السعودية: عام الرهانات الصعبة
محمد السباعي
المراهنون كثيرون على ما سيحدث هذا العام الجاري 2012.
فالشعوب تراهن على إسقاط المزيد من الأصنام العربية التي
تحكمها من خلال استكمال الثورات القائمة، أو إشعال فتيل
أخرى. وهناك بين الشعوب العربية من يراهن ـ إن لم يكن
على الثورة، فعلى التغيير والإصلاح والتوجه الديمقراطي.
وكما الشعوب هناك الأنظمة والقوى الإقليمية والدولية؛
لكل واحد منها رهاناته وآماله ومخاوفه من هذا العام؛ فكلٌّ
يأمل في تعزيز مكاسبه، أو في الحدّ الأدنى تقليص خسائره.
وإذا كان الشعب المُسعوَد يأمل بالتغيير والإصلاح التدريجي
أو الشامل، أي تغيير نظام الحكم كليّة حتى؛ فماذا عسى
أن تكون رهانات النظام الحاكم، والأمراء الحاكمون؟
بنظرنا هناك أربعة رهانات يسير باتجاه تحقيقها حكام
الرياض؛ وتعمل على أساسها ماكنتهم السياسية والإعلامية
والأمنية والأيديولوجية الوهابية. هذه الرهانات هي: رهان
القضاء على الثورات العربية او استيعابها لصالحهم ومنع
تأثيراتها عليهم؛ ورهان إستعادة النفوذ الضائع على المستوى
الإقليمي عبر حربٍ تشتعل في نهاية المطاف ضدّ إيران؛ وهناك
رهان الإستمرار في مقاومة الإصلاحات السياسية وتيئيس الشعب
من حصوله عليها وإخضاعه لسلطان القوة؛ وأخيراً هناك رهان
احتواء الإنشقاقات المتسعة داخل أجنحة العائلة المالكة،
وما تولّد عن تعيين نايف ولياً للعهد من سخط عارم بين
الأمراء الكبار. وكذلك احتواء أية تطورات قد يأتي بها
(ملك الموت) في حال قبض روح الملك العجوز أو ولي عهده
الجديد أو وزير دفاعه!
|
رهان سعودي على حرب مع ايران |
فيما يلي التفصيل.
رهان الثورة المضادة
2012، هو عام الثورة المضادة بلا أدنى شك.
وهو العام الذي تتحشّد فيه قوى البغي والعدوان لسرقة
ثورات الشعوب، أو لإخراجها عن مسارها، أو تعطيل مفاعيلها،
أو الإضرار بها، أو إشغالها بنفسها أطول فترة ممكنة.
وبلا أدنى شك، فإن أموال السعودية، وإعلام السعودية،
وقاعدة الوهابية السعودية، وحلفاءها من التوجهات السلفية،
كلها ستكون الأدوات في مواجهة تلك الثورات، بالتوازي مع
محاولة استيعابها من قبل الغرب وتدجينها، حتى لا تتحول
الى حربة في خاصرته.
هو عام الإحتواء، واسترجاع ما خسره حلف الإعتدال العربي
المدعوم أميركياً وصهيونياً بسقوط أباطرة الدكتاتورية
في عالمنا العربي. فإذا كان عام 2011 عاماً نحساً لأميركا
والسعودية بالذات، فإن عام 2012 أو ما يراد منه، سيكون
عام تقليص الخسائر، عبر استخدام حالة هجومية بعد أن كانت
الرياض في حالة دفاع.
السعودية تريد بالذات ـ وبالتوازي مع الجهود الأميركية
ـ استيعاب الثورات المنتصرة حتى لا تتحول الى حربة في
خاصرتها خاصة بالنسبة للثورة المصرية والتونسية؛ أما اليمن
فإن السعودية ـ وعبر مبادرتها ـ تريد استكمال إعادة انتاج
النظام القديم بوجوه جديدة ـ قديمة، مع إبعاد قوى الثورة
الحقيقية عن المشاركة في صناعة القرار، وبالذات القوى
الثلاث: الشاب الذين أشعلوا الثورة والذين لازالوا يملؤون
الساحات والميادين منددين بنظام علي صالح ومصرين على استكمال
الثورة رغم الجهود السعودية المحبطة؛ والحوثيون الذين
قصفت مدنهم وقراهم بطائرات السعودية في حرب غادرة خرجت
منها الرياض خاسرة؛ وهناك قوى الحراك الجنوبي الذي لم
يحصل على الحدّ الأدنى من مطالبه.
