السلفيّة السعودية: المهمّة المستحيلة!
من الولاء الى العنف.. الى التحديث والديمقراطية!
سعدالدين منصوري
ينبغي الإعتراف ابتداءً بان آل سعود أظهروا براعة منقطعة
النظير في السيطرة على الوهابية واستخدامها لتحقيق أغراضهم
الخاصة في التوسع وبناء ملكهم، كما هو معروف في التاريخ.
ثم صارت الوهابية بالنسبة لهم أداة ضبط داخلي قبالة المعارضين،
وصمّام أمان الحكم، وموفّر الشرعية الدينية في محيطها
النجدي الأقلّوي. وبعدها أصبحت الوهابية إحدى أدوات السياسة
الخارجية السعودية، وصارت سياسة الدولة تقوم على ترويجها
في الخارج، تدعيماً لنفوذ الحكم؛ ليصار لاحقاً الى استخدامها
كأداة عنف في تحقيق أهداف سياسية، إما لمقارعة خصوم، أو
لتمييل كفّة سياسية، كما هو الحال في أفغانستان أبان الاحتلال
السوفياتي لأفغانستان.
ورغم تقلّب الوهابية وعدم السيطرة عليها تماماً، إذ
تبرز مخالبها بين الفينة والأخرى، إلا أن آل سعود استطاعوا
ـ ببراعة ـ تحييدها، وانتاج اسلام سعودي يدعم الحاكم،
ويعزل المعارض من بين صفوفها النجدية، ويبيح قتله وإزهاق
روحه إن قام بالخروج على (ولاة الأمر). الوهابية ورموزها
يعتقدون بصدق أنه لا مكان لهم ولا نفوذ إلا في ظل الحكم
السعودي. والأخير يعتقد بصدق أنه لا يستطيع الإستمرار
بدون دعم الوهابية، مهما شذّت وآذت وتمرّدت. لا أحد بين
آل سعود يستطيع الفكاك من إغراء السيطرة على الوهابية
واستخدامها، رغم ما في ذلك من مخاوف.
لقد استطاع آل سعود التغلّب على الجنوح المستمر لبعض
فصائل الوهابية التي تظهر بين الفينة والأخرى، كتمرد الجيش
الإخواني عام 1928-1932؛ والذي انتهى بمقتلة عظيمة بينهم.
أو في احداث عام 1964 بعد تأسيس التلفزيون؛ أو في حادثة
جهيمان في نوفمبر 1979 حيث قام الجيش السعودي بتدمير مآذن
المسجد الحرام، وأدخل الدبابات والجنود الفرنسيين من القوات
الخاصة، كما القوات المغربية والأردنية، وبعدها اعدم الأسرى،
وقتلت عوائهم نساء وأطفالاً! وكل ذلك جاء بدعم الجناح
الموالي في الوهابية (المشايخ). واستمر الحال كما كان
في عام 1991، والأعوام التالية حيث ما عرف بالصحوة السلفية
ومشايخها الذين اعترضوا على آل سعود وطالبوا بالإصلاح،
فكان أن عُزلوا عن التيار الموالي وجرى اعتقالهم ليجري
تطويعهم فيما بعد (سلمان العودة، القرني، العمر، العلوان،
وغيرهم).
حين وقعت أحداث سبتمبر 2001، وبدأ الضغط على النظام
السعودي لإعلان فكاكه من الوهابية ومنتجاتها القاعدية؛
رفض آل سعود ذلك، لأنه يعني موته؛ وطفق يقول بأن الوهابية
مسالمة منذ ثلاثة قرون!، كما يقول وزير التعليم العالي
سابقاً. وقد استطاع الأمراء فعلاً ـ وبعمل الخبير ـ من
تحويل الرأي العام المحلي ضد القاعدة وتفجيراتها، وأن
يحول الماكنة الوهابية الرسمية ـ كما كل مرّة ـ ضد القاعدة،
أو يقنع القاعدة بالتحول الى ساحة معركة أخرى: العراق؛
كما فعل الحوالي وناصر العمر في مفاوضاتهما مع قيادات
القاعدة السعودية.
