الإتحاد الخليجي.. نكسة سعودية جديدة
محمد قستي
14 مايو الجاري، كان يوماً مشهوداً في منطقة الخليج.
كانت العيون مسمّرة على أصحاب السمو والجلالة المجتمعين
في الرياض، ليقرروا ما إذا كانوا يريدون وحدة خليجية،
أو اتحاداً، كان قد دعا اليه الملك السعودي في قمة ديسمبر
2011.
أحلامٌ كثيرة نسجها حالمون؛ ومخاوف أكثر عبّر عنها
مسيّسون أو عابثون! وأوهام نثرها طائفيون ومتعصّبون.
وفي النهاية، لم يتحقق الحدّ الأدنى مما كان مبتغى،
أو ما كان منه يُخشى!
القمّة الخليجية كانت (مخصصة) لمناقشة مقترح الإتحاد.
وقليلون هم الذين أدركوا باكراً بأن المقترح ولد ميّتاً.
شأنه شأن كل المقترحات غير المدروسة، مثل ضم الملكيتين
الأردنية والمغربية الى مجلس التعاون (الخليجي). وشأنه
شأن كل الحماقات والجهالات التي تأتي من المسؤولين السعوديين
هذه الأيام بلا وعي أو إدراك أو تخطيط فتنقلب عليهم.
قيل ـ وهو صحيح ـ أن الملك عبدالله ورّط بلاده بخطابه
العرمرمي الذي دعا فيه الى الإتحاد الفوري. كانت مجرد
مزحة للمتلقين بمن فيهم قادة دول الخليج. رُجّح يومها
أن كاتب خطابات الملك ـ ربما يكون خالد التويجري رئيس
ديوانه ـ أراد أن يقدّم سيده بتميّز، في تلك القمّة الديسمبرية،
والتي لم تعد تلفت النظر، فجاء الإلفات المتعمّد في خطاب
قرأه الملك عبدالله متعتعاً، فحازت كلمة الإتحاد على البطولة،
كونها جذبت الجمهور الخليجي الذي يتثاءب كلما سمع عن قمة
خليجية.
هناك من هو أكثر حمقاً من كاتب خطاب الملك عبدالله،
وهو الشخص الذي قرر أن يخلق من (الحبّة قبّة) ويفتح ملفاً
للدعوة، في قمة خاصة تعقد في الرياض، بغية ترجمة تلك الدعوة
الملكية! ومتابعتها مع الدول الخليجية الأخرى!
كيف يمكن لمجلس (عجز عن التعاون) حتى في توحيد العملة
والسياسة الخارجية والأنظمة العسكرية وحتى الضرائب أن
ينجح في (تحقيق الوحدة)؟ بديهي من يفشل في شأن سهل، لا
يمكنه أن ينجح في شأن أصعب. من يفشل في إزالة نقاط الحدود،
بل وحتى اعتماد التنقل بالبطاقة، بعد 32 عاماً من تأسيس
مجلس التعاون، كيف يمكنه أن يحقق وحدة في قفزة واحدة!
لمجرد أن ملكاً جاهلاً لا يجيد قراءة اسمه دعا اليها؟!
وكيف من يفشل في توحيد شعبه، وتقتات سلطته في بقائها
على تمزيق نسيج مجتمعه مناطقياً وقبلياً وطائفياً، كيف
يمكن لمثله أن يؤتمن على وحدة ومصير شعوب دول خمس أخرى،
وأن ينجح فيها؟!
وكيف لأنظمة عوائل حاكمة مستبدّة اعتادت الأخذ وعدم
العطاء لشعوبها، أن تسلّم لحاها الى الشقيق الأكبر ليعبث
بها؟
منذ البداية اعتبرت كل دول الخليج نفسها غير معنيّة
بدعوة الملك، اللهم إلا البحرين، أو بالأصح بعض أجنحة
الحكم في البحرين، دون الشعب البحريني نفسه، فشعوب الخليج
لا تُستشار فيما هو أدنى من هذا، فكيف يفكر طاغية برأي
شعبه؟
في الكويت، حيث العائلة الحاكمة تعيش أزمة مستمرة منذ
سنوات، وحيث مجلس الأمة المنتخب متحفّز للمواجهة، وحيث
الشعب الكويتي الذي رفض وحدة صدام القهرية، كيف يمكن أن
يقبل بوحدة مع السعودية، وهي متخلفة عنه في نظامها السياسي،
وفي الحريات المدنية والدينية؟ لا تستطيع العائلة المالكة
ولا البرلمان إقرار أمرٍ كهذا، لعيون الملك (أبو متعب)
حتى مع وجود تيار سلفي في البرلمان له صوت يعلو هذه الأيام!
