السعودية: نهاية اليوم الطويل
فيما تهدد الشيخوخة الورثة الملكيين.. السعودية تواجه
مستقبلاً غير مستقر
تقرير: الإيكونوميست، 23/6/2012
(الشكر لله)، تمتم الملك عبد الله حيث كان عدد من رعاياه
يقبّلون يد الملك المقعد الواحد تلو الآخر.
وكما في كل اغلب الليالي، فإن السعوديين يتسمّرون في
الغالب أمام أجهزة الحاسوب الشخصي الخاص بهم أكثر من التصريحات
الرسمية. ربما كانوا يتصيّدون آخر حلقات لـ (لا يكثّر)،
وهو واحد من العروض الكوميدية ذات الشعبية المتنامية على
اليوتيوب.
|
ملوك عجزة ومملكة عاجزة
|
في حلقة مسائية مدتها عشر دقائق أثارت المرح، بين أشياء
أخرى، تضليل نشرات الاخبار الرسمية والـ 15 مليون دولار
كلفة اصلاح المراحيض في حديقة عامة.
ربما كانوا يشاهدون عرضاً أقل اضحاكاً. في مايو الماضي
إستخدمت شابة سعودية غاضبة هاتفها الخليوي لتصوير أحد
افراد الشرطة الدينية الذين كانوا يحاولون طردها من مركز
تجاري لأنها تضع مناكير على ظوافرها. وقامت فيما بعد بتحميل
اللقطة (فتاة المناكير) حيث شاهدها الجميع، وقد بلغ عدد
المشاهدين قرابة مليوني مشاهد.
الحياة في المملكة كان لها على الدوام تناقاضات صادمة،
ولكن هناك أكثر من سبب الآن وأكثر من أي وقت مضى لدعم
الشكوك بشأنها. قد يبدو ذلك مدهشاً: وتيرة الاصلاح في
المملكة، كما قيل دائماً، هي على العكس ذات صلة بسعر البترول.
فحين تكون الأسعار في مستويات عليا وأن ثمة نقداً كافياً
في البنك المركزي ـ 560 مليار دولار ـ لتغطية ثلاث سنوات
كاملة من الانفاق الحكومي فإن الاشياء قد تؤخذ على ما
يبدو وكأنها مستقرة. وحين غمرت موجة الثورات شمال أفريقيا
العام الماضي، شعر الملك عبد الله بألا حاجة لتنازلات
سياسية استباقية، كما فعل الملك محمد الخامس في المغرب.
وبدلاً عن ذلك، فإنه فتح الحنفية، وصبّ 130 مليار دولار
في أشياء مثل السكن، والتعليم، وراتب للعاطلين وأمثالها،
ولم ينس الملك بعض القليل للمؤسسة الدينية المدلّلة. وقد
قلب ذلك اتجاه التيار المتنامي من الشكوى حول المدارس
البائسة، والبنية التحتية التعيسة، والمحاكم غير الموثوقة،
وانعدام السكن المقبول. لم يكن هناك ربيع سعودي.
اللحى جميعاً نمت أطول
ما لم تقدم العائلة المالكة على فعله، ومن المحتمل
ان لا تستطيع فعله، هو أن تخرج من المشكلة. (نحن في وقت
ذهبي، الذروة)، حسبما يقول مضارب ثري في الرياض. (لدينا
المصادر الآن للقيام بكل ما هو صحيح، ولكن المشاكل تنمو
بصورة أسرع من التحركات لجهة حلها). وعوضاً عن الثقة المترجرجة
التي قد تتلاشى مع نهاية الطفرة النفطية، فإن المزاج العام
هو في حالة حماسية متوترة.