الإغراء باستخدام الوهابية تطوّر هذه المرّة، الى حد
توجيهها وتمويلها للقيام بأعمال تفجير وعنف في (حريم)
الآخر! هكذا كانت البداية في العراق، لتنتقل الى رفح ويؤسس
الوهابيون دولة اسلامية بالتعاون مع السعودية ومخابرات
عمر سليمان، نكاية بحماس؛ وقبلها تمويل القاعدة ضد حزب
الله، قبل ان تخرب (الطبخة) في نهر البارد وتتحول ضد مموليها؛
ومثل ذلك حدث من توجيه القاعدة للحرب ضد الحوثيين قبل
ان يتدخل الجيش السعودي ويفشل هو الآخر في الحرب ضدهم.
والآن تتجمع فلول القاعدة ـ كما أول مرة في أفغانسان،
ثم العراق ـ لتحارب في سوريا. مئات من المعتقلين القاعديين
في السعودية أطلق سراحهم وأفسح لهم الطريق للقيام بـ (الجهاد)
ضد الحكم الكافر في سوريا!
استطاعت حكومة آل سعود استخدام القاعدة وتعديل اولوياتها
لتحارب الى جنب أمريكا وآل سعود في أكثر من مكان. وليصبح
العدو المشترك طائفياً، فالقاعدة الوهابية أثبتت أنها
ضعيفة أمام إغراء الحرب الطائفية، فأمام أية نفخة بوق
تتحشّد للحروب الطائفية التي تعتبر أعظم حرب وأقدس حرب
تخوضها! والآن، فإن العدو مصنّف طائفياً، إن محليّاً كالشيعة
والإسماعيلية والزيدية والصوفية؛ أو إقليمياً في ايران
او العراق أو سوريا أو لبنان، ولا يهم التعاون مع الإميركي
أو حتى الإسرائيلي في هذه الحرب.
هذه السياسة السعودية ـ الناجحة ـ كان لها أثرها في
تعضيد الناتو في ليبيا؛ وتعضيد نظام علي عبدالله صالح
في اليمن؛ وتعضيد نظام حسني مبارك الذي استغلّ الوهابية
بصمتها اولاً، وفي أعمال قذرة كتفجير الكنائس!
لكن أمراً طارئاً حدث قد يغيّر المشهد!
إذ يراد من الوهابية ـ سعودياً ـ أن تكون أداة في حروب
آل سعود الداخلية والخارجية، وإقناع الوهابيين بأن ما
يقومون به هو حرب من أجل مصالحهم (والعقيدة بالطبع منها!).
لا يراد أن تكون الوهابية عنصراً مستقلاً بذاته، بحيث
يكون لها عقلها ومنطقها الخاص، ورؤيتها الخاصة بعيداً
عن ممارسات آل سعود وتحالفاتهم المشبوهة.
يراد للباحث ان يرى تطبيقاً حقيقياً لما كان يقوله
ابن سعود في بداية العشرينيات للمعتمد السياسي البريطاني
في الكويت الكولونيل ديكسون حين سأله عن الاخوان الوهابيين
(جيشه): أنا الإخوان! فلا تخف! أي أنهم محكومون بقيد (الإمام!
ابن سعود)! هم كلابه يوجههم أينما يريد، والى أي معركة
يراها!
الذي حدث منذ عام وغيّر المشهد، هو ثورات الربيع العربي.
فهذه الثورات حملت قوى جديدة الى السلطة؛ او على الأقل
الى كراسي البرلمان، في مقدمتها قوى إسلامية معتدلة كحركة
النهضة في تونس والإخوان المسلمون في مصر؛ وأخرى لم تمارس
السياسة (اللهم إلا دعم مبارك) كالسلفيين؛ وثالثة سلفية
قاعدية تحالفت مع الناتو مثلما هو في ليبيا، ورابعة تقال
وتطلب دعم الناتو في سوريا!
|
السلفية السعودية متخلّفة
سياسياً عن نظيراتها العربية |
ماذا فعلت ثورات الربيع العربي في التفكير السلفي السعودي؟
كل القوى السياسية والمجتمعية في العالم العربي وحتى
في بلدان اخرى غير عربية تأثرت بالربيع العربي؛ وبالنسبة
للسلفيين السعوديين فإنهم يعيشون حالة إعادة تموضع مدفوعين
بمقاربة أوضاعهم بما لدى نظرائهم السلفيين وحتى الإسلاميين
الاخرين في بلدان عربية أخرى.
فالسلفية تنتخب ولها أعضاء برلمان في الكويت والبحرين
وحتى اليمن فضلاً عن الباكستان!
والسلفية تنتخب وتترشح في مصر وتونس، وتنال أصواتاً
غير مسبوقة.
