هل تتوجه مدافع الجزيرة الى الرياض؟
السعودية تعلن عن انقلاب عسكري في قطر!
ناصر عنقاوي
(أنباء عن انقلاب في قطر يقوده الحرس الأميري وقوات
خاصة أميركية تتصدى الآن، واشتباكات عنيفة تدور الآن في
محيط القصر الأميري).
هكذا كتب كبير محرري العربية نت، محمد سعود جمال، وأتبعها
بتغريدات اخرى؛ فيما كانت العربية نت تتحدث عن انقلاب
تحت عنوان: (محاولة انقلاب يقودها حمد بن علي العطية).
كان ذلك فجر السابع عشر من أبريل الجاري. وبدأت تكرّ
المعلومات الكاذبة: (أنباء عن أن الأمير حمد وموزة غادرا
القصر في حماية مجموعات ووحدات خاصة امريكية) مع العلم
أن امير قطر كان يقوم حينها بزيارة لإيطاليا. واستمرت
العربية نت وكاتبها: (أنباء عن انشقاق قائد أركان الجيش
في قطر اللواء حمد بن علي العطية، واضطراب داخل وحدات
الجيش). مع العلم أن هذا اللواء بالذات يعتبر من الصقور
المتشددين ضد السعودية، وقد أريد من ذلك إثارة الفتنة
في صفوف الخصم!
ويكتمل الخبر السعودي المفضوح فبركته: (الأنباء بدأت
تأتي من مصادر متعددة؛ وصفحة الثورة القطرية على الفيس
بوك تقول أن الوضع أصبح خطيراً في قطر)!!
(أرنب كبير) أي كذبة كبيرة لا يمكن بلعها!
4 دقائق فقط، وتمّ مسح الخبر من العربية؛ وقام محمد
سعود جمال بحذفها، بشكل متناسق، ولم يكلفه سوى اعتذار
باهت على هذه الفرقعة الكبيرة؛ وأزال تعريف نفسه الذي
يقول بأنه (كبير محرري العربية نت) وكتب بأنه يعبّر عن
آرائه الشخصية!
أما العربية نت، فلم تعتذر، وكأنها أخرجت سلاحاً نووياً
وهددت به ثم أخفته!
نُذر المواجهة بين قطر والسعودية قائمة، ترى ما هي
الحكاية؟ فسماء العلاقات السعودية القطرية ملبّدة بالغيوم
منذ نهاية شهر يناير الماضي على الأقل. كان الجميع يراقب
التعاون السعودي القطري في دعم الناتو بليبيا، والحماسة
المشتركة في دعم الثوار في سوريا بالسلاح، حتى أنه أمكن
القول حينها بأن البلدين لم يصلا حداً من الصفاء بمثل
تلك اللحظات!
فما عدا مما بدا؟!
ما بين السعودية وقطر مشاكل حدودية لم تسوّ إلا مؤخراً،
وكانت صفقة إخراس قناة (الجزيرة) وعدم تعرضها للسعودية،
بين سلطان ولي العهد الراحل، وحمد بن جاسم وزير الخارجية،
جزءً من الصفقة.
لكن قطر لم تنس أن الرياض قامت بانقلاب عسكري ضدها،
بالتعاون مع الأمير السابق (الأب) وبعض عناصر قبيلة بني
مرّة؛ كما لم تنس وقوف السعودية مع البحرين في مشكلة جزر
حوار وفشت الديبل.
السعودية من جانبها تعتقد أن قطر دائمة التآمر عليها،
وأنها تعمل على إقامة محور خليجي مناهض لنفوذها، وأنها
تحرّض الأميركيين على تقسيمها، خاصة المنطقة الشرقية (الأحساء
والقطيف) حيث صناعة النفط وانتاجه وتصديره، والحجاز الذي
يمثل الثقل الديني في المملكة المُسعودة.
