موقف آل سعود من الإسلاميين
لعبة الإحتواء بعد الهوان السعودي
عبد الوهاب فقي
هل بدّل آل سعود مواقفهم من الإخوان المسلمين، بل ومن
الإسلاميين عموماً الذين يتقدّمون في كل الانتخابات التي
شهدتها شمال القارة الافريقية (مصر، تونس، المغرب..)،
فلا يمانعون من وصول الإسلاميين في اليمن، وسوريا والأردن
والكويت..وهل ثمة أجندة تختفي وراء الانفتاح السعودي والوهابي
على المؤسسات الدينية العريقة والمصنّفة سلفاً في جبهة
الخصوم (الأزهر على سبيل المثال).
كان كلام رئيس الإستخبارات السعودية الأمير مقرن بن
عبد العزيز في 4 كانون الأول (ديسمبر) الجاري لافتاً بأنه
إذا كان خيار الشعوب العربية هو الإخوان فليكن. جاء ذلك
التصريح خلال مشاركته في منتدى الخليج والعالم في الرياض،
وجاء فيها (سنتعامل نحن مع كيانات سياسية، وإذا كان هذا
خيار الشعوب فليكن) في إشارة إلى تقدّم الاخوان المسلمين
في الإنتخابات التي شهدتها دول عربية.
يأتي هذا الكلام بعد أكثر من شهر على زيارة قام بها
وزير الأوقاف السعودي الى الأزهر، وإطرائه غير المسبوق
والمعهود من قبل شخصية دينية وهابية لمؤسسة نالت من الانتقادات
اللاذعة بفعل انفتاحها على الأطياف الإسلامية كافة، واضطلاعها
بدور فاعل في فعالية التقريب بين المذاهب..البيان المشترك
الصادر عن وزير الأوقاف الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
ورشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في القاهرة في 11 تشرين
الأول (أكتوبر) لم يتناسب مع منهج الأزهر وتسامحه حين
أكّد البيان على (التصدّي لأي محاولات تهدف للمساس بالمجتمعات
الإسلامية السنيّة تحت أي شعار). وفي جملة أخرى (تقوية
الموقف الإسلامي وخاصة بين أهل السنة والجماعة..)، وهو
كلام لم يعتده المسلمون من مشيخة الأزهر ذات الطابع التقريبي،
وصاحبة الريادة في مشروع الوحدة الإسلامية، الأمر الذي
فهمه كثيرون على أنّه إقحام غريب على تراث الأزهر..
بعد أقل من شهر، قرأنا كلاماً للأمير نايف، ولي العهد
ووزير الداخلية، يمكن وصفه بأنه جزء من النفاق الأيديولوجي،
حيث تحدّث الأمير نايف عمّا وصفه (البيت الإسلامي الكبير)،
وطالب بترتيب هذا البيت، وحذّر مما أسماه (تصدّع البيت
الإسلامي الكبير)، وقال بأن (عوامل الخلاف والفرقة والتصدّع
في البيت الإسلامي الكبير لن يحمل في طيّاته غير الشتات
والفوضى والضعف ولن يستفيد من ذلك غير أعداء الأمّة الذين
تربّصوا بها ولا زالوا). هل ذاك هو خطاب سعودي أصيل؟ فليس
في الأدبيات الوهابية ما يفيد بذلك، ولا في تصريحات الأمير
نايف نفسه، الذي مازال الإخوان المسلمون يتذكّرون ما قال
عنهم بعد عام من هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأراد تحميلهم
مسؤولية الهجمات بنفي أي علاقة لتنظيم القاعدة الذي تربّى
على أفكار مشايخ الصحوة في السعودية خلال تسعينيات القرن
الماضي.