يقول رجل أعمال في الصناعة النفطية في الدمام: (إننا
في حلم، بانتظار علم الأحياء أن يأخذ دوره). الملك عبد
الله، أكبر أبناء عبد العزيز سنّاً، يبلغ من العمر 89
عاماً على الأقل. مشاكل ظهره تسبب له الكثير من الألم،
والتي قد تتطلب علاجاً طبياً ثقيلاً. أخوه غير الشقيق
وولي عهده، الأمير سلطان، الذي شغل منصب وزير الدفاع مدة
49 عاماً، توفى في أكتوبر الماضي عن 87 عاماً، وفي 16
يونيو استبدال سلطان، التالي في خط الوراثة، ولي العهد
نايف، الذي شغل منصب وزير الداخلية مدة 37 عاماً تركه
بكثير من الخوف، قد توفي هو الآخر. الأمير سلمان الذي
خلف سلطان في وزارة الدفاع الحلوب العام الماضي، قد تأكد
بأنه الوريث الجديد لولاية العهد. وهو يصغر الملك بأكثر
من عشر سنوات، ولكنه يعاني من جلطة دماغية على الأقل.
وقد لقى إثنان من أبنائه حتفهما بسبب أمراض قلبية.
وهناك ثلاثة من إخوته الشباب الذين يتطلعون الى اعتلاء
العرش، رغم كونهم لا يحتلون نفس الموقع داخل العائلة أو
يحظون باحترام شعبي كما الرجال من كبار السن في العائلة:
أحمد، وكان نائباً للأمير نايف في وزارة الداخلية ويشغل
الآن منصب وزير الداخلية، ويعتقد بأنه في بدايات السبعينيات
من العمر. وهناك سطام الذي خلف الأمير سلمان في إمارة
الرياض. أيضاً هناك مقرن، الذي يرأس جهاز الاستخبارات
العامة (أُقيل مؤخراً)، وهو يعد الأصغر سناً في الابناء
الشرعيين الثلاثين لعبد العزيز، ويعتقد بأنه يقترب من
70 عاماً.
من الناحية النظرية، فإن هيئة البيعة تتألف من أمراء
يمثّلون أبناء عبد العزيز ويقررون شؤون الخلافة. ولكن،
مع فرضية أن بإمكان آل سعود تعيين من يحكم من بينهم ـ
أو كما هو شائع بين كثير من السعوديين، يقررون كيف يتقاسمون
غنائم المستقبل ـ فإن المملكة تفتقر لآليات رسمية لتسهيل
أو شرعنة التغيير، مثل برلمان منتخب، ومحكمة عليا محترمة،
أو صحافة مستقلة. الرمزية المعنوية (البريستيج) لآل سعود
تتلاشى.
الشائعات تزدهر حول الترف والفساد. الصراع الداخلي
هو الآخر يعتقد بأنها شائع، فيما تسعى الأجنحة القوية
في العائلة المالكة للسيطرة على المواقع. البقاء الطويل
في المنصب بالنسبة للأمراء الكبار قد غطى على التنافس
بين أجنحة العائلة في المؤسسات الأساسية، وكل موت يحد
من مراتبهم يترك صدى في النظام بأسره.
|
المرأة: تبتعث للخارج ولكن
لا تقود سيارة في الداخل! |
أبناء الأمراء سلطان ونايف يحتلون المناصب الرئيسية
في وزارتي الدفاع والداخلية، على التوالي. والحرس الوطني،
الذي يحمي المنشآت النفطية هو حكر على جناح الملك عبد
الله.، وحكم المنطقة الشرقية الضخمة التي تحتوي تقريباً
على كل الهيدروكربونات في المملكة، تحت سلطة ابن الملك
فهد لثلاثة عقود. التعيينات الأخيرة التي أعلن عنها الملك
عبد الله مضت بطريقة سلسة بخلاف ما كان يخشى منه كثيرون،
الانتقال الى الجيل التالي سوف يكون بالتأكيد مخادعاً
بدرجة أكبر. المملكة الآن معقدة. هي بلد متعدد يبتعد كثيراً
عن الأصول القبلية لآل سعود. الرابطة العائلية والولاء
لا يمكن أن يفيا بجدارة الحكم للأبد.