والسعودية لم تنس أن قطر حاولت استقطاب بعض مشايخ الصحوة
وغير الصحوة السعوديين وإبرازهم من أجل استخدامهم لاحقاً
ضد نظام الحكم السعودي؛ وأن قطر تدعم بعض المعارضين في
لندن (تحديداً سعد الفقيه) كما تقول الرياض. كما أن الأخيرة،
تحاول وراثة النفوذ السعودي في أكثر من بلد عربي، في ظل
سياسة سعودية جامدة بل ميّتة، كما فعلت من استقطاب لبعض
حلفاء السعودية وحتى أعدائها في اليمن. ووصلت وراثة السعودية
الى حد اعطاء قواعد عسكرية للقوات الأميركية المنسحبة
من قواعدها في الرياض، ما دفع الأخيرة الى إعادة التواجد
الأميركي هناك ومجاناً، كما فضح ذلك: الحديث بين القذافي
ووزير الخارجية القطري والذي تم تسريبه ونشره في اليوتيوب.
الآن قطر تريد أن تأخذ كأس البطولة في دعم الثورات
العربية، وتحاول التنسيق منفردة مع تركيا في هذا الصدد.
فيما تحاول السعودية تعويض عداءها للثورات العربية وخسارتها
السياسية الفادحة على الصعيد الإقليمي عبر الثورة السورية،
وتسليحها وتطييفها، وهي سياسة أدّت الى فشل الثورة حتى
الآن.
إذن ما بين السعودية وقطر الشيء الكثير؛ وما جرى خلال
السنوات الخمس من هدوء في العلاقات مجرد استراحة أعداء
متحاربين. ولكن المدهش هو أن (العربية) خلال السنوات الماضية
صارت سلاحاً ماضياً بيد السعودية يمكنها أن تواجه به ـ
ولو من موقع الأضعف ـ قناة الجزيرة ذات النفوذ الجماهيري.
في السابق كانت (الجزيرة) تصول وحدها وتجول، وكانت السعودية
تشعر بالتهديد من هذا الوافد الإعلامي الجديد الذي صار
ركيزة أساسية من ركائز السياسة الخارجية القطرية. أما
الآن، فهناك على الأقل سلاح يمكنه أن يجرح قطر ويواجهها!
ترى مالذي تغيّر وفجّر الموقف من جديد؟
ليس كل شيء مكشوف حتى الآن. فالسياسة تحوي عناصر معلوماتية
سريّة، قد تنعكس على الإعلام، ولكنها لا تفسر كل شيء.
ولكن واحدة من عناصر الخلاف الأساسية يتعلق بمصر، فمعلوم
أين وقف الجانبان القطري والسعودي. ولازالت السعودية لم
تخرج من صدمة خسارة مصر وحبيبها مبارك؛ وهي تحاول الإلتفاف
على الثورة، ولا ترغب بوصول الإسلاميين الى الحكم (إخوان
أو سلفيين/ انظر مقالة أخرى في هذا العدد حول هذا الموضوع)،
وهي تحاول لملمة صفوف أعداء الثورة تحت جناح عمر سليمان
أو حتى عمرو موسى! أما قطر فمع مرشح الإخوان المسلمين
خيرت الشاطر، الذي زار قطر، وفي أدنى الأحوال هي مع عبدالمنعم
ابو الفتوح (القيادي الإخواني سابقاً).
هناك ايضاً خلاف حول طريقة أمن الخليج بدون مصادمة
مع ايران، والرأي القطري يرى أن ذلك مكلف ويوتر الأوضاع
في حين لا قبل لدول مجلس التعاون بحرب سواء خاضوها وحدهم
أو مع أمريكا. السعودية مع الصدام أياً كان. كما أن هناك
خلافاً حول السياسة الواجب اتباعها في اليمن، وقد انسحبت
قطر مما سمي بالمبادرة الخليجية كما نتذكر جميعاً.
