المستعلية فاقدة البصيرة..
خريف العلاقات السعودية المصرية
الخلفية السياسية لسحب الرياض سفيرها من مصر
خالد شبكشي
لا يمكن فهم أسباب سحب السعودية لسفيرها وقنصلييها
في الإسكندرية والسويس وكذلك طاقم السفارة والدبلوماسيين
وعوائلهم، وذلك في 29/4/2012، ثم إعادتهم ليزاولوا عملهم
في 6/5/2012، إلا بإدراك عدد من الحقائق المتصلة بالسلوك
السعودي نفسه. كيف فكرت الرياض وحسبتها، لماذا اتسم سلوكها
بالعدوانية حين اتهمت معتمراً رفع دعوى على الملك السعودي
في القاهرة محتجاً على اعتقال المصريين، اتهمته بتهريب
المخدرات؟ وكيف تعاطت الرياض مع الإحتجاجات الشعبية المصرية
دون ان تقدم اعتذاراً او تتراجع عن موقف؟. سلوك الرياض
فيما يتعلق بمصر مجرد محصّلة لقضايا أبعد حكمت السياسة
الخارجية السعودية فجعلتها دولة مختلفة عما هو معروف عنها
قديماً. السعودية التي نتحدث عنها اليوم ليست سعودية السبعينيات
الميلادية الماضية، ولا حتى سعودية الثمانينيات والتسعينيات.
إنها دولة انقلبت على كل مناهجها السياسية، فتجسد في سلوكها
مع مصر وشعبها بطريقة فاجأت الجميع. لفهم ما جرى، ينبغي
التدبّر في الحقائق التالية:
|
مظاهرة امام السفارة السعودية
بالقاهرة
احتجاجاً على اعتقال المحامي احمد الجيزاوي
|
الحقيقة الأولى ـ ان الرياض تبدو بعد الضربات التي
تلقتها في العقدين الماضيين في سياساتها الخارجية، وما
نتج عن ذلك من خسائر فادحة في مكانتها الإقليمية، ثم الضربة
القاصمة بخسارة حليفها الأكبر حسني مبارك في ثورة الربيع
العربي.. تبدو وكأنها قد فقدت البوصلة تماماً. فقد تغيّر
السلوك السعودي السياسي الخارجي بشكل واضح بداية التسعينيات
الميلادية من القرن الماضي؛ وبالتحديد بعد غزو العراق
للكويت؛ حيث انكفأت الرياض على نفسها لفترة طويلة استمرت
أكثر من عقد؛ وقطعت حبالها مع كل القضايا الإقليمية تقريباً،
وزهدت في حلفاء من جماعات ودول، وقلّصت المساعدات المالية
والتي كانت المسهّل للنفوذ السعودي.
لم تتنبه الرياض من غفوتها إلا على وقع تفجيرات 9/11
وتورط شبابها الذين تربوا في أحضان مؤسستها الدينية فبدأت
بسياسة الدفاع عن النفس، وسايرت الأميركيين في سياساتهم
وحروبهم، لتبدأ سلسلة أخرى من الخسائر السياسية في العراق
ولبنان وسوريا واليمن ومصر والبحرين الخ.
يأتي ذلك كلّه، في ظل توتر عالي المستوى في الداخل
السعودي؛ وأزمات لا تنقطع اقتصادية واجتماعية رغم توافر
السيولة المالية المتأتاة من ارتفاع النفط سعراً وإنتاجاً؛
وكذلك في ظل تصاعد الخلافات بين أمراء العائلة المالكة.
وتأتي قضية مصر الأخيرة، في سياق التخبّط السعودي، كما
في سياق سياسة الإنحدار المتزايد في مكانة آل سعود محليّاً
وخارجياً؛ وأيضاً ضمن سلسلة الأخطاء التي يرتكبها النظام
العجوز، دون أن يستفيد أيّة درس من أخطائه المتواصلة على
مدار ثلاثة عقود تقريباً.