فبعد عام من هجمات الحادي عشر من سبتمبر أجرت صحيفة
(السياسة) الكويتّية المقرّبة من آل سعود مقابلة مع وزير
الداخلية الأمير نايف، شنّ فيها هجوماً شديد اللهجة على
الإخوان المسلمين وحمّلهم مسؤولية كل الويلات التي أصابت
الأمة، وقال عنهم بأنهم أصل البلاء فيما يواجه المسلمون
من مشكلات. وقال الأمير نايف في المقابلة التي نشرت في
27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2002، بأن الاخوان المسلمين
أساؤوا للسعودية والعرب والمسلمين. وقال (مشكلاتنا كلها
جاءت من الإخوان المسلمين. لقد تحملنا الكثير منهم ولسنا
وحدنا الذين تحملنا منهم الكثير. إنهم سبب المشاكل في
عالمنا العربي وربما في عالمنا الإسلامي. حزب الإخوان
المسلمين دمر العالم العربي).
وفي مقابلة لاحقة جرت مع صحيفة (عرب تايمز) بتاريخ
19 كانون الأول (ديسمبر) 2002، شّن الأمير نايف هجوماً
جديداً على جماعة الإخوان المسلمين وإتهمها (بالسعي إلي
زعزعة استقرار بلاده) وكشف النقاب في تصريحاته عن طرد
العديد من عناصرهم من السعودية. وقال الأمير نايف (إن
الإخوان سيسوا الإسلام لخدمة أهدافهم الخاصة واستغله الكثير
منهم لزعزعة استقرار الأمة).
وقد فوجىء قادة الجماعة بهجوم الأمير نايف عليهم بطريقة
غير لائقة، فضلاً عن سيل الإتهامات التي وجّهها الى الجماعة
وبطريقة متكررة، ما كشف لدى الجماعة عن نيّة مبيّتة لدى
الحكومة السعودية، حتى تساءل عصام العريان، أحد قادة الإخوان،
عن تركيز الأمير نايف تصريحاته على الصحف الكويتية. وقد
قامت صحف سعودية أخرى من بينها (الشرق الأوسط) بإعادة
نشر مقابلة الأمير، ما أكّد على أن ثمة نيّة بتحويل قضية
الهجوم على الاخوان المسلمين موضوع رأي عام.
المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المستشار محمود
المأمون الهضيبي كان قد ردّ على الأمير نايف في الأول
من ديسمبر 2002، مستنكراً هجومه على الجماعة دون مبرر،
وعبّر الهضيبي عن صدمته وحزنه ودهشته لتصريحات الأمير
نايف (والتي تناول فيها الإخوان المسلمين بتجريح شديد
واتهامات مستغربة وغير صحيحة).
|
الإخوان المسلمون: انفتاح
سعودي مشبوه |
كان رد الاخوان هادئاً ويتعلّق بتجربة الجماعة في المملكة،
وتسائل المرشد العام الهضيبي عن المشكلات التي وقعت في
المملكة بسبب الإخوان، )هل أحد منهم أتى شيئاً ضد المملكة؟)،
ولفت إلى أنه لو صدر من أحدهم شيء (لبادرت المملكة إلى
إنهاء تواجده فيها، ولو كان ذلك حدث بصورة جماعية لكان
الإبعاد جماعياً وواضحاً ومعروفاً لدى الجميع)، وكأن المستشار
الهضيبي أراد تذكير الأمير نايف بأن الجماعة على علم بأساليب
تعامل السلطات الأمنية السعودية، وأن لو كان هناك فعل
يؤخذ على الجماعة لبادرت السلطات إلى تدابير قمعية تعرفها
الجماعة. وذكّر الهضيبي الأمير نايف بأن التزام الجماعة
بلغ مستوى عالياً من الإنضباط وراعت فيه قوانين المملكة
وحسن الضيافة، (فلم يحاولوا أبداً تشكيل جماعات إخوانية
من السعودية ولقد كان ذلك خطاً أحمر مهماً التزم به الإخوان
في المملكة). بكلمات أخرى، أن هجوم الأمير نايف على الإخوان
وقرار طرد عناصر من الجماعة لا يستند على وقائع على الأرض
بل هي قضية مفتعلة وسياسية بدرجة أساسية.