هو رهان سعودي إذن: استيعاب ثورات؛ حرف أخرى؛ قمع ثالثة
كما في البحرين. فهل تنجح السعودية في ذلك؟ يبدو أنه رهان
صعب، لأنه رهان يجري خارج حركة التاريخ، أو لنقل هو مضاد
لحركة التاريخ. لن تعود مصر كما كانت مطيّة لآل سعود؛
ولن تكون اليمن يمناً سعيداً مادام الإخطبوط السعودي/
الوهابي يتمدد في أحشائها، ولن تهدأ ثورة اليمن دون أن
تلحق خسائر فادحة بالنفوذ السعودي، وإن لم تقض عليه.
أما البحرين، فرهان السعودية على قمعها يتآكل، رغم
أنها صادرت قرار آل خليفة السياسي؛ وهي تقف بالمرصاد لأي
تنازل تنجح المعارضة في استحصاله. لكن حركة التاريخ ستكون
في غير صالح السعودية، خاصة وأن تدخلها في البحرين، والذي
أرادت منه منع تأثيرها على شرق السعودية، أصبح محرّضاً
على الحراك الداخلي، وليس العكس.
تبقى الثورة السورية، والتي سعت السعودية وجماعاتها
القاعدية الوهابية المتطرفة الى عسكرتها وتطييفها، وهي
تأخذ اليوم حالة أشبه ما تكون بحرب أهلية، أو لنقل بداية
حرب أهلية، يصعب معها تصور سقوط النظام، فيما بدت القاعدة
وكأنها اختطفت الحراك السلمي الى مواجهة عسكرية مع النظام
في دمشق.
رهان استعادة النفوذ
السعودية ستقاتل الى آخر رمق للتخلص من النظام السوري.
ليست هذه معلومة فحسب؛ بل هي تحليل للتحرك السياسي الذي
تمضي فيه السعودية جاهدة. منتهى الموضوع ان السعودية التي
خسرت على مدار سنوات نفوذها في أكثر من بلد عربي وإسلامي
لصالح إيران بالتحالف مع سوريا وحماس وحزب الله؛ ترى الآن
أن الوقت قد حان لاستعادة ذلك النفوذ الضائع. هذا يتوازى
مرة أخرى أيضاً مع الجهد الأميركي الإسرائيلي الذي تضرر
كثيراً في نفوذه ومكانته وصار هناك محور قوي يصعب كسره،
في واحدة من أهم حلقاته.
تمت تجربة الحرب مع حزب الله في 2006 على يد اسرائيل،
ووقفت السعودية واميركا معها كما هو معلوم من الموقف السعودي،
ولكن فشل الأمر في كسر الحزب.
حاول الحلف الأميركي السعودي الإسرائيلي الرهان على
كسر الحلقة الأضعف في ما سمي بحلف الممانعة من خلال تدمير
غزة وقهرها وحصارها منذ 2007، وشن الحرب عليها عام 2008؛
وأيضاً فشل الرهان هنا مرة أخرى.
بعدها توجّه الغرب واسرائيل للعب على الشارع الإيراني
أثناء الإنتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، واستخدام
التكنولوجيا في التجييش، ورفد الوضع بمزاعم تزوير الإنتخابات،
وتمكنت ايران من حل المشكل في أسابيع.
الحلقة الأخيرة هي الحلقة السورية. بدأت اعتراضات قمع
الإحتجاجات على يد النظام بالرصاص، واستعجل السعوديون
والوهابيون لتحويلها الى ثورة مسلحة، واعتمدوا الخطاب
الطائفي، وتكتل الغرب وتركيا في حلف سياسي لتغيير النظام
السوري. كان الأمل في السيطرة على بقعة تكون محمية جوياً،
ولكن فشلت المعارضة في ذلك، ثم كان العمل على المراقبين
العرب، وفشل الدافعون الخليجيون من استصدار تقرير يأتي
حسب مزاجهم، ثم تحولوا الى مجلس الأمن فجاءته ضربة قاضية
بفيتو مزدوج روسي صيني.