الحقيقة الثانية ـ التي ما فتئنا نذكرها هنا، هي أن
السياسة الخارجية السعودية انطبعت بسلوك استعلائي مريع
من قبل الأمراء السعوديين، بل وحتى من المسؤولين النجديين،
الذين يرون أنفسهم أرفع كعباً وعلماً ومالاً وديناً من
الآخرين، افراداً كانوا أم حكومات، اللهم إلا أن تكون
حكومات غربية، فحينها يركعون ويتنازلون. هذه الروح الإستعلائية،
على المصري والسوري والعراقي والسوداني والسوري واللبناني
والأردني والخليجي والمغربي والأفريقي والهندي وغيرهم،
انعكست على شكل سياسات تجاه الحكومات نفسها، وكأن الجميع
يحتاج آل سعود ودعمهم السياسي والمالي والإعلامي، وكأن
لا قيمة للكرامة الإنسانية أو الوطنية، إذ يمكن ـ من وجهة
نظرهم ـ شراؤها بالمال؛ وكأن كل هؤلاء بحاجة أصلاً الى
السعودية، التي هي في الأساس بحاجة الى غيرها للحماية.
هذه الروح هي التي تحكم العلاقات مع العراق، الذي هو
غني، وهو أقوى من السعودية، وفي كل الأحوال لماذا يحتاج
العراقيون الذين كانوا بالأمس يصطفون أمام أبواب السفارات
الأجنبية الى السعودية؟ فلديهم طفرة مالية، ولديهم اعتزاز
وطني، ولا يحتاجون الى حماية بمثل ما يحتاجها ال سعود.
مثل هذا الأمر حدث مع دول أخرى، أذلّت شعوبها، كما حدث
مع المصريين الذين وطوال عقود ثلاثة كانوا يهانون كشعب
في السعودية، وكحكومة من قبل آل سعود. ومع التغيّر النفسي
الذي طرأ بعد التغيير الثوري هناك ـ وله نظيره في العراق
أيضاً ـ استصحب آل سعود وسياسيوهم الحالة السابقة، ما
أوقعهم في صدام مع شعوب عربية عديدة، بل حتى مع دول عريقة
مثل روسيا.
ولعلّنا نتذكّر الخشونة التي تحدث بها الملك عبدالله
في اتصاله مع ميدفيدف قبل نحو ثلاثة أشهر، حيث قال الملك
بأنه كان على روسيا ان تشاور السعودية قبل أن تتخذ قرار
الفيتو!. ومعلوم أن روسيا دولة عظمى، وأن منافعها من السعودية
متدنية للغاية، مع ملاحظة أن مثل هذا الكلام لا يقال للأميركيين
الذين يستخدمون الفيتو بعشرات الأضعاف مما يفعل الروس
والصينيون الذين هم ايضاً نالهم شيء من الغضب السعودي!
هذا الإستعلاء بنظرنا هو واحد من أهم جذور مشاكل السياسة
الخارجية السعودية التي لا تعرف التواضع حتى في ظل انحسار
مكانتها اقليمياً وعالمياً. وهذا السبب هو الذي تعود اليه
مشكلة تفجير العلاقة مع المصريين، على الأقل مع الشعب
المصري، الذي استردّ كرامته بعد الثورة، وشعوره الوطني
الذي أخمده مبارك. لكن آل سعود لم يلحظوا التغير، ولا
يريدون ان يصدّقوا أن الشعب الجديد الذي سيفرز حكومة جديدة
منتخبة، هو ليس شعب (مبارك) ان جاز التعبير، ولا حكومته
ستكون مثل حكومة مبارك أو حتى العسكر. ولذلك استمروا في
مسلكهم الأرعن، ولم يحنوا الرأس، فخسروا سمعتهم بين الشعب
المصري.