وقطر قالتها على لسان وزير خارجيتها، رئيس الوزراء،
بانها تعتقد بأن التنسيق بين دول الخليج ضمن المستويات
القائمة كافٍ! أي أنها لا تؤيد أيّ نهج للإتحاد تحت المظلّة
السعودية.
سلطنة عمان والإمارات لم تردّا ولم تريا انهما معنيتان
أصلاً بما يقال!، وسلطان عمان لم يحضر القمة، وقائد بحريته
يوم انعقادها كان في طهران ينسق مع الإيرانيين عسكرياً
بما في ذلك المناورات البحرية المشتركة!
اما الإمارات التي ترفض السعودية مجرد ان يكون مقر
البنك المركزي الخليجي فيها، وتلغي تنقل الإماراتيين بالبطاقة
الشخصية، لمجرد أن خارطة الإمارات التي تظهر عليها تحوي
أراض متنازع عليها، فهذه الدولة لا يمكنها ان تقبل زعامة
متعصبة نهمة للتوسع.
بقيت البحرين، الدولة الخليجية الأقل في الموارد، والتي
تعاني من ثورة عارمة فيها مستمرة منذ 15 شهراً، وهي تعيش
تحت المظلة الأمنية والإقتصادية والسياسية والعسكرية السعودية.
هذه رحّبت! ولكن في الظاهر فيما يبدو فقط. هل يعقل ان
يتنازل ملك آل خليفة عن كبريائه وهو الذي ضخّم إمارته
الصغيرة وسمّاها (مملكة!) ويقبل بأن يسلّم السعودية المفاتيح
ويقبل بأن يكون محافظاً على مزرعة تحت الرعاية السعودية؟
قبل أيام من مؤتمر القمة الأخيرة، انحسرت التوقعات،
وظهرت الإشاعات بأن الوحدة ستبدأ بين السعودية والبحرين!
وحين حلقت طائرة الملك حمد سماء الرياض، تمّ تصويرها من
الجو، في احتفالية سعودية مهيبة على وزن المثل العراقي:
(شيّم للمعيدي وخذ عباته)! لكنها مجرد ساعات ثلاث أو أربع
خرج بعدها سعود الفيصل لينقل للصحفيين، بأن الإتحاد يحتاج
الى دراسة، وأنه ستعقد قمّة خاصة بعد ان يتم التحضير لها!
هكذا تمخّض الجبل فأولد فأراً، أو لا شيء حتى. كأن
المسألة كانت مجرد حمل كاذب، زعمه السعوديون، وأبطله بالضربة
القاضية الإماراتيون والعمانيون والقطريون. دولتان خليجيتان
على الأقل هددتا بالإنسحاب من مجلس التعاون الخليجي إن
أُعلن اتحاد البحرين والسعودية! ليست المسألة متعلقة بإيران،
التي يلقى عليها بالوزر والتدخل الصفيق في الشأن الخليجي،
ليست هي وحدها من يعترض، بل الجميع على ضفتي الخليج، بما
فيها العراق.
لماذا؟
لأن هدف الإتحاد غير واضح، خاصة في ظل منظومة عمل خليجية
قائمة ونقصد بها (مجلس التعاون الخليجي) وما يتفرع عنها
من قوات (درع الجزيرة) واتفاقات أمنية واقتصادية وجمركية.
فإذا كان الإتحاد مطلوباً فيفترض أن يتمّ في سياق تطوّر
هذه المنظومة، ونجاحها، لا القفز عليها.
ثمّ، ما هو هدف الإتحاد الخليجي المختلف عن هدف مجلس
التعاون الخليجي؟ يقول السعوديون بأن منطقة الخليج تواجه
تحديات تفرض عليها الإتحاد ومواجهة التهديدات!