رسالة الهضيبي شملت عناوين عدّة، من بينها موقف الاخوان
المسلمين أثناء حرب الخليج إثر احتلال قوات صدام حسين
الكويت في أوائل التسعينيات، ولم يرض موقف الإخوان الحكومتين
السعودية والكويتية برغم من إدانته الهجوم على الكويت،
ومناشدتهم الرئيس صدام حسين بسحب قواته من الكويت، وإن
كانوا عارضوا تدخّل القوات الأجنبية (لأنها قوات استعمارية
لا تأتى لإنقاذ أحد وإنما لاستعمار بلادنا..) بحسب نص
البيان. كما تناول البيان موضوع الدكتور حسن الترابي الذي
ناله الأمير نايف بهجمومه.
وذكّر الهضيبي الأمير نايف بأن الإخوان المسلمين (لم
يدمّروا العالم العربي، بل هم الذين أحيوا الروح الإسلامية
فى كثير من بلاد الدول العربية والإسلامية وعملوا على
تنمية مجتمعاتهم ورقيها وازدهارها والتزموا احترام النظام
العام..).
ولفت الهضيبي في رسالته إلى مئات الألوف من أبناء شعب
مصر التي شيّعت المرشد العام للإخوان المسلمين مصطفى مشهور
(آذاها كثيراً أن توصف بما جاء بتصريحاتكم وحزنت وتألمت
كثيرا أن تكون هذه نظرتكم إليها وخاصة أن تأتي هذه التصريحات
عقب وفاة المرشد الراحل بفترة وجيزة..).
تلك كانت نظرة آل سعود للإخوان بالأمس التي استندت
على خلفية مشوّهة، وأراد نايف تحميل الجماعة مسؤولية الإرهاب
الذي انطلق من بلاده وأحدث ذلك الزلزال الكبير في الحادي
عشر من سبتمبر فسقطت إثر برجي نيويورك دولتان أفغانستان
والعراق، بل برّرت تلك الهجمات شكل الاستعمار الجديد بقيادة
الولايات المتحدة، والذي تسبب في فقدان الأمن في كل أنحاء
العالم..
نظرة الأمير نايف وحكومته إلى الاخوان المسلمين بوصفهم
سبب بلاء المسلمين والمشكلات التي أصابت المملكة، وأنهم
سيّسوا الإسلام، هم اليوم ليس مجرد قوة سياسية وازنة،
بل هي مرشّحة لأن تمسك بالحكم في عدد من الدول من المغرب
وحتى مصر وربما في دول أخرى من المشرق العربي..فكيف سيبدّل
نايف نظرته للإخوان الذي من المرشّح أن يمسكوا بالحكم
في كل دول شمال أفريقيا؟
لا ريب أن الانفتاح السعودي على الإخوان لم يكن بريئاً،
وكذلك على المؤسسات الدينية في مصر، خصوصاً بعد الربيع
العربي، وهو يتزامن ويتقاسم مع قرار أميركي بالإنفتاح
على الإسلاميين في الشرق الأوسط، وعلى جماعة الإخوان المسلمين
بوجه الخصوص. وقد كان لافتاً تصريح وزيرة الخارجية الأميركية
هيلاري كلينتون حين قالت في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي
بأن (الإسلاميين ليسوا جميعهم سواسية)، وأن القول بأن
الإسلاميين يعارضون الديمقراطية ليس دقيقاً، بل هنأت كلينتون
ونظيرها الفرنسي ألين جوبيه حزب النهضة التونسي بقيادة
الشيخ راشد الغنوشي بالفوز، وحين فازت جماعة الاخوان المسلمين
في المرحلة الاولى لم تبد كلينتون انزعاجاً، خصوصاً وأن
حزب الحرية والعدالة المشتق من الإخوان المسلمين تبنى
أصول اللعبة الديمقراطية وشروط التداول السلمي للسلطة
بل ذهب بعض قادته للولايات المتحدة للإطّلاع على تقنيات
الحملات الانتخابية والمنافسة السياسية المفتوحة..
