تحوّلات جوهرية غير مسبوقة في السعودية
عام الثورة بعد عام الإضرابات والإحتجاجات والإعتصامات!
فريد أيهم
في مجتمع يحرم الإعتصام والإضراب والتظاهر، سواء كان
التحريم قانوناً أو شرعاً!. وفي بلد بلغ القمع فيه مداه.
وفي بلد ينتج نحو عشرة ملايين برميل يومياً، بمعدل دخل
نفطي (فحسب) يصل الى مليار ومائتي مليون دولار (يومياً).
بدأ المواطنون بشتى شرائحهم ومختلف توجهاتهم بالتظاهر
تارة كما في طلبة وطالبات عسير وتبوك والرياض وغيرها،
أو بالإضراب، أو بالإعتصامات. في كل حقل وشأن ترى مشاكل
لم تحل، بحيث صار المواطن يبحث عن أبسط حقوقه المعيشية،
فضلاً عن حقوقه السياسية.
عام 2012 كما قلنا في أعداد سابقة، هو عام مليء بالمفاجآت
بالنسبة لحكم آل سعود. مظاهر المفاجآت واضحة من خلال ما
نراه من نشاط شعبي شمل كل المناطق، وكلها تعبر عن احتجاج
على العائلة المالكة وسياستها الفاشلة في توفير ابسط مقومات
الحياة الكريمة. وخلال فترة شهر واحد فقط، رأينا تزايد
الإعتصامات والإحتجاجات، ما ينبيء أن هذه الوسيلة ستشكل
ظاهرة ستتحول بلا شك الى صخب سياسي قادم. مع ملاحظة أن
هناك تظاهرات مستمرة في مدن عديدة بالمنطقة الشرقية.
لكن وزير التربية تعامى عن الأبعاد السياسية ورفض في
حديث له نشرته صحيفة الحياة بطبعتها السعودية في 4/4/2012،
اعتبار ما حدث من تحركات طلابية في عدد من الجامعات السعودية،
بأنه (مطالبة بالحقوق)، مفضلاً تسميته بـ (مطالبة بالخدمات)،
وتهرب من سؤال حول إمكانية إنشاء اتحادات طلابية في الجامعات،
وأصرّ ـ بحماقة ـ على أن ما حدث في جامعة الملك خالد في
أبها، وغيرها من الجامعات، من تجمعات واعتصامات للطلبة
والطالبات، بأنه مجرد (أمر عابر)، مطالباً بـ (عدم التوسع،
أو المبالغة بخصوص ما يحدث، إذ أن ما جَرى ليس الأسلوب
الصحيح لحل أي مشكلة، إن وجد تقصير أو خطأ).
فهل ما يحدث في السعودية مبالغة حقاً؟ لنقرأ (بعض)
ما جرى خلال الأسابيع الأربعة الماضية فقط!
ـ في 19/3/2012، تجمعت عشرات الطالبات في كلية المجتمع
بجامعة طيبة بالمدينة المنورة، مطالبات بتحسين أداء الجامعة
ومرافقها، والسماح باستخدام الهواتف النقالة، وتجهيز الجامعة
بالمختبرات والقاعات الدراسية.
ـ وفي منتصف مارس الماضي تجمعت عشرات من خريجات بكالوريوس
التمريض أمام مبنى الخدمة المدنية في الدمام وطالبن بتوفير
فرص وظيفية لهن، بعد ما قالوا أنه (سيل من الوعود) الكاذبة،
من أجل انهاء معاناتهن التي دامت سنوات. وحسب جريدة الحياة
(الطبعة السعودية/ 19 مارس) فقد رفعت مجموعة من خريجات
جامعتي الملك فيصل والملك سعود، في تخصص التمريض، شكوى
إلى وزيري الصحة، والخدمة المدنية وذلك بسبب عدم توظيفهن
رسمياً كممرضات في المستشفيات الحكومية.
ـ وفي 18 مارس أضرب نحو 300 موظف في مجمع الملك فهد
لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة واعتصموا أمام
ديوان المظالم مطالبين بزيادة الأجور وتحسين الأوضاع الوظيفية.
ـ وفي 18 مارس الماضي أيضاً، تجمع عشرات الخريجين من
المعاهد الصحية أمام وزارة الصحة للمطالبة بتوظيفهم، بعد
مضي فترة طويلة كانوا ينتظرون خلالها الوظيفة، فما كان
من الوزارة إلا أن استدعت الأمن لتفريقهم بالقوة، حسب
صحيفة الوطن السعودية (19/3/2012).
