فضيحة الإنتخابات البلدية ونهاية أكذوبة الإصلاحات!
محمد قستي
بحق هي فضيحة تلك الإنتخابات البلدية التي جرت الشهر
الماضي في السعودية. فرغم محاولات الإعلام الرسمي تشجيع
المواطنين على المشاركة فيها، ظهرت النتائج بائسة للغاية
من حيث ضعف المرشحين، وشحة عدد الناخبين.
المواطن المُسعوَد الذي حرم من حق التجمع والتظاهر
والإحتجاج بل وحتى من رفع العريضة والرسالة الى الجهات
المسؤولة مطالباً ببعض من حقوقه، استطاع أن يقول (لا)
كبيرة دون أن يدفع ثمن تلك الـ (لا). ببساطة: هو لم يذهب
الى مقرات الإنتخاب، احتجاجاً عليها، وعلى النظام السياسي
نفسه الذي كشفه المواطن بأنه نظام لا يريد إصلاحاً ولا
مشاركة شعبية، وإنما أراد من الإنتخابات أن تكون غطاءً
للإستبداد، رفض المواطن أن يمدّ نظام آل سعود به.
في الحقيقة، فإن المجتمع السعودي المفكك لصالح وحدة
النظام والسلطة السياسية ـ على قواعد مذهبية ومناطقية
وقبلية ـ أظهر إجماعاً غير عادي برفضه الإنتخابات البلدية،
حيث تقول المصادر شبه الرسمية بأن حجم المنتخبين في كل
المناطق تراوح بين 7-9% ممن يحق لهم الإنتخاب؛ فيما ظهرت
معلومات من مسؤولي الدوائر الإنتخابية تفيد بأن الرقم
كان أدنى من ذلك بكثير، حيث لم يتجاوز الرقم 3% في المعدل
العام.
كان واضحاً منذ البداية خيبة أمل المواطنين من المجالس
البلدية، والأسباب عديدة:
أولها ـ أن المواطن اعتقد بأن الإنتخابات البلدية إنما
هي جزء من عملية اصلاحية شاملة، تبدأ بالإنتخابات البلدية
وتنتهي على الأقل بانتخابات مجلس الشورى، مروراً بانتخابات
المناطق، بحيث يسبق كل ذلك وضع دستور للبلاد، إذ هي لاتزال
تحكم بالهوى والفردانية المقيتة، بحيث يمنح الدستور كامل
الحريات المدنية والسياسية للمواطنين، بما في ذلك حرية
التجمع وتشكيل الأحزاب وتاسيس منظمات المجتمع المدني.
ربما كان لدى المواطنين وبعض النخب المثقفة نوع من
التفكير الرغائبي. فالعائلة المالكة حين أقرت الإنتخابات
البلدية عام 2005، لم تقل أن خطوتها تلك كانت جزءً من
عملية اصلاحية ستتبعها خطوات. لم تعد العائلة المالكة
بتطوير مستمر وبانتخابات على مستويات أخرى. البعض أراد
أن يفهم من الخطوة الأحادية الحكومية أنها كذلك، وتجاهل
حقيقة أن الحكومة النجدية حينما أقدمت على خطوة الإنتخابات
البلدية، فإنها لم تقم بذلك استجابة لرغبات الداخل الشعبي،
وتحركاته وعرائضه المطالبة بالإصلاح، بل بتهدئة الضغوط
الخارجية الغربية التي كانت تطالب بإصلاحات في النظام
السياسي السعودي المستبد، تمنع من تفريخه للعنف الوهابي
ونشره في العالم، كما حدث في 11 سبتمبر 2011.
ومع هذا، حاولت العائلة المالكة وهي إذ تقدم على خطوة
الإنتخابات، البلدية والتي نظر اليها كقرص مهدئ.. تفريغها
من كل مضامينها، وكانت تلك العائلة مختلفة في الأساس حول
الإستمرار في تلك الخطوة من عدمها بعد أن هدأت الضغوط،
بين من يريد إلغاء الإنتخابات البلدية من الأساس بعد تجربة
واحدة، وبين من أراد استمراراها على حالها.
الإنتخابات الأولى كانت في عام 2005 لأربع سنوات، وكان
يفترض أن تقوم انتخابات جديدة نهاية عام 2009، لكن العائلة
المالكة لم تكن راغبة فيها فأجلتها لمدة عامين ريثما يستقرّ
امراؤها على رأي، وكان العنوان الذي بررت به تأجيل الإنتخابات
لمدة عامين كاملين هو: (دراسة التجربة)!! وبعد الدراسة
المزعومة قررت المضي في العملية الإنتخابية غير المكلفة،
دون أي تغيير ولو صغير، حول طبيعة المشاركة، وحجم الصلاحيات
للمجالس المنتخبة وغير ذلك، ما جعل المواطنين يدركون بالدليل
القاطع، أن الإنتخابات البلدية بما فيها من عيوب، تمثل
أقصى ما يمكن للعائلة المالكة أن تتنازل عنه، ان عدّ ذلك
تنازلاً بالفعل؛ وأنها لا تمتلك مشروعاً للإصلاح السياسي
والإجتماعي، وأن الإنتخابات البلدية ما هي إلا غطاء رديء
لا يخفي سوءة الديكتاتورية للفئوية الحاكمة. لهذا قرر
مقاطعتها بمجرد أن أعلن عن موعدها.