|
الحقيقة الثالثة ـ أن السياسات السعودية في معظمها
ـ إن لم يكن كلّها تقريباً ـ هي سياسات ردود أفعال. قلّما
تجد مبادرة سعودية حقيقية؛ ومن النادر أن ترى فعلاً سعودياً
أصيلاً، وليس ردة فعل على حدث أو موقف إقليمي. ومثل هذه
السياسة بان عوارها منذ أمد. وكان الملك فهد ـ بعد احتلال
العراق للكويت ـ رأى أن بلاده يجب أن تنأى عن كل المشاكل،
وأن تقلّص مجهودها في حلّها. ولكن السياسة لا تؤمن بالفراغ،
فقد دخل لاعبون آخرون، وصار لهم دوراً فيها، في بلدان
أهملتها السعودية، كما في الصومال، وموريتانيا، والسودان،
وحتى جزر القمر، ومشاكل الأقليات الإسلامية في جنوب شرق
آسيا. الغياب، وبأيّ حجّة كانت، عنى أول ما عنى ان النفوذ
السعودي آخذ في الإضمحلال، حتى في قضايا عربية قريبة كالقضية
الفلسطينية، التي تطفّل عليها الأردن وقطر وغيرهما. كأنّ
الملك فهد، أراد معاقبة العديد من الدول والجماعات، لأنها
لم تقف معه يوم محنته حين استدعى القوات الغربية لحماية
مملكته وإخراج القوات العراقية من الكويت، ولكن الأمر
ارتدّ على مكانة الدولة نفسها. وما حدث في مصر من رد فعل
شعبي أمام السفارة السعودية، تعاملت معه العائلة المالكة
بردّ فعل أعمى، بعكس ما تقتضيه الحكمة، حتى ولو كان الجمهور
المصري في رد فعله كان خاطئاً، فكيف به وهو يدافع عن قضية
انسانية صحيحة، متسلّحاً بشعور وطني لم يتذوقه من قبل؟!
الحقيقية الرابعة ـ وهذا يربطنا بموضوع الشخصنة في
العلاقات السعودية مع الآخرين، فالأمراء يحاولون أن لا
يتعاطوا مع (سيستم) بل مع (أفراد) حتى في الدول الديمقراطية
نفسها. هم يعتقدون بأنهم قادرون في التأثير على السياسة
العامة للدول من خلال شراء (أفراد في السيستم) وليس من
خلال تشبيك مصالح على مستوى الدولة وأجهزتها، كما تفعل
الدول الأخرى. وأقرب مثال على ذلك ما حدث مع مبارك نفسه،
فقد اعتاد الملك فهد ـ وحتى قبل عودة مصر الى ما سُمي
بالحظيرة العربية ـ أن يرسل له الملايين من الدولارات
لشخصه، عبر رئيس ديوانه، بعيداً عن الدولة المصرية، فكان
أن وقعت مصر في مستنقع هدر الكرامة، والموت السريري.
وقد لوحظ خلال العقود الثلاثة الماضية، أن أمراء آل
سعود، يقدّمون الإعتبارات والعواطف الشخصية على المصالح
المستقبلية للدولة، فإذا ما غضبوا على جهة أو شخص استمرّ
غضبهم، حتى مع تغيّر الظروف السياسية، فتبقى الإعتبارات
الشخصية سيّدة الموقف، ولا يهدأ غضبهم إلا بعد أن ينحني
الخصم ويتراجع ويتذلل ويطلب العفو والمساعدة!! هم يحبون
بطبعهم الإستعلائي أن يُسألوا فيعطوا، وكأنهم مرجعية يُنظر
اليهم من أدنى، ولكن هذا لا يحدث في الغالب لأن فيه امتهان
للكرامة، كرامة الشخص وكرامة الأمة والدولة. حدث هذا مع
عراق صدام، مثلما هو مع عراق ما بعد صدام، فالكره الشخصي
للمالكي الممتزج بحالة من الإعتداد بالنفس والإستعلاء
الممزوج بالطائفية لا يفتح أفقاً في العلاقات مع الدولة
العراقية. ومثله يمكن أن يقال مع الإخوان المسلمين اليوم
في مصر، رغم إلحاح بعض الأكاديميين السعوديين الذين نبّهوا
الى خطورة الإستمرار في حال القطيعة والعداء. وأيضاً مع
حركة النهضة في تونس، التي كان يجب أن يزورها آل سعود
(وهم الذين يستضيفون الطاغية بن علي) ومع هذا، تعالى التونسيون
على جراحهم، وزار رئيس وزرائهم الرياض! ذات الموقف يرتبط
أيضاً بحماس، وبالأسد في سوريا، وبعمر البشير وغيره. كأنّ
العلاقات السعودية مع الدول الأخرى، مجرد علاقات بين أشخاص،
إن غضبت عليهم الرياض، فلا يهدأ غضبها سواء كانت على حق
أم باطل، وسواء كان استمرار العداء في صالحها أم لا، فهي
ماضية فيه. لهذا يمكن للمرء أن يعجب من هذا التسرّع السعودي
في سحب السفير، دون الإلتفات الى حجم الخسائر التي ستقع
على آل سعود أنفسهم. من الغباء مناطحة أكبر شعب عربي،
هو في حالة حراك وليس سكون! ومن الغباء خسارة أكبر دولة
عربية مؤثرة حتى على مصير السعودية نفسها.