خلاف آخر حول مسألة التدخلات السعودية في دول الخليج
الأخرى وتهديدها إياها بالإنقلابات وغيرها، كما حدث في
سلطنة عمان، وقطر نفسها، وإطاحتها برئيس وزراء الكويت
ناصر الأحمد مؤخراً، فضلاً عن افتعالها الخلافات الدائمة
مع جيرانها الخليجيات والتعدي على أراضيهم، ولازال الخلاف
مع الإمارات قائماً حول الحدود؛ وهناك جزيرتان سرقتهما
السعودية من البحرين (بنية الصغرى وبنية الكبرى)، وكذلك
(جزيرة قاروه) الكويتية، وغيرها. وتشعر قطر ودول خليجية
أخرى، أن وطأة السعودية على دول الخليج الصغيرة يجب أن
تتفكك، ولا حلّ لذلك إلا بتحول السعودية الى مكوناتها
القديمة، أي تقسيمها.
وهناك معلومات تقول بأن واشنطن استمزجت رأي دول الخليج
(عدا السعودية) وذلك عام 2007، أنه إذا رفضت السعودية
اصلاح نفسها، وتطورت الأوضاع فيها، فهل تؤيد دول الخليج
تقسيمها خشية على امدادات النفط ومنع انتقال الإضطرابات
اليها؟ كل دول الخليج وافقت، إلا البحرين!
هناك مشكلة خليجية، هي أن بعض دول الخليج تؤيد قيام
تحول سياسي في الأنظمة الخليجية تدريجي، ولكن السعودية
تحارب أية محاولة في هذا الشأن وتضغط لإلغائها دون مراعاة
الخصوصيات. حدث هذا ولازال في الكويت والبحرين، وتحاول
مسقط النأي بنفسها عن المسار السعودي.
لكن يقال، بأن قطر، وبالتعاون مع واشنطن، في سبيل انتهاج
سياسة ضغط على السعودية، من أجل أن تفكّ الأخيرة يدها
عن عقدة البحرين، فالتدخل السعودي وإن حمى نظام آل خليفة،
لكنه قد يفجّر العنف في المنطقة، وينقل المشاكل ليس الى
المنطقة الشرقية فحسب، بل والى كل السعودية، وهناك إشارات
واضحة على حدوث ذلك.
في كل الأحوال، فإن ما قامت به قناة العربية، من فبركة
خبر انقلاب على أمير قطر، قد يعتبر بداية معركة سياسية
إعلامية بين البلدين؛ وفي هذه الحالة لا يمكن القول إلا
أن من بدأ المعركة الإعلامية جاهل، ولم يوصل رسالته بطريقة
صحيحة:
فزعم الإنقلاب المفبرك سعودياً، يفيد بأن السعودية
هي المعتدية والبادئ أظلم، وبالتالي لا عتب على الجزيرة
أن تكسر صمتها عن آل سعود.
تبيّن من خلال النشر، أن السعودية ترحّب بانقلاب يقوم
ضد أمير قطر يسقطه ويزيله عن العرش. هذا إن لم نقل أنها
مستعدة للمساهمة في هكذا انقلاب. ترى هل يعاتب القطريون
إن قاموا بالمثل؟
لوحظ من خلال ما نشرته العربية نت وكبير محرريها، أن
هناك اتهاماً لقطر بالعمالة لأميركا، وأن الأخيرة هي التي
تحمي العائلة المالكة من ثورة شعبية! هذا ينطبق على السعودية
بأكثر مما ينطبق على قطر. ولكن السعودية اعتادت ان تتهم
الآخر بما هو فيها، وأقرب مثال وأوضحه إيران التي تتهمها
بالتآمر على العرب بالتعاون مع اسرائيل وأميركا!
السؤال: كيف سيكون الردّ القطري؟ هل ما قامت به العربية
خطأ مطبعي؟ رسالة لا تنتظر رداً؟ إجهاضاً لتوجّه سياسي
(ما) لم ينطلق بعد؟ ألم تتوقع السعودية ردّاً قطرياً والى
أيّ حدّ وبأيّ شكل سيتخذ؟ هل سيكون على شكل قذائف من قناة
الجزيرة فقط أم ماذا؟ هل تنخرط قطر في دعم المعارضة للنظام
مثلما تفعل السعودية في الموضوع القطري؟
أسئلة يجيب عليها القطريون أنفسهم.
|