لماذا فشل العرض السعودي في البحرين
خالد شبكشي
فيما تتواصل الاحتجاجات الشعبية في البحرين في ظل وجود
قوات الدرع الجزيرة بقيادة السعودية، والتي نزع تقرير
الدكتور شريف بسيوني، رئيس اللجنة المكلّفة من قبل ملك
البحرين حمد بن عيسى، المشروعية عنها حين نفى وجود أخطار
خارجية (وإيرانية على وجه الخصوص) تهدّد دولة البحرين،
فإن الحديث يتصاعد اليوم عن مخارج حاسمة وحلول مقنعة للشارع
البحريني الذي لم يعد يقبل العودة الى البيوت دون تحقيق
مطلبه الرئيسي بإقالة رئيس الوزراء الحالي الشيخ خليفة
بن سلمان، وتشكيل حكومة منتخبة.
أقفلت السعودية التي تمسك اليوم بالقرار السيادي في
البحرين كل أبواب الحل طيلة عام كامل، على أساس وعد قطعته
للأميركيين بأنها ستدير بذكاء وحكمة الوضع الداخلي البحريني،
فيما تبيّن لاحقاً أن دخول قوات درع الجزيرة ربما أبعد
الاحتجاجات عن العاصمة نسبياً ونقلها الى القرى والمناطق
الداخلية، إلا أن حركة الاحتجاجات تواصلت وأخذت أشكالاً
أكثر تطوّراً وتعقيداً.
كل العروض السعودية لم تكن مقبولة، ليس لأنها تأتي
من عقل وصائي وعجرفة فارغة، ولكن أيضاً لأنها تتجاهل حقوق
الناس، ومنها حقهم في انتخاب الحكومة، بعد مرور أربعين
عاماً على تولي الشيخ خليفة منصب رئاسة الوزراء. كان العرض
الأكثر شهرة هو ما قدّمه الأمير نايف، ولي العهد ووزير
الداخلية، لوزير الأمن الإيراني مصلحي خلال زيارته للرياض
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والمتمثل في مجلس وطني
منتخب كامل الصلاحية في مقابل وقف الانتفاضة الشعبية في
البحرين. والحقيقة، أن العرض كان يهدف في جوانب أخرى منه
وضع حد لتداعيات الاحتجاجات الشعبية البحرينية على المنطقة
الشرقية من المملكة، خصوصاً بعد أن بدأت المناطق الأخرى
في المملكة السعودية بالتحرّك الذي قد يؤول في نهاية المطاف
الى اضطراب الجزيرة العربية بصورة كاملة.
ولكن الجواب الإيراني كان سلبياً، باعتبار أن المجلس
الوطني بمفرده يعتبر دون مستوى مطالب أكبر جمعية سياسية
في المعارضة البحرينية (الوفاق) التي تعتبر حكومة منتخبة
بصورة كاملة هو بداية الحل. ولذلك، عاد مصلحي الى دياره
دون عرض جدي وحقيقي يمكن البدء منه واعتباره نقطة انطلاق.
كانت الآفاق مغلقة إزاء أي حل سياسي في البحرين بقرار
سعودي، رغم محاولات ولي العهد البحريني تدوير الزوايا
لجهة البحث عن منفذ لأزمة الحكم التي لم يعد بالإمكان
حلّها إلا بحلول مقنعة للشارع البحريني الذي لن يقبل دون
حكومة منتخبة. اعتقد النظام السعودي وتبعاً له رئيس الوزراء
البحريني خليفة بن سلمان بأن الزمن كفيل بأن ينهي الأزمة،
لأن المتظاهرات سوف لن تدوم طويلاً والرهان كان على تعب
الناس وسأمها وانقطاع نفسها، ولكن ما ظهر لاحقاً أن المتظاهرين
بدوا كما لو أنهم يزدادون إصراراً على مواصلة التحرّك
مهما كانت المخاطر..