والسلفية في ليبيا تكاد تكون قوّة رئيسية مقابل القوى
الدينية المعتدلة الصوفية وغير الصوفية.
والسلفية في سوريا تقاتل بأموال قطر ورجال السعودية
ومشايخ عرعورية، وعينها على الحكم.
إذن: لماذا هو حرام كل ذلك على السلفية في النسخة السعودية،
بل حتى التظاهر والنقد لنظام الحكم السعودي حرام؟!
لماذا تقبل السلفية السعودية (الذي هو أدنى) مما يمنحها
اياه الحاكم السعودي، في حين أن بإمكانها الحصول على (الذي
هو خير) عبر الإنتخابات، ودون أن تدفع ثمن تحالفها مع
آل سعود من سمعتها ومكانتها؟ ودون أن تخسر شيئاً في حروبه
الطائفية المتعددة التي لا تعود على الوهابية إلا بسوء
السمعة، وبنعوت التكفيرية والغلو، والتي يساهم فيها إعلام
الحاكم أحياناً حتى لا تتغوّل (ويكبر راسها على صانعها)؟!
ثورات الربيع العربي، وأداء القوى السلفية سياسياً،
وانخراطها في السياسة بعد طول خمول، تعدّ تجربة أخرى،
وبأدوات ديمقراطية، قد تقزّم ـ حين المقارنة ـ النظام
السعودي (الذي يستأكل بالسلفية) وتجربة حكمه.
لهذا تأثر السلفيون في السعودية بنظرائهم. فكيف تكون
الديمقراطية كفراً في الرياض؛ وحلالاً زلالاً في تونس
والكويت والقاهرة وطرابلس وصنعاء؟
كيف تكون دعوات الديمقراطية والحرية بدعة في الرياض،
ومطلوبة في دمشق؟!
كيف يقبل السلفي بمفاهيم التعدد ـ ولو نظرياً ـ في
دول أخرى عربية، وهي من الكفر البواح في الرياض؟
ترى أية نسخة من السلفية هي الأصح؟ وأية نسخة هي الأقرب
الى روح الإسلام؟ النسخة السعودية أم تلك النسخة التي
ولدت من رحم الثورات العربية، حتى ولو كان بعض السلفيين
كما في مصر لم يشاركوا فيها؟
هذه تساؤلات تجول في ذهن السلفيين السعوديين، الذين
وقفوا مأخوذين من التجربة الجديدة. إذا كانت التجربة الإيرانية
قد أحدثت زلزالاً لديهم، فإنه أُمكن تحييدها بالعزف على
(الطائفية). كان مشايخ السلفية يومها يرون بأم أعينهم
(مشايخ يحكمون ويقتحمون السياسة) فيما هم مشغولون بتعبيد
طرق الإستبداد والفساد لعائلة آل سعود. تصاغروا كثيراً،
ورأوا أن تجربة أفغانستان في مواجهة السوفيات قد تفرز
لهم تجربة إسلامية منافسة، وإذا بها تخرّج لهم الطالبان
والقاعدة! لم يشأ مشايخ نجد أن يجددوا تجربتهم في الداخل،
فراحوا يبحثون عن تطبيق تجارب في الخارج، عبر السلاح والعنف
القاعدي.
الآن أمامهم تجربة جديدة، فكيف يتم التعاطي معها؟
النائمون من شيوخ (الصحوة) والذين كانوا بالأمس القريب
من المدافعين عن نظام بن علي والقذافي كالعودة والعريفي
وعائض القرني، صاروا اليوم يفتون في الثورة! (انظر كتاب
أسئلة الثورة لسلمان العودة). وطفقوا يحطون أرحلتهم في
عواصم الثورة، كما فعل الحوالي والقرني في تونس! ليعودوا
يمتدحونها ويبشرون بمفاهيم سياسية كانوا يعتبرونها كفراً.
هناك الثورة حلال الآن، والديمقراطية والتعددية مطلوبة،
فماذا عن الداخل السعودي؟!
تبدو تصريحات الصحويين وكأنها تحاول استيعاب القادم
الجديد من رحم الثورة. استيعاب المفاهيم الديمقراطية (الكفرية
سابقاً) وإعادة انتاجها سلفياً. وأنّى لهم ذلك؟!