يقول محام من الرياض: (النظام العصبي المركزي لآل سعود
قد ضعف كثيراً). ويضيف (باستطاعتهم الاستجابة للألم، ولكن
ليس للدوافع مثل الشكاوى أو الأفكار الجديدة). الإصلاحات
الهيكلية مثل منح المواطنين صوتاً حقيقياً في الحكومة،
أو سن قوانين لدعم القطاع الخاص بالسماح بالقروض السكنية،
أو فتح أسواق العملات، قد تجرى مناقشتها أحياناً، ولكن
الخيار الأسهل لإلقاء المال في البرامج الاجتماعية يتغلّب.
وبدلاً من اصلاح البنى التحتية القديمة، فإن الأمر المفضّل
هو إقامة مشاريع جديدة ضخمة بإسم الملك: مركز مالي ضخم
في محيط الرياض، مدن صناعية، جامعة، وغير ذلك.
العمود الثاني للدولة السعودية، يمثله علماء الوهابية
المتشددون، وهو ايضاً أضعف مما كان عليه سابقاً. السعوديون
في الجزء الأغلب منهم متمسّكون بعقيدتهم، وأن التهديد
من المتطرّفين الجهاديين، الذي تفجّر في موجة ارهابية
قبل عشر سنوات، قد انحسر. ولكن الشباب، بالخصوص، بدأوا
يشككون في التعاليم الوهابية التي تطالب بالطاعة العمياء
للحكّام. فبدأوا يتوجهون الى الدعاة السلفيين الذين ينتقدون
الفساد (وفي بعض الحالات يعانون في السجن)، أو الى الجمعيات
السريّة المرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين، أو الى الحركة
الدستورية التي بدأت بالليبراليين والتي بات لها مكوّن
اسلامي ـ وقد تقوم باستيراد أفكار الربيع العربي. محامي
من جدة يتهكم قائلاً: (لقد أصبح مشايخنا نكتة).
البلد بتعداد سكانها الثلاثين مليون نسمة أو نحو ذلك،
ثلثان منهم مواطنون والثلث الباقي عمال مهاجرون أو خدم،
هو راض بصورة كبيرة. الثروة النفطية تتضاءل. ولكن البلد
ليس بذلك الثراء الفاحش. معدل الناتج المحلي للفرد يبقى
أقل من نظيره في سلوفينيا. ملاّك البيوت من الطبقة الوسطى
يوظّفون عادة خادمات وسائقين، وكثير من السعوديين هم في
حقيقة الأمر أثرياء. ولكن معطيات غير رسمية تفيد بأن هناك
ما يقرب من 3 ملايين سعودي، في الغالب في بيوت مملوكة
تديرها نساء مطلقات أو أرامل، يعيشون في فقر نسبي. في
العام الماضي، جرى اعتقال ثلاثة شباب سعوديين، فراس بقنه،
وحسين الدرويش وخالد الرشيد، بعد تحميلهم فيلماً مصوّراً
لمدة عشر دقائق عن الفقر في السعودية على اليوتيوب.
العالم يبدو متشابهاً
وفيما تشدد المدارس على التنشئة العقدية الدينية بخصوص
المهارات القابلة للتسويق، وقبول العمال الاجانب مرتبات
أقل من السعوديين، فإن معدل البطالة بين السعوديين تحت
سن الثلاثين يعتقد بأنها 30% أو أكثر. في الصناعة الانشائية،
فإن النسبة بين معدلات الرواتب بين السعودي والاجنبي هي
من 9 ـ 1. وبالرغم من أن القوانين تنص على كوتا للسعوديين
العاملين في الإنشاءات، وبالرغم من مطلب المضاعفة في عدد
العمال غير الحكوميين، فإن نسبة السعوديين في قوة العمل
في القطاع الخاص انخفضت من 17% الى 10% في العام 2010.