فرّقت كلينتون بين الجماعات الإسلامية، فهي تصف الإخوان
المسلمين بالإعتدال بينما تصف السلفيين بالمتشدّدين، وقالت
في تصريح لها خلال زيارة لها إلى ليتوانيا في 5كانون الأول
(ديسمبر) الجاري لحضور إجتماع منظمة التعاون والأمن الأوروبي
ما نصّه “السلفيون مسلمون متطرفون، ومفهومهم للإسلام هو
مثل مفهوم السعودية، حيث يفصل الجنسان وتمنع المرأة من
القيادة”.
إذاً، السعودية تدرك تماماً بأن حظوظ جماعاتها السلفية
في مصر أو أي بلد عربي آخر محدودة، بل إن من تصفهم بسبب
بلاء الأمة، أي الإخوان المسلمين، هم الأوفر حظاً الآن
على المستويات المحلية والدولية. نعم، ما سوف تسعى السعودية
الى العمل عليه هو التأثير في خطاب الإخوان المسلمين لجهة
صنع عصبية طائفية في مقابل خصمها المذهبي إيران، على أن
تلوّح دائماُ بورقة الجماعات السلفيّة في المعارك الداخلية
التي ظهرت مؤشّراتها في اليمن، وعلى وجه التحديد في محافظة
صعدة.
الشيخ راشد الغنوشي: الأسرة المالكة
ستواجه انقلاباً أو الحريات للشباب
أكّد الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي
التونسي الفائز بالأغلبية في أول انتخابات تشريعية تجري
بعد نجاح الثورة التونسية بأن الأسرة الحاكمة بالسعودية
ستواجه إنقلابا على حكمها إن لم تمنح الحريات للشباب المطالب
بها.
وجاء كلام الشيخ الغنوشي خلال حديث عبر مائدة مستديرة
نظّمها “معهد واشنطن” للدراسات في 5 كانون الأول (ديسمبر)
الجاري، حول مستقبل البلدان العربية والعلاقة مع واشنطن.
وقال الشيخ الغنوشي بأن (الثورات تفرض على الملكيات العربية
إتخاذ قرارات صعبة، فإما أن تعترف بأن وقت التغيير قد
حان، أو أن الموجة لن تتوقّف عند حدودها لمجرّد أنها نُظم
ملكية. الجيل الشاب في السعودية لا يعتقد أنه أقل جدارة
بالتغيير من رفاقه في تونس أو سوريا).
وقال بأن (العالم العربي أمة واحدة، والشعب العربي
يملك ثقافة مشتركة، ما يحصل في المغرب يعطي الأمل بأن
بعض الملكيات قد فهمت رسالة اليوم الحاضر، وهي وجوب إعادة
السلطة إلى الشعب).
ولفت الشيخ الغنوشي إلى أنه كان ممنوعاً من زيارة الولايات
المتحدة طوال سنوات، ولكن (بفضل الثورات العربية فإنني
الآن أجلس بينكم وأتمتّع بانفتاحكم على الحوار..). وقال
في تصريح إعلامي بأن السعودية لا مجال لها إلا منح الحريات
وذكرت مصادر صحفية سابقة أن السلطات السعودية منعت الغنوشي
من دخول أراضيها لأداء فريضة الحج. وقد ذكر في مناسبات
عديدة بأن قرار إرجاعه الى لندن، وكان بلباس الإحرام،
يعتبر مهيناً، خصوصاً وأنه جاء بعد حصوله على تأشيرة الحج،
فيما يطلب منه البقاء لإبلاغه بوجود (تعليمات من جهات
عليا).
وكانت العلاقات السعودية التونسية توتّرت بعد أن لجأ
الرئيس التونسي المخلوع إلى السعودية، حيث تطالب الحكومة
التونسية بعد الثورة بتسليمه لمحاكمته وقضاء فترة سجنه
في تونس
|