ما تبقى في ظل الإصرار على عدم الحوار السياسي بين
المعارضة والسلطة: خيار الحرب الأهلية، وهذا لا يضر اميركا
واسرائيل، بل هما ترحبان به. ان حدث ذلك، فسوريا الدولة
ستخرج من معادلة الصراع مع الصهاينة لفترة طويلة وربما
لعقود؛ والسعوديون يريدون إسقاط الأسد بأية وسيلة، حتى
ولو تحالفت القاعدة مع واشنطن كما حدث في ليبيا. الآن
تتكرر تجربة التفجيرات والقتل والإغتيالات في سوريا مثلما
كانت في العراق، وبذات الغطاء الإعلامي والمالي الخليجي.
يتزامن مع ذلك، طبول الحرب التي تدقها السعودية واسرائيل
وأميركا والغرب ضد ايران. الحرب تبدو مستحيلة لأنها تكسير
للطرفين؛ ولكن اسرائيل والسعودية بالذات تريدان حرباً
يقوم بها آخرون، ولكن السعودية ستدفع ثمناً لو حدثت، وهي
بشكل مجمل تتمنى قيام الحرب اليوم قبل الغد؛ كما أنها
ـ ودول الخليج الأخرى ـ شريك أساس في موضوع الحصار الإقتصادي
والنفطي، ولا أدلك الترحيب السعودي المتكرر بأنها تستطيع
تعويض الغرب عن النفط الإيراني. أي قوموا بالمقاطعة ونحن
نوفر لكم نفطاً، بل نفطاً رخيصاً أيضاً.
السعودية تراهن على حرب هذا العام مع ايران، ولطالما
بشرتنا قنواتها (العربية مثلاً) وصحافتها (الشرق الأوسط
مثلاً) بأن الحرب قادمة، وأن اسرائيل وأميركا سيقومان
قريبان بتكسير عظام النظام الإيراني، وأن نهاية ذلك النظام
باتت قريبة، الى آخر التمنيات. نقول تمنيّات، لأن الرهان
على حرب حتى ولو وقعت، فحقول النفط السعودية ستكون المتضرر
الأساس، وسيخسر العالم أكثر إمدادات النفط السعودي بلا
أدنى شك.
زعمَ الفرزدقُ أن سيقتل مربعاً/ إبشرْ بطولِ سلامة
يا مربعُ
السعودية تعتبر ايران رأس الأفعى ـ كما قال الملك عبدالله
للأميركان ـ يجب قطعه، حسب وثائق ويكيليكس؛ لكن رأس الأفعى
هذا، لا يمكن قطعه بالسهولة التي تراها السعودية حتى ولو
موّلت الحرب نفطاً ومالاً كما تفعل في العادة. ومع هذا،
فالسعودية التي تظهر الكثير من عنترياتها السياسية، ليست
قادرة حتى على إغلاق بعثتها الدبلوماسية مع طهران، بالرغم
من أن الرياض تنظر للأخيرة كعدو أول قبل إسرائيل؛ كما
يروج لنا الإعلام السعودي.
الرهان السعودي على حرب مع إيران قد لا يكون رهاناً،
بل أمنية ومغامرة بل مقامرة لو حدث. ومع هذا، لو كانت
الحرب بتلك السهولة لقامت، ولو كانت بغير خسائر فادحة
لأميركا وحلفائها لشنت منذ سنوات.
لن تستعيد السعودية مكانتها من خلال رهانات كهذه؛ فالعجزة
الحاكمون في الرياض يحتاجون الى المزيد من العقل، والكثير
من التواضع، والتأمل والدراسة لسياستهم الخارجية، حتى
يجيبوا على سؤال: لماذا خسروا نفوذهم؟ ولماذا يكرههم العالم
العربي والإسلامي؟ ولماذا هو اسمهم ملوّث حينما وحيثما
يذكر؟ إن دولة متخلفة في نظامها السياسي؛ وفي أيديولوجيتها
الطائفية التكفيرية؛ لم تقدّم منجزاً للعالم؛ وهي تعيش
تبعاً للغرب في سياساته؛ وحكامها ارتكبوا من المفاسد أثقل
وزناً من الجبال، هكذا نظام ودولة لا يمكنه أن ينافس بنموذج
بائس وبأداء عجزة على حافة القبر.
