أيها الإسلاميون السعوديون..
هل بينكم ليبرالي راشد؟
مجاهد إبراهيم عبدالمتعالي
لقد تساءل الكثير عن الليبرالية في السعودية واحتمالات نجاحها،
ولا زلت أذكر حديثي مع مندوب إحدى المنظمات الغربية الداعمة لهيئات
حقوق الإنسان في الوطن العربي. لقد كان عتبه واضحا عندما قال: إسمح
لي أن أعرب عن إعجابي بالإسلاميين في المملكة السعودية، أما التيار
الليبرالي فهو تيار ضعيف وغير متماسك. إن الإسلاميين عندكم متحدين
بشكل يدعو الليبراليين لمزيد من العمل. إنتهى كلامه.
عندها فقط بدأت بالتساؤل: لماذا الليبرالية السعودية ضعيفة بهذا
الشكل؟ صحيح أن الليبرالية في السعودية قديمة قدم الحجازيين، ولكن
كما ذكر جون حبيب في كتابة (الإخوان السعوديون) فإن الوهابية قد قامت
بخنق هذا التيار أو لنقل هذه الإيديولوجية في أضيق نطاق، لكن الطبيعة
المتحضرة لأهل الحجاز كانت أكثر مقاومة لهذا المد. أعود فأقول: إنه
رغم قدمها، فالدعم الحكومي المتوجه للتيار الإسلامي جعل الإيديولوجية
العامة تسير لصالح الإسلاميين السلفيين، بل إن المكاسب التي حصدها
الإسلاميون عن طريق إرهاب الدولة جعل المملكة السعودية بعد وفاة
الملك فيصل تتنازل حتى عن التوجهات البسيطة والساذجة المتمثلة مثلا
في ظهور المطربات في التلفاز السعودي. المهم أن حركة جهيمان العتيبي
وطدت لدعائم القوة الإسلامية، وقبل ذلك كان صوتهم منطلقا من خلال
إذاعة القران الكريم ونداء الإسلام، بينما التيار الليبرالي لم يعط
مساحة سوى في إذاعة الرياض وجدة والتلفاز العام، مع أن الأمر في
الباطن لا يعدو أن تكون هذه الإذاعات تحت رقابة حراس الفضيلة من
الإسلاميين.
كل هذه الهزائم الليبرالية جعلت الإسلاميين يضعون بصمتهم الواضحة
على ذهنية عموم المواطن السعودي، فحتى غير (المطوع) أصبح يدافع عن
مفاهيم الفضيلة المتوهمة من قبل الإسلاميين كمنع قيادة المرأة
للسيارة مثلا.
بعد هذا الإستعمار الفكري، وقع ما يسمى بالرفاه الديني، فأصبحت
قضايا المواطن السعودي لا تتجاوز مسائل الحيض والنفاس.. الخ، لكن
حادثة 11 سبتمبر جعلت هذا الرفاه يزول لتبدأ التساؤلات ذات الطابع
السياسي. وللدقة فحرب الخليج الثانية كانت نواة لبدء زوال فقة الحيض
والنفاس من قاموس المواطن ولكن تحولها لمستوى نقاش ظاهر إتضح بعد
غزوة منهاتن كما يسميها الإسلاميون السلفيون!، وقد ظهر بعد ذلك
الغطاء الشرعي الوهابي كخيمة البدوي التي يريد أن تقيه ثلوج أوروبا!
فالعولمة مفهوم آخر غير مفهوم الثورة الإيرانية التي لا يستدعي
مقاومتها أكثر من فك الحبل للوهابية لتمارس صلفها لمقاومة المد
الثوري. وكذلك حصل مع الشيوعية التي لم يستطع الوهابيون هزيمتها لولا
الغطاء الغربي الداعم لها آنذاك.
الإسلاميون السلفيون في السعودية ليسوا منظمين تنظيما حضاريا
مدروسا كما يظن، بل الدعم المالي منقطع النظير حال دون بروز العيوب
وقد ظهر لنا ذلك الآن، إذ أن أغلب الجمعيات تعاني من نقص حاد في
تحديد مصادرها وجهات إنفاقها، فالعمل كان يسير ببركات السماء والمال
وفير جدا جدا حتى لو كان القانون هو (كل من إيدو إلو) سواء أكانت
اليد متطرفة أم معتدلة، إذن فوفرة الدعم غطت على عيوب التنظيم.