حسنٌ. ما هي التهديدات ومصدرها؟ سيقال إيران! ولكن
مالذي تغيّر، ومجلس التعاون ما خُلق إلا لمواجهة التهديدات
الخارجية (المزعومة حتى الآن)؟! لماذا لا يستطيع المجلس
بوضعه الحالي مواجهة تلك التهديدات؟! وهل سيستطيع حتى
لو تحقق الإتحاد الإندماجي؟ لو كان كذلك، إذن لماذا أصبحت
كل دولة خليجية محمية بعدد من القواعد العسكرية الغربية
الأميركية والبريطانية والفرنسية؟ لماذا تحتاج الى الإتحاد
لحماية دول الخليج نفسها، في حين أنها محميّة بالأسطول
الأميركي الخامس الذي يتخذ من البحرين مقراً له؛ ومحمية
من قواعد العديد والسيلية في قطر، وفي جزيرة مصيرة وراس
مسندم بعمان، وعدد من القواعد في الإمارات والسعودية والكويت
التي تحوي عدداً من القواعد ونحو 30 ألف جندي أمريكي؟
إما ان تعتمد الحماية الخارجية أو تعتمد على الذات، أو
شراكة بين الإثنين، كما هو قائم الآن.
واضحٌ أن موضوع الإتحاد الخليجي لم يفهم منه خليجياً
سوى أمر واحد: زيادة نفوذ السعودية في دول الخليج، وتوسعة
هيمنتها على حسابهم؟ السعودية ما طرحت موضوع الإتحاد،
ولا موضوع إدماج الملكيات العربية الأخرى في منظومة مجلس
التعاون الخليجي إلا كردّ فعل على تذرّر نفوذها السياسي
ومكانتها خاصة بعد الثورات العربية، بحيث يمكن القول أن
دعوة الإتحاد، ودعوة الاردن والمغرب لعضوية مجلس التعاون،
هما الردّ الباهت غير المدروس من السعودية!
ومع هذا، ترى ماذا ستزيد البحرين السعودية من رصيد
المكانة والقوّة لو تحققت الوحدة الإندماجية؟ القليل التافه
بالطبع. والسعودية لديها نفوذ في البحرين لا تحتاج معه
الى وحدة تورطها، وتصبح البحرين خاصرتها الضعيفة وتنقل
الى الداخل السعودي فيروسات المعارضة، بل وقد تحرّض على
انفصال المنطقة الشرقية الغنية بالنفط بسبب تغير الديمغرافيا.
لا تحتاج السعودية الى شرعنة وجود قواتها في البحرين
على نحو دائم لقمع الثورة، مع ان درع الجزيرة أسس لمواجهة
خطر خارجي وليس داخلياً. إذ أن كل الحلول المطروحة، بما
فيها الإتحاد، ليس يطعن في شرعية الوجود السعودي فحسب،
بل وفي الإتحاد نفسه، كونه جاء خلاف الرغبة الشعبية المعلنة
في تظاهرات الجمهور وتنديد القيادات السياسية المعارضة.
من سخرية القدر ان مواطنين واصحاب رأي كثيرين اعترضوا
على الوحدة مع البحرين؛ فرغم وجود نزعة طائفية تغري بالسيطرة
على الأكثرية السكانية الشيعية في البحرين؛ فإن هناك من
يخشى على ضياع البحرين كملجأ لأولئك الباحثين عن اللذة
خارج الحدود! كما أن البعض خشي من تسرّب المفاسد الإجتماعية
الى الداخل السعودي، وكأن هذا الداخل يعيش نعيم الدين
الأبدي، في حين أن كل المباذل في البحرين إنما أنشأها
آل خليفة وتجارهم من أجل (الزبون السعودي)!
أكثرية المواطنين شككت في أهداف آل سعود من الاتحاد،
فالغرض بالنسبة لهم هو قمع حرية الشعوب، وتعاون على الظلم
والإستبداد، ورأت ان طريق الوحدة يمر عبر خطّين واضحين:
الإصلاح السياسي في كل بلد خليجي؛ والرأي النهائي للشعوب
عبر الإستفتاء.
الوحدة لا يصنعها الإستبداد، ولا تفرضها عنتريات الإستعلاء
السعودي التي فتحت جراحاً لدى كل شعوب الخليج، حيث الإعتداء
على اراضي الغير، والصراع على أتفه الأمور. الوحدة تقتضي
التنازل، وآل سعود لا يتنازلون، وإنما يريدون تذويب الآخر
في بوتقتهم. ترى من هو الغبي الذي يقبل بوحدة مع هكذا
نظام، ويتخلّى حتى عن الهامش القليل من حرية التعبير الديني
والسياسي وهامش الحرية الإجتماعي؟
|