|
عام سعودي مضاد للثورات |
رهان مقاومة الإصلاحات والربيع
العربي
لم تخسر الرياض حلفاء مثل مبارك وبن علي وعلي صالح
فحسب؛ فالربيع العربي جلب لها خسارة شعوب مصر وتونس واليمن
والبحرين وغيرها؛ كما جلب لها تأثيرات حاولت صدّها بفعل
ذلك التغيير الدرامي في الأنظمة العربية. إذا كانت الرياض
ومشايخها يحرمون التظاهرات، والإنتخابات، والمشاركة في
صنع القرار السياسي، وحرية التعبير، والمجتمع المدني،
وكل مفردات الإصلاح السياسي، فكيف بهم أمام شعبهم الذي
رأى الطواغيت يتساقطون، ورأى قوّة الشعوب تفعل فعلها؟
لقد شاهد الشعب المُسعوَد الثورات العربية على الهواء
مباشرة، وعرف من خلال المقارنة ما ينقصه، كما أخذ جرعة
سياسية ليس لها ما يشبهها إلا تلك الجرعة بل الصدمة التي
جاءت بسبب وجود نصف مليون جندي أجنبي على الأراضي السعودية
بعيد احتلال العراق للكويت عام 1990.
في ظل التكنولوجيا المتطورة، ذهب الكثير من الخوف من
الشارع السعودي؛ ونموذج نظام الحكم بدا في تصاغر مهول
مع الأنظمة السياسية العربية الأخرى، ملكية أو غير ملكية،
وعرف المواطن كم هو فاسد هذا النظام، وكم هي أفكار الحرية
مغرية وهي تتسلل اليه من كل زاوية ومكان. رسالة الربيع
العربي وصلت الى كل بقاع السعودية؛ وتفاعلاتها لاتزال
قائمة. الإعتصامات والإضرابات عن العمل، كانت من الكثرة
بحيث يصعب حصرها وفي كل المناطق.
حتى السلفية الوهابية التي أريد لها أن تكون أحد معاميد
الإنقلاب على الثورات، وتركيع الجمهور المحلي، وجدت نفسها
في حالة تشتت وضياع غير مسبوقين، فأصبح حالها وحال آل
سعود كبالعي الموسى، لا هم قادرين على ابتلاعه بشكل كامل،
ولا على إخراجه من حلقهم. التيارات السلفية الخارجية في
مصر وتونس وحتى ليبيا صارت نموذجاً للوهابية المحلية؛
فإما أن تخرج وتوصم بأنها ليست من الوهابية الأصلية النجدية؛
وإما أن يكون فعلها وانخراطها في السياسة نموذجاً يحتذى
من قبل التيار السلفي السعودي نفسه. اضطر نايف في مؤتمر
دعم الوهابية قبل أقل من شهرين أن يخرج وهابيي الخارج
عن التيار الوهابي الصحيح؛ حتى لا يتأثر وهابيو الداخل.
أياً كان الحال؛ فالمجتمع المُسعود بدأت تظهر له أسنان؛
ويحاول النظام فتح معارك خارجية وطائفية من أجل توجيه
الأنظار لها كبديل عن المعركة الإصلاحية الداخلية. كما
يحاول أن لا تنتقل تأثيرات المظاهرات في المنطقة الشرقية
الى المناطق الأخرى، وذلك عبر تصنيفها في خانة العنف والطائفية.
حتى الآن ـ وكما قلنا مراراً ـ هناك احتجاج مخنوق في كثير
من المناطق، ويعبر عن ذلك بوسائل مختلفة. الخشية لدى النظام
أن الكلام الذي يقال والتحدّي الذي يظهر بالأسماء والصور
من قبل المواطنين للنظام ورموزه عبر شبكات التواصل الإجتماعي،
تكمن في أن يتحوّل كل هذا الى مظاهرات في الشارع بعد أن
جرى التطبيع له عبر الكلام والمقالات والتغريدات والصور
ولقطات الفيديو.
