ويكيليكس تؤكده في وثائق أمريكية
التعاون الإستخباري بين الموساد وآل سعود
توفيق العباد
كانت العلاقات بين آل سعود والكيان الاسرائيلي موضع
شك الأصدقاء والأعداء على السواء، وربما كان هناك من يريد
أن يستبعد أي نوع من العلاقة بينهما، لأن في ذلك امتهاناً
لكرامة المسلم، إذ من لديه أدنى معرفة بنوع العلاقة التي
يريدها الكيان الاسرائيلي لابد أن يتوقع أن أجهزة استخباراتها
قد وصلت الى الأرض الأكثر قداسة في الاسلام، وهذا يستوجب
موقفاً عملياً من المسلم.
جرت على مدى عقدين من الزمن تحوّلات في العلاقات السعودية
الاسرائيلية، بعضها جاء على خلفية التحوّل في النظام الدولي
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وما يفرض ذلك من تغييرات جوهرية
في شكل التعاون بخصوص الملفات الإقليمية والدولية. وبعد
هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، كانت أول مكافأة يقدّمها
النظام السعودي هو مبادرة الملك عبد الله في قمة بيروت
في مارس 2002، والتي أعلن فيها عن استعداد الدول العربية
التطبيع مع الكيان الاسرائيلي في إطار عملية سلام شاملة،
مستبعداً قضيتي: اللاجئين والقدس. ونتيجة لاعتراض الكيان
الاسرائيلي على القبول بحدود 1967، ومواصلة بناء المستوطنات
أقدم آل سعود على الذهاب بعيداً في التنازل للكيان الاسرائيلي
بما في ذلك تمويل عمليات الاستيطان للاجئين الفلسطينيين
في الشتات، وتقسيم القدس التي تتعرض اليوم لعملية تهويد
شاملة، في ظل صمت سعودي مطبق، ومع ذلك لم يكتب للمبادرة
حتى الآن النجاح، رغم ابتزازهم لحركة حماس من أجل الإعتراف
بمشروعية الدولة اليهودية..
لقاءات متكررة تشاروية وتنسيقية بين أمراء سعوديين
ونظرائهم الإسرائيليين بدأت تظهر بصورة شبه علنية منذ
عام 2006، بدأت بلقاءات الأمير بندر بن سلطان، رئيس مجلس
الأمن الوطني الغائب عن الأنظار، ومائير داغان، رئيس جهاز
الموساد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت
في العاصمة الأردنية، عمّان، ثم لقاءات أخرى في مصر ونيويورك
وغيرها..وكل ذلك كان يجري تحت إطار ما كان يسمى (معسكر
الاعتدال) الذي ضمّ مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي
الى جانب الكيان الاسرائيلي.
في حقيقة الأمر، أن العلاقات السعودية الاسرائيلية
كانت موضوعاً أميركياً الى جانب كونه سعودياً وإسرائيلياً،
وكانت واشنطن تقرر في بعض الأوقات مستوى العلنية الذي
يجب أن تصل اليه تلك العلاقة، وما هو جدير بأن يكون في
السر.
في المذكرة السرية التي قدّمت الى الرئيس الأميركي
بيل كلينتون في بداية عهده بعد انتخابات كانون الأول (ديسمبر)
1991، والدوائر ذات العلاقة (وزارة الخارجية، ولجنة الشؤون
الخارجية في مجلس الشيوخ)، جاء ما يلي: إن العربية السعودية
تعتبر الحجر الأساس في سياستنا القومية والدولية. فقد
كنا نعتقد دائماً بأن سياسة حماية إسرائيل وإبقائها قوية
يمكن ترسيخهما بوجود النظام السعودي الذي برز مؤخراً في
المشهد العربي كقوة مؤثرة. كان مشروع الملك فهد للتسوية
مع اسرائيل نقطة البداية التي يمكن الإنطلاق منها لكسر
جبهة الرفض العربية وتحقيق التسوية التي تقترب الآن من
مرحلة الاستكمال. فبدون النظام السعودي والسياسة المصريّة
التي يتبناها الرئيس مبارك في القيام بخطوات عملية، لن
يكون من الممكن تدمير العراق وإزالته من معادلة المنطقة.
وتقول المذكرة في فقرة أخرى، بأنه بعد نشأة إسرائيل
وبروز تيارات فكرية قومية وراديكالية في المنطقة، أصبح
النظام السعودي هاماً بدرجة كبيرة لقمع طموحات هذه القوى
لأنها كانت تهدّد أمن ومستقبل إسرائيل.
وتضيف: وكما هو دارج في عدم إدراك أبناء آل سعود، فإن
فهد (=الملك) فهم من حديث بينه وبين الرئيس الأسبق جورج
بوش، بأن إقامة علاقات واضحة وقوية مع إسرائيل سيحقّق
الأمن في المنطقة. وقد فسّر فهد أمن المنطقة بأنه يعني
أمنه الشخصي. ولهذا السبب، ذهب بعيداً في إقامة علاقات
إجتماعية مع إسرائيل على المستويين السياسي والعسكري.