ولربما كانت مواصلة المحتّجين المسيرة هي ما دفع الإدارة
الأميركية لإيصال رسالة حازمة الى حليفها السعودي بأن
من غير الممكن الاستمرار في مثل هذا الوضع الذي بدأ يتدهوّر
في المنطقة، ويعكس تداعياته على داخل المملكة، حيث بدأت
بعض المناطق بالتحرّك وقد تنذر التطوّرات الأخيرة بمفاجئات
غير منظورة ولابد من البدء بوضع حلول حاسمة.
تلقّف الجانب السعودي الرسالة الأميركية بصورة جديّة،
وصار يفتّش عن قنوات حل بعيدة عن الأضواء حتى لا يظهر
وكأنه خسر المعركة في البحرين. وقبل أن يبدأ إتصّالاته
بالمعارضة البحرينية عن طريق وسطاء مشتركين، جاءت المفاجأة
بأن قام مراسل وكالة (رويترز) في البحرين بتسريب الخبر.
وفي 21 آذار (مارس) الماضي، ظهر على صفحة وكالة أنباء
(رويترز) تقريراً بعنوان (السعودية تضغط على البحرين لحل
الأزمة خوفا من آثار أزمة سوريا)، وذكر مراسل الوكالة
من المنامة التقرير التالي:
|
قوات سعودية الى البحرين |
نقل دبلوماسي وسياسي عن المعارضة البحرينية أن السعودية
تريد أن تحل الحكومة والمعارضة في البحرين الازمة السياسية
التي تخشى الرياض إمكانية أن تتدهور بسبب الاثار الطائفية
للصراع في سوريا وتزعزع استقرار المنطقة الشرقية بالسعودية.
وتشهد البحرين اضطرابات منذ اندلعت احتجاجات مطالبة
بالديمقراطية قبل نحو عام. واصبحت الاشتباكات حدثا يوميا
وتقع عادة في مناطق تسكنها الاغلبية الشيعية التي تتصدر
الاحتجاجات. وقال دبلوماسي غربي كبير: (سمعنا أن السعوديين
كانوا يتواصلون مع جمعية الوفاق في نهاية يناير وارادوا
ان يسمعوا كيف ستلعب الوفاق دورها في الفصل الثاني اذا
كان الفصل الاول هو العام الماضي).
واثناء الاحتجاجات العام الماضي شاركت الوفاق وهي جماعة
المعارضة الرئيسية في محادثات وراء الكواليس بشأن اصلاحات
عرضها ولي العهد الشيخ سلمان لكن المحادثات توقفت بعدما
دخلت القوات السعودية وفرضت السلطات الاحكام العرفية.
وتدعو الاغلبية الشيعية الى اصلاحات ديمقراطية واسعة
من شأنها تقليص سلطات الاسرة السنية الحاكمة واتاحة سلطات
حقيقية للبرلمان للتشريع وتشكيل الحكومة. ويقول نشطاء
ان ما لا يقل عن 32 شخصاً لقوا حتفهم منذ رفع حالة الاحكام
العرفية رغم أن الشرطة تشكك في اسباب الوفاة. والتقى أعضاء
في الوفاق مع وزير البلاط الملكي الشيخ خالد بن أحمد لاجراء
محادثات تمهيدية بشأن حوار رسمي بشأن الاصلاحات الديمقراطية
في يناير الماضي.
وقال الدبلوماسي الغربي ان الوفاق التي تواجه نزوعاً
الى التشدد بين كثير من الشبان الشيعة المعارضين للنظام
الملكي التقت مرة ثانية مع الوزير في الاسابيع الماضية.
وأضاف: (هناك أمور جارية لكن الامور تزداد صعوبة أكثر
مما تخليوه. يواجهون صعوبة في الوصول الى ارضية مشتركة)،
مشيرا الى مخاوف الحكومة من سيطرة الوفاق على الاغلبية
البرلمانية. وتابع قوله: (يمكن توقع حل سياسي هنا يرضي
السعوديين كثيراً لكن أعتقد أن الخطوط الحمراء ستكون أشد
بصورة طفيفة عن العام الماضي).