كأن الصحويين وبعد غفوة السجن واتفاقاتهم مع آل سعود
فيما بعده، قد بدأوا من جديد في إعادة تموضعهم، وأخذوا
ـ رغم التعهدات عليهم من أمن آل سعود ـ يطرقون أبواب السياسة
بأدوات وخطاب سياسي مختلف لم تكتمل فصوله بعد.
كان سلمان العودة قد اتهم بأنه (خميني السعودية)..
فماذا سيقال عنه اليوم؟ هل هو (تروتسكي الثورة)؟!
الحكومة السعودية ـ وهي إذ تراقب تأثيرات الثورة العربية
على الجسد الوهابي ـ تشعر بالقلق من امتداد مفاهيمها وأدواتها
الى الشارع السعودي. التمظهرات لا تخطؤها العين: اعتصامات
وإضرابات لم تشهدها السعودية من قبل وهي بالعشرات في العام
الماضي. وتظاهرات امتدت الى أكثر من عام في الشرقية، وكذلك
في عسير/ ابها، وفي تبوك الشمال. وكما يقال بأن الحرب
أولها الكلام، فقد سمعنا الكثير منه وقرأناه على مواقع
التواصل الإجتماعي خاصة في تويتر. لم يبق إلا النزول في
الشارع خلافاً لرأي الأقلية الوهابية من المشايخ (وعاظ
السلاطين) الذين حرّموها على الشعب، حتى لا تبقى لديه
أية أدوات للتغيير.
لكن الأخطر هو التغيير المفهومي الذي أصاب جسد الوهابية
النجدية. فالمناطق الأخرى ليست وهابية، وإن مثلت الأكثرية
السكانية، والنظام إنما يعتمد في بقائه على خلفيته الإجتماعية
وعلى منطقة نجد بالخصوص (القصيم والرياض دون حائل). فإذا
ما عطبت وسائل التطويع الديني الوهابي في ضبط هذه المنطقة،
فإن النظام قد آذن بالرحيل!
من هنا قلنا أن ال سعود يريدون وهابية سلفية غير مستقلّة
عنهم. لا يريدون تجربة خارجية تفضح زيف سلفيتهم وزيف (إسلامهم
الأميركي) كما كان يقول المرحوم سيد قطب.
لا يراد للوهابية أن تنشق عن آل سعود، ولا أن تؤسس
لها تجربة أكثر تقدماً مما يعرضونه.
إذن، كيف يمكن منع تأثير النماذج السلفية الخارجية
التي تتكاثر هذه الأيام؟
تجربة الكويت والبحرين بالنسبة للسلفيين بدت وكأنها
استثناء في اقتحام السياسة والمشاركة في الإنتخابات. في
كل الأحوال كان السلفيون أقليّة. أما مصر، فسلفيوها أكثر
عدداً من كل السلفيين في السعودية!
هنا لا بدّ من توضيح (النسخة السلفية المزورة) عن (النسخة
السلفية الأصلية)!
لتحقيق هذه الغاية، عقد النظام ندوة عن السلفية في
شهر فبراير الماضي في الرياض برعاية نايف عنوانها: (السلفية
منهج شرعي ومطلب وطني)! جامعة الإمام وراء الندوة وأهدافها
كما قالت: (توضيح حقيقة المنهج السلفي وأنه يمثل الإسلام
الصحيح؛ 2. تخليص مفهوم السلفية الصحيح من المفاهيم الخاطئة
والادعاءات الباطلة للسلفية المزعومة من بعض الجماعات
المنحرفة فكرياً؛ و3. بيان حقيقة منهج الحكم في المملكة
العربية السعودية وأنه مستمد من الإسلام الصحيح عقيدة
وعملاً).
في ذات الوقت، عملت السلطة على (تفعيل) مؤسستها الدينية
المتهاوية، ومشايخها المنحدرة شرعيتهم ومكانتهم في الشارع
من أجل القيام بأمرين: خلق أزمات داخلية تشغل المواطن
عن هم التغيير السياسي، بما في ذلك توجيههم للشأن الخارجي
والمعارك الطائفية محلياً وخارجياً. فكلّما واجه النظام
مشكلة، وجّه الأنظار الى قضايا أخرى، وافتعل معارك مع
شرائح فكرية واجتماعية. المفتي مثلاً، أصدر فتوى بهدم
الكنائس في كل الجزيرة العربية، وهو رأي لا أساس فقهي
له، كما يقول الفقهاء، ثم انثنى على المواطنين الذين يطالبون
بحقوقهم وحقوق المرأة، متهماً اياهم في خطبة الجمعة في
6/4/2012 بأنهم (أعداء الإسلام) ينشرون الباطل ويروجون
الضلالات، وندد المفتي بدعاة حقوق الإنسان والعدالة والحرية
والمساواة، وقال ان غرضهم هو ترويج الباطل ليدحضوا به
الحق.