وبالرغم من المشاركة السعودية في تمويل الدعم العسكري
لإسرائيل خلال حرب العراق، في سبيل إبقائها خارج مجال
العمل على أمل تفادي أي مواجهات مع الشعب العربي وإفشال
أهداف قوات التحالف، والتي تمّت بناء على إتفاقنا مع الملك
شخصياً، فإنه لا يزال ينظر الى أن ذلك مبدأ أساسي أو قانون
من أجل السيطرة على سير المفاوضات العربية ـ الإسرائيلية.
ولسوء الحظ هناك قوى في إسرائيل تستغل ذلك لمصالحها
الخاصة، بما قد يهدّد عملية السلام بصورة كاملة كما يهدّد
أمن السعودية، وخصوصاً في حال تسرّب وثائق محددة عن علاقتها
بها (أي بإسرائيل). ومن المحتمل جداً أن يتم ذلك بأيدي
الإسرائيليين، في حال لم يستجب النظام ـ السعودي ـ لمطالب
محددة بالنسبة لإسرائيل. ويزوّد النظام السعودي إسرائيل
بالخطط المالية والتنسيق في إطار مشاريع مشتركة، سواء
داخل أو خارج السوق الشرق أوسطية.
وتلفت المذكرة إلى إن هذه الخطوات السعودية ـ الإسرائيلية
غير المحسوبة تتسبب في مشاكل كثيرة بالنسبة لنا ولن تفضي
إلى علاقات أمنية صحية بين فهد واسرائيل خارج سياق سياستنا.
لقد أشرنا إلى ذلك بصورة واضحة لكل منهما. ولكن فهد يحاول
أن يجد مبرراً، بمعنى أنه يريد هذه العلاقات كإستمرار
للعمل المشترك في اليمن في الستينيات (القرن الماضي) في
ضوء تسارع الأحداث بين الحكومتين في اليمن.
يلفت الملحق المضاف الى المذكرة إلى أنه: بالنسبة لأولئك
الذين صاغوا المذكرة كانوا صائبين، بالرغم من الطريقة
المهذبة والدقيقة التي عبّروا فيها عن أنفسهم، فليس هناك
ما يمكن إضافته سوى التعاون العسكري السعودي ـ الإسرائيلي
الذي يتم الآن بصورة سرية، والذي قد يضع نهاية لمستقبل
النظام في حال انكشافه من خلال وثائق ـ وهو أمر قمنا بمنعه
حتى الآن من الوقوع، في ضوء استجابة إسرائيل لنا دونما
فقدان المكاسب المادية والإستراتيجية والمصالح، بما يشمل،
على سبيل المثال، سيطرتها على ست جزر سعودية في البحر
الأحمر (ملاحظة المترجم: لم يشر التقرير الى أسماء الجزر
إن كان المقصود بها تيران وصنافير في شمال البحر الأحمر،
أم الجزر الواقعة في جنوبه والمحاذية من المناطق الجنوبية
من المملكة والتي تستعملها اسرائيل لمشاريع تجارية مثل
رعي الأغنام)، وتبادل المعلومات حول المعارضة السعودية
والحركات الإسلامية داخل المناطق المحتلّة وخارجها. كما
كنا قادرين على وقف عمل سعودي ـ إسرائيلي مشترك للتسلل
الى الجيش السوري لأن أية أخطاء في هذه العملية المريبة
ستؤدي الى تقويض كل الجهود من أجل التسوية السلمية، وقد
تتسبب في نزاع عربي مرير وقد يكون راديكالياً للغاية في
الشكل الذي تأخذه. فالسوريون أذكياء جداً في هذه القضايا،
وهم أفضل من الإسرائيليين في قضايا الإبتزاز.
ماسبق كان فقرات من المذكورة سالفة الذكر، وتعود الى
ما قبل عشرين عاماً، وحينذاك كانت العلاقات بين آل سعود
والكيان الاسرائيلي بتلك القوة التي تجعل الطرفين يخططان
لقلب نظام الحكم في سورية، فكيف يمكن تخيّل طبيعة التعاون
الحالي، ليس في الملف السوري فحسب بل في كل الملفات ذات
الاهتمام المشترك، خصوصاً بعد أن بدا واضحاً على سبيل
المثال أن ايران باتت عدواً مشتركاً لآل سعود وللكيان
الاسرائيلي، وكذلك موضوع حزب الله وحماس والجهاد وحركات
المقاومة عموماً في المنطقة..
لاشك أن ما ظهر في العام 2006 من لقاءات شبه علنية
بين أمراء آل سعود والمسؤولين الاسرائيليين لم يكن بمثابة
نبتات عشوائية، فالعلاقة كما يبدو من موضوعات التعاون
بين الطرفين أعمق بكثير وتعود كما تكشف المذكرة الى بدايات
نشوء الكيانين، وماهو الدور المنوط بالسعودية كيما تحافظ
على استقرار الدولة العبرية وبقائها مقابل التهديدات المحتملة
التي يمكن أن تواجهها نتيجة ظهور تيارات وقوى معادية لها..