الحقيقة الخامسة ـ أن نمو الدور السعودي، او ما عُرف
بالحقبة السعودية كان مرتبطاً بظروف موضوعية اضافة الى
إمكانيات الدولة السعودية نفسها. كالإمكانيات المالية/
المساعدات؛ ووجود الأماكن المقدسة؛ وتطلّع السعودية للعب
دور إقليمي عربي واسلامي. لكن ما هو أهم من هذا، هو أن
الدور السعودي جاء على موج من صعود للسياسة الأميركية
في المنطقة، ولما انحدرت السياسة الأميركية انحدر الملحق
السعودي. السياسة الخارجية السعودية ليست لاعباً مستقلاً،
بل ملحقاً بالسياسة الأميركية، فإذا اعتور القلب المشاكل،
عجزت الأطراف عن الحركة. السعودية سببت لنفسها مشاكل اضافية،
من جهة تقليص المساعدات عن الآخرين كعقاب، وأنها استفزّت
وعادت اقوى القوى العربية التي تصنع زعامة السعودية: العراق،
سوريا، الجزائر، وحتى السودان والآن مصر. ترى كيف ستكون
السعودية زعيمة وهذه الدول لا تسندها؟! وكيف يمكن لأحد
أن يعتقد بأن الخطأ في كل هؤلاء الآخرين وليس في الفئة
الحاكمة في السعودية؟
|
الحقيقة السادسة ـ السعودية غيّرت جلدتها وتقمصت دور
صانع المشاكل بدل القاضي المحايد الذي يحاول حلّها، ويرشي
الطرفين أو أحدهما من أجل حلّها، وتسويد نفسها على المتخاصمين
تبعاً لذلك. تاريخياً، لم يكن التآمر بعيداً عن السياسات
السعودية. محاولة اغتيال عبدالناصر وتفتيت الوحدة المصرية
السورية مثلاً؛ حرب المؤامرات أثناء حرب اليمن؛ الحرب
العراقية الإيرانية ودورها البارز في التمويل وغيره، وما
شابه.
لكن كانت الرياض حريصة على الظهور بمظهر الحَكَم، والقاضي،
والحضن الذي يسع الجميع، وكيس المال الذي يوزّع لتهدئة
الخواطر واستجلاب الزعامة. هذه الرياض تغيّرت كثيراً،
بل انقلبت انقلاباً كليّاً. أخرجت الرياض كلّ ما في كنانتها
من سهام المكر والحيلة والخبث والتآمر دفعة واحدة. كانت
الرياض مدفوعة بآلام تراجع مكانتها ونفوذها، وكانت سياسة
ردود الأفعال تدفعها دفعاً للإنخراط في معارك واشعال مؤامرات
على أكثر من جبهة، وكأنها (دولة ذاهبة/ راحلة).
لن نتحدث عن دور السعودية في موضوع مساعدة القوات الأميركية
في احتلال العراق وأفغانستان، فهذا ظاهر واضح. لكن ما
فعلته في العراق من تصدير المال والرجال والإنتحاريين
انعطافة وتحوّل في السلوك السياسي السعودي. ثم جاءت وثائق
ويكيليكس والتحريض لأميركا على اشعال حرب مع ايران مع
استعداد لدفع بعض تكاليفها؛ ومحاولة تقسيمها، حيث ورثت
فجأة ملفات صدام حسين في دعم جبهة تحرير الأحواز، كما
زادت في دعم الحزب الشيوعي كوملة، وجند الله في بلوشستان،
واختطاف العلماء الإيرانيين وهم يؤدون العمرة، وغير ذلك.
