432هـ، أمرنا بما هو آت:
أولاً : يعفى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن
فهد بن عبدالعزيز آل سعود رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء
من منصبه بناء على طلبه، مع استمراره في منصبه وزيراً
للدولة وعضواً في مجلس الوزراء.
ثم لحقه بأمر ملكي آخر، برقع أ/124 جاء فيه ما نصّه:
نحن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية
السعودية
بعد الاطلاع على النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر
الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1412هـ، وبعد الاطلاع على
نظام مجلس الوزراء الصادر بالأمر الملكي رقم أ/13 بتاريخ
3/3/1414هـ، وبعد الاطلاع على نظام الوزراء ونواب الوزراء
وموظفي المرتبة الممتازة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/10
بتاريخ 18/3/1391هـ.
وبعد الاطلاع على ما عرضه علينا صاحب السمو الملكي
ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران
والمفتش العام، وعلى كتاب صاحب السمو الملكي النائب الثاني
لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية المؤرخ في 23/7/1432هـ
بشأن اقتراح سموهما إعادة تنظيم كل من الديوان الملكي
وديوان رئاسة مجلس الوزراء وتوحيدهما في جهاز واحد.
وبناءً على ذلك، ورغبة منا في إعادة تنظيم كل من الديوان
الملكي وديوان رئاسة مجلس الوزراء بما يسهم في تطوير العمل
والارتقاء به.
وبناء على ما تقتضيه المصلحة العامة، أمرنا بما هو
آت :
أولاً: ضم ديوان رئاسة مجلس الوزراء إلى الديوان الملكي
واعتبارهما جهازا واحدا بمسمى الديوان الملكي.
ثانياً: تشكل لجنة برئاسة معالي رئيس الديوان الملكي
لاستكمال ما يلزم من إجراءات واتخاذ ما يلزم من تعديلات
لإنفاذ ما قضت به الفقرة (أولاً) من أمرنا هذا بما في
ذلك اقتراح التعديلات اللازمة على نظام مجلس الوزراء على
أن ترفع اللجنة لنا توصياتها بشأن ذلك في مدة أقصاها ستة
أشهر من تاريخ أمرنا هذا.
ثالثاً: يُعين معالي الأستاذ خالد بن عبدالعزيز التويجري
رئيساً للديوان الملكي وسكرتيراً خاصاً لخادم الحرمين
الشريفين بمرتبة وزير.
رابعاً: على رئيس الديوان الملكي الرفع لنا بالترشيحات
للمناصب القيادية بالديوان الملكي.
بطبيعة الحال، وبعيداً عن الصيغ البروتوكولية للأمرين
الملكيين، فإن من عرض واقترح لم يكن سوى الأمير نايف وحده،
إذ أن الأمير سلطان ليس في وضع صحي يسمح له بالحديث فضلاً
عن الدخول في هذا النوع من التسويات الطويلة والمعقّدة.
وثانياً، إن نصّي الأمرين كانا واضحين، فبينما ذكر الأمران
الملكيان أن ولي العهد عرض على الملك، فإن ما جاء بخصوص
النائب الثاني هو كتاب تمّ عرضه على الملك أي رسالة وخطاب
وذلك أبلغ في التعبير والقصد، وليس في ذلك مجرد أسلوب
تقني أو فني عائد لطبيعة التخاطب بين الملك ومن دونه من
الأمراء والمسؤولين.
تخبرنا المصادر الخاصة بأن الأمير عبد العزيز بن فهد
تفاجأ بقرار الإعفاء، وسحب الصلاحيات التي يعتقد هو ومقرّبون
منه بأنه بدأ بعد وفاة أبيه مباشرة، حيث كان يتولى عدداً
من الملفات. إعتقد الأمير في البداية بأن زواجه من إبنة
الملك سيمنحه بطاقة عبور الى قلب الملك، ولكن يبدو أنّه
اختار المنطقة الوعرة والحرام بالنسبة للملك، حيث تكون
العلاقة بين الملك وعائلة التويجري.
المقرّبون من الأمير عبد العزيز بن فهد متشائمون من
المستقبل، فهم يرون بأن فرصة أخيرة قد ضاعت بالنسبة للأمير،
الذي عاد إلى سيئاته القديمة في الغياب المتكرر والطويل،
ولأنه لا يجد نفسه ملزماً بأي مسؤولية عملية، فقد خفّف
من حضوره في مجلس الوزراء، وصار يهوى السفر مع ندماء كثر
في الخليج ولبنان. قنوط الأمير المدلل بلغ درجة أنه ينتظر
اليوم الذي يموت فيه الملك عبد الله وينتهي العهد الذهبي
لـ (البرامكة)، الوصف الدراج وسط العائلة المالكة لبيت
التويجري.
وفي وقت يشعر فيه الأمير نايف بأنه تخلّص من منافس
مستقبلي وفي الوقت أنفسى أرضى، في الظاهر على الأقل، رغبة
الملك من خلال تعيين رئيس مكتبه في منصب يجمع الرئاستين:
رئاسة ديوان مجلس الوزراء والديوان الملكي، فإن هذا النوع
من التسويات يحمل في طيّاته مؤشرات قلق غير مغفولة. فلأول
مرة في تاريخ المملكة السعودية يتم إلغاء ديوان مجلس رئاسة
الوزراء، وهو أمر لم يحدث منذ الملك المؤسس، عبد العزيز،
ولكنّه حدث في عهد الملك عبد الله، الذي ينظر إليه مقرّبون
من العائلة المالكة الأضعف والأسوأ في ملوك آل سعود، فالرجل
ليس فقط لم ينفّذ أي شيء من وعوده، بل إنه خرّب ما كان
قائماً..
وفيما يرى بعض الأمراء المحسوبين على الجناح السديري
والذي جرى تهميشهم في عهد الملك عبد الله، أو الأمراء
المتحدّرين من أجنحة هي في الأصل هامشية منذ عقود بأن
التسويات التي جرت بين الملك والأمير نايف في مجال التعيينات
تحمل أخطاراً جديّة على الكيان، ولا يستبعد أن تنعكس في
هيئة تمرّدات داخل العائلة المالكة في حال أخفق الملك
القادم في احتواء كل الأجنحة، واتّباع سياسة الإستيعاب
بدلاً من التركيز على ضمان مسقبل الأبناء في الجهاز البيروقراطي.
|