رهان النظام هذا العام بالتحديد يكمن في أمرين:
الأول ـ إيقاف الإحتجاجات
في المنطقة الشرقية دون عوارض سلبية كبيرة؛ ودون تقديم
تنازلات. وحتى الآن فإن تلك الإحتجاجات قاربت العام الكامل
دون أفق لنهايتها؛ وكلما سقط شهداء برصاص الشرطة، كلما
زاد غضب الشارع والإصرار على تنفيذ أجندة إصلاح سياسي
عاجل. لازال النظام يخشى تمدد الإحتجاجات، كما يخشى من
تطبيعها شعبياً؛ اضافة الى خشيته من ممارسة الحد الأقصى
من القتل، خوفاً من انعكاسات ذلك على سمعته في الخارج،
وعلى احتمالية تأثير الإضطرابات على الإمدادات النفطية
العالمية.
الثاني ـ إيقاف الإحتجاجات
على مستوى المناطق الأخرى، التي هي دون التظاهر، مثل الإعتصامات
والإضرابات عن العمل، وإيقاف سيل الكتابات والتعليقات
الحاطّة من شأن العائلة المالكة؛ وذلك عبر إظهار القبضة
الحديدية، والمزيد من الإستدعاءات للتحقيق لدى المباحث؛
والإصرار على إبقاء المعتقلين السياسيين (آلافاً منهم)
في السجون دون محاكمات؛ أو محاكمة بضعة أفراد من الإصلاحيين
وإصدار أحكام حادّة لإظهار ان النظام لا يتنازل وأنه قوي
ومتماسك.
رهان الأمراء على إخماد الأنفاس انتهى زمنه، وعليه
أن يتوقع تصاعداً في التعبير الشعبي. لم تعد سياسة حجب
المواقع؛ ولا الإعتقالات ولا التهديد ولا شراء الذمم مجدية
كثيراً مع هذه الأجيال الجديدة. كل ما يروج له من أفكار
وتصورات رسمية لا علاقة له بالواقع. وكل ما يظهر من الأمراء
هو مجرد الإستعلاء والعنتريات. ولربما يكون من محاسن الصدف
أن يكون تعنّت آل سعود الوسيلة الأساس لانفجار الشارع.
لن يعود الشارع السعودي كما كان. ولربما تطور باتجاهات
أخرى حادّة عنيفة تماثل عنف النظام نفسه.
في النهاية فإن عقدة النظام بشأن إخماد الدعوات الإصلاحية
التي لم تتوقف لا في البيانات ولا وفي المقالات ولا في
وسائل الإتصال الإجتماعي ولا عبر الحراك في الشارع كالإعتصامات
والإضرابات والمظاهرات؛ عقدته الحقيقية أنه يفتقد المرونة
الكافية للمناورة، ومشكلته أنه يريد حلّ مشاكله في هذا
الموضوع وغيره بالقبضة الحديدة في زمن فلّت فيه الجماهير
حديد الأنظمة وأطاحت بها.
الرهان على وحدة العائلة المالكة
شهد العام 2011 زيادة في انشطار العائلة المالكة وتوسع
دائرة الإختلاف الحادّ بين أجنحتها. توفي سلطان ولي العهد؛
وقبله تم تعيين نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء؛
فانزوى متعب وزير البلديات السابق اعتراضاً ولم يحضر جلسات
مجلس الوزراء، ثم تم تعيين نايف ولياً للعهد وسلمان وزيراً
للدفاع في عملية تجاوزت هيئة البيعة التي شكلها الملك
لاختيار ولي عهد جديد؛ ما أدى الى غضب من طلال الذي اعلن
عبر موقعه الإلكتروني انسحابه من الهيئة، ثم فتح له موقعاً
في تويتر يوضح مواقفه.