أيضاً فإن وزارة الشؤون الإسلامية حذّرت الخطباء من
الحديث في السياسة والقنوت إلا بإذن رسمي، في تأكيد جديد
لضبط النقد للوضع السياسي القائم، او امتداح وضع سياسي
آخر لا يرغب النظام السياسي في تكراره في السعودية نفسها.
وقال مدير الأوقاف والمساجد في جدة فهيد البرقي لصحيفة
الشرق 6/4/2012 إن وزارة الشؤون الإسلامية نبهت على الخطباء
(بعدم الحديث في القضايا السياسية نهائياً، وذكر الأشخاص،
خصوصاً في ظل الأحداث التي تمر حولنا. ولكنه استثنى حديث
الخطباء عن الظلم، الذي يتعرض له الشعب السوري، فهو يتماشى
مع سياسة الدولة، ونصرة الشعب المظلوم، موضحاً أن هناك
إذنا لكل مساجد المملكة بالقنوت للشعب السوري) حسب الصحيفة!
وكما يبدو فإن السعودية التي بذلت أقصى جهدها لمنع
سقوط مبارك، وحين بدا أن سلفييها المصريين ـ الممولين
منها والذين مرجعيتهم الرياض ـ قد حازوا على مقاعد عديدة
في البرلمان، تنكّرت الرياض لهم، فالسلفية المصرية وغيرها
مطلوبة كأداة في ماكنة سعودية، وليس العمل في ماكنة سياسية
أخرى. الرياض تدعم السلفية في الحفاظ على أنظمة كنظام
مبارك وآل خليفة في البحرين؛ ومطلوب منها ان تحارب في
معارك سوريا وليبيا، ولكن أن تستقلّ بقرارها، وتشارك في
الحكم، وتخوض تجربة أكثر تطوراً مما هو لدى المركز ـ الرياض،
فهذا (حرام) ومن يفعل ذلك (آثم) سياسياً ودينياً، ويمكن
قطع المال والدعم عنه!
هذا ما يفسر التضارب: هل السعودية تدعم السلفية في
مصر أم لا؟ هي تدعمها في كل شيء إلا أن تشارك في الحكم؛
وتؤسس لتجربة؛ تماماً مثلما كتب الريحاني في (ملوك العرب)
بداية العشرينيات عن ابن سعود، حيث قال بأن لدى الأخير
لكل شخص مقاماً، الى أن يصل (.. وللمجنون القتال)! أي
أن الوهابي المجنون المتطرف الذي لا يعقل ولا يفكر، مصيره
أن يقتل ويُقتل، فهذا هو الغرض! أما المعتدل فيستخدمه
ابن سعود في السياسة، ويعمل ضمن طاقمه!
الموقف من السلفية المصرية تغير سعودياً في الفترة
الأخيرة؛ ورأينا لماذا تدعم السعودية ترشيح عمرو موسى،
وعمر سليمان للإنتخابات، فيما هي ضدّ أن يصل الإخوان الى
الحكم، ومثلهم السلفيون! الإخوان المسلمون يعانون من تشويه
اعلامي سعودي امتدّ اكثر من عشرين عاماً. لم تهدأ الماكنة
الإعلامية السعودية ضدهم حتى الآن. ولا يوجد سبب منطقي
لذلك إلا الخوف من ظهور تجربة حكم إسلامي أكثر رشداً من
حكم آل سعود. طبعاً الأخيرين يلقون باللوم على الإخوان
بأنهم مصدر التطرف في السعودية! والصحيح ان وهابية السعودية
منتجون للتطرف والدموية والتكفير بحيث يفيض الى كل العالم،
من الشيشان الى أندونيسيا ومن الفلبين الى مجاهيل افريقيا.
ومن الشرق الأوسط الى عواصم أوروبا وامريكا!
لا عجب أن تروج السعودية لصديقها اللئيم عمر سليمان،
الى حد أن تنشر العربية نت عنواناً فاضحاً في 13/4/2012
يقول: (سليمان: قوة إلهية وإرادة ربانية تدفعني للمواجهة/
يجري مفاوضات مع شخصيات مصرية لاختيار 3 نواب له حال فوزه)!