وقال سياسي معارض طلب عدم الكشف عن إسمه إن السعودية
تخشى حالياً من أن يؤدي الصراع في سوريا الذي تدعم فيه
ايران وحزب الله اللبناني حكم الرئيس بشار الاسد الى تفاقم
الإنقسام الطائفي في البحرين ما يصرف الانتباه عن سوريا
ويشعل احتجاجات من جانب الشيعة السعوديين. وأضاف: (يخشى
السعوديون من أن المأزق يمكن أن يدفع الشيعة نحو ايران...وما
يمكن أن يظهر نتيجة لما يحدث في سوريا).
ونظمت جماعات سنية بحرينية احتجاجات ضد الاسد وتتهم
الشيعة بالتعاطف معه. وتغطية وسائل الاعلام الايرانية
والتابعة لحزب الله ايجابية للمعارضة الشيعية البحرينية
ويتظاهر شيعة العراق غالبا لدعم شيعة البحرين. فيما يخشى
بعض زعماء السنة البحرينيين مصير سنة العراق الذين تعرضوا
للتهميش بعدما وصل الشيعة الى السلطة بعد الانتخابات.
واشتعل التوتر في المنطقة الشرقية السعودية مجددا في
الشهور الماضية. وقال مايكل ستيفنز الباحث بالمعهد الملكي
للدرساسات الدفاعية والامنية والمقيم في الدوحة: (لا يريد
السعوديون توترا في المنطقة الشرقية حالياً). إن (أولوية
السياسة بالنسبة للسعوديين خلال الشهور الثلاثة الماضية
كانت سوريا).
الى هنا يبدو أن التقرير لم يكتب كتغطية صحافية عاديّة،
فثمة إشارات قوية تضمّنها التقرير تلمح الى أن ثمة تسريباً
متعمّداً من جانب المعارضة البحرينية حيال ما كانت الحكومة
السعودية تنوي القيام به لوضع نهاية حاسمة للإحتجاجات
الشعبية التي مضى على اندلاعها ما يربو عن العام.
كان تقرير (رويترز) صادماً ومفاجئاً لأن من تعمّد تسريبه
أراد إجهاض تحرّك السعودية باتجاه التسويّة، التي يبدو
أنها ليست سخيّة بما يكفي لإغراء المعارضة البحرينية،
فجرى كشف نبأها في لحظاتها الأولى. كان التوتّر على الجانب
الرسمي البحريني والسعودي واضحاً فقد أبلغ المسؤولون البحرينيون
والسعوديون مراسل الوكالة رسالة شديدة اللحظة وتستبطن
تهديداً بإغلاق مكتبي الوكالة في المنامة والرياض، على
خلفية نشر الخبر، وطالبوه بالكشف عن هوية الجهة التي أوصلت
إليه خبر التحرّك السعودي نحو الحل في القضية البحرينية.
العقل الارتيابي السعودي توصّل حينها الى أن من قام
بإفشال التحرّك ليس سوى إيران، التي طلبت من المعارضة
عدم القبول بالعرض السعودي، والحال أن جميعة (الوفاق)
وهي أكبر جمعية سياسية في البحرين عبّرت منذ الأيام الأولى
عن أهدافها في التحرّك واعتبرت أن الحكومة المنتخبة هو
المدخل لأي حل لموضوع الاحتجاجات الشعبية.