ثمة أسرار خطيرة مازالت خافية عن العلاقة الاسرائيلية
السعودية، خصوصاً من طرفين يتقنان فن إخفاء الحقائق وتضليل
الرأي العام، ولربما سوف يحاول النظام السعودي ملاحقة
أي وثيقة تدّل على تلك العلاقة، لأنها قد لا تبقي لمصداقيته
باقية، لأنها اليوم في أسوأ حالاتها، وقد تطيح بصورتها
في العالم الاسلامي..
ونضع هنا واحدة من الوثائق التي سرّبها موقع «ويكيليكس»
حول التعاون الاستخباري بين السعودية والموساد، وقامت
صحيفة (الاخبار) اللبنانية بترجمة الوثيقة ونشرها في 6
آذار (مارس) الجاري. وقدّم يزن السعدي من الصحيفة عرضاً
للرسائل الإلكترونية التي سرّبتها (ويكيليكس) من شركة
الاستخبارات الأميركية (ستراتفور) عن تقديم الموساد الإسرائيلي
مساعدة سرية للاستخبارات السعودية. وكتب السعدي بأن العلاقة
الاستخبارية بين الموساد الإسرائيلي والاستخبارات السعودية
ظهرت في مجموعة من الرسائل البريدية الإلكترونية المسربة
من شركة الاستخبارات الأميركية (ستراتفور)، وتحديداً تلك
المرسلة بتاريخ 2 أيار/مايو 2007، والتي تضمنت مناقشات
بين نائب رئيس (ستراتفور) لشؤون مكافحة الإرهاب، فريد
بورتون، ومحللين في ما يتعلق بالتعاون السري السعودي ـــ
الإسرائيلي، كما أنها تشير إلى اهتمام (ستراتفور) بإنشاء
علاقات تجارية خاصة مع نظام الحكم في السعودية.
بدأت المناقشات بإرسال بورتون رسالة قصيرة إلى أحد
المحللين، نقلاً عن مصدر استخباري (بشري) لم يسمّه، الذي
زعم أن الموساد الإسرائيلي عرض مساعدة (سرية) على الاستخبارات
السعودية في (جمع المعلومات الاستخبارية وتقديم المشورة
بشأن إيران). ومن الواضح أن (مركز العبور الأساسي إلى
الرياض) كان مدينة نيقوسيا في قبرص. (doc-id 1227888)
وفي سياق ما يشبه النصيحة، لفت المصدر إلى أن السعودية
تلعب (على جانبي السياج، مع الجهاديين والإسرائيليين،
خوفاً من ألا يكون لدى الولايات المتحدة قدرة على السيطرة
على أي منهما).
وفي الختام، كشف المصدر أن (مجموعة من ضباط الموساد
الطموحين، السابقين والحاليين، يعقدون حزمة من الصفقات
لبيع السعوديين معدات أمنية، معلومات استخبارية، وخدمات
استشارية). وهذه الجملة تعني أن علاقة أمن وتجارة جمعت
الدولة العبرية والنظام الحاكم في المملكة العربية السعودية.
الرئيس والمدير المالي في (ستراتفور)، دون كايكندال،
شارك في رسالة بورتون أيضاً، حيث سأل الأخير: (هل ضممنا
وزارة الخارجية السعودية واستخباراتها إلى لائحة عملائنا؟
إنني أقترح إرسال مايك باركس (أحد موظفي ستراتفور المعنيين
باستقدام العملاء)، صديق الأمير بندر بن سلطان، لإقناعهم.
100,000$ مبلغ تافه بالنسبة إلى هؤلاء، أعتقد أنه ليس
لدى جانكا علاقات مع هؤلاء../ كلمات بذيئة تستخدم لإهانة
العرب).
هذا الاقتراح لاقى استحساناً لدى كبار الموظفين في
(ستراتفور)، على الرغم من قلقهم إزاء إمكان تحمّلهم نفقات
سفر أحد الموظفين إلى الرياض لإتمام العملية.
تبادل الرسائل الإلكترونية انتهى مع بورتون حين حاول
إضفاء شيء من روح فكاهته العنصرية المعتادة قائلاً: (إما
نريد رؤوس المنشفة هؤلاء عملاء لنا أو لا. ويمكنني أن
أقطع رأس أي شخص نرسله إلى الرياض).
تجدر الإشارة إلى أن السعودية جددت تأييدها في عام
2007 لمبادرة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إضافة
إلى أن تقريراً في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية يعود
إلى شهر آب/ أغسطس من العام نفسه ذكر أن وزير الخارجية
السعودي، سعود الفيصل، كان حريصاً على المشاركة في مؤتمر
أنابوليس الذي كان مزمعاً عقده في الخريف، وذلك في مقابل
إشارة إسرائيل إلى (الانفتاح) على الخطة السعودية.
|