في سياق عملية استرضاء جرت العام الماضي، كان اقرار
مكافآت البطالة المؤقتة التي منحت 900 ألف سعودي ما يقرب
من 600 دولار شهرياً. بالنسبة لموظفي الحكومة (الجميع
باستثناء الأقل مهارة من بينهم سعوديون)، فإن الحد الأدنى
للراتب ارتفع الى 850 دولار شهرياً، وهو ضعف معدل راتب
القطاع الخاص. وقد تمّ ضخ مال في الجامعات، وهناك 140
ألف سعودي مبتعث يدرسون الآن في الخارج في بعثات مدعومة
من الدولة، حيث زاد العدد عشرة أضعاف خلال عقد من الزمن.
وإذا ما أدى التعليم الأجنبي الى فرص وظيفية فذلك سيساعد
في تهدئة الوضع. أما اذا كان الابتعاث غير مفيداً، فإن
الأشخاص الذين يعودون الى الوطن سيصبحون قوة تدعم التغيير.
مثل هذا الانفاق ليس مدعوماً. الفواتير اليوم يمكن
دفعها طالما بقي سعر النفط فوق 75 دولاراً للبرميل، بحسب
شركة جدوى للإستثمار، ومقرها الرياض (يضع آخرون رقماً
أعلى بقليل). ولكن بحلول عام 2017 ـ تقول جدوى بأنه سوف
يكون هناك حاجة لسعر بترول يصل الى 100 دولار للبرميل،
متجاوزاً في العام 2030 الرقم الى 320 دولاراً للبرميل.
الزيادة السكانية هي جزء من السبب ـ الشعب يهرم قليلاً
ولكنه ينمو بنسبة 1.5% في السنة. عامل آخر هو الطاقة المدعومة.
الطاقة المحلية يمكن شراؤها بما يعادل 10 دولار للبرميل،
وعند هذه الاسعار المنخفضة فإن استهلاك النفط يرتفع سريعاً
بصورة مخيفة. بحلول عام 2030، بحسب جدوى، فإن الاستهلاك
قد يتصاعد من 3.5 مليون برميل يومياً في الوقت الحاضر
الى 6.5 مليون إذا لم يسمح للأسعار المحلية بالارتفاع
بدرجة كبيرة. القليل من النفط للتصدير يعني أسعار التصدير
تكون أعلى.
أسعار أعلى للنفط أمر محتمل، ولكنه ليس مؤكّداً. في
المدى القريب، فإن الطلب المنخفض قد يبقي الاسعار ضعيفة:
وكما في فترة صدمة الاسواق النفطة في السبعينيات من القرن
الماضي، والتي جعلت عمليات التنقيب في أماكن مثل بحر الشمال
مجدياً، فإن ارتفاع الاسعار مؤخراً قد شجّع على ارتفاع
في وتيرة التنقيب عن مصادر هيدروكربونات جديدة، مثل رمال
تار ونفط شايل. حقول النفط التقليدية تنتج أيضاً المزيد.
العراق يضاعف من انتاجه، وفي وقت ما قد تتجاوز ايران،
وليبيا، وفنزويلا انتاجهما الحالي. مخرجات السعودية، التي
تزايدت بدرجة كبيرة على مدى العقد الماضي، قد بلغت الحدود
التقنية القصوى التي تجعل من غير المحتمل القيام بقفزات
أخرى.
جاهز للاشتعال
المال النفطي ليس هو أداة السيطرة الاجتماعية الوحيدة
لدى السعودية. إصلاحات صغيرة جرى استعمالها لتهدئة الاحتجاجات.
المزيد من الوصول الى الوظائف الحكومية والبعثات قد تعاطت
مع بعض مظالم الأقلية الشيعية. وضع المرأة، التي قد تسافر
الآن وتعمل دون إذن الذكر (محارم)، قد تحسنّت هامشياً،
ووعدت بحق التصويت في حال جرت انتخابات ذات معنى في وقت
ما. رغم ذلك، فإن حق النساء بقيادة السيارة، لا يزال (تابو).
