إقالة العبيكان: الولاء يتبدد داخل الدائرة الضيّقة
مغرّد سعودي: كان يعطيهم فتاوى على الطلب فأعطوه المنصب.
أهملوه فتكلّم. تكلّم فطردوه من المنصب. لا بدّ أن
تكون مطبّلاً طيلة حياتك!
ناصر عنقاوي
(..وبناء على ما عرضه علينا صاحب السمو
الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية.
أمرنا بما هو آت: يُعفى فضيلة الشيخ
عبدالمحسن بن ناصر العبيكان المستشار بالديوان الملكي
من منصبه.
عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود).
أمر ملكي بإقالة العبيكان، 11/5/2012
(واس).
قالوا عنه بأنه واعظ السلاطين! وتمّ التشهير به بأنه
اعتبر (بريمر) ولياً للأمر، وانتقدوه في فتاوى (إرضاع
الكبير!)؛ ونددوا به لأنه كان رأس حربة مواجهة القاعدة
لصالح النظام، بعد أن كان مرشحها ليكون خمينيّ السعودية.
اختاره النظام بين مشايخ الصحوة، وكانت له تطلعات ليصل
الى منصب كبير (وزير العدل، رئيساً لمجلس القضاء الأعلى)
نظير جهوده في دعم النظام بالفتاوى التي تمرر مشاريع عديدة.
وقد دفع ثمناً كبيراً لاقترابه من النظام الذي عيّنه مستشاراً
بالديوان الملكي. عُرف عن العبيكان انفعاليته، وحبّه للشهرة،
وتورّط في قضايا فساد كثيرة، كان آخرها قضية أرض لقبيلة
طويرق في الطائف سببت صدامات بين السلطة مع رجالها، حين
تمّ الإستيلاء عليها من قبل عصابة من عظام الرقبة يبدو
أنه كان فقيههم!
بيد أن آماله الكبيرة تحطّمت، وانتهى به الأمر الى
منعه من الإفتاء، والى حجب موقعه على الإنترنت، وفي أيامه
الأخيرة تم منعه من الوصول الى الإعلام الرسمي، الى أن
تمّت إقالته، وسط دهشة المؤيدين والمعارضين. في أيامه
الأخيرة، وبعد أن وجد نفسه مهملاً، ظهر العبيكان على محطة
راديو UFM وخرق الخطوط الحمراء للنظام، حيث قال:
(أمر خطير وهو أن هناك مخططات، وسعي من بعض المتنفذين
لإفساد المجتمع المسلم وإخراج المرأة عن مكانتها الطبيعية
ونشر التبرج والسفور ونشر الإنحلال والإباحية وتطبيق القوانين
الوضعية). وأضاف: (من الخطط تلميع شخصيات محسوبة على القضاء
ومنتسبين للعلم لها علاقة بشخصية نافذة تسعى لفرض وإحلال
القوانين الوضعية في المحاكم). وتابع: (اجتمعت بالملك
وأخبرته بما يدور من الأحاديث حول التغريب، وأن هناك من
يتهم ولاة الأمر بذلك. فقال: كيف افعل هذا، وهناك من الدول
العظمى من يسعى لإعادة المرأة لمكانتها الطبيعية، فهل
نحن نفرط في ذلك؟.. وبعده بأيام أمر الملك باجتماع عاجل
واعتماد الترتيبات القضائية والاسراع بعمل اللجان). وهنا
اتهم العبيكان المخططين بتأخير العمل؛ وانثنى يندد بوزير
العدل محمد العيسى: (الوضع في القضاء مزري ومؤلم جدا جدا..
ولي الأمر حط المسؤول، وأعطاه الفلوس، ولكنه فاشل، والذي
لا يصح لنا أن نلمّعه.. لو كان المسؤول عن القضاء ناجحاً
لما رأينا هذه المهازل... خلّونا صريحين: لماذا هناك مشادة
بين مجلس القضاء والوزارة، ووالله إن النظام والصلاحيات
واضحة إنما هو نوع من الخلل عند هؤلاء). كما انتقد العبيكان
وزير العدل لمرافقة وفد نسائي له في زيارة خارجية، واستغرب
من علاقة النساء بالقضاء والشرع.