وقد عملت السعودية على إقناع اطياف السلفية في مصر
على عدم الترشح للرئاسة، بل ضغطت على من يميل الى رأيها
بأن يرشحوا عمر سليمان للرئاسة استكمالاً لنهج سابق في
دعم مبارك. لا غرابة أيضاً أن د. مصطفى الفقي يصرح لتلفزيون
CBC بأن بعض قيادات السلفية المصرية أتصلوا به وأعلنوا
تأييدهم عمر سليمان (من أجل الإستقرار)!
لم تكتف السعودية بذلك، بل أعلنت قناتها (العربية)
بأن الحكومة السعودية كشفت بأن والدة مرشح السلفية للرئاسة
المصرية حازم ابو اسماعيل، قد دخلت السعودية لأداء العمرة
عام 2007 بجواز أميركي؛ وذلك في محاولة منها لمنع ترشحه،
وترقية مرشحها عمر سليمان. وكان حازم ابو اسماعيل قد وجه
انتقادات للحكم السعودي، بأنه يتعامل بالربا، ولا يطبق
الشريعة ويقمع العلماء!
الشرق الأوسط والعربية وكل الصحافة الموالية لآل سعود
والمدعومة منهم، تم توجيهها لدعم (منقذ مصر): عمر سليمان!
وأشار (المغرّد السعودي مجتهد المعروف باطلاعه) الى أن
السعودية رصدت مبالغ طائلة لحملة إعلامية ضخمة وشراء أصوات
القيادات الدينية (السلفية الجامية وخونة الأزهر) والعمد
والأعيان من أجل التأثير على اتباعهم لصالح عمر سليمان
قبل ان يجري استبعاده. وكانت السعودية قد وضعت ميزانية
ضخمة تحت تصرف حليفها وصديقها عمر سليمان ليترشح للرئاسة،
والذي كانت السعودية تنسق معه في ملفات عديدة تتعلق بغزّة
والعلاقة مع اسرائيل وغيرها؛ وقيل أنه بعد سقوط مبارك،
بدأ بالعمل لصالح السعودية كموظف! كما ضباط مخابرات وأمن
مصريون سابقون اعتادوا على العمل في السعودية ودعم اجهزتها
الأمنية. وقد زار سليمان السعودية بعد سقوط مبارك، واستقبله
الملك والأمراء الكبار وفي مقدمتهم ولي العهد ووزير الداخلية
نايف.
وكانت السعودية قد أبدت استيائها الشديد من ترشيح خيرت
الشاطر عن (الإخوان المسلمون) حسب سلطان القاسمي في مقالة
له في (المصري اليوم) الإنجليزية. وأضاف: (وصول الشاطر
إلى الرئاسة سيزيد القلق لدى السعودية. ويعرف عن ولي العهد
السعودي وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز على
وجه الخصوص عدم ثقته بجماعة الإخوان المسلمين).
ملخص القول، فإن السعودية تخشى أن تأخذ السلفية المحليّة
ـ وعلى الأرجح بقيادة سلمان العودة ـ طريقاً آخر، غير
طريق (المولاة) للنظام؛ وغير طريق (العنف القاعدي)؛ الى
طريق (احترام التنوع والديمقراطية) من خلال تطويع مبادئ
السلفية لتتواءم مع الواقع الجديد.
بالطبع، يمكن ان نتوقع هجوماً على العودة، وغيره من
الصحويين السابقين، الذين بدأوا بوجل وخجل دخول السياسة
مجدداً بعد انقطاع دام نحو عقدين، وبعد أن سحبوا البساط
بشكل كبير من تحت أرجل المؤسسة الدينية. يمكن أن يصبح
العودة ونظراؤه خارجين على السلفية، ومن ثم خارجين على
الإسلام وعلى ولي الأمر، لكن الزمن لا يعمل لصالح آل سعود
ولا لصالح وعّاظهم.
بيد أن السؤال الأهم هو: هل يمكن تطويع السلفية؟
من يقرأ تراث السلفية المجموع في مجلدات (الدرر السنيّة)
سيكتشف استحالة ذلك. وبالتالي فالأرجح أن الخطاب الجديد،
سيكون مقطوعاً عن جذوره السلفية التي تستعصي على التطويع
وربما حتى الترشيد.
|