أما بالنسبة لليبرالية السعودية، فالحقيقة أن هذه المرحلة بالنسبة
لها هي مرحلة جمع الشتات والظهور بشكل منظم تحت غطاء شبه حكومي لم
يتوفر لها سابقا، رغم أن المتأمل لألوان الطيف الليبرالية يجد أنها
مزيج من بقايا شيوعية، ناصرية وقومية عربية، علمانية، إسلامية
متحررة، شيعة، وجيل جديد قادم بقوة وجد أن دعوى التدين السعودي لم
تعالج مشاكل بطالته وقبل ذلك صراعه مع نفسه حول ما يتلقاه كأدلجة،
وما يعيشه وما يراه، فبحث عن الليبرالية لعلها المنقذ لوضعه
الاقتصادي والفكري السيء (طبعا الإسلاميون السعوديون هم أيضا مزيج من
الإخوانية، السلفية، المدخلية، السرورية، الجامية.. الخ).
كل هذا المزيج الليبرالي المعقد في هذه المرحلة يجعلنا نظن أن
الطريق صعب لصنع تيار ليبرالي متزن يستطيع أن يقود الشعب وفق مفاهيم
جديدة من الوطنية والولاء، لكن من وجهة نظر ميكافيللية فإن قبض زمام
الحكم تحت دعوى الحق الإلهي أفضل بكثير من أي غطاء آخر. لكن عموم
الوعي الشعبي المنفتح جعل الكل يبحث عن غطاء آخر، فحتى رموز السلفيين
أصبحوا يبحثون عن الحماية الحكومية للحفاظ على مصالحهم. فعبارة (لحوم
العلماء مسمومة) لم تعد تلق البريق السابق في نفس المتلقي.
لماذ لا يوجد لليبرالية السعودية مشروع حقيقي ظاهر للعيان كمشاريع
السلفيين السابقة في تحويل السعودية إلى طالبان أخرى ـ لكن بخطوات
تدريجية ـ وذلك باستمالة بعض أبناء الأسرة الحاكمة لدعم هذا التوجه
وبالمقابل إعطاء وهم الحب الشعبي؟
إن الليبرالية السعودية في هذه المرحلة التي سمح لها بالتنفس لا
تتجاوز مرحلة جمع الأنصار والتغلغل في عقلية المواطن الذي ما زال يحن
لأيام الإجازة بسبب صلاة الاستسقاء، ومرحلة السعوديين الحالية كما
يعلم الجميع بحاجة إلى وقفة صادقة يستشعر من خلالها المواطن بالأمان
الشعبي العام، وهذا ما توفره الليبرالية من خلال طرحها لمفهوم
الوطنية التي تعني العيش بأمان وعدالة للجميع على اختلاف الإنتماءات
الطائفية والعرقية.
والسؤال: هل الليبرالية بحاجة إلى غطاء ديني؟
أي تيار فاعل بحاجة للشرعية وهذه الشرعية يجب أن تستخرج من مفاهيم
بسيطة يمكن للفرد العادي تقبلها. ولهذا فالأمل معقود بالإسلاميين
المتحررين الذين إستطاعوا الوصول لمفاهيم أوسع تستطيع التوفيق بين
المتغيرات العالمية والوسط المتخلف للمواطن السعودي. تجدر الإشارة
هنا إلى ضرورة أن يبادر الإسلاميون الذين يتمتعون بمفاهيم ليبرالية
صادقة والحذر من ميكافيللي الإسلاميين الذين لم يستطيعوا حتى الآن
الإجابة على تساؤل حول الشيعة: هل بإمكان الشيعي إقامة قضية تمييز أو
إنتهاك لحقوقه الدينية لتعرضه لسب أو شتم أو تعرض البعض لشعائره
الدينية بالإحتقار والإهانة؟ هل سيقبل الإسلاميون المتزلفون بمحاضرات
وندوات التعددية والتسامح وقبول الآخر أن يدافعوا بأنفسهم عن حق
الشيعي في التمسك بمذهبه واحترامه دون عبارات عائمة تقبل التأويل؟
وهل سيقبل القضاء السعودي مثل هذه القضية ليصدر عقوبته على من يحتقر
سعوديا شيعيا كامل المواطنة؟ هل نسينا أنه أصبح سعوديا منذ شهادة
ميلاده قبل أن يصبح شيعيا في سن الإدراك؟!
(نقلاً عن إيلاف) |