شق تعيين نايف العائلة المالكة بشكل حاد؛ بل أنه شق
التيار السديري الحاكم (أشقاء نايف وسلمان)؛ فقد أزيح
عبدالرحمن نائب وزير الدفاع، وأبدى اعتراضاً على ذلك وعلى
عدم تعيينه ولياً للعهد فهو أكبر من شقيقه نايف. اما الأمير
ومشعل الذي يمثل أكبر ابناء عبدالعزيز بعد الملك، فلم
يصمت إلا بترضية مالية سخيّة. كما أن الخلافات وصلت الى
الجيل الثالث، بين أبناء الملك فهد وأبناء الملك عبدالله
وأبناء سلطان وأبناء نايف وغيرهم. كل واحد يجرّ النار
الى قُرصه، ويريد السيطرة والمزيد من النهب في الثروات
وكذلك زيادة المخصصات المالية والإستيلاء على العقود والمناقصات
وحصص النفط والأراضي وغيرها. لا ننس هنا ان عبدالعزيز
بن فهد وزير الدولة قد أُزيح من موقعه، فسعى ـ وهو في
لندن كما لو كان منفياً ـ الى تعديل وضعه حين فتح له موقعاً
في تويتر يستجلب منه دعم الجمهور، فما كان من الأخير إلا
أن لفظه وسخط عليه وهزأ به هو وعائلته.
كل المؤشرات تفيد بأن وصول نايف الى السلطة يمثل نقطة
انفلاش داخل العائلة المالكة. فهو كرجل ـ ومهما بلغت قوته
على الأرض من خلال إمساكه بوزارة الداخلية ومدعوماً بوزارة
الدفاع التي يتولاها شقيقه ـ غير مرضي عنه داخل العائلة
المالكة. هو باختصار ليس فقط رجلاً غير مقبول من عدد من
الأمراء الكبار؛ بل هو عنصر توتر حقيقي.
الآن، ولأول مرة بهذا الوضوح، يرى المواطنون الصراع
بين الأمراء على المكشوف، أو كما يقولون (صلّعت..). ترى
ماذا سيحدث عام 2012 بشأن هذا الصراع بين رؤوس العائلة
المالكة؛ خاصة إذا ما توفي الملك عبدالله، المريض حالياً،
والذي لا يمارس إلا القليل من العمل، فيما كامل جهاز الدولة
يقع بين يدي نايف؟ وحتى نايف نفسه فإنه عجوز وقد قارب
الثمانين من العمر، وكان قد أجرى أواخر يناير الماضي عملية
قسطرة في القلب، كما أنه مصاب باللوكيميا، ويعاني من آلام
متعددة في الظهر والركبة.
هناك اعتقاد على نحو واسع بأن عهد نايف ـ إن جاء لكرسي
الحكم ـ فسيكون بداية لصراع حاد داخل العائلة المالكة
مرجح أن ينتقل الى الشارع، في حالة شبيهة لصراعات سابقة
بين الملك سعود وأخيه فيصل في الستينيات؛ أو ربما بشكل
أكثر حدية يشابه صراع أبناء فيصل بن تركي (سعود وعبدالرحمن
من جهة، وعبدالله ومحمد من جهة أخرى) في الدولة السعودية
الثانية، والذي أدّى الى حرب أهلية حقيقية في نجد والأحساء
والقطيف، ومن ثم نهاية حكم آل سعود.
التحدّي الذي يواجه نايف بالذات، باعتبار الملك ضعيفاً
وفاشلاً، هو هل بإمكانه ضبط إيقاع الصراع داخل العائلة
المالكة؛ وتأسيس إجماع بين أفرادها يوضح بدون لف أو دوران
أمرين أساسيين: الأول ـ مسألة تسلسل الخلافة، كيفيتها،
والمشاركون في صناعة الملك القادم؛ والثاني ـ له علاقة
بوجهة الدولة ككل: هل تتجه نحو بعض الإصلاح، أو الكثير
منه، أو لا إصلاح. السؤال الأخير يتعلق أساساً بكيفية
(حفظ مُلك آل سعود) وليس بحق الشعب في اختيار حكامه أو
مشاركتهم في صناعة القرار.
هذه هي التحديات الصعبة التي تواجه آل سعود في عام
2012.
يأمل الأمراء أن يكون عاماً مليئاً بالمكاسب؛ ويأمل
المواطنون أن يحمل معه مزيداً من الفشل لآل سعود، بحيث
يضعفهم وينجح المساعي إما بإصلاح نظام حكمهم أو إسقاطه.
|