المشكلة التي تواجه النظام السعودي اليوم هي أن مارفضه
بالأمس من وساطات من قبل الكويت، وتركيا، والعراق، وقطر،
وغيرهم وكان يصرّ حينذاك على أن من غير الممكن الحديث
عن تسوية قبل قمع الانتفاضة الشعبية بقوة كيما تفاوض من
موقع ضعف، إن لم يكن من موقع الخاسر الذي يبحث عن منقذ،
جاء اليوم ليعيد تقديمه للمعارضة التي باتت في موقع متقدّم
ولن تقبل بما عرضته بالأمس، خصوصاً بعد سقوط ضحايا، وهدم
البيوت والمساجد، ومئات المعتقلين، والفصل الوظيفي التعسفي..الخ
يبدو النظام السعودي اليوم في مأزق، فلا القمع الشديد
وضع نهاية حاسمة للاحتجاجات، ولا وجود قواته في أرض البحرين
بات يشكل عامل ردع، دع عنك مشروعية هذا الوجود الذي أضاف
تقرير بسيوني عقدة جديدة حين نفى أن تكون إيران تشكّل
تهديداً للأمن او لسيادة البحرين.
الإدارة الأميركية بدأت تنأى بنفسها تدريجاً عن المواقف
السعودية المكلفة، لأنها طلبت مهلاً لتسوية ملّفين يعنيان
الكثيرة للإدارة الأميركية الملف البحريني والملف السوري،
وتبيّن فيما بعد أنها غير قادرة على حسم أي منهما.
في تقدير المراقبين أن السعودية التي قررت الضلوع بصورة
مباشرة في ملفات المنطقة: اليمن، البحرين، سورية في ظل
اضطرابات واحتجاجات داخلية تجعل من هشاشتها البنيوية هاجساً
لدى كثير من الدول العظمى التي تحتفظ بمصالح حيوية في
هذه المنطقة.
لقد بدا واضحاً الآن أن الإدارة الأميركية لا تحتفظ
بنفس القدر من الحماسة حيال المزيد من التورّط في قضايا
المنطقة، لأن الانفلات السياسي والأمني في أي بلد من البلدان
المطلّة على الخليج، يعني خطراً محتملاً يحدق بمصالح الولايات
المتحدة النفطية والاستراتيجية. ولذلك، فإن ما دفع بالإدارة
الأميركية للضغط على الرياض من أجل البحث عن حلول سياسية
للملف البحريني إنما كان نابعاً من انسداد أفق لم يعد
بالإمكان تحمّله لأن الزمن لا يبدو أنه يخدم الأنظمة القمعية
والشمولية، فقد بدأت التحرّكات الشعبية في المناطق المصنّفة
بأنها محصّنة وفي منأى عن أي اضطرابات سياسية محتملة،
ولكن بعد أن شهدت مناطق جنوبية وشمالية في المملكة السعودية
بالتحرّك الشعبي، وإن كان موضوعه خدمياً أو تعليمياً،
فإن تحويلها الى قضية سياسية بات اليوم أسهل مما يتخيّل
المرء، بدليل أن ردود الفعل على احتجاج الطالبات في جامعة
الملك خالد بأبها كانت أمنية/سياسية من خلال توصيف الاحتجاجات
على أنها عمل مبيّت، وأن من يقوم بها هم قلّة مغرر بها..
باختصار، النظام السعودي اليوم في مأزق على مستوى البحرين،
ولا يدرك كيف يخرج من هناك بأقل الخسائر، خصوصاً وأن نغمة
الدمج والاتحاد الخليجي بدأت بالتراجع، ليس على مستوى
دول مجلس التعاون الخليجي قاطبة فحسب، بل وحتى على مستوى
ثنائي: بحريني سعودي. لقد أوصلت عمان رسالة واضحة بأنها
لا يمكن أن تقبل فكرة الاتحاد، ولكن سوف تقبل التعاون
في الجوانب الاقتصادية والجمركية والسياسية دون الوصول
الى مرحلة الاتحاد والإندماج..
السعودية اليوم حذرة أكثر من أي وقت مضى، بعد أن تلقّفت
إشارات بالغة من الادارة الأميركية بخصوص استمرار الاحتجاجات
في البحرين، لأن التداعيات أكبر من البحرين ومن المملكة
وقد تشمل المشرق العربي برمته.
|