ـ وشهد مقر مبنى فرع وزارة الخدمة المدنية بمنطقة تبوك
يوم 18 مارس الماضي تجمعاً لعشرات النساء من خريجات الكليات
المتوسطة حيث طالبن بتوظيفهن، ورفعن لافتات أظهرت أن بعضهن
تخرج منذ زمن طويل 13 عاماً، و18 عاماً بانتظار تعيينهن.
ـ ونشرت الحياة ـ الطبعة السعودية ـ في 13/3/2012 خبراً
يفيد بأن ما يصل الى 3000 شاب وشابة من الحاصلين على مؤهلات
عليا (الماجستير أو الدكتوراة) وفي تخصصات مختلفة طالبوا
بتمكينهم من العمل في تخصصاتهم بدلاً من عدم التوظيف أساساً؛
وقاموا بتدشين موقع الكتروني لهم للتعريف بمعاناتهم!
ـ ووقع أكثر من 2600 سعودي، غالبيتهم جامعيون وناشطون
مدنيون وضمنهم نسبة كبيرة من السعوديات، بياناً في 6/4/2012
يرفضون فيه ما أسموه (الوصاية الأبوية) للسلطة ومشايخها
حيث طالبوا (بنبذ كل اشكال التحريض والاستقواء بالسلطة
والنفوذ لاقصاء الآخر، والسعي الى بناء مؤسسات مجتمع مدني
تستوعب الجميع... الساحة ليست ملكا لجماعة او تيار، ولا
يمكن لاحد ان يدعي احتكار الحق والحقيقة باسم الشريعة)
حسب البيان.
ـ وفي 10 أبريل الجاري، وحسب صحيفة الحياة السعودية
في 11/4/2012، تجمع مواطنون في تبوك مع زوجاتهم وأبنائهم
أمام مقرّ مبنى الإمارة، وطالبوا بتحسين اوضاعهم الخدمية،
والمعيشية، كونهم يعيشون في بيوت صفيح أو حاويات حديدية
معدّة للنقل، وطالبوا بمساكن تليق بهم كبشر، او على الأقل
ايصال الماء والكهرباء الى تجمعات سكنهم، إضافة إلى إنشاء
مدارس ومراكز صحية، وصرف صحي، وهاتف.
ـ وفي 8 أبريل الجاري، تجمع عدد من معلمات مدن ومحافظات
عسير أمام مبنى إدارة التربية والتعليم واعتصمن احتجاجاً
على توظيفهن في أماكن بعيدة جداً عن أماكن سكنهن، وعن
عوائلهن وابنائهن وأزواجهن. والمعلوم ان هذه المناطق مقطوعة
عن العالم ولا تتوفر للوصول اليها شوارع مسفلتة، ما أدّى
الى مقتل الكثير منهن. وقالت المعتصمات بأنهن خدمن في
تلك المناطق الطرفية لسنوات، وأن وعوداً معلنة بحل مشكلاتهن
لم تنفذ.
ـ وفي 3/4/2012، أضرب طلاب (التقنية الحيوية) بكلية
العلوم الطبية التطبيقية في جامعة الطائف، ولأيام عديدة،
عن الدراسة احتجاجاً على عدم إدراج وزارة الخدمة المدنية
تخصصهم ضمن الوظائف المطلوبة. وقال الطلاب بأنهم اكتشفوا
تعرضهم للخداع في التخصص إذ لا مستقبل وظيفي له. وقال
احد المضربين: (طالما أن هذا هو المستقبل الذي ينتظرنا
لا أرى هناك داعياً للدراسة في هذا القسم المليء بالهموم
والأوهام التي لا تحمل بشائر خير).
ـ وفي الأول من ابريل هذا الشهر، أبدى نحو 700 طيار
سعودي احتجاجهم على طول انتظارهم للتوظيف، وحملوا باللائمة
الخطوط السعودية التي تمتلكها الحكومة بعد أن فصلت العديد
منهم بأثر رجعي، ورفضت توظيف آخرين، رغم أنهم يحملون رخص
طيران من معاهد معترف بها دولياً ورغم ان الخطوط السعودية
توظّف طيارين اجانب كثر جلّهم من دول غربية وبمرتبات عالية.
ـ وأخيراً، وفي بداية ابريل الجاري، شهد لواء الملك
فيصل التابع للحرس الوطني في المدينة المنورة حالة من
التذمر والإضراب عن العمل إثر قيام أمير اللواء بأصدار
تعميم سري بخصم ما نسبته 50% من مرتبات الأفراد العاملين
في اللواء بسبب عدم الإنضباط والتسرب من العمل.
إذا كان صحيحاً الوصف الذي أطلقته الكاتبة السعودية
إيمان القويفلي على عام 2011 بأنه عام الإضرابات في السعودية؛
فكيف سيكون وصفها له هذا العام؟
عام التظاهرات؟ أم عام الثورة؟
|