وتفتح إقالة العبيكان الباب امام العديد من الملاحظات
التي تتعلق بالحكم السعودي نفسه:
الأولى ـ أنه بات واضحاً،
أن الجمهور الكثير الذي عارض العبيكان حين كان ملتصقاً
بآل سعود، ارتدّ بعد الإقالة ليهاجم النظام، ما يشي بحقيقة
أن المواطنين يكرهون ما يمتّ الى آل سعود بصلة. هذه الملاحظة
عبّر عنها أكثر من مغرّد سعودي في (تويتر). قال أحدهم:
(الشعب السعودي يكره العبيكان. يأتي أمر ملكي بسجنه، وفجأة
الشعب كلّه يحبّه! لماذا؟!).
الثانية ـ إن أمر الإقالة
الملكي بدأ بعبارة مقصودة وهي: (وبناء على ما عرضه علينا
سمو ولي العهد..). كأن عرض الإقالة جاء من نايف، أو كأنّ
العائلة المالكة متفقة على إقالته. فنايف يقترح، والملك
ينفّذ. والعائلة المالكة تريد أن تظهر أنها متّحدة في
القرارات وفي أوقات الشدّة والأزمات. لكن هناك من تحدث
عن خلاف بين رئيس الديوان الملكي، خالد التويجري، وبين
العبيكان، أدّى الى أن هذا الأخير يخرج عن صوابه. العبيكان
نفسه أشار الى خلافه مع التويجري دون ذكر اسمه، وأنه هو
من يمنعه من رؤية الملك. وقد نال المعلّقون من التويجري
كثيراً، لكنهم نسوا أنه مجرد أداة بيد العائلة المالكة.
وتحميل التويجري مسؤولية كل الفساد في الدولة يدل على
أن البعض لا يجرؤ على نقد الأمراء فحوّله الى أحد أبناء
العامّة.
الثالثة ـ ان إقالة العبيكان
تحمل رسالة الى كل اولئك المشايخ ممن هم داخل الدائرة
الرسمية بأن العائلة المالكة لن تتسامح معهم إن هم تجاوزوا
الخطوط الحمراء او وجهوا النقد أو تلكأوا في توفير الدعم
والفتوى. قبل هذا حدث ما يشبهه بالنسبة للشيخ اللحيدان،
رئيس مجلس القضاء الأعلى، والشيخ الشثري الذي انتقد الإختلاط
في جامعة الملك عبدالله، وآخرين. وتشعر العائلة المالكة
بقلق من تزايد النقد القادم من المؤسسة الدينية، أو من
المشايخ خارج اطار تلك المؤسسة بشكل ينذر بالخطر.
اذا كان صحيحاً ان أصوات النقد والنقمة والمعارضة في
تصاعد مستمر بين المواطنين والنخب المتعلمة، فإنها امتدت
لتصيب الجسد الديني السلفي الحليف للسلطة، وكذلك بعض مشايخ
الصحوة الذين وقفوا على الحياد، وبدأوا اليوم يصعدون من
خطاب النقد والسخرية للأمراء. هذا ايضاً امتدّ الى الصحافيين
والأكاديميين وغيرهم. لكن مشايخ السلطة بالذات، بمن فيهم
هيئة كبار العلماء، وبمن فيهم القضاة الكبار، هم المعنيون
الأساس بالتحذير الملكي، وهم من يشكلون جزءً محورياً من
الدائرة الداخلية للنظام. والخوف ان يصل العطب والتفتت
الى هذا الجزء الديني الذي يمثل الغطاء الشرعي للحكم السعودي.
لكن إقالة العبيكان، وهو من تلك الدائرة الداخلية،
وبدلاً من أن تمنع الزيادة في الإنشقاق، فإنها قد تشجّع
عليه، خاصة وأن نقداً متسعاً وحادّا بل شرساً يطال كبار
رجال المؤسسة الدينية بمن فيهم المفتي، كونهم (صامتين)
عن قول الحق، وأنهم (مداهنون) للنظام، وأنهم لا يدافعون
عن المظلومين ليس فقط من عامة الناس، بل حتى عن اولئك
المشايخ المحسوبين عليهم.
قد تكون إقالة العبيكان قشّة، ولكنها مؤشر الى أنها
يمكن أن تقصم ظهر البعير (السعودي)!
|