ثانياً ـ من خلال تجربة الانتخابات السابقة 2005-2009
تبين للمواطنين أنها دون الحدّ الأدنى المقبول به، ولذا
شهدت هي الأخرى مقاطعة غير قليلة، استطاعت الحكومة تغطيتها
بالتزوير في أرقام المسجلين والمشاركين، ولم تثمر على
أرض الواقع تغييراً إيجابياً يسجل لها، خاصة وأن الكثير
من الأعضاء المنتخبين انسحبوا واستقالوا من عضوية تلك
المجالس، وكانت لديهم صراعات مع وزارة البلديات والشؤون
القروية ومع إمارات المناطق التي يسيطر عليها الأمراء،
حول صلاحيات المجالس البلدية وميزانياتها وغير ذلك.
كل هذا أدخل في روع المواطنين حقيقة تقول بأن الإنتخابات
إذا ما تمت بنفس الطريقة وعلى ذات الأسس فستكون بلا معنى
أو فائدة. ولذا بقي لدى البعض أملاً حتى اللحظات الأخيرة،
بأن تكون العائلة المالكة صادقة بشأن مراجعة التجربة والتي
استغرقت عامين 2009-2011، وأنها قد تخرج بتعديلات محددة،
فلما ظهر الأمر دونما تغيير، أي استمرار للماضي، تمت المقاطعة
جماعياً على مستوى الترشيح والتسجيل والإنتخاب، بل أن
احتجاجات ظهرت على شكل مقالات في الصحف قبل أن تؤمر بالصمت،
وكذلك على شكل دعوات علنية جماعية على مواقع التواصل الإجتماعي
ومنتديات الإنترنت وغيرها. كانت المقاطعة حازمة جازمة
علنية تحشيدية شعبوية بلا تردد.
ثالثاً ـ منذ الإنتخابات البلدية الأولى، كان هناك
ادراك بأنها ناقصة بشكل مخل، وكأنها لا فائدة منها. لكن
بعض المشاركين فيها رأوا أنها خطوة ستفضي الى خطوات، وسيتم
تجاوز النقص، خاصة وأن الملك عبدالله صرح لصحيفة غربية
بأن الإصلاحات ـ التي لم يحدد ما هيتها ـ تحتاج الى وقت
طويل، قد يصل الى عشرين عاماً. يومها كانت العشرين عاماً
طويلة، ومطالب الناس مستعجلة، وإلحاحهم على الإصلاح السياسي
كبير. لكن بعض من استهوتهم الحسابات الرياضية قالوا بأن
20 عاماً ليست كثيرة!!، فلن يأتي عام 2025 إلا والنظام
أصبح ديمقراطياً!! لكن الخطوة اليتيمة لم تزد عن الإنتخابات
البلدية بكل عيوبها وقصورها، ما يعني أنه حتى هذه العشرين
عاماً بحاجة الى خمسين عاماً أخرى حتى تنجح!!
وجه القصور في الإنتخابات البلدية يرجع الى جذر واحد:
آل سعود غير جادين في الإصلاح أو أن يكون للشعب صوت على
المستوى البلدي، فضلاً عن المستوى السياسي.
الإنتخابات البلدية منذ ولادتها كانت عديمة الفائدة.
أطلق عليها بأنها (ربع انتخابات) على غرار أن لدينا اليوم
(ربع مَلك!). لماذا؟
ألف) لأن المرأة لا تشارك فيها لا ترشيحاً ولا انتخاباً.
أي أن نصف المجتمع قد تم تعطيله ابتداءً. في انتخابات
2005 تذرع الأمراء بأن الحكومة غير مستعدة بالتجهيزات
لمشاركة المرأة، وبعد ست سنوات قالوا نفس العذر، اعتماداً
على قاعدة ان ذاكرة الشعوب ضعيفة، فتفاجأوا برد فعل المرأة
المتحدي والخشن للنظام، وتبع موقفها موقف الرجال. ولما
تأكدت السلطة بأن الإنتخابات ستكون فاشلة، حاول الملك
ـ وقبل ايام من الإنتخابات البلدية ـ حل الأمر باعطاء
وعد مستقبلي للمرأة بالمشاركة، ولكن فات الأوان، وجاءت
المقاطعة صادمة للنظام إن كان لديه شعور في الأساس.
باء) لأن الإنتخابات إنما هي لنصف أعضاء المجلس البلدي،
فيما تعيّن الحكومة النصف الآخر، بمن فيهم رئيس البلدية
نفسه! ولم تحدد السلطة متى ستكون الإنتخابات كاملة.
جيم) لأن صلاحيات المجالس البلدية ضئيلة للغاية، ما
جعل اجتماعاته المتباعدة قليلة الفائدة أو عديمة الفائدة.
سلطة البلديات بيد رئيس البلدية، ومن فوقه هو وغيره أمير
المنطقة، الذي هو من آل سعود. وبسبب ضعف الصلاحيات، لم
تنجح المجالس البلدية في تقديم خدمة حقيقية للناخبين،
بل أن الأخيرين شعروا بأن الحكومة تريد افشال المجالس
البلدية حتى يكرهوا ويتمنوا أن لو لم تكن هناك انتخابات
بلدية في الأساس، وهذا ما جرى فعلاً في العديد من المحافظات.
من الواضح ان كذبة الإصلاحات أو التطوير التي يزعمها
آل سعود وصلت الى نهايتها الطبيعية.
هناك قناعة اليوم بأن هذا النظام عاجز عن إصلاح نفسه،
رافض لأي مستوى من مستويات المشاركة الشعبية في صناعة
القرار السياسي. وأن هذا النظام السياسي المدعوم بالإستبداد
الديني، صار مجرداً في شرعيته إلا من العصا.
القمع العاري هو الذي يحكم. أما الإصلاح فمؤجل، ما
لم يقرر الشعب النزول الى الشارع وتحدي ال سعود وأدواتهم.
|