يقول دبلوماسي سعودي: (من السهل ارسال 30 ألف إمرأة للخارج
للدراسة بدرجة أكبر من السماح لإمرأة واحدة بقيادة السيارة).
وهذا الذي لم يتم المصالحة بشأنه، حتى اللحظة، قد جرى
قمعه. ينقل ناشطو حقوق الانسان تحسنت شروط السجن وتطبيق
منظم بدرجة أكبر للإجراءات القضائية. ولكن بالرغم من البرنامج
المعلن بإطلاق سراح وإعادة تأهيل الجهاديين، فهناك لا
يزال على الأقل 5 آلاف معتقل سياسي. الاعتقال العشوائي،
والمحاكمات السريّة، وفترات طويلة من الحجز دون تهمة تبقى
أموراً شائعة. العدد تزايد من المواطنين السعوديين ـ وبحسب
بعض التقديرات الآن يصل العدد الى 1000 مواطن ـ ممنوعون
من السفر. الصحافة مثقلة بطائفة متعاظمة من القوانين.
أغلبية المعارضين هم من المتشدّدين الدينيين، ولكن قوانين
مكافحة الارهاب الغامضة والقضاة المهادنين قد جرى استعمالهم
لمحاكمة ناشطي حقوق الانسان، والنساء الذين يخرقون الحظر
المفروض على قيادة السيارة، والمواطنين العاديين مثل استاذ
مدرسة خالد الجهني، 42 عاماً، الذي تم اعتقاله في الرياض
في مارس 2011، بعد الشكوى لطاقم كاميرا بي بي سي حول القيود
المفروضة على الحرية. السيد الجهني لا يزال في المعتقل.
وليد أبو الخير، شاب ناشط من جدة، واجه مجموعة من التهديدات:
قضايا مفبركة، تحقيق متكرر، اتهامات بالردّة، منع من السفر.
ولكن لم يتم اعتقاله. يقول بأن السلطات حذرة بأن لا تثير
ردود فعل عبر قساوة مفرطة. يوضح ذلك: (لقد تم ابلاغنا
بصورة مباشرة، إنه خط أحمر اذا ما عبرت من التواصل الاجتماعي
الى الشارع). يبقى أنه في غضون الشهور الاخيرة شهدت عدداً
متزايداً من الأمثلة حول سعوديين قاموا بذلك. في مارس
الماضي، قامت طالبات في مدينة أبها في الجنوب الغربي بالاحتجاج
ضد الفساد وسوء المعاملة من قبل إداريي الجامعة. في 6
حزيران (يونيو) أعداد من السعوديين استجابوا لرسالة على
تويتر وانضموا الى تظاهرة خارج مركز تجاري بالرياض، تطالب
بالإفراج عن معتقلين سياسيين. كان ذلك فعلاً شجاعاً، بالنظر
الى أنه في إبريل الماضي حكمت محكمة على ناشط حقوقي بالسجن
مدة اربع سنوات لتأييده مظاهرة مماثلة خرجت العام الماضي.
مثل اعمال العصيان تلك من الصعب السماح بانتشارها كما
الحال في أمكنة أخرى من المنطقة. يبقى المجتمع السعودي
منقسماً على قاعدة: القبيلة، المذهب، المنطقة، والانقسام
بين المحافظين الدينيين والليبراليين نوعاَ ما. المعارضة
الناشطة مقتصرة على مجموعة صغيرة من الأصدقاء المتماثلين
ذهنياً. يعتقد دبلوماسي سعودي: (الأشياء سوف تتغير فقط
حين تطالب الطبقة الوسطى بأكملها بالتغيير). ويتفق محام
في الرياض مع رؤية أن (الشعب في مصر وتونس شعر بالظلم
والإذلال. لدينا الظلم، ولكن الملكيات أفضل في التخفيف
من حدة الاذلال). واضاف الدبلوماسي بأن كل من يعرفهم راقب
بحماسة عالية المناظرات الرئاسية المصرية المتلفزة، وأثارت
فضولهم وغبطتهم. الغضب والسخط، حسب قوله، قد أصبح (هيكليا).