ثم انسحب الأمر على لبنان فكان تأسيس جند الإسلام، وكانت
مؤامرات أدت الى 7 ايار؛ ثم حولت جهداً الى حماس فأظهرت
من كنانتها تنظيماً سلفياً في رفح لإقامة دولة اسلامية
تناطح حماس؛ ثم انفلتت على دمشق فقامت بانقلاب فاشل، وها
هي اليوم تستكمل مسيرتها الأولى.
في أفغانستان كما في السودان، وفي مصر كما في اليمن،
وفي قطر كما في سلطنة عمان.. الذراع السعودية تزرع انقلابات
وتصنع ثورات مضادّة وتتفق مع الإسرائيليين في عمل دؤوب
متميز منذ عقد على الأقل.
هذه السعودية لم نكن نعرفها من قبل. حتى أسنانها الطائفية
التي سلّتها في الثمانينيات لمنع امتدادات الثورة الإيرانية،
عادت اليوم بأبشع صورها وبصورة صفيقة. اللعب السياسي بات
على المكشوف: لا تشتروا النفط الإيراني ونحن نبيعكم بديلاً
له (للصين). لا تشتروه، ونحن نمنحكم امتيازات واستثمارات
ونشتري أسلحة ايضاً (لروسيا). لا تسمحوا للإخوان واي من
الإسلاميين من الوصول الى الحكم في القاهرة (أموالنا تحت
خدمتكم). اشعلوا الحرب ضد الحوثيين، ونحن نموّلكم؛ لا
تشركوهم في أي مسعى سياسي لبناء يمن جديد. ليقم حزب الإصلاح
بالمهمّة العسكرية.. الخ.
هذه سعودية موتورة فاقدة البوصلة كما ذكرنا. في كل
دولة لم تتماشى مع السعودية، ستجد أصابع الرياض ممتدة
اليها لتخرب، أو إعلاماً يحرّض، أو أموالاً ورجالاً تفخخ
نفسها وتقتل المدنيين في سبيل الله! السعودية رغم انحدارها
السياسي اليوم، هي أكثر إخافة للآخرين ـ حتى للأصدقاء
القدامى ـ مما كانت عليه في السابق، وإن أصبحت مكروهة
منبوذة من الشعوب كما الحكومات. المغرب يخاف الوهابية
المصدّرة اليه؛ وموريتانيا كذلك؛ ومصر منذ عهد مبارك وهي
تخشى التخريب السعودي، فكيف بها اليوم. حتى قطر تخاف السعودية؛
وسلطنة عمان وجدت أمامها انقلاباً سعودياً سلفياً جاهزاً
كشفته المخابرات البريطانية!
مثل هذا السلوك لا يمكن أن يولّد اطمئناناً ولا احتراماً
للسعودية، فضلاً أن يبوّأها موقع الزعامة.
هذه الخلفية التي قدمناها تشرح وتوضح للقارئ كيف تتحرك
السعودية اليوم في دول الربيع العربي. وكيف تتعامل مع
جيرانها العرب والخليجيين وفي إطار الجزيرة العربية. وما
حدث في مصر من مظاهرات ضد السعودية بسبب اعتقال الأخيرة
للناشط الجيزاوي، وقبله مئات المصريين من أطباء وعمال
ومتعاقدين، لم تفهم الرياض له سرّاً، ولسان حالها كان
يقول: (ومن هؤلاء المصاروة حتى يعاملوننا هكذا؟! سنؤدبهم،
سنسحب سفيرنا وقناصلنا، ونقطع مساعداتنا، وإذا شئنا طردنا
مليونا ونصف المليون من العمال وأعدناهم الى بلادهم بلا
مال ولا متاع حفاة عراة، كما فعلنا مع مليون يمني عشية
احتلال العراق للكويت)!
من خلال فهم عقلية النظام، وسلوكه، ومشاعره، نفهم السياسة
الخارجية السعودية، ونفهم بالضبط كيف ترى الرياض الأمور
من عينها العوراء. كيف ترى الشعوب العربية الأخرى، وكيف
ترى الحكومات المنتخبة، وكيف تتآمر على الثورات بثورات
مضادة لإعادة عقارب الساعة. هذه خلفية السلوك السعودي،
وفهمه يفتح آفاقاً على فهم المستقبل، وكيف ستتعاطى الرياض
مع الأحداث.
|