واذا لم تنتشر الاحتجاجات، فإن ذلك عائد في جزء منه الى
معرفة الملك وإخوانه بأنهم من كبار السن يشجّعون سلوك
(ننتظر ونرى). ليس هناك من حاجة لأن يقوم أحد بفعل يفضي
الى التغيير المحقق، لأنه سوف يأتي تلقائياً وفي السياق.
إنحناء للثورة الجديدة
لقد أثار الربيع العربي قلق حكام المملكة الذين بالنسبة
لهم تشكل الذاكرة المؤسسية هاجساً طويلاً. فهم يتذكرون
الستينيات، حين شنّت السعودية شيئاً يشبه الحرب الباردة
ضد الجمهوريات الناشئة حديثا في كل من: مصر، العراق، سوريا،
واليمن. وقد قيل بأن الأمراء الكبار شكّوا في وجود مخطّطين
للتحريض على الاحتجاجات الجارية اليوم. أرسلت السعودية
في العام الماضي قوات لمساعدة قمع الانتفاضة المطالبة
بالديمقراطية في الجارة، البحرين. الإعلام الرسمي سلّط
الضوء على مشهد الدم في ليبيا وسورية أكثر من من تركيزه
على الاجتجاجات في مصر وتونس واليمن.
وبالرغم من الأحاديث حول أن السعودية تقوم بتمويل الثوار
في سوريا، فإنه لم تصل أموال نقدية حتى الآن: علماء الدين
الرسميين قد منعوا من القيام بحملات التبرع. في 2011 منعت
المملكة تقديم مساعدات لليمن ومصر كمؤشر على عدم الارتياح،
بالرغم من أنه بينما تقوم بإنفاق بعضها الآن بما قد يثير
جدلاً بأن الوهج الثوري قد هدأ. ومن المحتمل أن يكون آل
سعود مسرورين بتشديد الجنرالات المصريين مؤخراً على الضبطية
والاعلان الدستوري المكمل: حتى الآن لم يعترف آل سعود
بالحكومة الليبية الجديدة. وقد سعوا بدلاَ عن ذلك بتوثيق
الصلة بين الملكيات من خلال جعل مجلس التعاون الخليجي
اتحاداً رسمياً ومحاولة، وبصورة غامضة، أن يشمل المغرب
والأردن فيه.
حكام السعودية يدركون بألم بأنه إذا ما أحدثت الموجة
الديمقراطية في المنطقة تغييراً متواصلاً ونظاماً جديداً،
فإن المملكة سوف تكون في موقف هزيل وضعف على مايبدو. وحتى
في حال انحسار الموجة تاركة فقط الفوضى، فإنها ستكون قد
قوّضت أي فرضيات من قبل الحكّام بالحق الإلهي. وفي الوقت
نفسه، فإن الحلف الأهم للمملكة مع الولايات المتحدة قد
يواجه ضغوطاً متزايدة. الولايات المتحدة ليست معتمدة بعد
الآن على السعودية أكثر من جزء صغير من الطاقة التي تحتاجها.
فقد انسحبت من العراق، وعمّا قريب من افغانستان. وقد ناهضت
واشنطن حسني مبارك، مما أثار هذا الموقف شكوكاً لدى السعوديين
حول نواياها الاستراتيجية.
ربما سيكّيف آل سعود أنفسهم مع العالم الجديد الذي
وجدوا أنفسهم فيه. ولكن الكثير من شعبهم ينتابه الشك حيال
ذلك.
|